: كيف يكون التأسيس العلمي؟
يكون التأسيس العلمي في كل علم وفن بدراسة كتابا مختصرا في ذلك , وفق القواعد التالية :
أولاً: دراسة كتاباً مختصراً غير مطول في ذلك العلم والفن ,لكي يتمكن من معرفة مسائله والالمام بها بشكل عام ومعرفة خلاصة الأقوال في المسألة.
ثانياً: أن تكون الدراسة متقنة ومنضبطة , فلا يتجاوز الدرس حتى يضبط مسائله ويتقنها , وبعد عدة دروس يراجع ما درسه وهكذا.
ثالثاً: أن تكون الدراسة بطريقة سهلة وميسره والابتعاد عن الطرق الشاقة والمرهقة, لأن المتعسر لايواصل العلم غالبا.
رابعاً: لابد أن تكون الدراسة تحت إشراف علمي سواء كان ذلك مؤسسياً أو شيخ معروف , لأن الطالب يتحاج الى من يرشده ويوجهه , ويعلمه بالجوانب الحسنة لديه والعكس , وتقييمه أيضاً , ومن لم يلتزم بهذه القاعدة فهو على خطر من انحراف منهجه في الطلب وكثرة الأخطاء والالتباس لديه.
2: ما هي سمات مرحلة البناء العلمي؟
مرحلة البناء العلمي قد تكون أسهل من مرحلة التأسيس على الطالب وأكثر فائدة وأعمق مادة , وذلك لعدة أمور :
1- أن العلم الذي يطلب أصبح واضح المعالم لدى الطالب ,.والخطة المنهجية بينة.
2- أن مسائل ذلك العلم قد درسها الطالب بشكل مختصر فلذلك يسهل عليه دراستها مرة أخرى والتوسع فيها.
3- أن الطالب أصبح يعرف مهاراته وما يجيد , فلذلك يتوجه الى ما يحسنه ويتميز به . وسلوك الطريقة المناسبه لذلك. ولهذا يحرص الطالب إدراة وقته وتنظيمه , ومحاولة تصنيف المسائل وفهرستها.
3: وضح أنواع الأصول العلمية.
للعلماء طرق متنوعة وكثيرة في بناء أصولهم العلمية , وهذه الطرق تجعل للطالب أن يختار منها ما يناسبه ومنها :
النوع الأول: الأقبال على كتب عالم من العلماء واسع المعرفة والاطلاع حسن الفهم وكثير التأليف , وقراءتها واستظهارها , ومعرفة أقواله في المسائل ,والتبصر بمنهجه ,والاستفادة من طريقته في دراسة تلك المسائل, ومن أمثلة هذا النوع: أن إمام اللغة ثعلب أقبل على كتب الفراء وحذقها قبل ان يبلغ الخامسة والعشرين من عمره , وأن أبو بكر الخلال أقبل على جمع مسائل الامام أحمد وتصنيفها وترتيبها والتحقق من صحتها , حتى صار إماماً ذا شأن وكانت كتبه مرجا للحنابلة في كل عصر بعده.
النوع الثاني: الاعتناء بكتب الأصول في علم من العلوم, كأن يعتني طالب علم التفسير بكتاب تفسير مهم فيكثر من قراءته واستظهار مسائله, وسبر أغواره واستخراج كوامنه , كتفسير الطبري مثلا أو تفسير ابن عطيه , فقد قال ابن فرحون المالكي (لازمت تفسير ابن عطيه حتى كدت احفظه), والمتهم بالفقه يعمد الى كتاب المغني لابن قدامه مثلا وهكذا.
النوع الثالث : أن يعمد الطالب أن يجعل له أصلا يستفيده من كتب متعددة , فيلخص مسائلها ويجمعها ويصنفها, كما فقل ابن الجوزي في كتابه "زاد المسير في علم التفسير", وكما جمع ابن الصلاح مقدمته في علوم الحديث من كتب كثيره أكثرها من كتب الخطيب البغدادي, فلخصها وهذبها وأحسن ترتيبها , حتى كانت مقدمة نفيسة واصلا علميا مهما في باب علوم الحديث, وكما فعل ابن السبكي في جمع الجوامع في أصول الفقه , وهكذا .
النوع الرابع: التأليف لغرض التعليم وهذه الطريق سلكها بعض أهل العلم , كما فعل السيوطي رحمه الله فإنه ألف التحبير في علم التفسير وهو ابن 23 سنة , وكرر التأليف في علوم القرآن حتى ألف كتابه الكبير "الإتقان في علوم القرآن" واصبح أصلا من أصول كتب علوم القرآن.
النوع الخامس: الاجتهاد في شرح كتاباً مختصرا في علم من العلوم شرحا وافياً حافلاً بالتحرير والتحقيق والتشقيق , حتى يصبح أصلاً جامعاً لتلك المسائل, ومن ذلك مافعله ابن القيم في شرحه لكتاب منازل السائرين في كتابه العظيم مدارج السالكين, فشرحه شرحا وافيا كافيا حافلا بديعا محررا واصبح من مراجع واصول كتب السلوك. وكما فعل ابن حجر في فتح الباري لشرح صحيح البخاري , وهكذا .
النوع السادس : تقسيم العلم الذي يطلب الى أبواب كبيرة , ويكون في كل قسم أصل علمي كبير , سواء كان تاليفا أو ملخصا , ومن ذلك ما فعله الخطيب البغدادي في أكثر أبوب الحديث فقد جعل لنفسه أصولاً متعددة , وقد أحسن في جمعها وتهذيبها حتى صارت كتبه من أهم المراجع لدى العلماء في علوم الحديث.
النوع السابع: الدراسات الجامعة المحررة لمسائل ذلك العلم , وهذا النوع من اصعب الأنواع وأعسرها , لكنه من أكثرها فائدة, كما فعل الأستاذ محمد عبدالخالق عظيمة في دراساته لأساليب القرآن وأمضى في ذلك أكثر من 33 عاما , وقد يدخل في هذا الموسوعات المعدة من قبل اللجان العلمية في وقتنا الحاضر.
4: بيّن الأمور التي يحذّر منها طالب العلم في مرحلة البناء العلمي.
هناك عدة أمور منها :
1- الانتقال لمرحلة البناء العلمي قبل الانتهاء من مرحلة التأسيس,
2- عدم التوازن في مرحلة البناء , فتجد الطالب متبحرا في باب من أبواب العلم الذي يدرسه ضعيفا في الباب الآخر ,
3- القراءة العشوائية والاسترسال في بعض ما ترغب في قراءته النفس , لا ما يتحتم قراءته في تلك المرحلة .
4- التصدر قبل التأهل , فيشتغل الطالب بالفتوى والخروج للناس ومحاولة إفادتهم وتعليمهم قبل أن يبني نفسه علميا بالشكل المطلوب فيحرم الوصول الى ثمرة البناء العمي, وإن كان مضطرا لذلك فعليه أن يجمع بين البناء العلمي والتصدر ويخلص النيه وينتبه من حظوظ النفس وحب التصدر والشهرة, ويحذر من مسائل الترف العلمي ومواطن النزاع وإثارة الأهواء والافتتان بذلك.