دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > القصاص والحدود

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:23 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [ من شهد على نفسه بالزنا ]

عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: (( أَتَى رَجُلٌ مِن المُسْلِمينَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ –وَهُوَ في المَسْجِدِ- فَنَادَاهُ، فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حتَّى ثَنَّى ذلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ، فقالَ: ((أَبِكَ جُنُونٌ؟)) قالَ: لاَ. قالَ: ((فَهَلْ أَحْصَنْتَ؟)) قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ)) .
قالَ ابنُ شِهَابٍ: فأخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحمْنِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بنِ عبدِ اللهِ يقولُ: كُنْتُ فِيمَن رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ )) .
الرَّجُلُ : هُوَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، ورَوَى قِصَّتَهُ جابرُ بنُ سَمُرَةَ، وعبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ، وأبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ ، وبُريدةُ بنُ الْحُصَيْبِ الأَسْلَمِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ

  #2  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 08:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : حتى ثَنَى ذلك عليه .
هو بتخفيفِ النونِ أي كرَّرَه أربعَ مرَّاتٍ .

  #3  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 08:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ والأربعونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: ((أَتَى رَجُلٌ مِن المُسْلِمينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –وَهُوَ في المَسْجِدِ- فَنَادَاهُ، فقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فقالَ له: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حتَّى ثَنَّى ذلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ، فقالَ: ((أَبِكَ جُنُونٌ؟)) قالَ: لَا. قالَ: ((فَهَلْ أُحْصِنْتَ؟)) قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ)).

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ والأربعونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
قالَ ابنُ شِهَابٍ: فأخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرحمْنِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بنِ عبدِ اللَّهِ يقولُ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ)).
الرَّجُلُ: هُوَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، ورَوَى قِصَّتَهُ جابرُ بنُ سَمُرَةَ، وعبدُ اللَّهِ بنُ عبَّاسٍ، وأبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، وبُريدةُ بنُ الْحُصَيْبِ الأَسْلَمِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمْ

فِيهِمَا مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بالإقرارِ كما يَثْبُتُ بالشهادةِ.
الثَّانِيَةُ: أنَّهُ لا يُعْتَبَرُ إقرارُ المَجْنُونِ ولا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الحَدُّ.
الثَّالِثَةُ: وُجُوبُ التَّثْبِيتِ في الأحكامِ على القاضِي والمُفْتِي.
الرَّابِعَةُ: أنَّ حَدَّ المُحْصَنِ الزَّانِي رَجْمُهُ بالحجارةِ حتَّى يَمُوتَ.
الْخَامِسَةُ: أنَّ الحدَّ كَفَّارَةٌ للمعصيةِ التي أُقِيمَ الحدُّ لها.
السَّادِسَةُ: إعراضُ الحاكِمِ عن المُقِرِّ على نفسِهِ بالزِّنَا لِيَرْجِعَ فَيَتُوبَ بَيْنَهُ وبينَ رَبِّهِ.
السابعةُ: أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ في إقامةِ الحدِّ حضورُ الإمامِ، لكنَّ الأَوْلَى حضورُهُ.

  #4  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 08:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحَديثُ السادِسُ والأَرْبَعُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
346- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه أنَّهُ قالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ في المَسْجِدِ - فَنَادَاهُ، فَقَالَ : يا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ. فأَعْرَضَ عنهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى ثَنَّى ذلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُـولُ اللهِ، فقالَ :((أَبِكَ جُنُونٌ ؟)) قال : لاَ. قالَ :((فَهَلْ أُحْصِنْتَ ؟)) قالَ: نعمْ. فقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((اذْهَبُوا بِهِ, فَارْجُمُوهُ)).
الحَديثُ السابِعُ والأَرْبَعُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
347 - قالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي اللهُ عنه يقُولُ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ.
الرَّجُلُ : هُوَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، ورَوَى قِصَّتَهُ جابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وأبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، وبُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ الأسْلَمِيُّ رضي اللهُ عنهم(171).
___________________
(171) المَعْنى الإجْمالِيُّ:
أَتَى ماعِزُ بْنُ مالِكٍ الأسْلَمِيُّ رضي اللهُ عنه إلى النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, وهُوَ في المَسْجِدِ، فناداهُ واعْتَرَفَ على نَفْسِهِ بالزِّنَا،
فَأَعْرَضَ عَنْهُ النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, لَعَلَّهُ يَرْجِعُ فَيَتُوبُ فِيما بَيْنَهُ وبَيْنَ اللهِ.
