دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > القصاص والحدود

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [ من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ]

عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: (( لَمَّا فَتَحَ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسولِهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ مَكَّةَ، قَتَلَتْ هُزَيلٌ رجلًا مِن بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ كَانَ لَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فقالَ: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَبَسَ عَن مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وسلمَ وَالمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، ولاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لي ساعَةً من نَهَارٍ، وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرامٌ، لا يُعْضَدُ شَجَرُها، ولا يُخْتَلى شَوْكُهَا، ولا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ، وَمَن قُتِلَ لَهُ قتيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُقْتَلَ، وَإِمَّا أنَّ يُفْدَى)) فَقَامَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ اليَمَنِ –يقالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ- فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ ! اكْتُبُوا لِي . فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ : ((اكْتُبُوا لأَبي شَاهٍ)) ثُمَّ قَالَ العَبَّاسُ، فَقالَ : يا رَسُولَ اللهِ، إِلاَّ الإِذْخِـرَ، فَإِنَّا نَجْعلُهُ في بُيُـوتِنَا وقُبُورِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ : ((إِلاّ الإِذْخِرَ)) .
عن عمـرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، ((أَنَّهُ اسْتَشَارَ النَّاسَ في إمْلاَصِ المَـرْأَةِ، فَقَالَ المُغيرةُ بنُ شُعْبَةَ : شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ : عَبْدٍ، أوْ أَمَةٍ، فَقَالَ : لَتَأْتِيَنَّ بمَن يَشْهَدُ مَعَكَ . فَشَهِـدَ له مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ )) .

  #2  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 01:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

حديثُ أبي هريرةَ قالَ : لما فَتَحَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مكَّةَ قَتَلَتْ هُذَيْلٌ رجلاً من بَنِي إلى آخِرِه .
هذا الحديثُ بهذا السِّياقِ من أَفْرادِ مسلِمٍ ورَوَى البخاريُّ نحوَه من حديثِ مجاهِدٍ مرسَلاً ثم أَسنَدَ الحديثَ إلى ابنِ عبَّاسٍ قالَ بِمِثلِ هذا أو نحوِ هذا ثم قالَ : رواه أبو هريرةَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَه عبدُ الحقِّ في ( جَمْعِه بينَ الصحيحين).

  #3  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 01:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : ((إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ)) .
هو بكسْرِ الفاءِ وإسكانِ الياءِ الْمُثنَّاةُ من تحتَ هذا هو الصحيحُ ومعناه حَبَسَ أهلَه الذين جَاءُوا بالفيلِ .
وشَذَّ بعضُهم فرواه بالقافِ والتاءِ المثنَّاةِ .
قولُه : إلا لِمُنْشِدٍ يُقالُ : نَشَدْتُ الضالَّةَ فأنا نَاشِدٌ إذا طلَبْتُها وأنشدتُها فأنا منْشِدٌ إذا عرَفْتُها .
أبو شاهٍ : هو بهاءٍ منوَّنَةٍ وهو بالهاءِ في الوقْفِ والدَّرَجِ ولا يُقالِ : بالتاءِ لا يعرَفُ اسْمُه وعن ابنِ دِحيةَ أنه جوَّزَه بالتاءِ .
الْإِذْخِرُ: بكسْرِ الهمزةِ والفتْحُ خطأٌ .
قالَ الاستراباذيُّ : في شرْحِ ( الفصيحِ ) : وهذا بناءٌ عزيزٌ قَلَّ ما جاءَ عليه لأنه بناءُ الأمرِ وهو نَبْتٌ .
قالَ بعضُهم : لا يكونُ إلا بالحرَمِ وليس كذلك لأنه يكونُ في غيرِه من البُلدانِ وهو نَبْتٌ دقيقُ الأصلِ صغيرُ الشجَرِ له صمْغٌ يُشبِهُ الْمِصْطَكَى هذا آخِرُ كلامِه .
قولُه : في إملاصِ المرأةِ إسقاطُ جنينُها .
هذا هو المعروفُ ووَقَعَ في نُسَخِ (صحيحِ مسلِمٍ ) مِلاصِ .

  #4  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 02:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ والثلاثونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، ((أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا مَرْضُوضًا بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ: مَنْ فَعَلَ هذا بِكِ: فُلَانٌ، فُلَانٌ؟ حتَّى ذُكِرَ يَهُودِيٌّ، فأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فأُخِذَ الْيَهُودِيُّ، فَاعْتَرَفَ، فأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ)).

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ والثلاثونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
ولِمسلمٍ والنَّسائيِّ عنْ أنَسٍ، ((أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ، فَأَقَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا)).

فِيهِمَا مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّ الرجلَ يُقْتَلُ بالمرأةِ وهوَ إجماعٌ.
الثَّانِيَةُ: أنْ يُقْتَلَ الجانِي بمثلِ الآلَةِ التي قَتَلَ بها القَتِيلَ.
الثَّالِثَةُ: قَبُولُ قَوْلِ المَجْنِيِّ عَلَيْهِ في مثلِ هذهِ الحالِ لإلقاءِ التُّهْمَةِ على أحدٍ لِيُقَرَّرَ ويُسْأَلَ، فإنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ قُتِلَ وإلَّا حَلَفَ وَتُرِكَ.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ والثلاثونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، قَتَلَتْ هُزَيلٌ رجلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ كَانَ لَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَبَسَ عَن مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، ولَا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لي ساعَةً منْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرامٌ، لا يُعْضَدُ شَجَرُها، ولا يُخْتَلى شَوْكُهَا، ولا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قتيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَإِمَّا أنَّ يُفْدِيَ)) فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ –يقالُ: لَهُ أَبُو شَاهٍ- فقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! اكْتُبُوا لِي. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اكْتُبُوا لأَبي شَاهٍ)) ثُمَّ قَالَ العَبَّاسُ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا الإِذْخِـرَ، فَإِنَّا نَجْعلُهُ في بُيُـوتِنَا وقُبُورِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِلَّا الإِذْخِرَ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (لا يُعْضَدُ). لا يُقْطَعُ.
قَوْلُهُ: (ولا يُخْتَلَى خَلَاهَا). لا يُقْطَعُ حَشِيشَُهَا الرَّطْبُ.
قَوْلُهُ: (لِمُنْشِدٍ). هوَ المُعَرِّفُ على اللُّقَطَةِ.
قَوْلُهُ: (أنْ يُدَى). يُعْطِيَ القاتِلُ أولياءَ المقتولِ الدِّيَةَ.
قَوْلُهُ: (الإذْخِرَ). بكسرِ الهمزةِ، نَبْتٌ طَيِّبُ الرائحةِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
تَقَدَّمَتْ معانِي هذا الحديثِ في الحجِّ وفِيهِ ما يَأْتِي:
الأُولَى: أنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً.
الثَّانِيَةُ: أنَّ مَكَّةَ مُحَرَّمَةٌ لم تَحِلَّ ولنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ، وأنَّهُ لا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ولا يُقْطَعُ حَشِيشُهَا الرطبُ لِشَرَفِهَا وحُرْمَتِهَا، لكنْ ما أَنْبَتَهُ الآدَمِيُّ، والإِذْخِرُ مُسْتَثْنًى، فيجوزُ أخذُهُ.
الثَّالِثَةُ: أنَّ لُقَطَةَ الحَرَمِ لا يَحِلُّ أَخْذُهَا إلَّا لِمَن أَرَادَ أنْ يَأْخُذَهَا فَيُعَرِّفَهَا حتَّى يَجِدَ صَاحِبَهَا، فإنْ أَيِسَ منهُ تَصَدَّقَ بها عنهُ، ويُعَوِّضُهُ عنها إنْ جاءَ يَطْلُبُهَا.
الرَّابِعَةُ: فَضْلُ كتابةِ العلمِ لِحِفْظِهِ وتَقْيِيدِهِ عن الضَّيَاعِ والنِّسْيَانِ.
الْخَامِسَةُ: تَخْفِيفُ الدينِ الإسلاميِّ بِجَوَازِ العَفْوِ عن القتلِ إلى الدِّيَةِ بعدَ أنْ كانَ في الدِّيَانَةِ السابقةِ لا يَجْزِي إلَّا القَتْلُ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ والثلاثونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ عمـرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، ((أَنَّهُ اسْتَشَارَ النَّاسَ في إمْلَاصِ المَـرْأَةِ، فَقَالَ المُغيرةُ بنُ شُعْبَةَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ، أوْ أَمَةٍ، فَقَالَ: لَتَأْتِيَنَّ بمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ. فَشَهِـدَ لهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (إِمْلَاصِ المرأةِ). بِكَسْرِ الهمزةِ وسكونِ الميمِ، وهوَ وَضْعُهَا قبلَ أَوَانِهِ.
قَوْلُهُ: (بِغُرَّةٍ). بضمِّ الغينِ، الأصلُ بياضٌ في الوجهِ سُمِّيَ بهِ العبدُ أو الأَمَةُ لِكَرَمِ الآدَمِيِّ على اللَّهِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّ دِيَةَ الجَنِينِ إذا سَقَطَ مَيِّتًا بسببِ الجنايةِ عبدٌ أوْ أَمَةٌ. فإنْ سَقَطَ حَيًّا فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ.
الثَّانِيَةُ: اسْتِشَارَةُ أهلِ العلمِ والتَّثَبُّتُ في صِحَّةِ المَسَائِلِ والأخبارِ.

  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 02:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحَديثُ الثامِنُ والثلَاثُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
338- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه قالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ تعالى على رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، قَتَلَتْ هُذيلٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقتِيلٍ كانَ لَهُمْ في الجاهِلِيَّةِ، فقامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَبَسَ عَن مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْها رَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ، وإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كان قَبْلي، ولاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ كان بَعْدِي، وإنَّما أُحِلَّتْ لي سَاعَةً مِن نَهَارٍ، وإنَّها ساعَتِي هذه حَرَامٌ، لا يُعْضَدُ شَجَرُها، ولا يُخْتَلَى خَلَاها، ولا يُعْضَدُ شَوْكُها، ولا تُلْتَقَطُ ساقِطتُها إِلاَّ لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَه قتيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أنْ يَقْتُلَ، وإمَّا أنْ يُودَى)). فقامَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ اليَمَنِ يُقالُ لَهُ: أَبو شاهٍ. فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، اكْتُبُوا لي. فقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((اكْتُبُوا لِأَبِي شاهٍ)). ثُمَّ قامَ العَبَّاسُ، فقالَ : يا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا الإِذْخِرَ، فإِنَّا نَجْعلُهُ في بُيُوتِنَا وقُبُورِنا. فقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((إِلَّا الإِذْخِرَ))(162).

الحَديثُ التاسِعُ والثلَاثُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
339- عن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي اللهُ عنه، أَنَّهُ اسْتَشَارَ النَّاسَ في إمْلاَصِ المَرْأَةِ، فقالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ، أوْ أَمَةٍ، فقالَ: لَتَأْتِِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ. فَشَهِدَ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ.
إمْلَاصُ المَرْأَةِ: أنْ تُلقِيَ جَنِينَها مَيِّتًا(163).
___________________
(162) الغَريبُ:
هُذَيْلٌ: بِضَمِّ الهاءِ, بَعْدَ ذالٍ مَفْتُوحَةٍ، ثُمَّ ياءٍ فَلَامٍ. قَبِيلَةٌ مُضَرِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ، لا تَزالُ مَساكِنُها بالقُرْبِ مِن مَكَّةَ.
لَيْثٍ: بالثاءِ المُثَلَّثَةِ، قَبيلَةٌ مَشْهُورَةٌ تُنْسَبُ إلى لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بنِ كِنانَةَ، مِن قَبائِلِ مُضَرَ.
لا يُعْضَدُ شَجَرُها: بِضَمِّ اليَاءِ التحْتِيَّةِ وسُكونِ العَيْنِ المُهْمَلَةِ، وفَتْحِ الضادِ المُعْجَمَةِ، آخِرُهُ دالٌ. أيْ : لا يُقْطَعُ.
ولا يُخْتَلَى خَلَاها: بِضَمِّ الياءِ التحْتِيَّةِ، وسُكونِ الخاءِ، وفَتْحِ التاءِ، واللَّامِ المَقْصُورَةِ، وهُوَ الرَّطْبُ مِن الحَشيشِ، أَيْ: لا يُجَزُّ، ولا يُقْطَعُ.
لِمُنْشِدٍ: اسْمُ فاعِلٍ مِن ((أَنْشَدَ))، وهُوَ المُعَرِّفُ على اللُّقَطَةِ.
بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ : أَخْذِ الدِّيَةِ أو القِصاصِ.
أَنْ يُودَى : بِسُكونِ الواو،ِ أَيْ: يُعْطِي القاتِلُ أو أوْلِياؤُهُ الدِّيَةَ لِأَوْلِياءِ المَقْتُولِ.
أَبُو شَاهٍ: بالشينِ المُعْجَمَةِ، بَعْدَها ألِفٌ، فهاءٌ، بالوَقْفِ، والدَّرَجِ ، ولا يُقالُ بالتاءِ.
الإذْخِرَ: بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، وبَعْدَها ذالٌ, فَخَاءٌ مُعْجَمَتانِ، ثُمَّ راءٌ: نَبْتٌ مَعْروفٌ، طَيِّبُ الرائِحَةِ، دَقِيقُ الأصْلِ، صَغِيرُ الشجَرِ.
ما يُؤْخَذُ مِن الحَديثِ:
تَقَدَّمَتْ أَكْثَرُ مَعَاني هذا الحَديثِ في [كِتابِ الحَجِّ]، ونُجْمِلُها هُنا مُفَصِّلينَ الفَوائِدَ الزَّوَائِدَ.
1- فيهِ دَليلٌ على أنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، إذْ [ حَبَسَ اللهُ عَنْهَا الفِيلَ]، وسَلَّطَ عليها رَسولَهُ والمُؤْمِنينَ. قالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ: مِن خَصائِصِ الحَرَمِ ألَّا يُحارَبَ أَهْلُهُ، فإنْ بَغَوْا على أَهْلِ العَدْلِ، فقَدْ قالَ بَعْضُ الفُقهاءِ: يَحْرُمُ قِتالُهُمْ, بَلْ يُضَيَّقُ علَيْهِم حتَّى يَرْجِعوا إلى الطاعَةِ، ويَدْخُلوا في أحْكامِ العَدْلِ.
وقالَ الجُمهُورُ: يُقاتَلُونَ على بَغْيِهِمْ، إذا لم يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عن البَغْيِ إلَّا بالقِتالِ؛ لِأَنَّ قِتالَ البُغاةِ مِن حُقوقِ اللهِ التى لا يَجُوزُ إضاعَتُها، فَحِفْظُها في الحَرَمِ أَوْلى مِن إضاعَتِها.
2- أنَّ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ، وأَنَّها لا تَزالُ، ولَنْ تَزالَ مُحَرَّمَةً، فلا يُعْضَدُ شَجَرُها وشَوْكُها، ولا يُقْطَعُ أو يُجَزُّ خَلَاها. ففي هذا بَيانُ شَرَفِها وحُرْمَتِها عِنْدَ اللهِ تعالى.
3- اسْتُثْنِي مِن ذلكَ ما أَنْبَتَهُ الآدَمِيُّ، وما وُجِدَ مَقْطوعًا، وَرَعْيُ البَهائِمِ، والكَمْأَةُ، والإذْخِرُ، فهذه مُباحَةٌ.
4- أنَّ لُقَطَةَ الحَرَمِ لا تَحِلُّ إلَّا لِمَنْ أَرادَ التعْرِيفَ عليها حتَّى يَجِدَها صاحِبُها.
فإذا أَيِسَ مِن صاحِبِها، تَصَدَّقَ بها عَنْهُ بِنِيَّةِ تَعْويضِهِ عَنْها إذا جاءَ يَطْلُبُها.
5- كِتابَةُ العِلْمِ، ففِيها حِفْظُهُ، وتَقْييدُهُ عَن الضَّياعِ.
وقَدْ حَثَّ اللهُ تعالى على الكِتابَةِ بقولِهِ: (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ). وعَظَّمَها بقولِهِ تعالى:
(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) ففي الكِتابَةِ مَصالِحُ الدُّنْيا والآخِرَةِ.
6- قولُهُ: ((ومَن قُتِلَ لهُ قَتيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وإمَّا أَنْ يُودَى )). فيهِ دَليلٌ على أنَّ لِأَوْلِياءِ المَقتولِ، [وهُمْ وَرَثَتُهُ] العَفْوَ مُطْلَقًا، وهُوَ أَفْضَلُ لَهُمْ، والعَفْوَ إلى الدِّيَةِ، وأنَّ لَهُم القِصاصَ والتخْيِيرَ، وهُوَ المَشْهورُ مِن مَذْهَبِنا.
وكانَ القِصاصُ مُتَحَتِّمًا في التوْرَاةِ، فَخَفَّفَ اللهُ عن هذه الأُمَّةِ بِجَوازِ العَفْوِ عن القاتِلِ إلى الدِّيَةِ، بقولِهِ: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ).
والقِصاصُ عَدْلٌ، والعَفْوُ إِحْسَانٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُوافِقَ مَوْقِعَهُ، ولِذا قالَ شيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ:((اسْتِيفاءُ الإنْسانِ حَقَّهُ مِن الدَّمِ عَدْلٌ، والعَفْوُ إحْسانٌ، والإحْسانُ هُنا أَفْضَلُ، لَكِنَّ هذا الإحْسانَ لا يَكُونُ إحْسانًا إلَّا بَعْدَ العَدْلِ، وهُوَ أنْ لا يَحْصُلَ ضَرَرٌ، فإذا حَصَلَ منهُ ضَرَرٌ كانَ ظُلْمًا مِن العافِي إمَّا لِنَفْسِهِ، وإمَّا لِغَيْرِهِ، فلا يُشْرَعُ.
قالَ في ((الإنْصافِ)): وهذا عَيْنُ الصوَابِ.
(163) الغَريبُ:
إمْلاصُ المَرْأَةِ: بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، وسُكونِ المِيمِ، آخِرُهُ صادٌ مُهْمَلَةٌ، مَصْدَرُ ((أَمْلَصَ))، أَمْلَصَت المَرْأَةُ وَلَدَها, أَيْ: أَزْلَقَتْهُ، وهُوَ أَنْ تَضَعَهُ قَبْلَ أَوَانِهِ.
بِغُرَّةٍ: بِضَمِّ الغَيْنِ المُعْجَمَةِ، وتَشْدِيدِ الراءِ المَفْتوحَةِ، بَعْدَها تاءٌ، وهِيَ في الأصْلِ بَيَاضٌ في الوَجْهِ.
واسْتُعْمِلَ - هُنا - في العَبْدِ والأَمَةِ، ولَو كانا أَسْوَدَيْنِ، لِكَرَمِ الآدَمِيِّ على اللهِ.

المَعْنَى الإجْمالِيُّ:
وضَعَت امْرَأَةٌ وَلَدَها مَيِّتًا قَبْلَ أَوانِ الوِلَادَةِ على إِثْرِ جِنَايَةٍ عَلَيْها.
وكانَ مِن عادَةِ الخَليفَةِ العادِلِ ((عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ )) رضي اللهُ عنه أنْ يَسْتَشِيرَ أَصْحابَهُ وعُلَمَاءَهُمْ في أُمورِهِ وقَضاياهُ، لا سِيَّما المُسْتَجَدُّ فيها، يَسْتَشيرُهُمْ مع ما أُوتِيَهُ مِن سَعَةٍ في العِلْمِ، وقُوَّةٍ في الفِكْرِ؛ لِما في أَخْذِ رَأْيهِمْ مِن اسْتِخْراجِ غامِضِ العِلْمِ، وإصابَةٍ لِصادِقِ الحُكْمِ، وتأْلِيفِ قُلوبِهِمْ، وجَبْرِ خَواطِرِهِمْ، والعَمَلِ بقولِهِ تعالى : (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ).
فَحِينَ أَسْقَطَتْ هذه المَرْأَةُ جَنينًا مَيِّتًا غَيْرَ تامٍّ، أَشْكَلَ عليه الحُكْمُ في دِيَتِهِ، فاسْتَشارَ الصحابَةَ رضي اللهُ عنهُمْ في ذلكَ.
فَأَخْبَرَهُ المُغْيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أنَّهُ شَهِدَ النبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَضَى بِدِيَةِ الجَنينِ ((بِغُرَّةٍ ))؛ عَبْدٍ أو أَمَةٍ.
فَأَرادَ عُمَرُ التثَبُّتَ مِن هذا الحُكْمِ الذي سَيكونُ تَشْرِيعًا عامًّا إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
فَأَكَّدَ على المُغِيرَةِ أنْ يأْتِيَ بِمَن يَشْهَدُ على صِدْقِ قولِهِ، وصِحَّةِ نَقْلِهِ، فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأنْصارِيُّ على صِدْقِ ما قالَ رضي اللهُ عنهم أجْمَعينَ.
ما يُسْتَفادُ مِن الحَديثِ:
1- أنَّ دِيَةَ الجَنِينِ إذا سَقَطَ مَيِّتًا بِسَبَبِ الجِنايَةِ عَبْدٌ أو أَمَةٌ، أمَّا إذا سَقَطَ حَيًّا، ثُمَّ ماتَ بِسَبَبِها، ففِيهِ دِيَةٌ كامِلَةٌ.
2- اسْتِشارَةُ أَهْلِ العِلْمِ والعَقْلِ في مَهامِّ الأمُورِ ومُسْتَجَدِّها لِطَلَبِ الحَقِّ والصوَابِ.
3- التثَبُّتُ في المَسائِلِ، وطَلَبُ صِحَّةِ الأخْبارِ فيها، وإلَّا فَخَبَرُ الواحِدِ كَافٍ متى تَوَفَّرَتْ فيهِ شُروطُ العَدالَةِ والحِفْظِ.
4- قالَ ((ابْنُ دَقيقِ العِيدِ)) : [وفي ذلكَ دَليلٌ على أنَّ العِلْمَ الخاصَّ قَدْ يَخْفَى على الأكابِرِ، ويَعْلَمُهُ مَن هُوَ دُونَهُمْ، وذلكَ يَصُدُّ في وَجْهِ مَن يَغْلُو مِن المُقَلِّدينَ إذا اسْتُدِلَّ عليه بِحَديثٍ، فقالَ : لو كانَ صَحيحًا لَعَلِمَهُ فلانٌ مَثَلًا. فإنَّ ذلكَ إذا خَفِيَ على أكابِرِ الصحابَةِ وجازَ عَلَيْهِمْ، فَهُوَ على غَيْرِهِمْ أَخْفَى].
في الحَديثِ دَليلٌ على أنَّهُ لا اجْتِهادَ معَ النَّصِّ.
ووِجْهَتُهُ أنَّ عُمَرَ أَرادَ اسْتِشارَةَ الصحابَةِ، وأَخْذَ رَأْيِهِمْ في القَضِيَّةِ، فلمَّا عَلِموا بالنَّصِّ، لم يَلْتَفِتوا إلى غَيْرِهِ، وهُوَ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ.

  #6  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 02:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

344 - الحديثُ الخامسُ: عن أبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنْهُ قالَ: لمَّا فَتَحَ اللَّهُ تعالى على رسُولِهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ مَكَّةَ قَتلَتْ هُذَيْلٌ رجلًا من بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ كانَ لهم فى الجاهليَّةِ، فقامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ فقالَ: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْتلَ، وَإِمَّا أَنْ يَدِيَ"، فَقَامَ رجلٌ من أهلِ اليمنِ، يُقالُ لَهُ: أبو شاهٍ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، اكتُبُوا لِي، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: “اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ"، ثُمَّ قَامَ العبَّاسُ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إِلَّا الْإِذْخِرَ؛ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وقُبُورِنَا، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: “إِلَّا الْإِذْخِرَ".
فيهِ مسائلُ سوَى ما تقدَّمَ فى بابِ الحَجِّ.
الأُولَى: قولُـهُ عليهِ السَّلامُ: "إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ"، هذهِ الروايةُ الصحيحةُ فى الحديثِ. و"الْفِيلُ" بالفاءِ والياءِ آخرِ الحروفِ. وشذَّ بعضُ الرُّواةِ فقالَ "الْفِيلَ، أَوِ الْقَتْلَ"، والصحيحُ الأوَّلُ. وحبْسُهُ: حَبْسُ أهلِهِ الذينَ جاءُوا للقتالِ فى الْحَرَمِ.
الثانيةُ: قولـُهُ عليهِ السَّلامُ: "وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ" يَسْتَدِلُّ بهِ مَن رأى أنَّ فتحَ مكَّةَ كانَ عَنْوَةً؛ فإنَّ التسليطَ الذي وقعَ للرسولِ مُقَابِلٌ للحَبْسِ الذي وقَعَ للفيلِ. وهوَ الحبسُ عن القتالِ. وقد مرَّ ما يتعلَّقُ بالقتالِ بمكَّةَ.
الثالثةُ: التحريمُ المُشارُ إليهِ يجمعُهُ إثباتُ حُرُماتٍ تتضمَّنُ تعظيمَ المكانِ، منها: تحريمُ القتلِ، وتحريمُ القتلِ: هو ما ذُكِرَ فى الحديثِ.
الرابعةُ: اختلفَ الفقهاءُ فى مُوجِبِ القتلِ العمْدِ عَلَى قولينِ. أحدُهُمَا: أنَّ المُوجِبَ هوَ القِصَاصُ عينًا. والثاني: أنَّ المُوجِبَ أحدُ الأمْرَيْنِ: إِمَّا القصاصُ أو الدِّيَةُ. والقولانِ للشافعيِّ. ومِن فوائدِ هذا الخلافِ أنَّ مَن قالَ: الموجِبُ هوَ القِصاصُ قالَ: ليسَ للوليِّ حقُّ أخْذِ الدِّيَةِ بغيرِ رِضَى القاتلِ. وقيلَ على هذا القولِ: للوليِّ حقُّ إسقاطِ القصاصِ، وأخذُ الدِّيَةِ بغيرِ رضى القاتلِ. وَثَمَرَةُ هذا القولِ على هذا تظهرُ فى عفوِ الوليِّ، وموتِ القاتلِ. فعلى قولِ التَّخْيِيرِ: يأخذُ المالَ فى الموتِ، لا فى العَفْوِ. وعَلى قولِ التعيينِ: يأخذُ المالَ بالعفوِ عن الدِّيَةِ، لا فى الموتِ. ويُسْتَدَلُّ بهذا الحـديثِ على أنَّ الواجبَ أحدُ الأمرينِ. وهوَ ظاهرُ الدَّلَالةِ. ومَن يخالفُ قالَ فى مَعْنَاهُ وتأويلِهِ: إنْ شاءَ أخذَ الدِّيَةَ برِضَى القاتلِ، إلا أنهُ لم يذكُر الرِّضَى لثبوتِهِ عادةً، وقيلَ: إنهُ كقولـِهِ عليهِ السلامُ فيما ذُكِرَ: “خُذْ سَلَمَكَ، أَوْ رَأْسَ مَالِكَ”، يعنى: رأسَ مالِكَ بِرِضَى المُسَلَّمِ إليهِ؛ لِثُبُوتِهِ عادةً؛ لأنَّ السَّلَمَ بِأَبْخَسِ الأثمانِ، فالظَّاهِرُ: أنَّهُ يَرْضَى بأخْذِ رأسِ المالِ، وهذا الحديثُ المُسْتَشْهَدُ بهِ يُحْتَاجُ إلى إِثْبَاتِهِ.
الخامسةُ: كانَ قد وقعَ اختلافٌ فى الصدرِ الأوَّلِ في كتابَةِ غيرِ القرآنِ ووَرَدَ فيهِ نَهْيٌ، ثم استقرَّ الأمرُ بينَ الناسِ على الكتابةِ؛ لتقيِيدِ العلمِ بها. وهذا الحديثُ: يدُلُّ على ذلكَ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ قد أَذِنَ فى الكتابةِ لِأَبِي شَاهٍ. والذي أرادَ أبو شَاهٍ كتابتَهُ هُوَ خُطْبَةُ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ.
345 - الحديثُ السَّادسُ: عن عمرَ بنِ الخطَّابِ رضيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّهُ استشارَ النَّاسَ فى إِمْلَاصِ المَرْأةِ، فقالَ المغيرةُ بنُ شُعْبَةَ: شهدْتُ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ قَضَى فيهِ بغُرَّةٍ: عبدٍ أو أَمَةٍ، فقالَ: لَتَأْتِيَنَّ بمَن يَشْهَدُ مَعَكَ، فشَهِدَ معهُ محمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ.
"إِمْلَاصُ المرأةِ" أن تُلْقِيَ جنينَهَا ميِّتًا.
الحديثُ أصْلٌ فى إثباتِ غُرَّةِ الجنينِ، وكونِ الواجبِ فيهِ غُرَّةً: عبدٌ أو أَمَةٌ؛ وذلكَ إذا ألْقَتْهُ ميِّتًا بسببِ الجِنايةِ. وإطلاقُ الحديثِ فى العبدِ والأمةِ للفقهاءِ فيهِ تصرُّفٌ بالتقيِيدِ فى سنِّ العبدِ، وليسَ ذلكَ من مُقْتَضَى هذا الحديثِ فَنَذْكُرَهُ.
واستشارةُ عُمَرَ فى ذلكَ أصلٌ في الاستشارةِ فى الأحكامِ إذا لم تَكُنْ معلومةً للإمامِ.
وفى ذلكَ دليلٌ أيضًا على أنَّ العِلْمَ الخاصَّ قد يخْفَى على الأكابرِ، ويعلَمُهُ مَن هُوَ دونَهُم، وذلكَ يُصَدُّ فى وَجْهِ مَن يَغْلُو من المقلِّدينَ إذا استُدِلَّ عليهِ بحديثٍ فقالَ: لو كانَ صحيحًا لَعَلِمَهُ فلانٌ مثلًا، فإنَّ ذلكَ إذا خَفِيَ على أكابرِ الصحَابةِ وجازَ علَيْهِمْ: فهوَ على غيرِهم أجوزُ.
وقولُ عُمَرَ: لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ، يتعلَّقُ بهِ مَن يَرَى اعتبارَ العددِ فى الرِّوايةِ، وليسَ هوَ بمذهبٍ صحيحٍ؛ فإنَّهُ قد ثبتَ قبولُ خبرِ الواحدِ، وذلكَ قاطعٌ بعدمِ اعتبارِ العددِ فى حديثٍ جُزْئِيٍّ، فلا يدُلُّ على اعتبارهِ كُلِّيًّا؛ لجوازِ أنْ يُحالَ ذلكَ على مانعٍ خاصٍّ بتلكَ الصورةِ، أو قيامِ سببٍ يقتَضِي التثبُّتَ وزيادةَ الاستظهارِ. لا سيَّمَا إذا قامتْ قرينةٌ مثلُ عدمِ عِلْمِ عُمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهُ بهذا الحُكْمِ. وكذلكَ حديثُهُ معَ أبي مُوسى فى الاستئذانِ، ولعلَّ الذي أوجبَ ذلكَ استبعادُهُ عَدَمَ العلمِ بهِ. وهوَ فى بابِ الاستئذانِ أقوى. وقد صرَّحَ عمرُ رضيَ اللَّهُ عنهُ بأنَّهُ أرادَ أن يَسْتَثْبِتَ.

  #7  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 02:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

. . .
وفي حديث أبي هريرة الدلالة على أن القتيل لأهله الخيرة؛ إن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وإن شاؤوا عفوا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين؛ إما أن يقتل، وإما أن يُفدى).
فهذا هو الحكم في القتل العمد الذي يوجب القصاص، بين المتكافئين، فأهله لهم الخيرة بين ثلاثة أشياء: القصاص والدية والعفو.
وفيه من الفوائد: أن البلد الحرام محرم, لا يحل فيه القتال لا قبل النبي ولا بعده "وإنما أحل لي ساعة من نهار"
وفيه من الفوائد أنه لا يعضد شجره ولا شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه وهو الحشيش الأخضر، ولا تلتقط ساقطته إلا لمنشد، أي لمعرِّف.
. . .
المتن: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب القصاص:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أنه استشار الناس في إملاص المرأة. فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة: عبد، أو أمة، فقال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد معه محمد بن مسلمة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة. وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورَّثها ولدها ومن معهم. فقام حمل بن النابغة الهذلي، فقال: يا رسول الله! كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هو من إخوان الكهان) من أجل سجعه الذي سجع.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رجلا عض يد رجل، فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
(يَعَضُّ أحدكم أخاه كما يَعَضُّ الفحل؟! اذهب لا دية لك).
وعن الحسن بن أبي الحسن البصري – رحمه الله تعالى – قال: حدثنا جندب في هذا المسجد، وما نسينا منه حديثا، وما يُخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكينا، فحز يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه، فحرمت عليه الجنة).
الشرح: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذه الأحاديث الأربعة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، تتعلق بأحكام كلها تتعلق بالقتل، وبإملاص المرأة، وبالعدوان.
أما الإملاص، فإملاصها: إسقاطها جنينا ميتا، أملصت يعني أسقطت، والعامة: تعورت – الآن: يسمونها: تعورت -، يعني أسقطت جنينا قبل أن يتم ميتا.
سأل عمر الناسُ عن حكمه، فشهد عنده المغيرة بن شعبة الثقفي أن النبي قضى فيه بغرة، عبد أو أمة، فقال: من يشهد معك؟ فقال: محمد بن مسلمة.
هذا فيه الدلالة على أن المرأة إذا أسقطت بضربة أحدٍ, ضَرَبَها، فإن الولد يفدي بغرة عبد أو أمة إذا سقط ميتا، بسبب العدوان عليه، قال العلماء: قيمتها خمس من الإبل (نصف) عشر الدية, عشر ديةِ أمه, أم الطفل.
وطلب عمر من المغيرة أن يأتي بمن يشهد معه هو من باب التثبت، وإلا فالواحد يكفي كما تقدم لما سأل ابن عمر سعد بن أبي وقاص في المسح الخفين قال له عمر: إذا شهد لك سعد بشيء فلا تسأل غيره.
فالقاعدة أن الواحد من الصحابة تقوم به الحجة، وهكذا الثقة من الرواة، تقوم به الحجة، ولكن إذا أتى من طريق ثاٍي يكون أوثق وأثبت.
وهذه عادة عمر في بعض الأحيان يستثبت ويطلب شاهدا ثانياً، من باب التثبت في الأمور، كما قال لأبي موسى عندما استأذن على عمر ثلاثاً فلم يؤذن له فانصرف فقال: أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف. فقال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد معه أبو سعيد الخدري، هذا من باب التثبت في الأمور، وإلا فالواحد يكفي، إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق واحدة أنه قال كذا أو فعل كذا كفى.

  #8  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 04:54 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة , قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن الله عز وجل قد حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها ساعتي هذه حرام ،لا يعضد شجرها ، ولا يختلى شوكها، ولا تلتقط ساقطتها ، إلا لمنشد . ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل ، وإما أن يفدى)) . فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاة فقال: يا رسول الله اكتبوا لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اكتبوا لأبي شاة)). ثم قام العباس فقال: يا رسول الله إلا الإذخر ؛ فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إلا الإذخر)) .
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , أنه استشار الناس في إملاص المرأة ، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة ، فقال: ائتني بمن يشهد معك .فشهد معه محمد بن مسلمة . إملاص المرأة: أن تلقي جنينها ميتا .
الشيخ: الحديث الأول يتعلق بالقصاص ، في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا مكة في سنة ثمان , بعد أن قواه الله تعالى ونصره ، وآمن معه من آمن ، فاجتمع معه عشرة آلاف ، وتوجه بهم إلى مكة ، لما تأخروا في الإسلام ، ولما نقضوا العهد الذي تعاهدوا معه في سنة ست في الحديبية , عند ذلك غزاهم ، ولما غزاهم ودخل بهم مكة أحل لهم القتال فيها، فقاتلوا فيها من أول النهار إلى قرب العصر ، ثم بعد ذلك استسلم أهل مكة ، وأمنهم واستتب الأمن ، ولم يعد يقاتلهم.
ولما أسلم أهل مكة واطمأنوا ، ودخل الناس في مكة ، واجتمع بعضهم مع بعض ، كان هناك بعض من الجاهليين الذين معهم شيء من الإحن الجاهلية ومن العادات القديمة ، التي منها الأخذ بالثأر ، فكان قبيلة خزاعة قد قتل منهم قتيل في الجاهلية ، قتلته هذيل ، قيل: إن هذيلا هي التي لها قتيل ، فقتلت خزاعة هُذليًّا ، أو قتلت هذيل خزاعيًّا ، وقالوا: مادام أن مكة زالت حرمتها , فلماذا لا نأخذ بالثأر؟ اعتقدوا أن حرمة مكة كانت قديما ، إنما هي في الجاهلية ، وأنها ليست بلدة محرمة ، وأنه يجوز أخذ الثأر فيها ، ويجوز القتال فيها ، فقتلوا فأخطأوا ، أخطأوا خطأين: الخطأ الأول: الأخذ بالثأر الجاهلي.والخطأ الثاني: استحلال القتال في البلد الحرام .
فلما فعلوا ذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم , وخطب هذه الخطبة في المسجد الحرام ، فأخبر بأن هذا البلد حرام ، حرمه الله تعالى منذ خلق السماوات والأرض ، وأنه لا يزال على حرمته ، قال الله تعالى: {ومن دخله كان آمنا} , وقال تعالى: {أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء} {حرما آمنا يجبى إليه} يجلب إليه الثمرات من كل البلاد ، وقال تعالى: {قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها} البلدة هي مكة ، أن أعبده ؛ حيث أنه الذي حرم هذه البلدة ، فهذه الآيات ونحوها تدل على أن هذا البلد الذي هو مكة له أهميته وله منزلته ، وأنه باق على حرمته . نؤخر الكلام إلى ما بعد الأذان .
والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم أنكر على هؤلاء الذين قتلوا في مكة ، وقد ثبت أيضا أنه صلى الله عليه وسلم خطب خطبة بليغة في حجة الوداع ، في عرفه ، وكان من جملة ما ذكره أنه قال: ((إن دماء الجاهلية موضوعة تحت قدمي هذا , وأول دم أضعه دم بني هاشم)) أي رجل من بنى هاشم قتلته هذيل ، فوضع دماء الجاهلية ، وذحل الجاهلية والعادات الجاهلية ، فعرف بذلك أن القتل في المسجد الحرام والقتال فيه لا يجوز . وإذا قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أبيح له القتال فيها . فالجواب: أن الله أباحه وأذن لنبيه ، ولم يأذن لغيره .
في هذا الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حبس عن مكة الفيل , وسلَّط عليها رسوله والمؤمنين)) لما جاء أصحاب الفيل ليستبيحوا حرمة هذا البلد حبسهم الله وردهم ، وأرسل عليهم طيرا أبابيل ، ترميهم بحجارة من سجيل ، أما نبيه صلى الله عليه وسلم فإن الله سلطه عليهم ، لما أنهم أصروا على الكفر ، واستمروا عليه ، واستباحوا البلد الحرام ، بمعنى أنهم جعلوه بلاد كفر وشرك ، وردوا الرسالة النبوية ، فأمره بأن يقاتلهم ، وأحل له القتال في هذا البلد هذا اليوم ، ثم بعد ذلك عادت حرمة هذا البلد ، كما كانت .
فأخبر بأنها عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس ، وأخبر بما يحرم فيه ، أخبر بأنه يحرم فيه أشياء:
أولها: سفك الدماء والقتال لا يجوز ؛ وذلك لحرمة الزمان , والذي يقتل فيه يعتبر قد فعل جرمين: الأول أنه قتل دما حراما بغير حق ، ولو كان مظلوما . والثاني: أنه تهاون بحرمة البيت الحرام ، وبحرمة البلد الحرام ، فاستحل ما حرم الله .
أجاز العلماء القصاص فيه ، إذا قتل إنسان في المسجد الحرام ، واستهان بحرمته ، فإنه يقتل النفس بالنفس , فجزاء قتله أن يقتل ، وكذلك أجازوا أن تقام فيه الحدود ، بل ويشدد فيها ، فمن زنى في داخل البلد الحرام جلد الحد إن كان بكرا ، ورجم إن كان ثيبا ، يعنييقام عليه الحد ؛ لأنه امتهن الحرمة ، امتهن حرمة البيت ، وهكذا يقطع من سرق فيه , ويجلد مَن شرب فيه خمرا ، وهكذا من ارتد فيه واستحق القتل لردته ؛ وما ذاك إلا أنه تهاون بهذا البلد الحرام ، تهاون بحرمته ولم يعرف قدره ، فكان جزاؤه أن يشدد عليه العقوبة ، فيعاقب بعقوبتين ، عقوبة جنايته وعقوبة انتهاكه للبلد الحرام .
الأمر الثاني: قطع الشجر , أخبر بأنه لا يعضد شجرها ، والمراد الشجر الذي أنبته الله ، أما الذي ينبته ويغرسه الآدمي فإن له أن يقلع ويقطع منه ما يريده ، فإذا قدِّر أنه قطع منه شجرة ، فإن عليه فدية ، إن كانت كبيرة ففيها بدنة ، وإن كانت صغيرة ففيها شاة ، وإن كان قطع منها أغصانا فعليه بقدر ما نقص منها.
كذلك لا يختلى خلاها ، والخلاء هو العشب ، العشب الذي ينبت منبسطا على الأرض ، ترعاه الدواب ، يجوز أن تترك الدواب ترعى فيه من الإبل أو البقر ، أو الغنم ، وأما أن يختلى بمعنى يحش فلا يجوز ، ومن حشه فإن عليه فديته بقدر ما أخذ منه ، أو بقيمته يتصدق بها على مساكين الحرم .
كذلك لا ينفر صيدها ؛ لعموم {ومن دخله كان آمنا} , ولعموم قوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} أي الصيد , كل ما يقتنص ويصاد ، فلا يجوز أن ينفر ، ولا يجوز أن يصاد . الصيد يدخل فيه الطيور، ويدخل فيه الدواب المتوحشة ، التي تقتنص وتصاد ، فإذا صاد فإن عليه الجزاء ، وقد بين العلماء مقدار ما عليه من الجزاء في باب جزاء الصيد في كتب الحج ، من الكتب الفقهية والحديثية ونحوها . وإذا كان لا يجوز أن ينفر يعنيلا يجوز أن تنفره حتى يطير ولو عصفورا ، أو حمامة ، أو نحو ذلك ، فكذلك بطريق الأولى لا يجوز أن يذبح .
يستثنى من ذلك الذي يملك ، والذي لا يقال له صيد كالدجاج من الطيور أو البط ونحوه ، وكذلك بهيمة الأنعام من الإبل والبقر ونحوها , هذا ما يسمى صيدا .استثنى من ذلك الإذخر ، وهو هذا النبات الدقيق الذي يكون له أعواد دقيقة، وله رائحة طيبة ، كانوا يقطعونه فيوقدون به ، يوقد به الحدادون ، ويجعلونه في سقوف البيوت ، ويجعلونه بين اللبنات في القبور ، فهم بحاجة إليه , فطلب العباس أن يرخص لهم في قطع وفي حش الإذخر ، فرخص لهم في ذلك ، وقال: ((إلا الإذخر)) .
الشاهد من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:((ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل , وإما أن يفدى)) . المعنى أن الذي يقتل ظلما فإن أولياءه بالخيار ، إما أن يأخذوا الدية ، وإما أن يقتلوا القاتل ، وليس لهم غير ذلك إلا إذا عفوا ، إذا عفوا عفوا مطلقا بدون دية ، وبدون قصاص ، فهو أفضل لقوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأن تعفوا أقرب للتقوى} فإذا عفوا فأجرهم على الله ، وإذا طلبوا الحق فلهم الخيار ، بين أن يقتلوا ذلك القاتل ، وهو القصاص ، الذي قال الله: {كتب عليكم القصاص في القتلى} , وفي قوله: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} , وإما أن يأخذوا الدية التي قدرت ، بأنها مائة من الإبلفي ذلك الزمان ، أو ما يقاومها من القيمة ، في هذا الزمان تقدر بمائة ألف ، أي كل بعير بألف . ليس لهم إلا ذلك .
وليس لهم أن يقتلوا غير القاتل ؛ فإن هذا ظلم ، كونهم إذا هرب القاتل قتلوا أخاه أو قتلوا قريبه ، يعتبر ظلما ، قال الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فكون الجاني قريبا لهذا لا يلزم أن يكون هذا جانيا ، أو يكون مذنبا ، بل الجناية تتعلق بالمعتدي ، فهو الذي يؤخذ منه الحق دون غيره ، هذا هو حكم الله تعالى .
لا شك أن الحكم الشرعي ، أنه هو الأصل في القصاص ، قد عرفنا أن شرعية القصاص لأجل الأمن ، لأجل أن تأمن البلاد ويأمن العباد ؛ وذلك لأن القاتل أو من يريد أن يقتل إذا تذكر أنه سيقتص منه ارتدع عن القتل ، ويقول: ما فائدتي في أن أقتله ما دمت سوف أقتل ، ولو أنه سبني ، ولو أنه قهرني ، ما الفائدة من كوني أقتلهإذا كان معه مال آخذ ماله, ما فائدتي من هذا المال إذا كنت سوف أقتل بعد ذلك , فيحصل بذلك ارتداع عن القتل ، وتخفيف لهذه الفتنة الكبيرة، ولهذا الذنب الكبير . هذا هو شرعية القتل .
الخيار يكون للأولياء ، الأولياء هم الذين يختارون: إما القتل ، وإما العفو ، , وإما الدية ، وإذا تعددوا فلكل منهم أن يختار ، فإذا كان ورثته أولاده ذكورا وإناثا فطلب أحدهم الدية ، أجبروا بأخذها كلهم ، ولو طلب أكثرهم القصاص ، وما ذاك إلا أن القصاص لا يتجزأ ، لا يمكن أن يعطى هذا نصيبه من الدية ويقتص لأجل نصيب الآخرين ، ولو كان الذي طلب الدية زوجة له ، ولو كانت ابنة له ، ولو كانت قريبة للقاتل ، مادام أن لها حق في الدية فإن لها طلب الدية ، وعند ذلك تعطى ، تعطى نصيبها من الدية ، ويجبر الباقون على أن يأخذوا الدية ، ويتركوا القصاص الذي لا يتجزأ . كذلك يجوز أن يعفوا بعضهم عفوا مطلقا ، ويأخذ الباقون نصيبهم من الدية ، فمن أسقط نصيبه من الدية وطلب الأجر فله أجره ، والبقية الذين لم يسقطوا نصيبهم يأخذوه كاملا ، أو يأخذوا ما طلبوه .
والدية كما هو معروف إنما هي الدية عن قتل الخطأ ، أو طلب الدية هي التي قدرت بمائة من الإبل , وأما إذا طلبوا القصاص كلهم ، أو طلبوا مالا كثيرا ، فإن لهم ذلك .
وقد روي أن بعض الصحابة عرضوا على أولياء المقتول أربع ديات ، وقالوا له: نعطيك ديتين . فقال: لا أريد إلا القصاص . فقالوا: نعطيك ثلاث ديات . فقال: لا أريد إلا القصاص . فقالوا: نعطيك أربع ديات . فقال: لا أريد إلا القصاص . فلما أصر على ذلك مكنوه من القصاص ، وقال: لو أعطيتموني عشرين دية . فيدل على إنه يجوز أن يزاد في الدية، ولكن هذا يسمى صلحا عن الدم ، كأن القاتل يشتري نفسه ، يقول: لا تقتلوني ، وأنا أعطيكم أكثر من الدية ، أو يقول أهله وعصبته: نحن نشتريه منكم بما تطلبون ، ولو طلبتم خمس ديات ، أو ست ديات ، أو عشر ديات ، أو نحو ذلك ، يجوز إذا اصطلحوا على أكثر من الدية ، ولكن الأولى العفو والصلح كما هو الأصل ، الأصل أن الإنسان إذا عفى وأصلح فأجره على الله . والحديثان الباقيان نؤخرهما إلى بعد رمضان إن شاء الله .
القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استشار الناس في إملاص المرأة ، فقال المغيرة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة . فقال: [1]لتأتينني بمن يشهد معك . فشهد معه محمد بن مسلمة . إملاص المرأة: أن تلقي جنينها ميتا .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر ، فقتلتها وما في بطنها ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها وولدها ومن معهم ، فقام حمل بن النابغة الهذلي فقال: يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ؟!فمثل ذلك يطل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنما هو من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع))

الشيخ:تتعلق هذه الأحاديث بالديات ، وبالجنايات ، ففيها دية الجنين إذا جني على أمه فسقط ، أي سقط ميتا ولم يتحرك بعد موته ، أما إذا سقط حيا وتحرك حركة حي ثم مات , وكان سبب موته هو الجناية ، فإن فيه الدية كاملة ، أي ديته إن كان ذكرا دية رجل ، وإن كان أنثى دية امرأة ، وأما إذا مات في بطنها وسقط أو سقط قبل تمام مدته ومات أو سقط ميتا , فإن فيه غرَّة , غرة عبد أو أمة . تعرفون الغرة أنها بياض الوجه ، في قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" أو قول أبي هريرة . وفي قوله:((إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين)). الغرة بياض الوجه ، لكن هنا أطلق الغرة على العبد المملوك ، أو الأمة المملوكة ، أطلق عليه أنه غرة ، فكأنه قال: دية الجنين إذا سقط بجناية فيه عبد أو أمة . ثم قد يقالفيه عبد أو أمة ، ثم قد يقال في هذه الأزمنة: يقل وجود عبد أو أمة ، ولو قدر وجودهما في بعض البلاد ، فإن ثمنهما رفيع ، بل ثمنهما قبل إلغائهما في هذه البلاد أرفع من دية الحر ، ولكن العلماء في الزمن الأول قدروه ، واستمروا على تقديره ، فقالوا: الغرة , التي هي عبد أو أمة , قيمتها في ذلك الزمان خمس من الإبل ، ولا تزال ، لا تزال قيمتها ، فالآن إذا سقط الجنين بسبب جناية , بأن ضرب رجل بطن امرأة فأسقطت ، أو كذلك حصل حادث بسببه كحادث اصطدام أو انقلاب , فأسقطت المرأة وحكم عليه بالدية , فإنه يحكم عليه بخمس من الإبل , وسواء كان السقط قد تخلق أو لم يتخلق ، مادام أنه حمل , وسواء طالت مدة الحمل أم لا , إذا سقط ميتا , مات في بطنها , سواء كان في الشهر التاسع أو الرابع أوالثاني ، ما دام أنه مات وسقط ميتا فديته خمس من الإبل . والإبل في هذه الأزمنة تقدر الواحدة بألف , فتكون دية الجنين خمسة آلاف .

[1] قرأ القارئ السابق نفس الحديث بلفظ: ائتني .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, قتل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:47 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir