المجموعة الثانية
: حرر القول في المسائل التالية:
أ. المراد بالملكين.
{ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } وفي { مَا } ها هنا وجهان :
أحدهما : أنها بمعنى الذي ، وتقديره الذي أنزل على الملكين .
والثاني : أنها بمعنى النفي ، وتقديره : ولم ينزل على الملكين .
وفي الملكين قراءتان :
إحداهما : بكسر اللام ،(على الملِكَيْنِ)
وفيه قولان
أولا : كانا من ملوك بابل وعلوجها هاروت وماروت ، وهذا قول أبي الأسود الدؤلي . ذكره ابن عطيةوابن كثير.... على هذا القول "ما " غير نافية
- الثاني . قال ابن أبزى : وهما داود وسليمان...حكاه القرطبي عن ابن عباس وابن أبزى والضحاك والحسن البصري . ذكره ابن كثير . وعلى هذا القول { ما } نافية
والقراءة الثانية : بفتح اللام.{المَلَكَيْنِ} من الملائكة
وفيه قولان :
أحدهما : جبريل وميكائيل.. وعلى هذا القول { ما } نافية
ذلك أن سحرة اليهود زعموا ، أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود ، فأكذبهم الله بذلك ، وفي الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره : وما كفر سليمان ، وما أنزل على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا ، يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت ، وهما رجلان ببابل . ذكره ابن عطية وابن كثير
-عن عطية { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } قال : ما أنزل الله على جبريل وميكائيل السحر .رواه ابن أبي حاتم.
والثاني : أن هاروت وماروت مَلَكان ، أنزلهما الله إلى الأرض ، وأذن لهما في تعليم السحر اختبارًا لعباده وامتحانًا. على هذا القول "ما " غير نافية
وسبب ذلك ، أن الله تعالى لما أطلع الملائكة على معاصي بني آدم ، عجبوا من معصيتهم له مع كثرة أَنْعُمِهِ عليهم ، فقال الله تعالى لهم : أما أنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم ، فقالوا : سبحانك ما ينبغي لنا ، فأمرهم الله أن يختاروا ملكين ليهبطا إلى الأرض ، فاختاروا هاروت وماروت فأُهْبِطَا إلى الأرض ، وأحل لهما كل شيء ، على ألا يُشْرِكا بالله شيئاً ، ولا يسرقا ، ولا يزنيا ، ولا يشربا الخمر ، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، فعرضت لهما امرأة وكان يحكمان بين الناس تُخَاصِمُ زوجها واسمها بالعربية : الزهرة ، وبالفارسية : فندرخت ، فوقعت في أنفسهما ، فطلباها ، فامتنعت عليهما إلا أن يعبدا صنماً ويشربا الخمر ، فشربا الخمر ، وعبدا الصنم ، وواقعاها ، وقتلا سابلاً مر بهما خافا أن يشهر أمرهما ، وعلّماها الكلام الذي إذا تكلم به المتكلم عرج إلى السماء ، فتكلمت وعرجت ، ثم نسيت ما إذا تكلمت به نزلت فمسخت كوكبا ، قال : كعب فوالله ما أمسيا من يومهما الذي هبطا فيه ، حتى استكملا جميع ما نهيا عنه ، فتعجب الملائكة من ذلك .
ثم لم يقدر هاروت وماروت على الصعود إلى السماء ، فكانا يعلّمان السحر ..وقد استغرب هذاالقول ابن كثير
عن عمير بن سعيد ، عن علي قال : هما ملكان من ملائكة السماء . يعني : { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ }..رواه ابن أبي حاتم
عن أبي الطفيل ، عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله الزّهَرة ، فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت وماروت " رواه ابن أبي حاتم قال ابن كثير وهذا أيضًا لا يصح وهو منكر جدًا . والله أعلم .
فصّل القول في تفسير قول الله تعالى:
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}.
ب. المراد بما سئل موسى من قبل.
ورد فيه أقوال.حسب المراد بمن الذي سأل
1-قيل الذي سألوا هم اليهود
سأل اليهود النبي صلى الله عليه وسلم أن " ائتنا بكتابٍ تنزله علينا من السّماء نقرؤه، وفجّر لنا أنهارًا نتبعك ونصدّقك. .." قاله ابن عباس..ذكره ابن عطية وابن كثير
وهذا مثل ما كانوا يسألون موسى من قبل.{..يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا ..}
2-وقيل الذين سألوا هم كفار قريش
-قيل: أنهم سألوا الرسول محمد أن يأتيهم بالله جهرة، وقيل: سألوه أن يأتي بالله والملائكة قبيلا.
ويكون هذا مثل سؤال موسى من قبل وهو أرنا الله جهرة
- وقبل سألوه أن يرد الصفا ذهبا، فقال لهم: خذوا ذلك كالمائدة لبني إسرائيل، فأبوا ونكصوا..قاله مجاهد السدي وقتادة .ذكره ابن عطية وابن كثير
.. وهذا مثل ما سأل قوم عيسى من عيسى المائدة.
وقيل الذين سألوا هم الصحابة
-قال أبو العالية: إن هذه الآية نزلت حين قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: ليت ذنوبنا جرت مجرى ذنوب بني إسرائيل بتعجيل العقوبة في الدنيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أعطاكم الله خيرا مما أعطى بني إسرائيل. وتلا: ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفوراً رحيماً. [النساء: 110].
والمعنى أن المسلمين كانوا يسألون محمدا صلى الله عليه وسلم عن أمور لا خير لهم في البحث عنها ليعلموها كما سأل اليهود موسى عليه السلام ما لم يكن لهم فيه خير عن البحث عنه..ذكره الزجاج
الراجح قال ابن كثير:
والمراد أنّ اللّه ذمّ من سأل الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم عن شيء، على وجه التعنّت والاقتراح، كما سألت بنو إسرائيل موسى، عليه السّلام، تعنّتًا وتكذيبًا وعنادًا
فصّل القول في تفسير قول الله تعالى:
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}.
سبب نزول الآية
قيل في سبب نزولها أقوال
أنها نزلت في كعب بين الأشرف إذ كان يهجوا النبي صلى الله عليه وسلم
- عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه : أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرًا ، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم . وفيه أنزل الله : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ } إلى قوله : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا }رواه ابن أبي حاتم
- وقيل أن حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر أتيا بيت المدراس، فأراد اليهود صرفهم عن دينهم، فثبتا عليه ونزلت الآية .
- وقيل : إنما هذه الآية تابعة في المعنى لما تقدم من نهي الله عن متابعة أقوال اليهود في { راعنا } [ البقرة : 104 ] وغيره ، وأنهم لا يودون أن ينزل خير ، ويودون أن يردوا المؤمنين كفاراً .
مقصد الآية
فيها تحذير من الله تعالى لعباده المؤمنين عن سلوك طرائق الكفّار من أهل الكتاب.
ود كثير من أهل الكتاب
ود: أحب وتمنى.
المراد بالكتاب
التوراه...
وعليه يكون المراد بأهل الكتاب..اليهود
المراد ب "كثير "
قيل : " كثير " هنا واحد، وهو كعب بن الأشرف قاله الزهري..ذكره ابن عطية وتقعبه بقوله " هذا تحامل، وقوله تعالى يردّونكم يرد عليه"
وقيل : هما ابنا أخطب. حيي وأبو ياسر. قاله ابن عباس... ذكره ابن عطية.
وقيل : علماء اليهود....قاله الزجاج
لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا
"ولو ".... مصدرية ... أى ود كثير من أهل الكتاب ردكم
"لو يردونكم" أيها المؤمنون " من بعد " إيمانكم " بعدما كنت مؤمنين مهتدين عارفين للحق عاملين به.." كفارا " أي يردونكم إلى دينهم ضالين مضلين عن الهدى و إتباع الحق .
و الحامل لهم على ودادة ردكم كفاراً هو الحسد؛ أي يحسدونكم على نعمة الإيمان والهداية.
( مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم ) أي : من قبل أنفسهم فلم يؤمروا به ، ولا وجدوه في كتاب إنما اخترقوه واخترعوه من قبل أنفسهم .
-قال الرّبيع بن أنسٍ: {من عند أنفسهم}من قبل أنفسهم..ذكره ابن كثير
واختلف في تعلق " من عند أنفسهم .
- فقيل يتعلق ب ودّ لأنه بمعنى ودوا..ذكره ابن عطية والزجاج
و يكون في الآية تقديم وتأخير ، " وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً "
و المعنى: مودتهم بكفركم من عند أنفسهم...أي مِنْ قِبَلِ شَهَواتِهم ؛أن ودادتهم ذلك هي من جهة التدين واتباع الحق . و " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ
- وقيل: يتعلق بقوله حسداً فالوقف على قوله كفّاراً.ذكره ابن عطية..