ولَكِنْ قَدْ جاءَ غاضِبًا على نَفْسِهِ، جازِمًا على تَطْهِيرِها بالحَدِّ، فَقَصَدَهُ مِن تِلْقاءِ وَجْهِهِ مَرَّةً أُخْرَى، فاعْتَرَفَ بالزِّنا أَيْضًا،
فَأَعْرَضَ النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَيْضًا، حتَّى شَهِدَ على نَفْسِهِ بالزِّنا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
حِينَئِذٍ اسْتَثْبَتَ النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن حالِهِ فَسَأَلَهُ: هَلْ بِهِ مِن جُنونٍ؟ قالَ : لَا. وسَأَلَ أَهْلَهُ عن عَقْلِهِ، فَأَثْنَوْا عليهِ خَيْرًا.
ثُمَّ سَأَلَهُ: هَلْ هُوَ مُحْصَنٌ أم بِكْرٌ لا يَجِبُ عليهِ الرَّجْمُ؟ فَأَخْبَرَهُ أنَّهُ مُحْصَنٌ.
وسَأَلَهُ: لَعَلَّهُ لم يَأْتِ ما يُوجِبُ الحَدَّ، مِن لَمْسٍ أو تَقْبِيلٍ. فَصَرَّحَ بِحَقِيقَةِ الزِّنَا.
فَلَمَّا اسْتَثْبَتَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن كُلِّ ذلكَ، وتَحَقَّقَ مِن وُجُوبِ إقامَةِ الحَدِّ أَمَرَ أَصْحابَهُ أنْ يَذْهَبُوا بِهِ, فَيَرْجُمُوهُ.
فَخَرَجُوا بِهِ إلى بَقِيعِ الغَرْقَدِ- وهُوَ مُصَلَّى الجَنائِزِ - فَرَجَمُوهُ.
فَلَمَّا أَحَسَّ بِحَرِّ الحِجارَةِ، طَلَبَت النفْسُ البَشَرِيَّةُ النجَاةَ، ورَغِبَتْ في الفِرارِ مِن المَوْتِ فَهَرَبَ.
فَأَدْرَكُوهُ بالحَرَّةِ، فَأَجْهَزُوا عليه حتَّى ماتَ, رَحِمَهُ اللهُ، ورَضِيَ عنهُ.
ما يُسْتَفادُ مِن الحَديثِ:
1- أنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بالإقْرَارِ، كَمَا يَثْبُتُ بالشَّهادَةِ، ويَأْتِي: هَلْ يَكْفي الإقْرارُ مَرَّةً، أم لَابُدَّ مِن الإقْرارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كمَا في هذا الحَديثِ؟
2- أنَّ المَجْنونَ لا يُعْتَبَرُ إقْرارُهُ، ولا يَثْبُتُ عليهِ الحَدُّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الحَدِّ التَّكْلِيفُ.
3- أنَّهُ يَجِبُ على القاضي والمُفْتِي التثَبُّتُ في الأحْكامِ، والسُّؤالُ بالتفْصِيلِ عمَّا يَجِبُ الاسْتِفْسارُ عَنْهُ، مِمَّا يُغَيِّرُ الحُكْمَ في المَسْأَلَةِ؛
فإنَّ النبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَأَلَ المُقِرَّ هُنا عن عَمَلِهِ، حتَّى تَبَيَّنَ لهُ أنَّهُ فَعَلَ حَقِيقَةَ الزِّنَا.
وسَأَلَ أَهْلَهُ عن عَقْلِهِ، وأَعْرَضَ عنه حتَّى كَرَّرَ الإقْرارَ، واسْتَثْبَتَ مِنهُ. قالَ في فَتْحِ البارِي: فَقَدْ بالَغَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الاسْتِثْباتِ غايَةَ المُبالَغَةِ، وهذا وَقَعَ بَعْدَ إقْرارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَهُوَ يُؤَكِّدُ اشْتِراطَ العَدَدِ؛ لِأَنَّ هذا الاسْتِثْباتَ العَجِيبَ وَقَعَ بَعْدَهُ.
