دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > الأيمان والنذور

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:40 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي [ من حلف على يمين بملة غير الإسلام ]

عنْ ثابتِ بنِ الضَّحَّاكِ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّه بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: ((مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ، كاذِبًا مُتَعَمِّدًا، فَهُوَ كما قَالَ، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ)) .
وفي روايَةٍٍ: ((وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ)) .
وفي روايَةٍ : ((وَمَن ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً، لِيَتَكَثَّرَ بِهَا، لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلاَّ قِلَّةً)) .

  #2  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ والخمسونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ ثابتِ بنِ الضَّحَّاكِ الأنصاريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أَنَّه بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ، كاذِبًا مُتَعَمِّدًا، فَهُوَ كما قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ)).
وفي روايَةٍ: ((وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ)).
وفي روايَةٍ: ((وَمَن ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً، لِيَتَكَثَّرَ بِهَا، لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تَغْلِيظُ التحريمِ على مَنْ حَلَفَ بغيرِ شريعةِ الإسلامِ.
الثَّانِيَةُ: تحريمُ قَتْلِ الإنسانِ نَفْسَهُ.
الثَّالِثَةُ: أنَّ لَعْنَ الإنسانِ كقتلِهِ في الإثمِ.
الرَّابِعَةُ: تحريمُ ادِّعَاءِ الإنسانِ ما ليسَ فِيهِ، منْ عِلْمٍ أوْ نسبٍ أوْ غيرِهِمَا، لا سِيَّمَا إذا أَرَادَ الخديعةَ أو التَّكَبُّرَ والرياءَ.
الْخَامِسَةُ: أنَّ النَّذْرَ لا يَنْعَقِدُ فيما لا يَمْلُكُهُ النَّاذِرُ.

  #3  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحديثُ الْحَادِي وَالستونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
361- عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَنَّه بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قال :((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ، كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ)) .
وَفِي رِوَايَةٍ :((وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ)) .
وَفِي رِوَايَةٍ :((وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كاذِبَةً، لِيَتَكَثَّرَ بِهَا، لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً)) .(187)
_______________________
(187) المعنى الإجماليُّ :
روى ثابتُ بنُ الضَّحَّاكِ الأنصاريُّ - أحدُ المبايِعينَ تحتَ الشجرةِ (بيعةَ الرضوانِ) يومَ ((الحديبيةِ)) - عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ ما معناهُ : مَن حَلَفَ عَلَى يمينٍ بغيرِ شريعةِ الإسلامِ : كأنْ يقولَ : هُوَ يهوديٌّ أَوْ نصرانيٌّ، أَوْ هُوَ مجوسيٌّ، أَوْ هُوَ كافرٌ، أَوْ برئَ من اللهِ ورسولِهِ متعمِّدًا كاذبًا فِي يمينِهِ، فهو كما نسبَ نفسَهُ إليهِ من إحدى هَذِه المللِ الكافرةِ .
ومَن قتلَ نفسَهُ بشيءٍ، كَسَيْفٍ، أَوْ سِكِّينٍ، أَوْ رَصاصٍ، أَوْ غيرِ ذلكَ من آلاتِ القتلِ، عُذِّبَ بهِ يومَ القيامةِ؛ وذلكَ لأنَّ نفسَهُ ليستْ مِلْكًا لهُ، وإنَّما هيَ مِلْكٌ للهِ تعالى، وَهُوَ المتصرِّفُ بها، فهيَ عندهُ وديعةٌ وأمانةٌ خانَ فيها بانتحارِهِ .
فالجزاءُ من جنسِ العملِ، فاستحقَّ العذابَ وَالقصاصَ، بمثلِ ما فعَلَ .
ومَن لَعَنَ مؤمنًا، فكأنما قتلَهُ؛ لاشتراكِ اللاعنِ وَالقاتلِ بانتهاكِ حرمِ اللهِ تعالى، وَاكتسابِ الإثمِ، وَاسْتِحْقَاقِ العذابِ .
ومَنْ تَكَبَّرَ وتكَثَّرَ بالدعَاوِي الكاذبةِ، التي ليستْ فيهِ: من مالٍ أَوْ علمٍ، أَوْ نسبٍ، أَوْ شرفٍ، أَوْ منصبٍ، مريدًا بذلكَ التطاوُلَ لم يزدْهُ اللهُ إلَّا ذلَّةً وحقارةً؛ لأنَّهُ أرادَ رفعَ نفسِهِ بما ليسَ فيهِ، فجزاؤُه من جنسِ مقصدِهِ .
وأعظمُها أن يقصدَ بدعاويهِ الحيلةَ لأكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ، أَوْ تضليلَهم ومخادعتَهم .
ومَن نذرَ شيئًا لم يملكْهُ - كَأَنْ يَنْذِرَ عِتْقَ عبدِ فلانٍ، أَو التصدُّقَ بشيءٍ من مالِ فلانٍ - فإنَّ نذرَهُ لاغٍ لم يَنْعَقِدْ؛ لأنَّهُ لم يقعْ موقعَهُ، ولم يحلَّ محلَّه .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- تغليظُ التحريمِ عَلَى مَن حلفَ بشريعةٍ غيرِ الإسلامِ . وَقَد اختلفَ العلماءُ . هَلْ لها كفَّارةٌ أم لا؟
فالمشهورُ من مذهبِنا أنَّ فيها الكفَّارةَ، وَهُوَ مذهبُ الحنفيَّةِ وغيرِهم .ومذهبُ مالكٍ، وَالشافعيِّ : ليس فيها كفَّارةٌ، وَهُوَ روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ، اختارَها ((ابنُ قدامةَ)) و((ابنُ دقيقِ العيدِ)) وغيرُهما، وهيَ أصحُّ .
2- تحريمُ قتلِ الإنسانِ نفسَه، فإنَّ إثمَه كإثمِ القاتلِ لغيرِه، ويعذَّبُ بما قتلَ بهِ نفسَه؛ فإنَّ الجزاءَ منْ جنسِ العملِ .
3- وأنَّ لعنَ الإنسانِ كقتلِه فِي المشاركةِ فِي الإثمِ، وإنْ لم يستوِيَا فِي قدْرِه .
4- تحريمُ ادِّعاءِ الإنسانِ ما ليسَ فيهِ، من علمٍ، أَوْ نسبٍ، أَوْ شجاعةٍ، أَوْ غيرِ ذلكَ، خصوصًا لمَن غَرَّ بها الناسَ، أَوْ يَدَّعي معرفتَه لعملٍ؛ ليتولَّى وظيفةً . كلُّ هَذَا حرامٌ .
ومَنْ فعلَه رياءً وتَكَبُّرًا لم يزدْهُ اللهُ تعالى إلَّا ذِلَّةً؛ فالجزاءُ من جنسِ القصدِ الدنيءِ .
5- إنَّ النذرَ لا ينعقدُ فيما لا يَمْلِكُهُ الناذِرُ؛ فإنَّ النذرَ طاعةٌ وقربةٌ، ولا يَتقرَّبُ فيما لا يَتصرَّفُ فيه، وإذا نذرَ، فليسَ عليهِ فِي نذرِهِ شيءٌ .
6- ظاهرُ قولِهِ فِي الحديثِ : (فهوَ كما قالَ) إنَّ الحالفَ بغيرِ ملَّةِ الإسلامِ يخرجُ من الإسلامِ، وإنَّ قولَهُ (لعنُ المؤمنِ كقتلِهِ) إنَّ إثمَ اللاعنِ وَالقاتلِ سواءٌ . وتَقَدَّمَ الكلامُ عَلَى مثلِ هذهِ النصوصِ .
ولشيخِ الإسلامِ ((ابنِ تيميةَ)) فِي مثلِ هذهِ الأحاديثِ مسلكٌ، وهوَ : أنَّهُ لَا بُدَّ فِي وقوعِ الوعيدِ من وجودِ أسبابِهِ وَانتفاءِ موانِعِهِ .
فإذا رُتِّبَ الوعيدُ عَلَى فعلِ شيءٍ، كَانَ فعلُهُ سببًا من أسبابِ الوعيدِ الموجبِ لحصولِهِ .
فإنِ انتفتِ الموانعُ من ذلكَ وقعَ، وإنْ عارضَ السببَ مانعٌ اندفعَ موجبُ السببِ بحسبِ قوةِ المانعِ وضعفِهِ، وهذهِ قاعدةٌ نافعةٌ .