ويكون '( من عند أنفسهم ) صفةٌ ل " حَسَدا " ، فهو في محلِّ نصبٍ ، ويتعلَّقُ بمحذوفٍ أي : حَسَداً كائناً مِنْ قِبَلهم وشهوتِهم .
ولم يرضه الزجاج.ورده بقوله وقوله: {من عند أنفسهم}موصول بـ{ود الذين كفروا}، لا بقوله{حسداً}؛ لأن حسد الإنسان لا يكون من عند نفسه.
والمعنيين متقاربين يعنى أن ودادة الكفر والحسد على الإيمان لا يكون إلا من عند أنفسهم . فم يجدوا ذلك في كتاب ولا أمروا به فهو من تلقائهم؛ ولفظة الحسد تعطي هذا، فجاء من عند أنفسهم تأكيدا وإلزاما، وهو نظير قوله تعالى ( يقولون بأفواههم) ، (ويكتبون الكتاب بأيديهم ؛) ولا طائرٍ يطير بجناحيه )
- وقيل يتعلق بقوله ب (يردّونكم)، فالمعنى الردُّ مِنْ تِلْقائِهم وجِهَتِهم وبإغوائهم .
وتزيينهم.، و " مِنْ " للسببية .
( مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ ) " مِّن بَعْدِ مَا " متعلِّقٌ ب " وَدَّ " ، و " مِنْ " للابتداءِ ، أي إنَّ ودَادَتَهم ذلك ابتدأتْ من زمان وضوحِ الحقِّ وتبيُّنِه لهم؛ فالحق واضح لديهم فلا يغيب عنهم..بل فعلهم ذلك قائم على سبيل الحسد والعناد
المراد بالحق
-المراد به في هذه الآية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصحة ما المسلمون عليه. ذكره ابن عطية وابن كثير
-قال أبو العالية: {من بعد ما تبيّن لهم الحقّ}من بعد ما تبيّن لهم أنّ محمّدًا رسول اللّه يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل، فكفروا به حسدًا وبغيًا؛ إذ كان من غيرهم. وكذا قال قتادة والرّبيع والسّدّيّ.ذكره ابن كثير
و وفي الآية إشارة إلى خبث نفوس اليهود وسوء طويتهم..و مدى الجمود على الباطل الذي هم قائمون عليه
أجب عما يلي:
أ: ما المراد بملك سليمان في قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان}؟
المراد ب {على ملك سليمان}..
.أي على عهد ملك سليمان.ذكره المفسرون الثلاثة..والمعنى .. على شرعه ونبوته وحاله...... ذكره ابن عطية.
-وقال السدي في قوله تعالى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } أي : على عهد سليمان..ذكره ابن كثير
وعدي الفعل تتلوا ب "على" لفائدة التضمين..تضمين الفعل تتلوا تكذب.ذكره ابن كثير
2- وقيل في ملك سليمان بمعنى في قصصه وصفاته وأخباره . وهو قول ابن جري ذكره ابن عطية وابن كثير.
- وبناء هذا القول أن حروف المعاني تتناوب..ف "على " بمعنى "في"
وقد رجح ابن كثير القول الأول بقوله : ..: والتضمن أحسن وأولى ، والله أعلم .
ب: بيّن أثر اختلاف القراءات على المعنى في قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها}.
القراءات في " ننسخ ".
-قرأ جمهور الناس «ما نَنْسخ » بفتح النون وفتح السين ، من نسخ .
-وقرأت طائفة «نُنسخ » ، بضم النون ومن كسر السين ؛ من «أنسخ » ، وبها قرأ ابن عامر وحده من السبعة .
المعنى
قيل القراءات على معنى واحد و وأن اختلفتا في اللفظ فيكون «ما نَنْسخ » بمعنى«نُنسخ »..قاله أبو على الفارسي
وذهب ابن عطية أن هناك فرقا بينهما على وجهين
1- أحدهما أن يكون المعنى ما نكتب وننزل من اللوح المحفوظ ، أو ما نؤخر فيه ونترك فلا ننزله أي ذلك فعلنا فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله ، فيجيء الضميران في { منها } و { مثلها } عائدين على الضمير في { ننسأها }
2- والمعنى الآخر أن يكون { ننسخ } من النسخ بمعنى الإزالة ويكون التقدير ما ننسخك أي نبيح لك نسخه ، كأنه لما نسخها الله أباح لنبيه تركها بذلك النسخ ، فسمى تلك الإباحة إنساخاً .
والنسخ له ثلاث معان
1-الإزالة..يقال نسخت الشمس الظل أي أزالته
2-النقل . يقال نسخت الكتاب أي نقلت كتابته .. كقوله تعالى: (إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون)
3-والترك..
وفي الاصطلاح..رفع الحكم بدليلٍ شرعيٍّ متأخّرٍ.
فأقرب المعانى اللغوية للمعنى الاصطلاحى هو معنى الإزالة.
اختلاف القراءات في كلمة " ننسها"
وردت كلمة ننسها على ثلاث معان..النسيان ؛ الترك ؛ التأخير.
1- معنى النسيان
القراءات
القراءة المتواترة
قرأ نافع وحمزة والكسائي وعاصم وابن عامر وجمهور من الناس «ننسها» بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر السين وترك الهمزة.
ومن القراءات الشاذة في ذلك
-قرأ سعد بن أبي وقاص «أو تُنْسَها » بتاء على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ونون بعدها ساكنة وفتح السين ، هكذا قال أبو الفتح وأبو عمرو الداني .
-وقرأ الضحاك بن مزاحم وأبو رجاء «نُنَسِّها » بضم النون الأولى وفتح الثانية وسين مكسورة مشددة.
-وقرأ أبي بن كعب «أو نُنْسِك » بضم النون الأولى وسكون الثانية وسين مكسورة وكاف مخاطبة ، -وفي مصحف سالم مولى أبي حذيفة «أو ننسكها » مثل قراءة أبيّ إلا أنه زاد ضمير الآية .
-وقرأ الأعمش «ما ننسك من آية أو ننسخها نجىء بمثلها » وهكذا ثبتت في مصحف عبد الله بن مسعود
-والمراد بالنسيان ضد الذكر ..من أنسى المنقول من نسي
كما قال تعالى :{ سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء اللّه}؛ وقوله تعالى : { واذكر ربك إذا نسيت }
وقد أنكر الزجاج أن تحمل الآية على النسيان الذي هو ضد الذكر ، قال : وهذا القول عندي ليس بجائز....ذلك أن هذا لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولا نسي قرآناً .
، وقال أبو علي وغيره : ذلك جائز وقد وقع ولا فرق بين أن ترفع الآية بنسخ أو بتنسئة ، واحتج الزجاج بقوله تعالى : { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } [ الإسراء : 86 ] ، أي لم نفعل ، قال أبو علي معناه لم نذهب بالجميع .
الآثار الواردة في ذلك
-عن قتادة في قوله: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها}قال: كان اللّه تعالى ينسي نبيّه ما يشاء وينسخ ما يشاء.رواه عبد الرزاق
- عن الحسن أنّه قال في قوله: {أو ننسها}قال: إنّ نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم أقرئ قرآنًا ثمّ نسيه. رواه ابن جريرٍ.
- عن ابن عبّاسٍ، قال: كان ممّا ينزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الوحي باللّيل وينساه بالنّهار، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها}رواه ابن أبي حاتمٍ.
.وقال عبيد بن عميرٍ: {أو ننسها}نرفعها من عندكم. رواه ابن أبي حاتمٍ.
معنى الآية:
ما ننسخ من آية أو نقدر نسيانك لها فتنساها حتى ترتفع جملة وتذهب فإنا نأتي بما هو خير منها لكم أو مثله في المنفعة .
2-معنى الترك
القراءات
- قرأت طائفة «أو ننسها» بفتح النون الأولى وسكون الثانية وفتح السين، وهذه بمعنى الترك.
قال ابن عطية ذكرها مكي ولم ينسبها، وذكرها أبو عبيد البكري في كتاب اللآلي عن سعد بن أبي وقاص، وأراه وهم.
وقد أنكر الزجاج . أنسى يجيء بمعنى نسي قال: يقال: نسيت إذا تركت، ولا يقال: أنسيت أي: تركت.
قال :..وإنما معنى{أو ننسها}: أو نتركها, أي: نأمر بتركها.
الآثار الواردة
- عن ابن عباس: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسئها} يقول: ما نبدّل من آيةٍ، أو نتركها لا نبدّلها.ذكره ابن كثير
معنى الآية
للآية أربع معان ذكرها ابن عطية
-أحدها : ما ننسخ على وجوه النسخ. أو نترك غير منزل عليك فإنا لا بد أن ننزل رفقاً بكم خيراً من ذلك أو مثله حتى لا ينقص الدين عن حد كماله .
-والمعنى الثاني أو نترك تلاوته وإن رفعنا حكمه فيجيء النسخ على هذا رفع التلاوة والحكم.
-والمعنى الثالث أو نترك حكمه وإن رفعنا تلاوته فالنسخ أيضاً ، على هذا رفع التلاوة والحكم .
-والمعنى الرابع أو نتركها غير منسوخة الحكم ولا التلاوة ، فالنسخ على هذا المعنى هو على جميع وجوهه ، ويجيء الضميران في { منها أو مثلها } عائدين على المنسوخة فقط، وكان الكلام إن نسخنا أو أبقينا فإنا نأتي بخير من المنسوخة أو مثلها. ذكره ابن عطية
وزاد الزجاج معنى آخر
وهو ما ننسخ أي نبطل حكم آية بأية أخرى أو نترك حكم آية ما بغير مجيء آية ناسخة
قال وهذا هو الفرق بين النسخ و الترك..فالنسخ إبطال حكم أية سابقة بأية متأخرة
....وأما الترك فهو إبطال العمل بآية سابقة لكن ذلك الإبطال يكون بغير آية ناسخة متأخرة ..مثال ذلك.. نحو: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن}, ثم أمر المسلمون بعد ذلك بترك المحنة. فهذا معنى الترك.
1- معنى التأخير
القراءات
القرءاة المتواترة
- قرأ المكي والبصري بفتح النون الأولى والسين وهمزة ساكنة بين السين والهاء "ننسأها"....) فهذه بمعنى التأخير، تقول العرب أنسأت الدين وغيره أنسؤه إنساء إذا أخرته ..قال ابن فارس ويقولون نسأ الله في أجلك وأنسأ الله أجلك
القراءات الشاذة
- قرأت فرقة مثل هذه القراءة إلا أنها بتاء مفتوحة أولاً على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وإسناد الفعل إليه.
- قرأ أبو حيوة مثل ذلك إلا أنه ضم التاء أولاً .
.الآثار الواردة في ذلك
- عن سليمان بن أرقم، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، عن أبيه، قال: قرأ رجلان سورةً أقرأهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلةٍ يصلّيان، فلم يقدرا منها على حرفٍ فأصبحا غاديين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكرا ذلك له، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّها ممّا نسخ وأنسي، فالهوا عنها". فكان الزّهريّ يقرؤها: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها}بضمّ النّون خفيفةً. رواه الطبراني..قال ابن كثير سليمان بن أرقم ضعيفٌ
.
-وقال مجاهدٌ عن أصحاب ابن مسعودٍ: {أو ننسئها} نثبت خطّها ونبدّل حكمها.
-وقال عبيد بن عميرٍ، ومجاهدٌ، وعطاءٌ: {أو ننسئها} نؤخّرها ونرجئها.
- وقال عطيّة العوفيّ: {أو ننسئها} نؤخّرها فلا ننسخها.
-. وقال الضّحّاك: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسئها}يعني: النّاسخ من المنسوخ.
- وقال أبو العالية: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسئها}أي: نؤخّرها عندنا.
- عن ابن عبّاسٍ قال: خطبنا عمر، رضي اللّه عنه، فقال: يقول اللّه عزّ وجلّ: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها}أي: نؤخّرها..رواه ابن أبي حاتم..ذكر هذه الآثار ابن كثير
معنى الآية
للآية أ ربع معان مثل المعاني التى تم ذكرها في معنى "الترك"
- أولها ما ننسخ أو نؤخر إنزاله. .
-والثاني ما ننسخ النسخ الأكمل أو نؤخر حكمه وإن أبقينا تلاوته .
- والثالث ما ننسخ النسخ الأكمل أو نؤخر تلاوته وإن أبقينا حكمه .
-والرابع ما ننسخ أو نؤخره مثبتاً لا ننسخه .
ويعود الضميران كما ذكر في الترك،أي عائدان على المنسوخة فقط.
.
والمعاني الثلاث التي ذكرت وان كانت بعضها أقوى من بعض لكن الآية تحتملها كلها..والله أعلم