4- أنَّ حَدَّ المُحْصَنِ الزانِي رَجْمُهُ بالحِجارَةِ حتَّى يَمُوتَ، ولا يُحْفَرُ لَهُ عِنْدَ الرَّجْمِ.
5- أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ في إقامَةِ الحَدِّ حُضُورُ الإمامِ أو نائِبِهِ.
والأَوْلَى حُضُورُ أَحَدِهِما لَيُؤْمَنَ الْحَيْفُ والتلَاعُبُ بِحُدودِ اللهِ تعالى.
6- جَوازُ إقامَةِ الحُدودِ في مُصَلَّى الجَنائِزِ.
وكانُوا في الأَوَّلِ يَجْعَلُونَ للصَّلَاةِ على الجَنائِزِ مُصَلًّى خاصًّا.
7- أنَّ الحَدَّ كَفَّارَةٌ لِلمَعْصِيَةِ التي أُقِيمَ الحَدُّ لَها، وهُوَ إجْماعٌ.
وقَدْ جاءَ صَرِيحًا في قولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن فَعَلَ شَيْئًا مِن ذلكَ، فَعُوقِبَ بِهِ في الدُّنْيا، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ )).
8- وأنَّ إثْمَ المَعاصِي يَسْقُطُ بالتوْبَةِ النَّصُوحِ، وهُوَ إجْماعُ المُسْلِمينَ أيْضًا.
9- إعْراضُ الإمامِ والحاكِمِ عن المُقِرِّ على نَفْسِهِ بالزِّنا، لَعَلَّهُ فَعَلَ ما لا يُوجِبُ الحَدَّ، فَظَنَّهُ مُوجِبًا، والحُدودُ تُدْرَأُ بالشُّبُهَاتِ.
10- هذه المَنْقَبَةُ العَظيمَةُ لِماعِزٍ رضي اللهُ عنه، إذْ جاءَ بِنَفْسِهِ؛ غَضَبًا للهِ تعالى، وتَطْهِيرًا لها، معَ وُجودِ الإعْراضِ عنه، وتَلْقِينِهِ ما يُسْقِطُ عَنْهُ الحَدَّ.
اخْتِلافُ العُلَماءِ:
اخْتَلَفَ العُلَماءُ: هَلْ يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الإقْرارِ بالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، أو لا؟
ذَهَبَ الإمامُ أَحْمَدُ، وجُمْهُورُ العُلَماءِ، ومِنْهُم الحَاكِمُ، وابْنُ أبي لَيْلَى، والحَنَفِيَّةُ إلى أَنَّهُ لابُدَّ مِن الإقْرارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ مُسْتَدِلِّينَ بهذا الحَديثِ الذي مَعَنا، فإنَّهُ لم يُقِم النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ((ماعِزٍ)) الحَدَّ إلَّا بَعْدَ أنْ شَهِدَ على نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
وقِياسًا على الشَّهادَةِ بالزِّنا، فلا يُقْبَلُ إلَّا أَرْبَعَةُ شُهُودٍ.
ولا يُشْتَرَطُ أنْ تَكُونَ الإقْراراتُ في مَجالِسَ خِلَافًا للحَنَفِيَّةِ.
وذَهَبَ مالِكٌ، والشافِعِيُّ، وأَبُو ثَوْرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ إلى أنَّهُ يَكْفِي لإقامَةِ الحَدِّ إقْرارٌ واحِدٌ؛ لِحَديثِ: ((واغْدُ يا أُنَيْسُ إلى امْرَأَةِ هذا، فإن اعْتَرَفَتْ فارْجُمْها )). ولم يَذْكُرْ إقْراراتٍ أَرْبَعَةً.
ورَجَمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الجُهَنِيَّةَ، وإنَّما اعْتَرَفَتْ مَرَّةً واحِدَةً.
وأَجابُوا عن حَديثِ ماعِزٍ، بِأَنَّ الرواياتِ في عَدَدِ الإقْراراتِ مُضْطَرِبَةٌ.
فجاءَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وجاءَ مَرَّتَيْنِ، أوْ ثلَاثًا.
وأمَّا القِياسُ فَلَا يَسْتَقيمُ؛ لِأَنَّ الإقْرَارَ في المالِ لَابُدَّ فيه مِن عَدْلَيْنِ، ولو أَقَرَّ على نَفْسِهِ مَرَّةً واحِدَةً كَفَتْ إجْماعًا. واللهُ أَعْلَمُ.

