المجموعة الثانية:
1: فسّرقول الله تعالى:
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}.
يخبر الله تعالى عن المحرمات من المطعومات التي حرمها على عباده و صدر الآية ب "إنما" الدالة على الحصر إشارة إلى قلة المحرمات مقابل كثرة الطيبات التي أحلها الله عزوجل لعباده قال تعالى "{ إنما } كافة ومكفوفة "ما" كفت عمل "إن" وأفادت الحصر
"حرم "الفاعل هو الله عزوجل .إذ التحليل والتحريم من الأفعال الخاصة به سبحانه تعالى إذ هو صاحب الربوبية التشريعية..فالله عزوجل حرم عليكم أيها الناس من المطعومات
" الميتة" والميتة المحرمة : ما مات حتف أنفه دون ذكاة شرعية مما له نفس سائلة.. وقرأت الميتة بالتخفيف والتشديد وقيل هما لغات و قيل في الفرق بينهما أن من مات يطلق عليه الميتة بالتخفيف والتشديد و من لم يمت لا يصح الإطلاق عليه ميت بالتخفيف
والميتة لفظ عام خص بميتة البحر و ميتة الجراد لا يدخلان في التحريم؛ كما جاء في الحديث لما سئل عن ماء البحر قال { الطهور ماؤه الحل ميتته }
وفى الحديث { أحل لنا دمان وميتان الكبد والطحال و الجراد و السمك:{
والدم وقيد بالدم المسفوح في سورة الأنعام كما قال تعالى :{ والدم المسفوح}
حتى يخرج الدم الذي خالط العظم وعروق فهذا لابأس به ليس محرما..فالذي حرم هو الدم السائل ..ولفظ الدم عام وقد خص كما سبق ذكره بالكبد والطحال
وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ..ومما حرم أكله أيضا لحم الخنزير و نص على اللحم لدلالة على التحريم سواء كان ذكي أم لا؟..و شحمه داخل في التحريم إما تغليبا أو قياسا أو أن لفظ اللحم يدخل فيه الشحم
وما أهل به لغير الله أي ما ذبح لغير الله عزوجل من الأصنام والأزلام .وقيل : المعنى ما ذكر عليه غير اسم الله...بل المعنى أعم..فيدخل فيه النية والقصد
و الإهلال وهو رفع الصوت..لهذا يقال استهلال المولود أي يرفع صوته بالبكاء عند الولادة
وكذا يقال الإهلال بالحج ..وهو رفع الصوت بالتلبية
وكانوا في الجاهلية يرفعون أصواتهم عند الذبائح بذكر المذبوح له
فكان كل ذبيحة ذبحت لغير الله عزوجل قصدا ونية فيحرم أكلها لهذا كانت ذبائح المشركين محرمة وذبائح أهل الكتاب غير محرمة
بعدما بين الله المحرمات بينه سبحانه رحمته بعابده ولطفه بهم ذلك أنه مع قلة المحرمات فهو سبحانه أباحها لمن كان مضطرا فقال{ فَمَنُ اَضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ َ}
- } معناه : من كان مضطرا ، ولا يكون موصوفا بصفة البغي ، ولا بصفة العدوان البتة
{فَمَنِ اضْطُر؛} أي من لحقته الضرورة فلم يجد من يسد رمقه وخشي على نفسه الهلاك وصور ذلك متنوعة ..كمن كان في مفازة و لم يجد ما يأكل أو كان على سفر وانقطع به السبيل ونفذ زاده أو كمن أصابته جائحة أو كان مكرها على الأكل أو تزهق نفسه وغير ذلك
فهؤلاء أباح الله عزوجل لهم الأكل من هذه المحرمات بشرط أن لا يكون باغية ولا معتد في أكله أي لا يقصد إلى المحرمات دون ضرورة أو يأكل بشهوة و يستلذ بها ولا يكون متعديا في أكله فيأكل حتى يشبع و يتجاوز قد الرخصة التي حددت له وهو سد رمقه و الحفاظ على نفسه من الهلاك..وقيل أن غير باغ ولا عاد ليس متعلق بالأكل بل بالاضطرار أي لا يكون في سفره الذي اضطره إلى أكل الميتة باغ فيه أي قصد الفساد فيه كالخروج على الحاكم و الاعتداء على الناس بالنصب و السرقة وقطع الطريق فالرخصة ليست له لأن فيه إعانة له على المعصية .
فمن أكل من الميتة بقدر الضرورة فلا يكون عليه إثم ولا يحاسب على ذلك لأن الله قد غفر ذلك و قد رحم عباده حيث شرع لهم ما به يحافظون على أنفسهم من الهلاك وهو الأكل من الحرمات.
2: حرّر القولفي كل من:
أ: معنى قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}.
هذا مثل ضربه الله عزوجل لبيان حال الكفار و في معناه قولان:
1- مثل الكافر في قلة فهمه لما يتلى عليه من عند الله عز وجل وما يدعى إليه ويوعظ به ، مثل البهيمة التي تسمع الصوت إذا نعق بها ، ولا تعقل ما يقال لها . ..فهم في عدم استجابتهم إلى الداعي الذي يدعوهم إلى الهدى وعبادة الله عزوجل ونبذ الشرك والكفر كحال الغنم المنعوق بها و التي صاح بها راعيها فهي لا تفقه من كلامه شيئا ...فهؤلاء الكفار ضربوا دعوة الداعي عرض الحائط واستمروا في شركهم وعبادة الأوثان والآلهة لهذا وصفهم بكونهم صم بكم عمى لعدم انتفاعهم بحواسهم فهم مثل من ليس له حواس
كما قال تعالى "{ إنهم إلا كالأنعام بل هم أضل }
قال مجاهد : " هذا مثل ضربه الله تعالى للكافر يسمع/ما يقال له ، ولا يعقل ، كمثل البهيمة تسمع النهيق ولا تعقل
وخص الزجاج الداعي إلى الهدى محمد صلى الله عليه وسلم
2- وقيل : المعنى : مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم و معبوداتهم وهي لا تفهم عنهم ، كمثل الناعق بالغنم ينعق بما لا يفهم عنه قوله . فكما لا ينتفع الناعق بالغنم بأن تفهم عنه ، كذلك الكافر مع آلهتهلا تسمع ولا تفقه عليه شيء ؛بل لا تسمع دعوة أولائك المشركين فضلا أن تقدر على الاستجابة لها
وهو كما قال تعالى { ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كان لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين .""}
الراجح
كلا المعنيين تحتملهما الآية ولاتعارض بينهما وقد جاء في القران ما يدل عليهما
ب: المراد بالأسباب في قوله تعالى: {ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب}.
الأَسْبَابُ ...جمع سبب و هي الأَوْصالُ التي كانتْ بينهم في الدنيا .
عن مجاهد : وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ قال : تواصُلهم في الدنيا . رواه بن جرير
وقيل في المراد بها:
-- - الأرحام .. ذكره ابن عطية عن ابن عباس
وقال ابن عباس : وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ قال : الأرحام . رواه بن جرير
- - العهود ... ذكره ابن عطية عن مجاهد
- - المودة ... ذكره ابن كثير عن ابن عباس ومجاهد
عن مجاهد : وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ قال : المودّة . رواه بن جرير
-- المنازل التي كانت لهم في الدنيا بين الناس ... ذكره ابن عطية
عن ابن عباس : وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ يقول : تقطعت بهم المنازل . رواه بن جرير
-- الأعمال ... ذكره ابن عطية عن ابن زيد والسدي
قال ابن زيد في قوله : وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ قال : أسباب أعمالهم ، فأهل التقوى أعطوا أسباب أعمالهم وثيقة فيأخذون بها فينجون ، والاَخرون أعطوا أسباب أعمالهم الخبيثة فتقطع بهم فيذهبون في النار رواه بن جرير
-الحيل ووسائل النجاة والخلاص مما هم فيه ... ذكره ابن كثير .
والمعاني كلها صحيحة مقبولة لا تعارض بينها ذلك أن الكافر يوم القيام لا يجد له ما يتمسك به للخلاص والنجاة من عذاب الله ولا من ينصره ....فلا دافعت عنه أرحامه فنصرته من انتقام الله.. كما قال تعالى : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } ؛ وكقوله : ( يوم يفر المرء من أخيه ). وقال تعالى { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ } ؛ ولا نفعته الخلة بل انقلبت فصارت عداوة كما قال تعالى: ( الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إلاّ المُتّقِين )
ويتبرأ بعضهم من بعض كما قال تعالى :{ثمّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضا ) .
ولا أغنت عنه أعماله بل صارت عليهم حسرات ،كما قال تعالى :{ وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } . وقوله { الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }
فكل أسباب الكفار منقطعة .ولا يجد ما ينصره
قال تعالى ذكره : ( وَقِفُوهُمْ إنّهُمْ مَسْئُولُونَ ما لَكُمْ لا تَناصَرون؛}.