  #4  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

367 – الحديثُ السابعُ: عن ثابتِ بنِ الضَحَّاكِ الأنصاريِّ رضِيَ اللَّهُ عنهُ، أَنَّهُ بَايَعَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ: "مَنْ حَلَفَ علَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ علَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ".
وفي روايةٍ: "وَلَعْنُ المُؤمِنِ كَقَتْلِهِ".
وفي روايةٍ: "مَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً؛ لِيَتَكَثَّرَ بِهَا، لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا قِلَّةً".
فيهِ مسائلُ.
المسألةُ الأُولَى: الحَلِفُ بالشَّيْءِ حقيقةً، هوَ القسمُ بهِ، وإدخالُ بعضِ حروفِ القسمِ عليهِ. كقولـِهِ: "واللَّهِ، والرَّحمنِ"، وقدْ يُطْلَقُ علَى التعليقِ بالشيءِ يمينٌ، كما يقولُ الفقهاءُ: إذا حلفَ بالطلاقِ علَى كذا، ومُرَادُهُم تعليقُ الطلاقِ بهِ، وهذا مجازٌ؛ وكأنَّ سببَهُ مُشَابَهَةُ هذا التعليقِ باليمينِ في اقتضاءِ الحِنْثِ أو المَنْعِ.
إذا ثبتَ هذا، فنقولُ: قولـُهُ عليهِ السلامُ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ"، يَحْتَمِلُ أنْ يُرَادَ بهِ المعنَى الأوَّلُ، ويَحْتَمِلُ أنْ يُرَادَ بهِ المعنَى الثَّانِي. والأقربُ أنَّ المُرادَ الثاني؛ لِأَجْلِ قولـِهِ: "كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا"، والكَذِبُ يَدْخُلُ القضيَّةَ الإخباريَّةَ التي يقعُ مُقْتَضَاهَا تَارَةً، وتَارَةً لا يَقَعُ. وأمَّا قولُنَا: "واللَّهِ" وما أشبهُهُ، فليسَ الإخبارُ بها عن أمْرٍ خارجيٍّ، وهيَ للإنشاءِ –أعْنِي إنشاءَ القسمِ– فتكونُ صورةُ هذا اليمينِ علَى وجهَيْنِ؛ أحدُهُما: أنْ يتعلَّقَ بالمُسْتَقْبَلِ، كقولـِهِ "إنْ فعلْتُ كذا فهوَ يَهُودِيٌّ أو نصرانِيٌّ"، والثاني: أنْ يتعلَّقَ بالماضي، مثلُ أنْ يقولَ: "إنْ كُنْتُ فعلْتُ كذا فهوَ يهوديٌّ أو نصرانيٌّ"، فأمَّا الأوَّلُ، وهوَ ما يتعلَّقُ بالمُسْتَقْبَلِ فلا تتعلَّقُ بهِ الكَفَّارةُ عندَ المالكيَّةِ والشافعيَّةِ، وأمَّا عندَ الحنفيَّةِ ففيها الكفَّارةُ. وقد يتعلَّقُ الأوَّلونَ بهذا الحديثِ؛ فإنَّهُ لم يذْكُرْ كفَّارَةً، وجعلَ المُرَتَّبَ علَى ذلكِ قولـُهُ: "هوَ كما قالَ"، وأمَّا إنْ تعلَّقَ بالماضي، فقد اختلفَ الحنفيَّةُ فيهِ، فقيلَ: إنَّهُ لا يُكَفَّرُ؛ اعتبارًا بالمُسْتَقْبَلِ. وقيلَ: يُكَفَّرُ؛ لأنَّهُ تَنْجِيزُ معنًى، فصارَ كما إذا قالَ "هوَ يهوديٌّ"، قالَ بعضُهُمْ: والصحيحُ أنَّهُ لا يُكَفَّرُ فيهِمَا، إنْ كانَ يَعْلَمُ أنَّهُ يمينٌ. وإنْ كانَ عندَهُ أنَّهُ يُكَفَّرُ بالحَلِفِ، يُكَفَّرُ فيهِما؛ لأنَّهُ رضيَ بالكُفْرِ، حيثُ أقدمَ علَى الفعلِ.
المسألةُ الثانيةُ: قولـُهُ عليهِ السلامُ: "وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، هذا من بابِ مُجَانَسَةِ العُقوباتِ الْأُخْرَوِيَّةِ للجناياتِ الدُّنْيَويَّةِ.
ويُؤْخَذُ منهُ أنَّ جنايةَ الإنسانِ علَى نفسِهِ كجِنَايَتِهِ علَى غيرِهِ في الإثْمِ؛ لأنَّ نفسَهُ ليسَتْ مِلْكًا لهُ، وإنَّمَا هيَ مِلْكٌ لِلَّهِ تعالَى، فلا يتَصَرَّفُ فيها إلا فيما أُذِنَ لـهُ فيهِ. قالَ القاضي عِيَاضٌ: وفيهِ دليلٌ لِمَالِكٍ ومَن قالَ بقولِهِ، علَى أنَّ القِصَاصَ من القاتلِ بما قُتِلَ بهِ، مُحدَّدًا كانَ أو غيرَ مُحَدَّدٍ؛ خلافًا لأبي حنيفةَ، اقتداءً بعقابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ لقاتلِ نفسِهِ في الآخرةِ. ثم ذكرَ حديثَ اليهوديِّ، وحديثَ العُرَنِيِّينَ.
وهذا الذي أخذهُ من هذا الحـديثِ في هذهِ المسألةِ ضعيفٌ جدًّا؛ لأنَّ أحكامَ اللَّهِ تعالَى لا تُقَاسُ بأفعالِهِ. وليسَ كُلُّ ما فعلَهُ فَى الآخرةِ بمَشْرُوعٍ لنا في الدُّنْيَا كالتَّحْرِيقِ بالنَّارِ، وَإلْسَاعِ الحَيَّاتِ والعقاربِ، وسَقْيِ الحميمِ المُقَطِّعِ للأمعاءِ.
وبالجملةِ: فما لنا طريقٌ إلَى إثباتِ الأحكامِ إلا نصوصٌ تدلُّ عليها، أو قياسٌ علَى المنصوصِ عندَ القِياسِيِّينَ. ومِن شَرْطِ ذلكَ أنْ يكونَ الأصلُ المَقِيسُ عليهِ حُكْمًا، أمَّا ما كانَ فعلًا لِلَّهِ تعالَى فلا. وهذا ظاهرٌ جدًّا. وليسَ ما نَعْتَقِدُهُ فعلًا لِلَّهِ تعالَى في الدُّنْيَا أيضًا بالمُبَاحِ لنا؛ فإنَّ لِلَّهِ أنْ يفعلَ ما يشـاءُ بعبادِهِ، ولا حُكْمَ عليهِ. وليسَ لنا أنْ نفعلَ بهم إلا ما أُذِنَ لنا فيهِ، بواسطةٍ أو بغيرِ واسطةٍ.
المسألةُ الثالثةُ: التصرُّفاتُ الواقعةُ قبلَ المِلْكِ للشَّيْءِ علَى وجهَيْنِ.
أحدُهُما: تصرُّفاتُ التَّنْجِيزِ، كما لو أعتقَ عبدٌ غيرَهُ، أو باعَهُ، أو نذَرَ نذرًا مُتَعَلِّقًا بهِ. فهذهِ تصرُّفاتٌ لاغِيَةٌ اتِّفاقًا إلا ما حُكِيَ عن بعضِهِم في العِتْقِ خاصَّةً، أَنَّهُ إذا كانَ مُوْسِرًا: يُعْتَقُ عليهِ. وقيلَ: إنَّهُ رَجَعَ عنْهُ.
الثَّانِي: التصَرُّفاتُ المُتَعَلِّقَةُ بالمِلْكِ، كتعَلُّقِ الطَّلاقِ بالنكاحِ مثلًا. فهذا مختلفٌ فيهِ، فالشافعيُّ يُلْغِيهِ كالأوَّلِ. ومالكٌ وأبو حنيفةَ يَعْتَبِرَانِهِ. وقدْ يُسْتَدَلُّ للشافعيِّ بهذا الحديثِ وما يُقَارِبُهُ. ومُخَالِفُوهُ يَحْمِلُونَهُ علَى التَّنْجِيزِ، أو يقولونَ بمُوجَبِ الحديثِ. فإنَّ التَّنفِيذَ إنَّمَا يقعُ بعدَ المِلْكِ. فالطلاقُ –مثلًا– لم يقَعْ قبلَ المِلْكِ، فَمِن هُنا يَجِيءُ القولُ بالمُوجَبِ.
وهَهُنا نظرٌ دقيقٌ في الفَرْقِ بينَ الطلاقِ –أعْنِي تعلِيقَهُ بالمِلْكِ– وبَيْنَ النَّذْرِ في ذلكَ فَتَأَمَّلْهُ. واسْتَبْعَدَ قومٌ تأويلَ الحديثِ وما يُقَارِبُهُ بالتَّنْجِيزِ، مِن حيثُ إنَّهُ أمرٌ ظاهرٌ جليٌّ، لا تقومُ بهِ فائدةٌ يَحْسُنُ حَمْلُ اللفظِ عليها؛ وليْسَتْ جهةُ هذا الاستبعادِ بقويَّةٍ، فإنَّ الأحكامَ كلَّها في الابتداءِ كانَتْ مُنْتَفِيَةً، وفي أثنَائِها فائدةٌ مُتَجَدِّدَةٌ، وإنَّمَا حصلَ الشُّيُوعُ والشُّهْرَةُ لبعضِها فيما بعدَ ذلكَ. وذلكَ لا يَنْفِي حصولَ الفائدةِ عندَ تأسيسِ الأحكامِ.