  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 08:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

352 - الحديثُ الرَّابِعُ: عن أبي هُريرةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: أتى رَجُلٌ من المُسلمينَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ -وهوَ فى المسجدِ- فَنَاداهُ: يا رسولَ اللَّهِ، إِنِّي زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عنهُ. فتنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْتُ، فأَعْرضَ عنهُ، حتى ثَنَّى ذلكَ عليهِ أربعَ مراتٍ. فلمَّا شَهِدَ على نفسِهِ أربعَ شَهَاداتٍ دَعَاهُ رسولُ اللَّهِ فقالَ: "أَبِكَ جُنُونٌ؟" قالَ: لا، قالَ: "فَهَلْ أَحْصَنْتَ؟" قَالَ: نعمْ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: "اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ".
قالَ ابنُ شهابٍ: فأخبرني أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، سَمِعَ جابرَ بنَ عبدِ اللَّهِ يقولُ: كنتُ فيمنَ رجَمَهُ. فرَجَمْنَاهُ بالمُصَلَّى. فلمَّا أَذْلَقَتْهُ الحِجارةُ هَرَبَ، فأَدْرَكْنَاهُ بالحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ.
"الرَّجُلُ" هوَ مَاعِزُ بنُ مَالِكٍ. روى قصَّتَهُ جابرُ بنُ سَمُرَةَ، وعبدُ اللَّهِ بنُ عبَّاسٍ، وأبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ، وبُرَيْدَةُ بنُ الخَصِيبِ الأسْلَمِيُّ.
ذهبَ الحنفيَّةُ إلى أنَّ تَكْرَارَ الإقرارِ بالزنَا أربعًا شَرْطٌ لوجوبِ إقامةِ الحدِّ، ورأوا أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ فى هذا الحديثِ إنما أَخَّرَ الحدَّ إلى تمامِ الأربعِ؛ لأنَّهُ لم يَجِبْ قبلَ ذلكَ. وقالوا: لو وجَبَ بالإقرارِ مرَّةً لما أخَّرَ الرسولُ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ الواجبَ. وفى قولِ الرَّاوِي: فلمَّا شَهِدَ على نفسِهِ أربعَ شَهَاداتٍ دعاهُ رسولُ اللَّهِ.. إلخ، إِشْعَارٌ بأنَّ الشهادةَ أربعًا هيَ العِلَّةُ فى الحُكْمِ.
ومذهبُ الشَّافِعِيِّ ومَالكٍ ومَن تَبِعَهُمَا: أنَّ الإقرارَ مرَّةً واحدةً مُوجِبٌ للحدِّ، قياسًا على سائرِ الحُقوقِ، فكأنَّهم لم يرَوْا أنَّ تأخيرَ الحدِّ إلى تمامِ الإقرارِ أربعًا لمَا ذَكَرَهُ الحنفيَّةُ، وكأنَّهُ من بابِ الاستثباتِ والتحقيقِ لوجودِ السببِ؛ لأنَّ مبْنَى الحدِّ على الاحتياطِ فى تَرْكِهِ ودَرْئِهِ بالشُبُهَاتِ.
وفى الحديثِ دليلٌ على سؤالِ الحاكمِ فى الواقعةِ عمَّا يَحْتَاجُ إليهِ فى الحُكْمِ، وذلكَ من الواجباتِ، كسؤالِهِ عليهِ السلامُ عن الجُنُونِ ليتبَيَّنَ العقلَ، وعن الإحصانِ ليُثْبِتَ الرَّجمَ، ولم يَكُنْ بُدٌّ من ذلكَ. فإنَّ الحدَّ مُتَرَدِّدٌ بينَ الجَلْدِ والرَّجْمِ، ولا يُمْكِنُ الإقدامُ على أحدِهما إلا بعدَ تبيُّنِ سببِهِ.
وقولـُهُ عليهِ السلامُ: "أَبِكَ جُنُونٌ؟" ويُمْكِنُ أنْ يُسْأَلَ عنهُ، فيُقَالُ: إنَّ إقرارَ المجنونِ غيرُ مُعْتَبَرٍ. فلوْ كانَ مجنونًا لم يُفِدْ قولـُهُ إنَّهُ ليسَ بهِ جنونٌ. فما وَجْهُ الحكمةِ فى سؤالِهِ عن ذلكَ؟ بلْ سؤالُ غيرِهِ مِمَّنْ يعرِفُهُ هوَ المُؤَثِّرُ.
