اذكر الفوائد السلوكية التي استفدتها من دراستك لقصّة أصحاب الجنة.
- الاغترار بزينة الدنيا يورث قسوة القلب, فتنسيه لحظ النعمة, وتنسيه شكر المنعم, وتنسيه حقوق الآخرين.
- النعمة تتحول إلى نقمة إن لم نقم بحقها من الشكر.
- تقديم المساعد للآخرين, يربي النفس, ويلجم فيها الطمع, ويرقق القلب.
- إخراج الحقوق المالية لمستحفيها, يزيد المال بركة ونماء.
- سماع الإنسان النصيحة ينقذه من الوقوع في المصائب, ويوفر عليه الكثير من الخسائر.
- الحذر من غضب الله وعقابه, فلا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.
- التنبه إلى إن العزم على المعصية كفعلها, فجنتهم احترقت قبل تنفيذ ما اتفقوا عليه.
- تمام قدرة الله سبحانه وتعالى, وتمام إحاطته بعباده, مما يوجب الخوف والحذر من معصيته, ومراقبة الله في القول والعمل.
- اليقين بوعود الله سبحانه وتعالى, يجنب العبد الخسائر,"ما نقص مال من صدقة".
- أذهب الله جنتهم بسبب بخلهم, فالأحرى بالمسلم اجتناب مثل هذه الخصلة القبيحة.
- المسارعة إلى التوبة عند اقتراف ذنب, والاعتراف بالخطأ, والاستغفار, فهذا أدعى إلى قبولها.
- عدم القنوط من رحمة الله ولو أحاطت بالعبد العقوبات, فهو سبحانه الرحيم الذي يبدل الحال إلى خير منه.
- دوام تذكر الآخرة, فهو مما يهون شأن الدنيا بما فيها من زينة وبلاء.
- الطمع فيما عند الله, وتعويد القلب على الزهد بمتاع الدنيا وزينتها.
-
المجموعة الأولى:
1. فسّر قول الله تعالى:
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}.
"تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير": بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى الآيات المعجزات في خلق السماء المحكم الخالي من كل عيب, وتهدد الشياطين بما أعد لهم من عذاب السعير, جاءت الآيات لتبين وتصور هذا العذاب, حتى يتعظ ويرجع من كان من أولي الألباب, فجاء وصف النار أنها تكاد تتقطع وينفصل بعضها عن بعض من الغيظ والحنق على الكفار, كما قال تعالى:"إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا", وهذا كله قبل أن يلقوا فيها, فكيف سيكون حالهم إذا دخلوها وذاقوا عذابها! نسأل الله السلامة.
ثم إذا دخلوها, سألهم الخزنة الغلاظ الشداد الذين "لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون", ألم يأتكم نذير في الدنيا ليباغكم رسالة ربكم, وليحذركم و"وينذركم لقاء يومكم هذا"؟
وسؤال الملائكة لهم ليس بسؤال مستفسر, بل هو للتوبيخ والتقريع, حتى تزداد الحسرة والألم عليهم, ولبتذكرهم ما فرطوا فيه من إجابة الرسل واتباع الحق, ولو فعلوا ذلك لنجوا.
"قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيئ إن أنتم إلا في ضلال مبين":وهذا لأن الله تعالى قد قال:"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا", فقد أقيمت الحجة عليهم بإرسال الرسل, فيقروا ويعترفوا بمجيئ الرسول الذي أنذرهم عذاب ربهم, ودعاهم إلى النجاة, لكنهم كذبوه واستكبروا, بل واتهموا الرسل بالضلال والسحر والكهانة, وأنكروا أن يكون الله قد أرسلهم, أو أنزل عليهم شيئا مما قالوا, وبجوابهم تزيد حسرتهم ويزيد عذابهم.
"وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في اصحاب السعير": أخذوا يلومون أنفسهم على ما فرطوا فيه وكذبوه, فنفوا عن أنفسهم ما يميز به الإنسان الهدى من الضلال, فنفوا السمع النافع, فهم لم يسمعوا الحق من الرسل, ولم يتبعوه, ونفوا عقل الرشد الذي يدرك به الإنسان عواقب الأمور فيعمل لما فيه نجاته, فكان سمعهم وعقلهم وبال عليهم, فلم ينتفعوا بهما بشيئ, فكانوا من أصحاب النار الملازمين لها , خالدين فيها, بخلاف الذين من الله عليهم, فشرح صدورهم للإسلام, ونفعهم بأسماعهم وأبصارهم وعقولهم, فآمنوا واتقوا, فكانت لهم النجاة في الاخرة.
"فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير":وبعد إقرارهم بقيام الحجة عليهم, أقروا واعترفوا بما اقترفوه من شرك بالله, وظلم لأنفسهم, وتأكدوا من استحقاقهم للنار, وعدل الله معهم, فبعدا لهم عن رحمة الله, وشقاء لهم بما كسبت أيديهم, فبكفرهم بالله, وتكذيبهم للأنبياء استحقوا عذاب النار.
2. حرّر القول في كل من:
أ: معنى "زنيم" في قوله تعالى: {عتل بعد ذلك زنيم}.
جاء في معنى "زنيم" أربعة أقوال متقاربة:
الأول: اللئيم, المريب الذي يعرف بالشر, وقد جاء هذا المعنى في الحديث المرسل: أن الرسول عليه الصلاة والسلام,سئل عن العتل الزنيم، فقال: "هو الشديد الخلق المصحح، الأكول الشروب، الواجد للطعام والشراب، الظلوم للناس، رحيب الجوف", رواه عبدالرحمن بن غنم, رواه أحمد, ذكره ابن كثير, وذكر كذلك ما جاء عنه مرسلا قوله: "لا يدخل الجنة الجواظ الجعظري، العتل الزنيم", وعلق ابن كثير بقوله: وقد ارسله غير واحد من التابعين, وقال ابن عباس: المريب الذي يعرف بالشر, رواه عنه سعيد بن جبير, رواه أبو إسحاق, ذكره ابن كثير, وهو قول مجاهد, وقول عكرمة , وقاله ابن كثير, وهو قول السعدي.
الثاني: الزنيم رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة, وهو قول ابن عباس, وقال: هو الأخنس بن شريق الثقفي، حليف بني زهرة. وزعم أناس من بني زهرة أن الزنيم الأسود بن عبد يغوث الزهري، وليس به, رواه عنه العوفي, ذكره ابن كثير, وقاله بعض أصحاب التفسير, رواه عنهم إدريس, رواه ابن جرير, ذكر هذا ابن كثير في تفسيره.
الثالث: الزنيم هو الدعي في قومه, الملحق النسب, ,وهو قول ثان لابن عباس, واستشهد بقولهم: زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع,
رواه عنه عكرمة, رواه ابن أبي حاتم,والضحاك , وهو قول سعيد ابن المسيب, وهو قول سعيد بن جبير, وقال عكرمة: هو ولد الزنا, رواه عنه عامر بن قدامة, رواه ابن ابي حاتم, ذكره ابن كثير, , وقاله ابن جرير, واستشهد عليه بقول حسان بن ثابت وهو يذم بعض كفار قريش:
وأنت زنيم نيط في آل هاشمٍ = كما نيط خلف الرّاكب القدح الفرد, وهو قول السعدي والأشقر.
الرابع: إن الزنيم علامة الكفر , قاله أبورزين. وقال عكرمة: يعرف المؤمن من الكافر مثل الشاة الزنماء. رواه الحكم بن أبان,
وقد وفق ابن كثير بين هذه الأقوال فقال:"والأقوال في هذا كثيرة، وترجع إلى ما قلناه، وهو أن الزنيم هو: المشهور بالشر، الذي يعرف به من بين الناس، وغالبا يكون دعيا وله زنا، فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما لا يتسلط على غيره، كما جاء في الحديث: "لا يدخل الجنّة ولد زنا" وفي الحديث الآخر: "ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه".
ب: معنى قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق}.
ورد في هذا قولان متقاربان:
الأول: كشف الله تعالى سبحانه عن ساقه, وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام, جاء هذا في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري, قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: "يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا". متفق عليه, ذكره ابن كثير, وذكر هذا القول ابن جرير, وهو قول السعدي والأشقر.
الثاني: دخول الآخرة, وأول ساعة من يوم القيامة,وما يكون فيه من كشف الأعمال, والكرب والشدة, والأمور العظام, قاله ابن عباس, واستشهد بقول الشاعر: وقامت الحرب بنا عن ساق, رواه عنه عكرمة, والعوفي, وعلي ابن أبي طلحة, والضحاك, وغيرهم, روى ذلك كله ابن جرير في تفسيره, ذكره ابن كثير, وهو قول مجاهد, وقاله ابن كثير, والسعدي
ولا تعارض بين القولين, فلما يكون يوم القيامة, يكشف هذا اليوم عن قلاقل وأحداث جسيمة, فيصيب الناس شدة وكرب من هول ما يرون, ثم يأتي سبحانه ليفصل بين الخلائق, ويكشف عن ساقه سبحانه, فيسجد من كان يسجد لله طوعا وحبا في الدنيا, ومن كان مخلصا في إيمانه, أما غيرهم, فلا يستطيعون السجود لأن ظهورهم تكون كصياصي البقر, طبقة واحدة, فيتميز المؤمن عن المنافق.
3: بيّن ما يلي:
أ: فائدة النجوم في السماء.
ذكر الله سبحانه وتعالى, ثلاث فوائد للنجوم:
الأولى: زينة للسماء, قال تعالى:"ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح".
الثانية: لرجم الشياطين, قال تعالى:"وجعلناها رجوما للشياطين".
الثالثة: علامات يستدل بها على الطريق, قال تعالى:"وعلامات وبالنجم هم يهتدون".
وقد قال قتادة: إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها اللّه زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.
ب: مظاهر إيذاء الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم.
أظهر الكفار الكثير من مظاهر العداوة والإيذاء للرسول عليه الصلاة والسلام, ابتداء بتكذيبه, لذلك نهاه الله عن طاعتهم, فقال:"ولا تطع المكذبين", لأنهم ليسوا أهلا لأن يطاعوا, فهم معاندون مستكبرون, يقفون في طريق الحق وأهله, وقد توعدهم الله لتكذيبهم فقال:"فذرني ومن يكذب بهذا الحديث", وقد حاولوا معه عليه الصلاة والسلام, بشتى الطرق ليترك ما يدعو إليه, ويدع سب آلهتهم وتسفيه احلامهم, ويرجع إلى دينهم, وتمنوا لو ظفروا منه ببادرة لين تجاههم, وموافقة منه لما هم عليه, قال تعالى فيهم:"ودوا لو تدهن فيدهنون", فلما لم يجدي ذلك نفعا, رموه بالجنون, لينفر الناس عنه, ويتوقفوا عن سماعه, فبرأه الله سبحانه وتعالى مما رموه به, فقال:"ما أنت بنعمة ربك بمجنون", واتهموه بأنه حاد ومال عن جادة الصواب, وبأنه مفتون, وبأنهم هم على الهدى وهو في ضلال, فتوعدهم الله سبحانه وتعالى بقوله:"فستبصر ويبصرون بأييكم المفتون", وقال:"فستعلمون من هو في ضلال مبين", وكذبوا وادعوا بأن الوحي الذي جاء به من كلام رب العالمين, إنما هو كلام الأولين من الأمم السابقة, فيكون فيه الخرافات والأكاذيب, ونفوا بأن يكون قد أنزله الله هداية للعالمين, وقد توعد الله سبحانه من قال بهذا, فقال:"إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين سنسمه على الخرطوم", وهم بعد هذا كله, كانوا يتربصون به ويتنظرون موته لتنقطع دعوته, وقد حاولوا قتله لكن الله كفاه شرهم, وببين تعالى إن الدعوة قائمة ولو بعد موته, وليس موته عليه الصلاة والسلام, بمانع عنهم العذاب, "قل إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم".
لذلك أمره الله تعالى بالصبر, فهذا طريق وحال جميع من سبقوه من الأنبياء, وما من نبي إلا كذبه قومه, وناله منهم من الأذى الكثير, فقال تعالى:"واصبر لحكم ربك", وقد فعل عليه الصلاة والسلام, وأتاه ما وعده الله به من خير, ومن نصر ورفعة لدينه, وذل وهلاك لمن كذبه وأذاه وطرده.