بيّن ما استفدته من طريقة المفسّرين وتنوّع أساليبهم في الرسائل التفسيرية الأربعة.
· الرسالة الأولى:
- استيفاء أقوال السلف بالذكر أولاً، ثم توجيه أقوالهم والترجيح بينها.
- استحضار النصوص الشرعية ذات المناسبة وإعمالها في الترجيح والتوجيه.
- المقارنة الوافية بين المتقابلات.
- الاستفاضة في بيان المعاني وتقويتها بالأدلة المتوافرة.
- يظهر من الرسالة ما فتح الله به على ابن القيم من طول تأمل في الآيات وتكرار نظر في معانيها ودلالاتها.
· الرسالة الثانية:
- دقة الاستنباط وحسن المقايسة بين الأمور المتشابهة.
- تدعيم البيان بالتشبيهات البلاغية البديعة.
- التماس مناسبة أسماء الله الحسنى لسياق الآيات.
· الرسالة الثالثة:
- العناية بالبيان اللغوي.
- استيفاء أقوال المفسرين في الآيات.
- إعمال علوم الحديث في الترجيح بين الأقوال التفسيرية.
- إعمال قواعد الترجيح كذلك.
· الرسالة الرابعة:
- العناية بعلم الوجوه والنظائر في القرآن.
- رعاية القواعد التفسيرية وإعمالها.
- مراعاة سياق الآيات عند الترجيح.
- العناية بعلم كليات القرآن.
- التماس المقاصد الشرعية في الأحكام.
- التماس أسرار القرآن في الألفاظ ومناسباتها.
- طول النفس في البيان.
- تدعيم البيان بالتشبيهات البليغة.
- العناية بعلم السلوك في أثناء تفسير الآيات.
- استنباط المعاني من خلال سياق الآيات.
- العناية بكثرة استحضار الآيات عند التفسير.
المجموعة الثالثة:
1: استخلص عناصر رسالة تفسير قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم}
· حقيقة الحياة النافعة، وبم تحصل؟
· معنى قوله تعالى: (لما يحييكم):
- أقوال السلف في ذلك.
- أرجح هذه المعاني.
- عموم معنى الآية.
· نوعا الحياة التي يضطر إليها الإنسان:
- حياة البدن.
- حياة الروح.
· الوحي روح ونور:
- الآيات الدالة على ذلك.
- معنى قوله تعالى: (وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس).
· قوله تعالى: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه):
- معنى الآية.
- مناسبة ختام الآية لصدرها.
· الجمع في الآية بين الشرع والأمر به وبين القدر والإيمان به.
2: حرر القول في مسألة المراد بالباقيات الصالحات.
أورد الحافظ العلائي في المراد بالباقيات الصالحات أربعة أقوال:
أولها: أنها الصلوات الخمس، روي هذا القول عن ابن عباس، وبه قال عمرو بن شرحبيل وإبراهيم النخعي وأبو ميسرة ومسروق وابن أبي مليكة.
ثانيها – ونسبه إلى جمهور العلماء - : أنها قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، روي هذا القول عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه -، وصح عن ابن عباس – رضي الله عنهما - من وجوه عدة وهو أصح ما روي عنه من الأسانيد فيه، وروي أيضاً عن ابن عمر – رضي الله عنهما – وزاد فيها: ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهو قول سعيد بن المسيب وسالم ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي والحسن وقتادة، وجمهور المفسرين.
واستدل الحافظ لهذا القول بما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "خذوا جنّتكم"،قلنا: يا رسول اللّه من عدوٍّ حضر؟قال: "لا بل جنّتكم من النّار قول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر؛ فإنّها تأتي يوم القيامة منجياتٍ ومقدّماتٍ وهنّ الباقيات الصّالحات".
وبما روي عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "استكثروا من الباقيات الصّالحات" ، قيل: وما هنّ يا رسول اللّه قال: "الملة"، قيل: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: "التّكبير والتّهليل والتّسبيح والحمد ولا حول ولا قوّة إلا باللّه".
ثالثها: أنها الكلام الطيب، وهذا القول وإن كان يرجع إلى الذي قبله لكنه أعم منه؛ لتضمنه إياه وبقية الأذكار وتلاوة القرآن، روي هذا القول عن ابن عباس.
رابعها: أنها الأعمال الصالحة كلها من الأقوال والأفعال، روي هذا القول عن ابن عباس أيضاً، وقاله ابن زيد، ورجحه ابن جرير، واختاره ابن عطية؛ حملاً للفظ على العموم، فإنه متى أمكن حمل لفظ القرآن على العموم كان أولى، لأنه أكثر فائدة، ما لم يرد ما يمنع العموم.
لكن اعترض الحافظ على الحمل على العموم بورود ما يمنع وهو الأحاديث المتقدم ذكرها في القول الثاني.
ومصير ابن جرير إلى العموم رغم ورود هذه الأحاديث مستنده إلى أنه لم ير الحصر فيها، إذ ليس فيها أنهن جميع الباقيات الصالحات، فجائز حينئذ أن تكون هذه باقيات صالحات وغيرها من أعمال الخير باقيات صالحات.
وهذا مأخذ وجيه، إلا أن الحافظ العلائي أجاب عنه بما في الحديث من مفهوم الحصر بين المبتدأ والخبر مع ما تقتضيه الألف واللام من الدلالة على العهد.
وحينئذ فهذه الأحاديث هي أولى ما يرجع إليه في تفسير الباقيات الصالحات، لا سيما وأن هذا القول هو الذي صحت به الروايات عن ابن عباس – رضي الله عنهما - وغيره من الصحابة.
3: عرّف نوعي الدعاء، واستدلّ على تلازمهما.
الدعاء على نوعين:
أحدهما: دعاء العبادة.
الآخر: دعاء المسألة.
فأما دعاء المسألة فهو طلب الداعي ما ينفعه وطلب كشف ما يضره ودفعه. والذي يملك الضر والنفع هو المعبود فكان دعاء المسألة متضمناً لدعاء العبادة من هذا الوجه؛ لأنه يدعو للنفع والضر دعاء مسألة، ودعاؤه منطوٍ على الخوف والرجاء فكان بذلك عبادة.
والدليل على أن المعبود هو من ملك النفع والضر قوله تعالى: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك)، وقوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم) في آيات كثيرة من القرآن ينكر الله تعالى فيها على من عبد من دون الله ما لا يملك له ضراً ولا نفعاً.
وإذا كان دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة؛ فإن دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة؛ فإن من عبد معبوداً سأله جلب النفع ودفع الضر.
وهذان النوعان من الدعاء وقع تلازمهما في مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) أي أعطيه إذا سألني، وأثيبه إذا عبدني.
ومنها قوله تعالى: (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) فالأرجح في معناها لولا دعاؤكم إياه، والمراد نوعا العبادة جميعاً وهو في دعاء العبادة أظهر، أي ما يعبأ بكم لولا أنكم ترجونه، وعبادته تستلزم مسألته، فالنوعان داخلان فيه.
ومنها قوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، فهو يتضمن نوعي الدعاء وإن كان في دعاء العبادة أظهر بدليل سياق الآية.
ومنها أيضاً قوله تعالى: (إن ربي لسميع الدعاء) فالمراد سمع الإجابة والقبول، والمراد دعاء العبادة ودعاء الطلب، وسمع الرب تعالى إثابته على الثناء وإجابته للطلب، فهو سميع هذا وهذا.
إلى غيرها من المواضع التي تلازم فيها نوعا الدعاء دعاء العبادة ودعاء الطلب.
4: بيّن العلل التي يُخذل بها بعض المجادلين، وكيف يمكن التخلّص منها.
المجادل لأهل الباطل المصاول المدافع عن الحق أحوج شيء إلى توفيق الله ومعونته، ولهذا التوفيق سبيل إذا تنكبها المجادل خُذل وحرم المعونة، ويكون ذلك إذا اكتنفته علل وأدواء تحبسه عن السبيل القويم، فمن تلك العلل:
أولاً: أن يغتر المجادل بما أوتي من ذكاء وفهم وفصاحة، فيعتمد على قوته ويركن إلى حجته، من غير توكل على الله ولا استعانة به.
ثانياً: أن يُعجب المجادل بما قد يحصل له من دحض حجج خصمه، فيزهو بنفسه، وينسب ذلك إلى قوته وفهمه.
ثالثاً: أن يكابر المجادلُ الحقَّ الذي يكون مع خصمه، فيتجاهله ويتعامى عنه.
وهذه بعض العلل التي يخذل بها المجادل، ولكل داء دواء، ولكل علة علاج يُخلِّص منها:
فأما أول تلك العلل، فالخلاص منها يكون بتحقيق التوكل على الله والاستعانة به، واستلهام هدايته وتوفيقه، والعلم يقيناً بأن الله هو الذي يقذف بالحق على الباطل فيدمغه، وبأن الأمر كله لله، وألا قوة إلا به سبحانه.
وأما ثاني تلك العلل، فالخلاص منها يكون بأن يعلم المجادل بأن الفضل لله، والمنة له، فيلهج بالثناء عليه أن علمه ما لم يكن يعلم، وأن فتح عليه وسدده وفهَّمه، ويستغيث به ألا يزيغ قلبه بعد إذ هداه، ويعتصم به مما يخشاه من أن يستزله الشيطان ببعض ما كسب، فينيب لربه بالتوبة والاستغفار.
وأما ثالثها، فالخلاص منه يكون بالعدل والإنصاف، والحرص على صدق النية في طلب ظهور الحق وهداية الخلق إليه، لا العلو على الخلق والانتصار للنفس.