وجوابُهُ: أنَّهُ قدْ ورَدَ أنَّهُ سألَ غيرَهُ عن ذلكَ. وعلى تقديرِ أنْ لا يكونَ وقعَ سؤالُ غيرِهِ، فيُمْكِنُ أنْ يكونَ سؤالُهُ ليتبَيَّنَ بمُخَاطَبَتِهِ ومراجعَتِهِ تَثَبُّتَهُ وعقْلَهُ، فيبْنِي الأمرَ عليهِ، لا على مُجَرَّدِ إقرارِهِ بعدمِ الجُنُونِ.
وفى الحديثِ دليلٌ على تفويضِ الإمامِ الرَّجْمَ إلى غيرِهِ. ولفظُهُ يُشْعِرُ بأنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ لم يَحْضُرْهُ؛ فَيُؤْخَذُ منهُ عَدَمُ حُضُورِ الإمامِ الرجمَ، وإن كانَ الفقهاءُ قد اسْتَحَبُّوا أن يبدأَ الإمامُ بالرجمِ إذا ثبتَ الزنا بالإقرارِ، ويبدأُ الشُّهودُ بهِ إذا ثبتَ بالبَيِّنَةِ، وكأنَّ الإمامَ لمَّا كانَ عليهِ التَثَبُّتُ والاحتياطُ قيلَ لهُ: ابدأْ؛ ليكُونَ ذلكَ زاجِرًا عن التَّسَاهُلِ فى الحُكْمِ بالحدودِ، وداعيًا إلى غايةِ التثَبُّتِ. وأمَّا فى الشهودِ فظاهِرٌ؛ لأنَّ قتْلَهُ بقولِـهِم.
وقولـُهُ: فلمَّا أَذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ، أيْ بلَغَتْ منهُ الجَهْدَ، وقيلَ: عَضَّتْهُ وأوْجَعَتْهُ، وأوْهَنَتْهُ. وقولـُهُ: هَرَبَ، فيهِ دليلٌ على عدمِ الحَفْرِ لهُ.

  #6  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 08:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ) مكرر

. . .
وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم بما عزوجل من أسلم ـ زنى واعترف فأمر برجمه، وهكذا امرأة من غامد زنت وهي محصنة واعترفت فأمر برجمها، وهكذا اليهوديان تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترفا بالزنات وهما محصنان فرجمهما، وهذا هو الحكم الشرعي في ذلك.
وفق الله الجميع وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

  #7  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 05:33 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه ، فقال: يارسول الله إني زنيت . فأعرض عنه , فتنحى تلقاء وجهه ، فقال: يا رسول الله إني زنيت . فأعرض عنه حتى تلى ذلك عليه أربع مرات ، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال:((أبك جنون)) ؟ قال: لا . قال ((فهل أحصنت)) ؟ قال: نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذهبوا به فارجموه)). قال ابن شهاب: فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: كنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى ، فلما أدلقته الحجارة هرب ، فأدركناه بالحرة فرجمناه .
الشيخ: هذا في رجم الزاني ، قد ذكر الله تعالى الزنا في أول الأمر ، فقال تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} . ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) . فهذا يعتبر إيضاحا لهذه الآية , حيث أمر الله بإمساكهن في البيوت ، إلى أن يجعل لهن سبيلا ، وأمر بإيذاء الرجل بقوله: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} أمر في الأول بإيذائهما إلى أن يتوبا .
وبعد ذلك نزل الحد في قوله: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} . فذكر الله حد الزنا أنه جلد مائة ،وأن هذا الجلد يكون شديدا ، بلا رأفة ، ولا رحمة ، وأنه يكون معلنا أمام طائفة من المؤمنين . ثم جاءت السنة بأنه إذا كان ثيبا يعني قد تزوج ، فإنه يرجم ، ولا يرحم ، يرجم بالحجارة إلى أن يموت ، فتكون الآية في البكر الذي لم يتزوج ، أنه يجلد مائة جلدة ، رجلا كان أو امرأة ، أما إذا كان قد تزوج فإن حده الرجم .
هذا الرجل الذي في هذه القصة ، هو المعروف بماعز الأسلمي , حصل منه الزنا ، وكان قد تزوَّجَ ، فلما أن حصل منه الزنا , الزنا الصريح ، عند ذلك خافَ على نفسه من هذا الذنب ، فقالوا له: اذهب إلى محمَّدٍ فإنه سوف يطهرك ، فجاء واعترف هذا الاعتراف ، نادى برفيع الصوت: إني قد زنيت ، أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم , ثم كرر ذلك ، ثم كرره ثالثة ، ثم رابعة ، ولما اعترف أربع مرات كان هذا بمنزلة أربعة الشهود في قوله:استشهدوا عليهن أربعة منكم} , أقر على نفسه أربع مرات ، فكان هذا سببا في ثبوت الحد عليه ، ثبوت الفعل الذي يوجب إقامة الحد .
ولا شك أن هذا أولا دليل على خوف السلف رحمهم الله من معرة الذنب , علم أن هذا الذنب ذنب كبير ، وأنه من عظائم الإثم لقوله تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} فعرف أن هذا ذنب كبير ، وخاف أن يوبقه ذنبه ، وخاف أن يهلكَ بسبب ذلك ، فعند ذلك احتاج إلى أن يُطهر ، فجاء واعترف هذا الاعتراف ، وكرر ذلك , ولما اعترف سأله النبي صلى الله عليه وسلم ليتثبت:((أبك جنون)) ؟ هل أنت ناقص العقل ؟ أو فاقده ؟ ولكنه اعترف بأنه كامل العقل ، وانه كامل الإدراك ، وليس في عقله نقص ، ولا خلل ، فكان في ذلك ما يدل على حرصه على أن يطهر من هذا الذنب ؛ لأنه قال: ماذا تريد من هذا الاعتراف ؟ قال أريد أن تطهرني, فأقيم عليه الحد وهو الرجم , بعدما تثبت النبي صلى الله عليه وسلم . في بعض الروايات أنه استفصل منه ، وقال: لعلك قبلت .. لعلك قبلت .. أو لمست .. أو غمزت .. لعلك فعلت مقدمات الزنا ، ولم تفعل الزنا فقال: لا . فقال: ((أتدري ما الزنا)). قال: نعم , أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من أهله حلالا. فلما اعترف بذلك ، عند ذلك أمر بعقوبته ، أمر بأن يرجم ...
الوجـه الثانـي
... ذكروا أنه رجم في المصلى ، المصلى: هو الذي قرب المقابر ، مكان متسع ، كانوا يصلون فيه على الجنائز قبل أن تتسع ، ثم لما أنهم بدأوا يرجمونه أدلقته الحجارة ، وآنس حرها فهرب ، فتبعوه حتى أدركوه بالحرَّة الشرقية ، فرجموه حتى مات . الراوية التي فيها أنه قال: ((هلا تركتموه لما هرب)).يقال: إنها لم تثبت . وعلى تقدير ثبوتها ، أراد بذلك أن يتثبت منه . وبكل حال فالحق قد ثبت عليه ، والحد قد وجب عليه ، وجب عليه باعترافه أربع مرات ، بأنه زنى واعترافه بأنه ليس به جنون ، واعترافه بأنه محصن ، واعترافه بأن الزنا زنا حقيقا ، ليس مقدمات الزنا ، ولما ثبت ذلك عنه لم يكن بد من إقامة الحد .
ولا شك أن الحدود التي جعلها الله تعالى تطهيرا للأمة ، تطهيرا للعباد , إقامتها فيه مصلحة كبيرة ، هذه المصلحة هي أمن الناس على محارمهم ، أمنهم على دمائهم ، وعلى أموالهم ، وعلى أعراضهم ، وعلى أديانهم . فشرعية هذا الحد , هذه العقوبة ، إن كان محصنا يرجم حتى يموت ، وإن كان غير محصن يجلد مائة جلدة ويغرب سنة عن بلده . الحكمة في ذلك:
أولا: الزجر عن هذا الذنب الكبير ؛ فإنه من أكبر الذنوب ، يعني الزنا ، الزجر عنه والتحذير من سواء مغبته .
ثانيا: الحرص على حفظ أعراض الناس ، وحفظ أنسابهم ؛ لأنه إذا فشى الزنا اختلطت الأنساب ، وفسدت الأعراض ، وذهبت الغيرة والحماسة . والإنسان مأمور بأن يكون غيورا على محارمة ؛ لأنه إذا لم يكن كذلك , بل كان يقر الخنا في أهله ، لقب بلقب الديوث ، وفي الحديث: ((لا يدخل الجنة ديوث)) . وهو الذي يقر الخنا في أهله .
فإذا كان هناك من يقيم الحدود , ومن يأخذ الحقوق ، أمن الناس ، أمنت البلاد واطمأنت , وأمن الناس على محارمهم ، وصار المذنب أو العاصي يخاف ، يخاف على نفسه من مثل هذه العقوبة ، ويفكر ويقولُ: ما فائدة هذا الذنب الذي أقترفه ؟ أصبر على نفسي وأصبر على قمع شهوتي ، ولا أتعرض للعذاب ، ولا أتعرض للأذى ، ولا أعرض نفسي للقتل قتلا شنيعا ، ونحو ذلك .
قالوا: الحكمة في شرعية الرجم , وهو القتل بالحجارة ، أنه لما تلذذ بالحرام ، وعدل عن الحلال ، تلذذ جسمه كله بهذا الحرام ، الذي هو فعل هذه الفاحشة- ناسب أن يرجم ، وأن يؤلم جسده كله .
كيفيه الرجم ؟ قيل: إنه يحفر له حفره قدر ذراع أو نحوه ، ثم يوقف فيها , وتربط يده من خلفه ، ثم يأخذون حجارة ملء الكف ، ثم يقذفونه بها ، يرمونه مع رأسه ، ومع بطنه ، ومع ظهرة ، ومع عضديه ، ومع فخذيه ، إلى أن تدلقه الحجارة ، إلى أن ينصرع ويموت .وبعد ذلك في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم استغفر لذلك الرجلالذي هو ماعز الأسلمي, وأنه صلى عليه .
ثم هذا الحد الذي هو العقوبة بالرجم ، قالوا: إنها تختص بالحر ، فأما العبد فإنه لا رجم عليه ، وما ذاك إلا أن قتله فيه إذهاب لماليته ، وماليته لسيده ، هو مملوك للسيد ، والسيد لم يذنب حتى يفوت عليه ماليته ، وما يملكه ، فلأجل ذلك يقتصر على جلده ، فيجلد خمسين جلدة ، ويكون ذلك بفعل سيده الذي يتولى إقامة الحد عليه .
معروف أن إقامة الحدود في البلاد سبب للأمن والطمأنينة ، وقد ورد في بعض الأحاديث: ((لحد يقام في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحا)) . معلوم فائدتهم من المطر لكن الفائدة قد تكون دنيوية ، وأما إقامة الحد الذي فيه إظهار أوامر الله ، وتطبيق شرعه ، والعمل بسنة نبيه ، وفيه عقوبة المجرم على جريمته , وزجره وزجر أمثاله ، عن هذه الجرائم والذنوب الشنيعة ، لا شك أنها مصلحة دينية ، تتعلق بالعباد ، وتتعلق بالبلاد ، وتتعلق بالمحارم ، فكان فيها هذا الخير ، فكلما أقيمت الحدود كان ذلك سببا للأمن والطمأنينة .
وفي هذه الأزمنة كثيرٌ من البلاد التي تنتمي للإسلام عُطلت فيها الحدود ، بل أبيح فيها الزنا ، إذا كان برضى من الرجل والمرأة ، إذا تراضيا فليس عليهما جناح ، ولا يقام عليهما حد ولو كانت المرأة مزوجة واختارت حليلا لها وحبيبا ، ولو كان لها أب لا يرضى ، ما دام أنها رضيت بذلك ، لا شك أن هذا إباحة للحرام ، وتغيير للفطر ، ومخالفة للشرائع ، وإذهاب للحماس والغيرة ، وتعطيل لحدود الله تعالى ، وسبب في ظهور الفواحش ومحبة لها . وقد توعد الله على ذلك بقوله: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} يحبون أن تشيع الفاحشة ، ومن أعظم الفواحش فاحشة الزنا ، وفاحشة اللواط ، ومقدماتها , أن هذه الفاحشة من أشنع الفواحش ، فالذين يحبونها توعدهم الله بقوله: {لهم عذاب أليم} . فيعرف المسلم حكمة الله تعالى في أوامره ونواهيه, ويحرص على تطبيق تلك الأحكام .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, شهد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir