إجابة السؤال الأول:استخرج الفوائد السلوكية من قصة بقرة بني إسرائيل.
1- الاستهزاء بالناس من الجهالة ، وينبغي على المسلم أن يحرص على تجنب ذلك ، وينبغي على الداعية على وجه الخصوص البعد عنه ، بل ينبغي عليه التلطف مع الناس والتحبب إليهم ، وهذا يستفاد من خطاب سيدنا موسى بلفظ { ياقوم} ، ومن قوله { أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين}.
2- الاستفصال وكثرة السؤال في الأمور التي تأتي مطلقة يؤدي إلى استثقالها ، ويُقابل من الله عز وجل بالتشديد ، فعلى العبد المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله حتى لا يشبه اليهود في تعنتهم .
3- تدافع بني إسرائيل في شأن القتيل لم ينفعهم في كتمان الأمر ، بل أخرج الله ما كانوا يكتمون ، وكل عاص له نصيب من ذلك ، فلا يظنن ظان أن كتمانه لأمر ما سيحجبه عن العيون ، كلا فإن الله مخرج ما يكتمون، قال تعالى:{ والله مخرج ماكنتم تكتمون} ، فعلينا تطهير قلوبنا والحذر من أن تنطوي على ما يغضب ربنا.
4- فالواجب على العبد تدبر آيات الله الكونية والانتفاع بها ؛ لأن ذلك سبب في تعقله ،قال تعالى: { ويريكم آياته لعلكم تعقلون} .
5- الإعراض عن آيات الله الكونية والشرعية سبب في قسوة القلوب، فإن لم يستفد العبد من آيات الله المشاهدة يقسو قلبه ويذهب اللين منه ، قال تعالى: { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك } ،فالواجب على العبد أن يحذر من ذلك لأن صاحب القلب القاسي أقرب للفتنة من غيره ، قال تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم}.
المجموعة الثانية:
حرّر القول في كل من:
إجابة السؤال الأول: معنى "أو" في قوله تعالى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة}.
واختلف المفسرون في معنى { أو } في الآية على أقوال:
1- قالوا : هي بمعنى الواو، وتقدير الكلام ( كالحجارة وأشد قسوة) كما قال تعالى:{آثماً أو كفوراً} [الإنسان: 24] أي وكفوراً ، ذكره ابن عطية وابن كثير.
2- هي بمعنى بل، وتقديرة ( كالحجارة بل أشد قسوة) ، كقوله تعالى:{إلى مائة ألف أو يزيدون} [الصافات: 147] المعنى بل يزيدون ، ذكره ابن عطية ، وابن كثير.
3- قالوا: معناها التخيير، أي: شبهوها بالحجارة تصيبوا، أو بأشد من الحجارة تصيبوا ، ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير نقلاً عن القرطبي والفخر الرازي .
4- قالوا: هي على بابها في الشك. ومعناه: "عندكم أيها المخاطبون وفي نظركم"، أي لو شاهدتم قسوتها لشككتم أهي كالحجارة أو أشد من الحجارة ، ذكره ابن عطية ، وابن جرير الطبري.
5- قالوا : هي على جهة الإبهام على المخاطب، والعرب تبهم مالا فائدة في تفصيله ، كقول (أحدهم أكلت بسرة أو رطبة ) وهو عالم أي ذلك أكل ، ولكنه أبهم على المخاطب، ومنه قول أبي الأسود الدؤلي:
أحب محمّداً حباً شديداً
وعباساً وحمزة أو عليّا
ولم يشك أبو الأسود، وإنما قصد الإبهام على السامع، وقد عورض أبو الأسود في هذا، فاحتجّ بقول الله تعالى:{وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} [سبأ:24]، ولكن هذه الآية مفارقة لبيت أبي الأسود، كما قال ابن عطية لأن معنى الآية لا يتم إلا بـ " أو " .
6- قالوا: هي للتفصيل ففيهم من قلبه كالحجر، وفيهم من قلبه أشد من الحجر، فالمعنى أن قلوبهم فرقتان كالحجارة أو أشد، ومثل هذا قولك: أطعمتك الحلو أو الحامض، تريد أنه لم يخرج ما أطعمته عن هذين النوعين ، فقلوبهم لا تخرج من أحد هذين المثلين ، ذكره ابن عطية وابن كثير والطبري ورجحه.
7-وقالت فرقة: إنما أراد الله عز وجل أنها كانت كالحجارة يترجى لها الرجوع والإنابة، كما تتفجر الأنهار ويخرج الماء من الحجارة، ثم زادت قلوبهم بعد ذلك قسوة بأن صارت في حد من لا ترجى إنابته، فصارت أشد من الحجارة، فلم تخل أن كانت كالحجارة طوراً أو أشد طوراً ، ذكره ابن عطية .
الخلاصة:
كل ما قيل من هذه الأقوال له وجه ومخرج في كلام العرب ، ولكن المعنى القريب هو أن قلوب هؤلاء الذين كذبوا بالحق بعد ما رأوا تعظيم الآيات ؛ كالحجارة أو أشد قسوة من الحجارة ، عندهم وعند من عرف شأنهم ؛ بمعنى أن قلوبهم فيها أوجه من القساوة إما أن تكون كالحجارة أو أشد منها، عياذاً بالله.
إجابة السؤال الثاني المراد بالتبديل في قوله تعالى: {فبدّل الذي ظلموا قولا غير الذي قيل لهم}. التبديل هو تغيير الشيء إلى غير حاله.
فقد أمر الله بني إسرائيل أن يدخلوا بعد التيه بيت المقدس ركعاً ، وأمرهم بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكراً لله وتواضعاً ، وأن يدخلوا بخشوع وإخبات وأن يقولوا حطة أي: احطط عنا خطايانا، فخالف بنو اإسرائيل وغَيّروا ما أمروا به، بالقول والفعل:
أما الفعل : فقد أمرهم الله أن يدخلوا الباب سجداً وطؤطىءَ لهم الباب ليدخلوه كذلك ، فدخلوه من قبل أدبارهم القهقرى زاحفين على أستاتهم ، رافعين رؤوسهم ، فخالفوا في الدخول .
وأما القول:فقد أمرهم الله أن يقولوا حطة أي احطط عنا خطايانا ، فقالوا غير ذلك واختلف في الذي قالوه على أقوال:
1- قالوا :حبة في شعرة، ذكره ابن عطية وابن كثير واستدل له بحديث البخاري عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال (قيل لبني إسرائيل:{ادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ} فدخلوا يزحفون على استاههم، فبدّلوا وقالوا: حطّةٌ: حبّةٌ في شعرةٍ).
2- قالوا: حنطة في شعيرة ، ذكره ابن كثير واستدل له بما رواه أبو داوود ومحمد ابن اسحق عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (دخلوا الباب -الّذي أمروا أن يدخلوا فيه سجّدًا-يزحفون على استاههم، وهم يقولون: حنطةٌ في شعيرةٍ).
3- قالوا : حنطة حمراء فيها شعيرة ،مروي عن ابن مسعود رضي الله عنه و ذكره ابن كثير .
4- قالوا : حنطة حبة حمراء فيها شعرة وقيل شعيرة ، ذكره ابن عطية.
5- قيل أنهم قالوا بالسريانية "هطّي سمعاتا أزبة مزبا" ومعناه حبّة حنطةٍ حمراء مثقوبة فيها شعرةٌ سوداء حكاه ابن كثير ، أو" حطي شمقاثا أزبة" حكاه الطبري وله نفس المعنى تقريباً ، وكان قصدهم في ذلك الاستهزاء ومخالفة الأمر والعدول عن طلب ما عند الله إلى طلب ما يشتهون من أغراض الدنيا.
الخلاصة:
أنّهم بدّلوا أمر اللّه لهم من الخضوع بالقول والفعل، فأمروا أن يدخلوا سجّدًا، فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رؤوسهم، وأمروا أن يقولوا: حطّةٌ، أي: احطط عنّا ذنوبنا، فاستهزؤوا فقالوا: حنطةٌ في شعرةٍ. وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة؛ ولهذا أنزل اللّه بهم بأسه وعذابه .
--------------