بسم الله الرحمن الرحيم
أبدأ مستعينةً بالله بالإجابة على أسئلة المجموعة الثانية
س1: دلّل على فضل طلب العلم من الكتاب والسنّة.
الإجابة:
1.قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.
2.قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
3. وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله الزيادة من العلم, فقال سبحانه: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، وهذا دليلٌ على عظم مكانة العلم وفضله.
4. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عَنْه أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((ومَن سَلَكَ طريقًا يَلْتَمِسُ فيه علمًا سَهَّلَ اللَّهُ لهُ طريقًا إِلى الجنَّةِ)) رواه مسلم.
5. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَثل مَا بَعَثَني اللَّهُ بهِ من الهدى والعِلمِ كمَثَلِ غَيْثٍ أصابَ أَرْضًا؛ فكانَتْ منها طائِفَةٌ طيّبَةٌ قَبِلَت المَاءَ؛ فأَنْبَتَت الكَلَأَ والعُشْبَ الكثِيرَ، وكانَ منْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَت الماءَ فنَفَعَ اللَّهُ بها النَّاسَ؛ فَشَرِبُوا منها وَسَقَوا وَزَرَعَوا وأَصَابَ طائفةً منها أخرى إِنَّمَا هيَ قِيعان، لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً؛ فذلك مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللَّهِ ونَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَن لمْ يرفعْ بذلكَ رَأْسًا، ولمْ يَقبلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ)) متفق عليه.
6. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((منْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجنَّةِ، وَإِنَّ الملائكةَ لَتَضَعُ أجنحتَها لطالبِ العلمِ رِضًا بما يَصنعُ وإِنَّ العالِمَ لَيَسْتغفِرُ لَهُ مَن في السَّماواتِ ومن في الأرضِ حتَّى الحيتَانُ في الماءِ، وَفَضْل العالِم علَى العابِدِ كَفَضْلِ القمرِ على سَائرِ الكوَاكبِ وإِنَّ العلماءَ ورثةُ الأَنبياءِ، وَإِنَّ الأنبِيَاءَ لمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وإِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) رواه أبو دواد والترمذي.
وهذا حديث عظيم جليل, يظهر فيه فضل العلم وطلابه, قال فيه ابن عبد البر في التمهيد: (ألا ترى أن طلب العلم من أفضل الأعمال، وإنما صار كذلك -والله أعلم- لأن الملائكة تضع أجنحتها له بالدعاء والاستغفار).
..~
س2: ما المراد بعلوم المقاصد وعلوم الآلة.
الإجابة:
علوم المقاصد: هي العلوم المتصلة بالاعتقاد والامتثال والعمل والتفكر والاعتبار.
وعلوم الآلة: هي العلوم المُعينة على دراسة علوم المقاصد وفهمها, كعلم أصول الفقه, وأصول التفسير, ومصطلح الحديث, والعلوم اللغوية.
..~
س3: بيّن نواقض الإخلاص في طلب العلم.
الإجابة:
نواقض الإخلاص في طلب العلم على درجتين:
الدرجة الأولى: أن يطلب العلم لايريد به وجه الله, بل يبتغي به عرض الحياة الدنيا, من منصبٍ أو جاهٍ أو شهرة, أو ليُشار إليه بالبنان ويُقال فلانٌ عالم. وداخل فيه الذي يعمل الأعمال الصالحة فيما يظهر للناس ليروه فيمدحوه.
وفي أصحاب هذه الدرجة وردت آيات الوعيد وأحاديثه – والعياذ بالله.
- كما في قوله تعالى: {إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أؤلئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون}
- وقوله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أؤلئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون}
- وقوله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماَ مدحوراً}
- وفي صحيح الإمام مسلم وغيره من حديث أبي هُريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة، ومنهم: ((رَجُلٌ تَعلَّمَ العلمَ وعَلَّمَهُ، وقَرأَ القرآنَ فأُتي به فعرَّفهُ نِعَمهُ فعرَفها؛ قال: فمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟
قالَ: تعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ.
قالَ: كَذَبْتَ، ولكنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ؛ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ))
نعوذ بالله من غضبه وعقابه.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ لا يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ))يَعْنِي: رِيحَهَا، رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.
- وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم من حديث أبي العالية عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( بشّر هذه الأمة بالسَّنَاء والرفعة، والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب ))
الدرجة الثانية: أن يطلب العلم يريدُ به وجه الله, ثم يطرأ عليه خاطر عجبٍ أو مراءاة, فإن جاهده ودفعه فهو مؤمن متقٍ, وإن استرسل معه حبط ذلك العمل.
والعبادة الواحدة إن كان متصلة وراءى في بعضها وأخلص في بعضها, حبطت كلها, وهذا من شؤوم المعصية والعياذ بالله.
وأصحاب هذه الدرجة أخف من أصحاب الدرجة الأولى, لأن الأولى كان الباعث للعمل فاسدًا أصلًا, أما الثانية فإن الباعث كان لله, فلديهم أصل إيمانٍ وتقوى ولكنهم عصوا الله بمراءاتهم وابتغائهم الدنيا بعمل الآخرة.
ومما ينبغي أن يتنبه له المؤمن, أن الوسوسة في أمر النية والإخلاص فيها من حيل الشيطان التي يصد بها العبد عن الخير.
وهذا باب شر عظيم حُرم به من كثير من الخلق خيرًا كثيرًا, هذا إن كان المتروك عملًا مُستحبًا, أما إن كان واجبًا فإنه آثم لتركه إياه.
وعلاج هذا مجاهدة النفس في تحقيق الإخلاص, والانكسار بين يدي الله أن يخلص العبد من وساوس الشيطان ومن حب الدنيا.
وإن أحس في نفسه شيئًا من الضعف أو التردد في أمر النية, فليعلم بضعف يقينه, فليبذل وسعه لمعالجة ذلك الضعف.
..~
س4: بيّن هدي السلف الصالح في العمل بالعلم.
الإجابة:
كان من هدي السلف رحمة الله عليهم تربية أنفسهم على العمل بالعلم, والتواصي به, وإلزام النفس به حتى تألفه.
وكانوا شديدي الحرص على ذلك, حتى ولو أن يعملوا بما علموه ولو مرةً واحدةً, ليُعدّوا من أهل ذلك العمل ويخرجوا من دائرة الذم بترك العمل بالعلم, هذا إن كان أمرًا ليس بواجبٍ يقتضي التكرار, أو من السنن المؤكدة.
- قال الحسن البصري: « كان الرّجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشُّعِه وهَدْيِه ولسانِه وبصرِه ويدِه ».
- وقال الإمام أحمد: (ما كتبت حديثا إلاّ وقد عملتُ به، حتى مرَّ بي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة ديناراً، فاحتجمت وأعطيت الحجام ديناراً).
- وقال سفيان الثوري: (ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط إلاّ عملت به ولو مرّة واحدة).
- وقال عمرو بن قيس السكوني: (إذا سمعت بالخير فاعمل به ولو مرة واحدة تكن من أهله).
- وعن وكيع بن الجرّاح والشعبي وإسماعيل بن إبراهيم بن مجمع وغيرهم أنهم قالوا: (كنّا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به).
وطالب العلم إذا وطّن نفسه ورباها على العمل بالعلم ولو مرةً واحدةً, استقامت له ولانت, فالنفس إن عُوّدت على أمرٍ تعوّدت عليها وسهل عليها.
ولا يزال العبد يزداد علمًا فعملًا فيترقى في مراقي العبودية حتى يرفعه الله مكانًا عليّا, ويُبارك له في علمه وعمره, ويفتح له أبواب رحمته, ويشكر له عمله واحتسابه لعمله بعلمه وإن قل.
ولابد لطالب أن يكسوه العلم, وتظهر عليه حلته, وتبدو عليه آثاره واضحةً جليّةً في أدبه الجم. وسمته الحسن, وصدقه في القول والعمل, وتواضعه للناس ورحمته بهم.
وبركة العلم إنّما تكون بامتثال صاحبه له, وعمله به, وظهور أثره عليه في أمره كله, وأما المتعلم الذي لا يُرى له العلم في قولٍ ولا عمل فذاك محرومُ والعياذ بالله.
وإن من أعظم المُعينات على العمل بالعلم, تربية النفس على اليقين والصبر, فاليقين يجعل العبد في إحجامٍ دائمٍ عن المعاصي, ليقينه بسوء عاقبتها, وسرعة فوات لذّتها وبقاء وزرها.
بينما يجعله في إقبالٍ دائمٍ على الطاعات والقربات, ليقينه بحسن عاقبتها, وسرعة انقضاء المشقة, وبقاء الأجر والثواب.
والصبر مُعينٌ على امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه, لذلك أمر الله عباده المؤمنين أن يستعينوا به, فقال سبحانه:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين".
ولو تأملت أحوال العباد لوجدت أن العبد لا يعصي ربه إلا إذا قلّ نصيبه من هذين الزادين العظيمين, وهما اليقين والصبر, فبقدر ما يضعفان بقدر ما يسهل وقوع العبد في شرك الشيطان وتخبطه في ظلمات المعصية.
نسأل الله أن يجعلنا من عباده المؤمنين الموقنين الصابرين.
..~
س5: اكتب رسالة مختصرة في خمسة أسطر عن تنوّع مناهج طلب العلم، والموقف الصحيح الذي ينبغي أن يكون عليه طالب العلم من هذا التنوّع.
الإجابة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فإنّه لابد لكل طالب علمٍ من منهجيةٍ محددة يسير عليها ليبلغ العلم الذي يرجوه, وهذه الخطط المنهجية متنوعة متعددة, أدلى فيها كثيرون بدلوهم, منهم من يعلم ومنهم من لايعلم, مما أوجب على طالب العلم الاختيار من بينها بحسب صلاحيتها له ومناسبتها لقدراته.
وليتمكن الطالب من التمييز بين صحتها وعدمها, فعليه أن ينظر فيها ويتفحصها, فإن كانت مراعية لمعالم المنهج الصحيح, قائمة على ركائز التحصيل العلمي, متسمةُ بمعالم العلوم, فهو على منهج صحيح بإذن الله.
فليجدّ فيها ويجتهد, وليواظب على الدراسة ويوليها حقها من العناية والاهتمام, ولا يكلف نفسه ما لا يطيق ولا يشقّ عليه حتى لا ينقطع, فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى.
بل ينبغي له ينظم وقته تنظيمًا يُعينه على مداوامة الطلب, وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
وأما من سلط طريق التذبذب بين طرائق التعلم, وكثرة التنقل بين الشيوخ والكتب, أضاع عمره وجهده وتسبب في قطع نفسه عن العلم.
فعلى طالب العلم إذا سلك طريقةً صحيحةً, أن يصّبر عليها ويلزمها ويثبت, حتى يُتمّها وتؤتي أكلها وينتفع بها, فالعبرة بالثبات ومواصلة السير حتى الوصول, لا بحماس البدايات وبريقها.
نسأل الله أن يجعلنا من العالمين العاملين وأن يزيدنا علمًا وفقهًا في الدين ويعلمنا التأويل, وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.