الجزء الأول قسم 4 من(12_17)..
وقال مهنا بن يحيى السلمي قلت : لأحمد بن حنبل ما أفضل الأعمال ؟ قال : طلب العلم لمن صحت نيته .
قلت : وأي شيء تصحيح النية ؟ قال : أن ينوي يتواضع فيه وينفي عنه الجهل .
ونقل ابن هانئ في مسائله عن الإمام ابن أحمد أنه قال : العلم لا يعدله شيء .
ونقل النووي في مجموع اتفاق السلف على أن الإشتغال بالعلم أفضل من الإشتغال بنوافل الصوم والصلاة والتسبيح ونحو ذلك من نوافل العبادة .
فهذه الأثار عن السلف الصالح تدل على معرفتهم بفضل العلم وادراكهم الحقيقة الجليلة ؛ فشمروا عن ساعد الجد في طلب العلم حتى أدركوا ما أدركوا بفضل الله عز وجل من العلم النافع الذي وصلنا نفعه بفضل الله تعالى .
وقد ساق ابن بطال بسنده إلى يحيى بن يحيى الليثي وهو (تلميذ الإمام مالك) أنه لما أتى الإمام مالك قال:
أول ما حدثنى مالك بن أنس حين أتيته طالبا لما ألهمنى الله إليه فى أول يوم جلست إليه قال لى: اسمك؟ قلت له: أكرمك الله يحيى.
وكنت أحدث أصحابى سناً. -يعني أصغرهم سنًا-
فقال لى: يا يحيى، الله الله، عليك بالجد فى هذا الأمر، وسأحدثك فى ذلك بحديث يرغبك فيه، ويزهدك فى غيره.
قال الإمام مالك: قدم المدينة غلام من أهل الشام بحداثة سنك فكان معنا يجتهد ويطلب حتى نزل به الموت، فلقد رأيت على جنازته شيئا لم أر مثله على أحد من أهل بلدنا، لا طالب ولا عالم، فرأيت جميع العلماء يزدحمون على نعشه.
فلما رأى ذلك الأمير أمسك عن الصلاة عليه، وقال: قدموا منكم من أحببتم.
فقدم أهل العلم ربيعة.وكان من أئمة العلماء في المدينة
ثم نهض به إلى قبره.
قال مالك: فألحده فى قبره ربيعة، وزيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد، وابن شهاب، وأقرب الناس إليهم محمد بن المنذر، وصفوان بن سليم، وأبو حازم وأشباههم، وبنى اللِّبن على لحده ربيعة، وهؤولاء كلهم يناولونه اللبن!
فهؤولاء علماء المدينة وأشرافهم وكبرائهم من العلماء والعباد ازدحموا على جنازة هذا الغلام الشاب فما سر هذا الغلام فالذي مات وهو يطلب العلم .
قال مالك: فلما كان اليوم الثالث من يوم دفنه رآه رجل من خيار أهل بلدنا فى أحسن صورة غلام أمرد، وعليه بياض، متعمم بعمامة خضراء، وتحته فرس أشهب نازل من السماء، فكأنه كان يأتيه قاصداً ويسلم عليه، ويقول: هذا بلغني إليه العلم.
فقال له الرجل: وما الذى بلغك إليه؟ فقال: أعطانى الله بكل باب تعلمته من العلم درجة فى الجنة، فلم تبلغ بى الدرجات إلى درجة أهل العلم، - لأنه مات صغير- فقال الله تعالى: زيدوا ورثة أنبيائى، فقد ضمنت على نفسى أنه من مات وهو عالم سنتى، أو سنة أنبيائى، أو طالب لذلك أن أجمعهم فى درجة واحدة.
فأعطانى ربى حتى بلغت إلى درجة أهل العلم، وليس بينى وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا درجتان، درجة هو فيها جالس وحوله النبيون كلهم، ودرجة فيها جميع أصحابه، وجميع أصحاب النبيين الذين اتبعوهم، ودرجة من بعدهم فيها جميع أهل العلم وطلبته، فسيرنى حتى استوسطتهم فقالوا لى: مرحبا، مرحبا، سوى ما لى عند الله من المزيد.
فقال له الرجل: ومالك عند الله من المزيد؟
فقال: وعدنى أن يحشر النبيين كلهم كما رأيتهم فى زمرة واحدة، فيقول: يا معشر العلماء، هذه جنتى قد أبحتها لكم، وهذا رضوانى قد رضيت عنكم، فلا تدخلوا الجنة حتى تتمنوا وتشفعوا، فأعطيكم ما شئتم، وأشفعكم فيمن استشفعتم له، ليرى عبادى كرامتكم على، ومنزلتكم عندى.
فلما أصبح الرجل حدث أهل العلم، وانتشر خبره بالمدينة.
قال مالك: كان بالمدينة أقوام بدؤوا معنا فى طلب هذا الأمر ثم كفوا عنه، حتى سمعوا هذا الحديث، فلقد رجعوا إليه، وأخذوا بالحزم، وهم اليوم من علماء بلدنا، الله الله يا يحيى جد فى هذا الأمر. وهذه الرؤيا العجيبة كما أسلفت ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري .