المجموعة الأولى:
ترجمة ابن كثير .. - بحث لي كنت أنجزته سابقا -
نسبه
هو الإمام الحافظ، الحجة ؛ المحدث، المؤرخ، المفسر الفقيه ذو الفضائل؛ عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع القرشي النسب البصروي الأصل ؛الدمشقي النشأة و التربية و التعليم ؛ الشافعي المذهب.
مولده:
ولد – رحمه الله - بقرية "مِجْدَل". " مَجْدِل ".من أعمال مدينة " بُصْرَى " ، بلد بالشام من أعمال دمشق و كان أبوه من أهل بصرى و أمه من أ قرية مجدل .
و اختلف المترجمون له فى سنة مولده و كل هذه الأقوال تتراوح بين سنة سبعمائة 700هـ و احدى و سبعمائة 701هـ ؛ قال الذهبي: و لد سنة 701 هـ و قال ابن حجر : و لد سنة 700 هـ أو بعدها بيسير و قال السيوطى: و لد سنة 700هـ.
نشأته:
نشأ الحافظ ابن كثير في بيت علم فقد كان أبوه أبو حفص عمر بن كثير خطيبا فقيها عاملا عني بالعربية و النحو و حفظ أشعار العرب و قد ترجم له ابنه الحافظ في تاريخه الكبير المشهور ( البداية و النهاية) ؛ وتوفى أبوه وعمره ثلاث سنواتأو نحوها، وانتقلت الأسرة بعد موت والد ابن كثير إلى دمشق في سنة (707 هـ)، وخلفوالده أخوه عبد الوهاب، فقد بذل جهدا كبيرا في رعاية هذه الأسرة بعد فقدها لوالدها،
و ندع ابن كثير يحكى لنا تلك الأحداث قال :(( و توفي والدي في جمادى الأول من سنة 703 هـ في قرية ((مجدل )) و دفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتون ؛ و كنت إذ ذاك صغيرا؛ ابن ثلاث سنين أو نحوها لا أدركه إلا كالحلم ثم تحولنا من بعده في سنة 707هـ إلى دمشق صحية كمال الدين عبد الوهاب و قد كان لنا شقيقا و بنا رفيقا شفوقا ؛ و قد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين[يقصد سنة 750هـ] فاشتغلت على يديه بالعلم ؛ فيسر الله تعالى منه ما يسر و سهل من ما تعسر. حياته العلمية
طلبه العلم و شيوخه: اتجه بن كثير في دراسته إلى علوم الدين و اللغة العربية و بدأ بالاشتغال في بالعلم على يدي أخيه عبد الوهاب و اجتهد في تحصيل العلوم على كبار العلماء في عصره وقد حفظ القران و سن مبكرة و ذكر في تاريخه انه ختم في سنة إحدى عشرة يقصد 711
و قرأ بالقراءات حتى اعتبره الداودي من القراء فترجم له في طبقات القراء.
و قرأ صحيح مسلم في تسعة مجالس على الشيخ نجم الدين بن العسقلاني
و سمع الموطأ ؛ و قرأ ( تهذيب الكمال ) للمزّي في تاريخ الرجال ؛ و حفظ ( التنبيه ) للشيرازي في الفروع الفقه الشافعي؛ و (( مختصر ابن الحاجب )) في الأصول ؛ و برع في الحديث و التفسير و التاريخ و الأصول و النحو؛ ودرس الحساب؛ و قد منحه الله حافظة قوية و فهما ثاقبا و علما جما و اطلاعا واسعا شهد له بذلك شيوخه و تلامذته.
شيوخه:
لقد درس ابن كثير على شيوخ كثير في فنون شتى أخد عنهم العلم و تأثر بهم:
و قد سمى بعض شيوخه في كتابه البداية النهايةنذكر بعضهم
*ابن السويدي، البدر محمد بن إبراهيم المتوفى 711 هـ
* بهاء الدين القاسم بن عساكر
*أبو نصر الشيرازي ت723 هـ
*محيى الدين أبو زكريا يحيى بن الفاضل جمال الدين ت 724 هـ
*إسحاق بن يحيى الآمدي شيخ دار الحديث الظاهرية ت 725هـ
*و منهم الشيخ الإمام الحافظ أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي مؤرخ الشام ت 739هـ
*و منهم الشيخ الحافظ الكبير أبو الحجاج جمال الدين يوسف المزي ت 742هـ
و قد لازمه و قرأ عليه مؤلفه العظيم في الرجال " تهذيب الكمال "
* و منهم شيخه الحافظ المؤرخ أبو عبد الله شمس الدين الذهبى محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ت748هـ
* و منهم الامام شمس الدين محمد بن أبى بكر بن أيوب بن سعد الزرعى ابن قيم الجوزية ت 751هـ
وذكر ابن قاضى شهبه في طبقاته: أنه كانت له خصوصية بابن تيمية، ومناضلة عنه، واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتى برأيه في مسألة الطلاق وامتُحِن بسبب ذلك وأُوذِى.
تلاميذته
و قد سمع درس عنه كثر و تخرج عليه تلاميذ ليس من السهل حصرهم لكثرتهم و تعددهم
أذكر ممن اشتهر منهم
1 – الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي ؛ و صاحب كتاب " البرهان في علوم القران " ت 794هـ
2- الحافظ الكبير زين الدين العراقى عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمان الكردي ؛ الشهير بالعراقي الشافعي ت 806هـ
3- العلامة احمد بن علاء الدين بن حجي بن موسى بن احمد الدمشقي الشافعي الحافظ ؛ مؤرخ الإسلام ؛ لازم الحافظ ست سنين ت 818 هـ
4- أبو زرعة العراقى أحمد بن الحسين بن عبد الرحمان العراقى الشافعى ت 862هـ.
5- ابن الجزري المقري محمد بن محمد بن على بن يوسف المعروف بابن الجزري الشافعي ت 833هـ
مذهبه العقدي
يعتبر الحافظ ابن كثير سلفي العقيدة يظهر ذلك من خلال شدة تمسكه بعقيدة السلف و تقريره لها فى مؤلفاته و خصوصا التفسير حيث نجد أن في تفسيره يقرر أصول العقيدة الإسلامية
من ذلك بيان الأركان الإيمان الستة و قرر أصول عقيدة السلف في بيان اتصاف الله بكمال الأسماء و الصفات و بيان وجوب إفراد الله بالعبادة و استحقاق العبادة له و حده لا شريك له كما انه قرر عقيدة السلف بوجوب الإيمان بجميع الأمور الغيبية التي اخبر عنها القران و السن و مثل الإيمان بوجود النار و الجنة و ثبوت رؤية المؤمنون ربهم يوم القيامة .. و غير ذالك و بالإضافة إلي ذالك فقد دافع ابن كثير عن عقيدة السلف و ذب عنها و رد عن طوائف البدع من الدهرين و المشركين و المعتزلة و الخوارج و غيرهم
مذهبه الفقه
يعد الإمام ابن كثير شافعي المذهب؛ و مع ذلك لم يكن من العلماء الأتباع المقلدين بل اهتم بالمذاهب الثلاثة فكان من المجتهدين الذين ينظرون في الأدلة ويختارون من الأقوال ما ترجحه تلك الأدلة؛ فلم يتعصب لمذهب الشافعي فكان بعض الأحيان يخالف مذهبه و يأخذ بقول غيره و سيأتي بينان ذلك.
ثناء العلماء عليه
وقال الداودي في طبقات المفسِّرين: "كان قدوه العلماء والحُفَّاظ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ،
وَلِىَ مشيخة أم الصالح بعد موت الذهبى - وبعد موت السبكي مشيخة الحديث الأشرفية مدة يسيرة، ثم أُخِذت منه"
قال عنه ابن حجر: "اشتغل بالحديث مطالعة في متونه ورجاله، وجمع التفسير، وشرع في كتاب كبير في الأحكام لم يكمل، وجمع التاريخ الذي سمَّاه البداية والنهاية، وعمل طبقات الشافعية، وشرع في شرح البخاري.. وكان كثير الاستحضار، حسن المفاكهة، وصارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته، ولم يكن على طريق المحدِّثين في تحصيل العوالي، وتمييز العالي من النازل، ونحو ذلك من فنونهم، وإنما هو من محدثي الفقهاء، وقد اختصر مع ذلك كتاب ابن الصلاح، وله فيه فوائد".
وقال الذهبي عنه في المعجم المختص: "الإمام المفتى، المحدِّث البارع، فقيه متفنن، مُحَدِّث متقن، مُفَسِّر نقَّال، وله تصانيف مفيدة"، يدري الفقه ويفهم العربية والأصول ويحفظ جملة صالحة من المتون والتفسير والرجال وأحواله ، سمع مني ،-ـ يقوله الذهبي-ـ وله حفظ ومعرفة "
و قال أيضا في تذكرة الحفاظ : (( سمعت مع الفقيه المفتي المحدث ذي الفضائل عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الشافعي له عناية بالرجال و المتون و الفقه خرج و ناظر و صنف و فسر و تقدم ))
وذكره صاحب شذرات الذهب فقال: "كان كثير الاستحضار، قليل النسيان، جيد الفهم".
وقال ابن حبيب فيه: " إمام ذوى التسبيح و التهليل ؛وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وصنَّف، وأطرب الأسماع بالفتوى وشنَّف، وحدَّث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه في البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رياسة العلم فى التاريخ والحديث والتفسير))
وقال تلميذه الحافظ أبو المحاسن الحسيني : (( صاهر شيخنا الحافظ المزي فأكثر عنه وأفتى و درس و ناظر و برع في الفقه و التفسير و النحو ؛ و أمعن النظر في الرجال و العلل ))
وقال فيه أحد تلاميذه شهاب الدين ابن حجى: " كان أحفظ مَنْ أدركناه لمتون الحديث، وأعرفهم بتخريجها ورجالها، وصحيحها وسقيمها، وكان أٌقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وكان يستحضر كثيرا في التفسير و التاريخ قليل النسيان و كان فقيها الفهم صحيح الذهن يحفظ التنبيه إلى وقت آخر و يشارك في العربية مشاركة جيدة و ينظم الشعر و ما أعرف أنى اجتمعتُ به على كثرة تردي عليه إلا واستفدتُ منه و قد لا زمته ست سنين".
و قال العلامة العينى: (( كان قدوة العلماء و الحفاظ و عمدة أهل المعاني و الألفاظ؛ و سمع و جمع وصنف و درس و حدث و ألف ؛ وكان له اطلاع عظيم في الحديث و التفسير و التاريخ و اشتهر بالضبط و التحرير و انتهى إليه علم التاريخ والحديث و التفسير و له مصنفات عديدة مفيدة ))
وفاته
كان رحمه الله قد كف بصره في آخر عمره و مات يوم الخميس منتصف شعبان و قيل يوم الخميس السادس و العشرين منه سنة 774 هـ -1373م عن أربع و سبعين سنة و قال ابن ناصر الدين : و كانت له جنازة حافلة مشهورة و دفن بوصية منه في تربة شيخ السلام ابن تيمية بمقبرة الصوفية خارج باب النصر من دمشق
لما مات رثاه بعض طلبته بقوله :
لفقدك طلاب العلوم تأسفوا و جادوا بدمع لا يبيد غزيز
و لو مزجوا ماء المدامع بالدما لكان قليلا فيك يا ابن كثير
مؤلفاته:
لقد خلف الحافظ ابن كثير رحمه الله للمكتبة الإسلامية ثروة علمية كبيرة في شتى فنون المعرفة من تفسير و حديث و تاريخ و غير ذلك غير أن هذه الثروة التي خلفها لم تصل كلها إلى المكتبة الإسلامية بل إنه لم يصل إلا بعض منها أما البعض الأخر و هو القسم الأكبر منها فلم يهتد إلى مكانه و إنما الذي وصل إلينا هو نسبة هذه المؤلفات إليه ؛ كما أن من بين القسم الموجود مؤلفات لازالت مخطوطة تحتاج إلى طباعة بعد دراسة و تحقيق .
أ- المؤلفات المطبوعة:
1- تفسير القرآن العظيم
2- فضائل القرآن.
3- البداية والنهاية.
4- جامع المسانيد والسنن.
5- الاجتهاد في طلب الجهاد.
6 - اختصار علوم الحديث: اختصر فيه مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث و قد أضاف إليه فوائد كثيرة و رتبه.
7- أحاديث التوحيد والردّ على الشرك: ذكره بروكلمان في ملحق تاريخ الأدب العربي (2/ 48) وأشار إلى أنه طبع في دلهي سنة 1297 هـ.
ب- المؤلفات المخطوطة:
8- طبقات الشافعية:
منه نسخة خطية مصورة بمعهد المخطوطات بالقاهرة تحت رقم (789) صورت عن نسخة الكتاني بالرباط، الموجود منها الى الطبقة الثامنة من اصحاب الشافعي؛ وهناك مخطوطة أخرى في شستربتي رقمها (3390) .
9 - تخريج أحاديث أدلة التنبيه في فروع الشافعية:
ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 125) والبغدادي في هدية العارفين (1/ 215) .
و يسمى إرشاد الفقيه إلى معرفة أدله التنبيه وهو مخطوط بتركيا ؛ و في مكتبة فيض الله تحت رقم 783 و صورة منه بالجامعة العربية بالقاهرة
ج-المؤلفات المفقودة:
10- التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل:
ورد ذكره في كشف الظنون (1/ 471) وطبقات المفسرين للداودي (1/ 110) وذيل تذكرة الحافظ للسيوطي (ص 85) .
جمع فيه (( تهذيب الكمال)) للمزي و(( ميزان الاعتدال)) للذهبي مع زيادات مفيدة في الجرح و التعديل و قد أشار إليه في كتابه (( جامع المسانيد و السنن)) و أنه في عدة عشرة مجلدات قال : ( و جعلته كالمقدمة لكتابي هذا يشير إلى ((جامع المسانيد)) قال الحسيني في ((ذيل التذكرة الحفاظ )) :: و هو في خمس مجلدات و يوجد الجزء التاسع في مجلدين كبيرين بدار الكتب المصرية تحت رقم 24227 ب.
11- الكواكب الدراري في التاريخ:
ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (2/ 1521) .
12- سيرة الشيخين أو ( مسند الشيخين أبى بكر و عمر )
ورد ذكره في البداية والنهاية (7/ 18) وذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي (ص 361) .
13- الواضح النفيس في مناقب الإمام محمد بن إدريس:
ذكر في كشف الظنون (2/ 1840) وطبقات المفسرين (1/ 111) .
14- كتاب الأحكام:
وهو كتاب كبير لم يكمله وصل فيه إلى الحجّ وقد ورد ذكره باسم «الأحكام الصغرى في الحديث» في كشف الظنون (1/ 550) .
15- الأحكام الكبيرة:
ذكر في البداية والنهاية (3/ 253) وطبقات المفسرين (1/ 110) .
16- اختصار كتاب المدخل إلى كتاب السنن للبيهقي:
ورد ذكره في اختصار علوم الحديث لابن كثير (ص 4) .
17- شرح صحيح البخاري:
لم يتمه؛ ذكر في البداية والنهاية (3/ 3، 11/ 36) ، وكشف الظنون (1/ 550) وطبقات المفسرين (1/ 110) .
18- السماع:
ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (2/ 1002) .
ومما يلاحظ القاري عند استعراضه لهذه المؤلفات أن الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى أجاد في العلوم الإسلامية كلها من تفسير و حديث و أحكام و تاريخ و أصول و عقائد ؛ و هذا نتاج حصيلته العلمية التى استفادها من مشاهير العلماء في عصره كابن تيمية و ابن القيم و المزي و الذهبي و غيرهم.
ثناء العلماء على التفسير :
قال الإمام السيوطي: (( لم يؤلف على نمط مثله ))
و قال الزرقانى: (( و تفسيره هذا من أصح التفاسير بالمأثور ؛ ان لم يكن أصحها ))
وقال الشوكاني صاحب فتح القدير " له تصانيف منها التفسير المشهور وهو في مجلدات وقد جمع فأوعى ، ونقل المذاهب والأخبار والآثار "
وقال الشيخ أحمد بن شاكر رحمه الله: .. فإن تفسير ابن كثير أحسن التفاسير التي رأينا ، وأجودها وأدقها ، بعد تفسير إمام المفسرين أبي جعفر الطبري ، ولسنا نوازن بينهما وبين أي تفسير آخر مما بين أيدينا فما رأينا مثلهما ولا يقاربهما
وكذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن في الدرر السنية يقول: أفضل ما في أيدي الناس من التفاسير هذه الثلاثة: تفسير أبي جعفر محمد بن جرير، وتفسير الحسين بن مسعود البغوي، وتفسير العماد إسماعيل بن كثير، فهذه أجل التفاسير.
- - وإمام العصر ومحدث العصر الألباني رحمه الله لما سئل ما أحسن ما يقرأ طالب العلم في الحديث وفي الرقائق والتفسير والحديث وعدد مجموعة من الفنون، فقال: أما ما يتعلق بالرقائق وتزكية النفس وكذا فعلى السائل أن يقرأ في رياض الصالحين، وفي المعتقد لا يغفل عن العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الأذرعي، أما التفسير فإنني أنصح السائل أن يقرأ في تفسير الحافظ ابن كثير فما رأينا مما في أيدينا الآن من التفاسير مثل تفسير ابن كثير، وإن كان فيه بعض التطويل أو الطول فعلى السائل أن يعود ويمرن نفسه على القراءة والنظر فيه.