المسألةُ الرابعةُ: قولُهُ عليهِ السلامُ: "وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ"، فيهِ سُؤالٌ، وهوَ أنْ يُقَالَ: إمَّا أنْ يكونَ كقَتْلِهِ في أحكامِ الدُّنيا، أو في أحكامِ الآخرةِ؟ لا يُمْكِنُ أن يكونَ المُرادُ أحكامَ الدنيا؛ لأنَّ قتْلَهُ يُوجِبُ القِصاصَ، ولَعْنُهُ لا يُوجِبُ ذلكَ. وأمَّا أحكامُ الآخـرةِ: فإمَّا أنْ يُرَادَ بها التَّسَاوي في الإثمِ، أو في العقابِ؟ وكلاهُما مُشْكِلٌ؛ لأنَّ الإثمَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ مَفْسَدَةِ الفِعْلِ، وليسَ إذهابُ الرُّوحِ في المفسدةِ كمفسدةِ الأذَى باللَّعْنَةِ. وكذلكَ العقابُ يتفاوتُ بحَسَبِ تَفَاوُتِ الجرائمِ، قالَ اللَّهُ تعالَى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، وذلكَ دليلٌ علَى التَّفَاوُتِ في العقابِ والثوابِ، بحَسَبِ التفاوُتِ في المصالحِ والمفاسدِ؛ فإنَّ الخَيْرَاتِ مصالحٌ، والمفاسدَ شُرورٌ. قالَ القاضي عياضٌ: قالَ الإمامُ، يَعْنِي الْمَازَرِيَّ: الظاهرُ من الحديثِ تشبيهُهُ في الإثمِ، وهوَ تشبِيهٌ واقعٌ؛ لأنَّ اللعنةَ قَطْعٌ عن الرَّحْمَةِ، والموتَ قَطْعٌ عن التصَرُّفِ. قالَ القاضي: وقيلَ: لعْنَتُهُ تَقْتَضِي قَصْدَهُ بإخراجِهِ من جماعةِ المسلمينَ، ومَنْعَهُمْ مَنَافِعَهُ وتكثيرَ عددِهِم بهِ. كما لو قتَلَهُ. وقيلَ: لعْنَتُهُ تَقْتَضِي قَطْعَ منافِعِهِ الأُخرويَّةِ عنهُ، وبُعْدُهُ منها بإجابةِ لَعْنَتِهِ، فهوَ كمنْ قُتِلَ في الدُّنيا، وقُطِعَتْ عنهُ منافعُهُ فيها. وقيلَ: الظاهرُ من الحديثِ تشبيهٌ في الإثمِ، وكذلكَ ما حكَاهُ مِن أنَّ معنَاهُ استِوَاؤُهُمَا في التحريمِ.
وأقولُ: هذا يحتاجُ إلَى تلخيصٍ ونظرٍ. أمَّا ما حكاهُ عن الإمامِ –من أنَّ معناهُ استواؤُهُمَا في التحريمِ– فهذا يحتملُ أَمْرَيْنِ؛ أحدُهُما: أنْ يقعَ التشبيهُ والاستواءُ في أصلِ التحريمِ والإثمِ، والثاني: أنْ يقعَ في مقدارِ الإثمِ.
فأمَّا الأوَّلُ: فلا ينبغِي أن يُحْمَلَ عليهِ؛ لأنَّ كلَّ معصيةٍ –قَلَّتْ أوْ عَظُمَتْ– فهيَ مُشَابِهَةٌ أو مستويَةٌ معَ القتلِ في أصلِ التحريمِ، فلا يَبْقَى في الحديثِ كبيرُ فائدةٍ، معَ أنَّ المفهومَ منهُ تعظيمُ أَمْرِ اللعنةِ بتشْبِيهِهَا بالقتلِ.
وأمَّا الثاني، فقدْ بيَّنَّا ما فيهِ من الإشكالِ. وهوَ التَّفَاوُتُ في المفسدةِ بينَ إزهاقِ الرُّوحِ وإتلافِهَا، وبينَ الأذَى باللَّعْنَةِ.
وأمَّا ما حكاهُ عن الإمامِ – من قولـِهِ: إنَّ اللعنةَ قطعٌ عن الرحمةِ، والموتَ قطعٌ عن التصرُّفِ– فالكلامُ عليهِ أنْ نَقُولَ: اللعنةُ قدْ تُطْلَقُ علَى نفسِ الإبعادِ الذي هوَ فِعْلُ اللَّهِ تعالَى. وهذا الذي يقعُ فيهِ التشبيهُ. والثاني: أنْ تُطْلَقَ اللعنةُ علَى فِعْلِ اللَّاعِنِ، وهوَ طلبُهُ لذلكَ الإبعادِ بقولـِهِ: "لَعَنَهُ اللَّهُ" مثلًا، أو بوَصْفِهِ للشخصِ بذلكَ الإبعادِ، بقولِهِ: "فلانٌ ملعونٌ". وهذا ليسَ بقطعٍ عن الرحمةِ بنفْسِهِ، ما لمْ تَتَّصِلْ بهِ الإجابةُ. فيكونُ حينئذٍ تسَبُّبًا إلَى قطعِ التصرُّفِ. ويكونُ نظيرُهُ التسَبُّبَ إلَى القتلِ. غيرَ أنَّهُمَا يفترقانِ في أنَّ التسَبُّبَ إلَى القتلِ بِمُبَاشَرَةِ الحزِّ وغيرِهِ من مُقَدِّمَاتِ القتلِ مُفْضٍ إلَى القتلِ بمُطَّرِدِ العادةِ. فلو كانَ مُبَاشَرَةُ اللَّعْنِ مُفْضِيًا إلَى الإبعادِ الذي هوَ اللعنُ دائمًا لاستوَى اللَّعْنُ معَ مُبَاشَرَةِ مُقَدِّمَاتِ القتلِ، أو زادَ عليهِ.
وبهذا يتبَيَّنُ لكَ الإيرادُ علَى ما حكاهُ القاضي، من أنَّ لعْنَتَهُ لـهُ تَقْتَضِي قصْدَهُ إخراجَهُ عن جماعةِ المسلمينَ، كما لو قتَلَهُ. فإنَّ قصْدَهُ إخراجَهُ لا يَسْتَلْزِمُ إخراجَهُ. كما يستلزمُ مُقَدِّماتُ القتلِ، وكذلكَ أيضًا ما حكاهُ من أنَّ لعْنَتَهُ تقْتَضِي قطعَ منافِعِهِ الأُخرَوِيَّةِ عنهُ بإجابةِ دعْوَتِهِ، إنَّمَا يَحْصُلُ ذلكَ بإجابةِ الدعْوَةِ، وقدْ لا تُجَابُ في كثيرٍ من الأوقاتِ. فلا يَحْصُلُ انقطاعُهُ عن منافِعِهِ، كما يحْصُلُ بقتْلِهِ. ولا يسْتَوِي القصدُ إلَى القطعِ بطلبِ الإجابةِ، مع مُبَاشَرَةِ مُقَدِّمَاتِ القتلِ المُفْضِيَةِ إليهِ في مُطَّرِدِ العادةِ.
ويَحْتَمِلُ ما حكاهُ القاضي عن الإمامِ وغيرِه، أو بعضُهُ، أنْ لا يكونَ تشْبِيهًا في حُكْمٍ دُنْيَوِيٍّ، ولا أُخْرَوِيٍّ، بلْ يكونُ تشبيهًاُ لأَمْرٍ وُجُودِيٍّ بِأَمْرٍ وُجُودِيٍّ، كالقطعِ. والقطعُ –مثلًا في بعضِ ما حكاهُ– أي قطَعَهُ عن الرحمةِ، أو عن المسلمينَ بقطعِ حياتِهِ. وفيهِ بعدَ ذلكَ نَظَرٌ.
والذي يُمْكِنُ أنْ يُقَرِّرَ بهِ ظاهرُ الحديثِ في استِوَائِهِمَا في الإثمِ، أنَّا نقولُ: لا نُسَلِّمُ أنَّ مفسدةَ اللَّعْنِ مُجَرَّدُ أَذَاهُ، بلْ فيها –معَ ذلكَ– تعريضُهُ لإجابةِ الدعاءِ فيهِ؛ بموافقةِ ساعةٍ لا يُسْأَلُ اللَّهُ فيها شيئًا إلا أَعْطَاهُ. كما دلَّ عليهِ الحديثُ من قولـِهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: "لَا تَدْعُو عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُو عَلَى أَمْوَالِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ؛ لَا تُوَافِقُوا سَاعَةً" الحديثَ، وإذا عرَّضَهُ باللعنةِ لذلكَ وقعَتْ الإجابةُ، وإبعَادُهُ من رحمةِ اللَّهِ تعالَى، كانَ ذلكَ أعظمَ من قتْلِهِ؛ لأنَّ القَتْلَ تَفْوِيتُ الحياةِ الفانِيَةِ قَطْعًا. والإبعادُ من رحمةِ اللَّهِ تعالَى أَعْظَمُ ضررًا بما لا يُحْصَى. وقد يكونُ أعظمُ الضَّرَرَيْنِ علَى سبيلِ الاحتمالِ مُسَاوِيًا أو مُقَارِبًا لأَخَفِّهِمَا علَى سبيلِ التَّحْقِيقِ. ومقاديرُ المفاسدِ والمصالحِ وأَعْدَادُهُمَا أَمْرٌ لا سبيلَ للبشرِ إلى الاطِّلاعِ علَى حقائقِهِ.

  #5  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

................................

  #6  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 06:22 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ:

عن ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه , أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة , وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال . ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة . وليس على رجل نذر فيما لا يملك)) . وفي رواية:((لعن المؤمن كقتله)) . وفي رواية: ((من ادعى دعوى كاذبة ليستكثر بها لم يزده الله إلا قلة)) .
الشيخ :
كذلك في هذا الحديث أيضًا الأمرُ بالوفاءِ بالنذورِ ، والنذرُ هو أن يلزم الإنسان نفسه شيئا لم يلزمه شرعا , يلزم به نفسه وهو غير لازم ، فيلزمه الوفاء به , إلا إذا كان النذر في شيء لا يملكه . في هذا الحديث يقول:((لا نذر لابن آدم فيما لا يملك)) .يعني لا يجوز له أن ينذر شيئا وهو لا يملكه ، ولكن إذا نذره فإن عليه الكفارة , كفارة اليمين . عرفنا أن النذر هو إلزام الإنسان نفسه ما ليس واجبا عليه شرعا ؛ تعظيما للمنذور له , إلزام الإنسان نفسهمالم يجب عليه شرعا ، ويقصد بذلك أن يعظم من نذر له , فإن كان نذرا لله تعالىفإنه تعظيم له ، وإن كان نذرا لمخلوق , فإنه تعظيم لذلك المخلوق حيا أو ميتا ، وهو عبادة من العبادات ، وقربة من القربات . ونكمل ذلك بعد سماع الأذن .

قلنا:إن النذر عبادة ؛ لأن الناذر يعظم من نذر له ،ولأجل ذلك مدح الله بالوفاء به , قال تعالى: {يوفون بالنذر}, أي: إذا نذروا أوفوا , وقال تعالى: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه} المعنى: أن الله تعالى عالم بهذه النذور ، وسوف يجازي عليها إن كانت نذر طاعة ، أو نذر معصية . وأمر الله بالوفاء بها في قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} .

وكذلك حكى الله تعالى النذر عن الأمم السابقة , فحكى عن أم مريم , قالت: {إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني} , وعن مريم أنه قال لهاابنها: {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} . فدل على أن النذر مشهور في الأمم قبلنا .

وصفة النذر لما لا يملك ابن آدم , كأن يقول: لله علي أن أعتق عبد فلان ، أو أسبل بيت فلان . هذا لا تملكه , كيف تسبل بيته وأنت لا تملكه ؟! لأنه يمتنع عليك , وكذلك يمتنع عليك أن تعتق عبده ، لا تتصرف إلا فيما تملك .وهكذا لوقال: أن أضحي بشاة فلان , لا تملكها . إن الوقف الوقف والعتق والأضحية كلها عبادات , ولكن كونك تتصرف فيما لا تملك هذا لا تقدر عليه ، أما إذا كان يملكهفإنه يلزمه الوفاء به , إذا قال: لله علي أن أعتق عبدي ، أو أن أوقف بيتي ، أو أن أضحي بهذا الكبش الذي يملكه ، أو أن أتصدق بهذا الكيس الذي يملكه , فمثل هذا عبادة يملكها , يلزمه أن يوفي بهذا النذر ؛ لأنه طاعة وقربة, الصدقات والقربات وما أشببها من العبادات كلها قربات يتقرب بها إلى الله تعالى فيوفي به .

أما إذا كان نذر معصية ففيه كفارة ، ولا يجوز الوفاء به , سواء كانت المعصية من الذنوب أو من الشركيات , فإذا قال مثلا: إن شفى الله مريضي فعلي أن أشرب خمرا ، أو أن أزني بكذا , فهذا حرام عليه الوفاء به ، وعليه كفارة يمين ؛ لحديث::لا نذر في معصية الله ، وكفارته كفارة يمين)) .

وكذلك إذا كان من الشركيات كالنذور التي يفعلها القبوريون , يقول أحدهم: إن ربحت تجارتي, إن قدم غائبي , إن شفي ولدي فعلي أن أذبح شاة عند قبر السيد فلان: السيد البدوي مثلا , أو الحسين ، أو علي أو نحوهم . الذبح لغير الله شرك , لعن الله من ذبح لغير الله , فلا يجوز الوفاء بهذا النذر . وهكذا لو نذر أن يسرج قبرا . إسراج القبور أيضا شرك ومنهي عنه . أو نذر قال: إن شفيت أو إن ربحت أن أهريق على ذلك القبر زيتا ، أو دهنا ، أو أن أطعم من يسدن هذا القبر ويخدمه أو يصلي عنده ، أو أن أبني عليه قبة أو نحو ذلك ، فإن هذا من الشرك لا يجوز الوفاء به .

فالحاصل أن النذر في قوله: ((لا نذر لابن آدم فيما لا يملك)) هو أن ينذر التصرف في شيء لا يملكه , فلا يصح ويكون عليه كفارة ، وكذا لا يجوز الوفاء بالنذر إذا كان في معصية ، أو في شرك , لا يجوز الوفاء به , وفيه كفارة , ويلزم الوفاء به إذا كان في طاعة ، إذا كان عبادة ، كأن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أصوم شهرا أوعشرا, أو أن أتصدق بمائة أو ألف ، أو أن أقوم هذه الليلة تهجدا ، أو أن أختم في هذا الشهر ثلاث ختمات مثلا ، هذه عبادات وقربات فيلزم الوفاء بها .

وأما إذا كان النذر ليس عبادة ، وليس معصية ، وإنما هو عادة من العادات فهو مخير , إلا أن يكون فيها إسراف , فإنه يكره الوفاء بها وعليه الكفارة ، فإذا مثلا قال: إن ربحت ، أو إن شفيت ، أو إن نجحت ، فعلي أن أشتري مثلا ثوبا بمائتين أو بخمسمائة -لباس الثوب عادة ليس عبادة - أو مثلا أن أطعم زملائي وأصدقائي طعام كذا وكذا ، نوعا من الطعام، هذا أيضا من العادات ليس من العبادات ، وهكذا إذا نذر أن إذا شفيت مثلا ألا آكل إلا كذا وكذا من الطعام ، أو كذا من اللحم ، ألا آكل الطعام إلا بلحم كذا , بلحم سمك مثلا أو بلحم طير أو نحو ذلك ، هذا أيضا من العادات ، ليس من العبادات ، فيخير بين الوفاء به وبين الكفارة .
فإن كان عليه مشقة , يكلف نفسه ويحملها على الاستدانة, أو فيه إسراف , كما لو حلف مثلا أن يذبح عشرين جملا لأهل هذا البلد أو مائة شاة مع أنه لا يجد من يأكلها ، وتذهب وسادا , إذا نذر أن يذبح ذلك فمثل هذا إسراف , يكفر عن نذره ولا يذبحها , أو يقتصر على ذبح بعضها الذي يستفاد منه .
في هذا الحديث جمل استطرادية في حديث ثابت من الضحاك منها قوله: ((لعن المؤمن كقتله)) .وعيد شديد على اللعن ؛ وذلك لأن اللعن دعاء بالإبعاد من رحمة الله , قد وردت الأدلة الكثيرة في النهي عن اللعن , وعن التلاعن الذي هو الدعاء به , فقال صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطعان , ولا اللعان , ولا الفاحش ولا البذيء)) يعني لا تكون هذه الصفات من صفات المؤمن .
ورد في حديث أن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة , ورد في حديث: أن اللاعن إذا لعن صعدت اللعنة إلى السماء , فتغلق دونها أبواب السماء , فتهبط إلى الأرض , فتغلق دونها أبواب الأرض , فتذهب يمينا وشمالا , فلا تجد مساغا , فتذهب إلى الذي لعن , فإن كان مستحقا لها , وإلا رجعت إلى قائلها ، فيصير اللاعن كأنه لعن نفسه , وذلك بلا شك يخيف المسلم من أن يلعن من لا يستحق . أما لعن المستحق فقد ورد في القرآن في ...
ا هـ .


عمدة الأحكام
شريط (61) للشيخ: ابن جبرين
... يخيف المسلم من أن يلعن من لا يستحق ، أما لعن المستحق فقد ورد في القرآن في أدلة كثيرة كقوله: {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} , {ألا لعنة الله على الظالمين} ، {فإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} ونحو ذلك ، وكذلك الأحاديث الكثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله المحلل والمحلل له)), ((لعن الله آكل الربا وموكله)), ((لعن الله الراشي والمرتشي)) . وما أشبه ذلك , يخيف هذا الحديث أن الإنسان إذا استعمل اللعن ويسهل عليه فيقع في هذا الوعيد , ((لعن المؤمن كقتله)).
وفي هذا الحديث أيضا جملة أخرى استطرادية أيضا ؛ لأنه حديث جامع , يقول فيه: ((من قتل نفسه بشيء عذب به)) . قتْل النفس هو الذي يسمى الانتحار , وورد فيه أدلة في تعذيب من قتلَ نفسه , منها الحديث الذي في صحيح مسلم , قال صلى الله عليه وسلم: ((من وجأ نفسه بحديدة فقتل نفسه فهو يجأ بها نفسه في نار جهنم .. أو فحديدته في يده يجأ بها نفسه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)) . وجأ نفسه: يعني طعن نفسه حتى قتل نفسه . وكذلك قوله:((من تحسى سما فقتل نفسه)) .تحساه: يعني التهمه وازدرده((فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم , خالد مخلدا فيها أبدا , ومن تردى من شاهق فقتل نفسه))شاهق يعني جبلا مرتفع , من أسقط نفسه من شاهق أو من بيت مرتفع ليقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا , وذلك بلا شك تهديد ووعيد ؛ لأن الإنسان لا يملك نفسه , فنفسه ملك لربه سبحانه , فلا يجوز أن يتساهل في أن يقتل نفسه بسبب من الأسباب , ((من قتل نفسه بشيء عذب به)) .وبكل حال الشاهد من الحديث ذكر اليمين وذكر النذر كما ذكرنا .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, حلف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:09 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir