دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > النكاح والطلاق والرضاع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 04:29 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [ من ادعى لغير أبيه ]

عن أبِي ذَرِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ يَقولُ: ((لَيْسَ مِن رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيرِ أَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُهُ - إِلاَّ كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ، وَمِن دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَو قَالَ: عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ)) .
كذا عندَ مسلِمٍ، وللبخاريِّ نحوهُ .

  #2  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 11:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : أو قالَ عدوُّ اللهِ .
ضبَطُوه بوجهين : الرفْعُ على معنى هو عدوُّ اللهِ والنصبُ على النداءِ .
قولُه : إلا حَارَ : هو بالحاءِ المهمَلةِ .
أي رجَعَ ومنه قولُه تعالى : { إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ } .
((فَلْيَتَبَوَّأْ )).
أي فليَتَّخِذْ له مُباءةً والْمُباءةُ المنزِلُ .

  #3  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 11:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ والعشرونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ أبِي ذَرِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: ((لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيرِ أَبِيهِ- وَهُوَ يَعْلَمُهُ- إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَو قَالَ: عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ)).
كذا عندَ مسلِمٍ، وللبخاريِّ نحوَهُ.

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (وَلْيَتَبَؤَّأْ). أيْ: لِيَتَّخِذْ لهُ مَبَاءَةً وهيَ المنزلُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا حَارَ عَلَيْهِ). بالحَاءِ، أيْ: إلا رَجَعَ عَلَيْهِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تَحْرِيمُ الانتسابِ إلى غيرِ آبائِهِ أوْ إلى غيرِ قبيلةٍ إذا كانَ عَالِمًا.
الثَّانِيَةُ: تحريمُ الدَّعَاوَى الباطلةِ منْ حُقُوقِ الغيرِ أو ادِّعَاءِ عِلْمٍ أوْ طِبٍّ أوْ صَنْعَةٍ لِيَسْلُبَ بها الأموالَ.
الثَّالِثَةُ: الوعيدُ على مَنْ أَطْلَقَ الكُفْرَ أو الفِسْقَ على مَنْ ليسَ كذلكَ.

  #4  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 11:22 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحَديثُ السادِسُ والعِشْرُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
326- عن أَبِي ذَرٍّ رضي اللهُ عنه، أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيرِ أَبِيهِ, وَهُوَ يَعْلَمُهُ, إِلَّا كَفَرَ، وَمَن ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ)) .
كَذا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وللبُخارِيِّ نَحْوَهُ(150)
_________________
(150) الغَريبُ:
ولْيَتَبَوَّأْ : أيْ: فَلْيَتَّخِذْ لهُ مَبَاءَةً ، وهِيَ المَنْزِلُ.
إلَّا حَارَ عليهِ : بالحاءِ المُهْمَلَةِ، أَيْ: رَجَعَ عليهِ، ومِنهُ قولُهُ تعالى : (إِنَّهُ ظَنَ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) [الإنْشِقاقُ : 14] أَيْ: يَرْجِعَ.
المَعْنى الإجْمالِيُّ:
في هذا الحَديثِ وعِيدٌ شَديدٌ، وإنْذارٌ أَكِيدٌ، لِمَنْ ارْتَكَبَ عَمَلًا مِن هذه الثلَاثَةِ، فما بالُكَ بِمَن عَمِلَها كُلَّها؟
أَوَّلُها: أنْ يَكونَ عالِمًا أَباهُ، مُثْبَتًا نَسَبُهُ، فَيُنْكِرُهُ ويَتَجاهَلُهُ، مُدَّعِيًا النَّسَبَ إلى غَيْرِ أَبيهِ، أو إلى غَيْرِ قَبِيلَتِهِ.
وثانِيها : أنْ يدَّعِيَ - ((وهُوَ عالِمٌ ))- ما لَيْسَ لهُ مِن نَسَبٍ، أوْ مالٍ، أوْ حَقٍّ مِن الحُقوقِ، أو عَمَلٍ مِن الأعْمالِ، أو يَزْعُمَ صِفَةً فيه يَسْتَغِلُّها, ويَصْرِفُ بِها وجُوهَ الناسِ إليهِ،
ويدَّعيَ عِلْمًا مِن شَرْعٍ ، أوْ طِبٍّ، أو غَيْرِهِما؛ لِيَكْسِبَ مِن وَرَاءِ دَعْواهُ، فَيَكُونُ ضَرَرُهُ عَظِيمًا، وشَرُّهُ خَطيرًا.
أو يُخاصِمَ في أَمْوالِ الناسِ عِنْدَ الحُكَّّامِ، وهُوَ كاذِبٌ، فهذا عَذابُهُ عَظِيمٌ، إذْ تَبَرَّأَ مِنهُ النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأَمَرَهُ أنْ يَخْتَارَ لهُ مَقَرًّا في النارِ؛ لِأَنَّهُ مِن أَهْلِها، فَكَيْفَ إذا أَيَّدَ دَعاوِيَهُ الباطِلَةَ بالأيْمانِ الكاذِبَةِ.
ثالِثُها : أنْ يَرْمِيَ بَريئًا بالكُفْرِ، أو اليَهُودِيَّةِ، أو النصْرَانِيَّةِ، أو بِأَنَّهُ مِن أعْدَاءِ اللهِ، فَمِثْلُ هذا يَرْجِعُ عَلَيْهِ ما قالَ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بهذِهِ الصفَاتِ القَبِيحَةِ مِن المُسْلِمِ الغَافِلِ، عَن أَعْمَالِ السَّوءِ وأقْوَالِهِ.
ما يُسْتَفَادُ مِن الحَديثِ:
1- فيهِ دَليلٌ على تَحْرِيمِ الانْتِفاءِ مِن نَسَبِهِ المَعْرُوفِ، والانْتِسابِ إلى غَيْرِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِن أَبِيهِ القَرِيبِ، أَمْ مِن أَجْدَادِهِ؛ لِيَخْرُجَ مِن قَبِيلَتِهِ إلى قَبيلَةٍ أُخْرَى، لِما يَتَرَتَّبُ عليهِ مِن المَفاسِدِ العَظيمَةِ، مِن ضَياعِ الأنْسَابِ، واخْتِلاطِ المَحارِمِ بِغَيْرِهِمْ، وتَقَطُّعِ الأرْحامِ، وغَيْرِ ذَلكَ.
2- اشْتَرَطَ العِلْمَ؛ لِأَّنَ تَبَاعُدَ القُرونِ، وتَسَلْسُلَ الأجْدادِ، قدْ يُوقِعُ في الخَلَلِ والجَهْلِ، واللهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها، ولا يُؤاخِذُ بالنِّسْيَانِ والخَطَأِ.
3- قولُهُ: [ومَن ادَّعى ما لَيْسَ لهُ]. يَدْخُلُ فيهِ كُلُّ دَعْوَى باطِلَةٍ، مِن نَسَبٍ، أوْ مالٍ ، أو عِلْمٍ، أو صَنْعَةٍ، أو غَيْرِ ذلكَ،
فَكُلُّ شَيْءٍ يَدَّعِيهِ, وهُوَ كاذِبٌ، فالنبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَرِئٌ مِنْهُ، وهُوَ مِن أَهْلِ النَّارِ، فَلْيَخْتَرْ مَقامَهُ فِيها,
كَيْفَ إذا أيَّدَ دَعاوِيَهُ الباطِلَةَ بالْأَيْمانِ الكَاذِبَةِ؛ لِيأَكُلَ بِها أَمْوَالَ الناسِ ؟‍! فهذا ضَرَرُهُ عَظِيمٌ، وأَمْرُهُ كَبِيرٌ.
4- الوَعيدُ الثالِثُ فِيمَنْ أَطْلَقَ الكُفْرَ، أو الفِسْقَ، أو نَفَى الإيمانَ، أو غَيْرَ ذلكَ على غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ، فَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِهِ؛ لِأَنَّ هذا راجِعٌ عَلَيْهِ، فالجَزَاءُ مِن جِنْسِ العَمَلِ,
5- فَيُؤْخَذُ مِنهُ التنَبُّهُ على تَحْرِيمِ تَكْفِيرِ الناسِ بِغَيْرِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، وكُفْرٍ بَواحٍ ظَاهِرٍ، فَإِنَّ التكْفِيرَ والإخْرَاجَ مِن المِلَّةِ أَمْرٌ خَطيرٌ، لا يُقْدَمُ عليه إلَّا عنْ بَصيرَةٍ، وتَثَبُّتٍ، وعِلْمٍ.
اخْتِلافُ العُلَماءِ:
أجْمَعَ عُلَماءُ السُّنَّةِ على أنَّ المُسْلِمَ لَا يَكْفُرُ بالمَعاصِي كُفْرًا يُخْرِجُهُ مِن المِلَّةِ، والشَّارِعُ قدْ يُطْلِقُ على فاعِلِ المَعاصِي الْكُفْرَ، كَمَا في الحَديثِ الذي مَعَنا, فاخْتَلَفَ العُلَماءُ في ذلكَ:
فالجُمْهُورُ يَرَوْنَ أنَّ هذه أَحادِيثُ جَاءَتْ لِقَصْدِ الزَّجْرِ والرَّدْعِ، فَتَبْقَى على تَخْويفِها وتَهْوِيلِها، فَلَا تُؤَوَّلُ.
ومِن العُلَماءِ مَن أَوَّلَها فقالَ : يُرادُ[ بالكُفْرِ] كُفْرُ النِّعْمَةِ، أو بِمَعْنَى: أَنُّه قَارَبَ الكُفْرَ، أو أنَّ هذا الوَعِيدَ لِمَنْ يَسْتَحِلُّ ذَلكَ، فَيَكُونَ رَادًّا لِنُصُوصِ الشرِيعَةِ الصحِيحَةِ الصرِيحَةِ، فَيَكْفُرُ.
ومِثْلُ قولِهِ: (لَيْسَ مِنَّا). يَعْنِى: لَيْسَ على طَرِيقِنا التامَّةِ المُسْتَقِيمَةِ، وإنَّما نَقَصَ إِيمانُهُ ودِينُهُ.
والأْحْسَنُ مَسْلَكُ الجُمْهُورِ، وهُوَ أنْ تَبْقَى على إبْهامِها؛ لِيَبْقَى المَعْنَى المَقْصودُ مِنْها، فَتَكُونَ زاجِرَةً رادِعَةً عن مَحارِمِ اللهِ تعالى؛
فإنَّ النفُوسَ مَجْبولَةٌ على اتِّباعِ الهَوَى، فَعَسى أنْ يَكونَ لها رادِعٌ مِن مِثْلِ هذه النصُوصِ الشرِيفَةِ. واللهُ أَعلَمُ.

  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 11:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

331 – الحديثُ الثامنُ : عن أبي ذرٍّ رضيَ اللهُ عنه : أنَّه سمِعَ رسولَ الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ يقولُ "لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيِهِ – وَهُوَ يَعْلَمُهُ – إلاَّ كَفَرَ ، وَمَنِ ادَّعى ما لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا ، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مَنْ النَّارِ . وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ ، أَوْ قالَ : عَدْوَّ اللهِ ، وَلَيْسَ كَذلِكَ ، إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ".
كذا عندَ مسلمٍ ، وللبخاريِّ نحوَه.
يدلُّ على تحريمِ الانتِفاءِ من النَّسبِ الْمَعْرُوفِ ، والاعْتزاءِ إلى نَسبِ غيرِهِ ، ولاَ شَكَّ أنَّ ذلكَ كبيرةٌ ، لِمَا يَتَعَلَّقُ به مِن المفَاسِدِ العظيمَةِ ، وقد نَبَّهْنَا على بَعْضِها فيمَا مضَى ، وشرَطَ الرَّسُولُ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ العلْمَ؛ لأنَّ الأْنسَابَ قد تَتَراخَى فيها مُدَدُ الآباءِ والأجدادِ ، ويُتَعَذَّرُ العلْمُ بحقيقَتِها ، وقدْ يَقَعُ اخْتِلالٌ في النَّسبِ في الباطِنِ من جِهَةِ النِّساءِ ، ولا يُشْعَرُ بِه . فَشَرْطَ العِلْمَ لذلكَ.
وقولـُه "إِلاَّ كَفَرَ" مَتْرُوكُ الظاَّهِرِ عندَ الْجُمهِورِ ؛ فَيَحْتَاجُونَ إلى تأْويلِهِ ، وقدْ يُؤَوَّلُ بكُفْرِ النِّعَمةِ ، أو بِأنَّه أُطْلِقَ عليه "كُفْرٌ" لأنَّه قارَبَ الكُفْرَ ، لعِظَمِ الذَّنْبِ فيه ، تسْمَيهً للشَّيءِ باسمِ ما قَارَبَهُ . أو يُقالُ بتأْويلِهِ على فاعِلِ ذلكَ مُسْتَحِلاًّ له.
وقولـُه عليه السلامُ : "من ادَّعَى مَا لَيْسَ لَـُه" يَدْخُلُ فيه الدَّعاوَى الباطلةُ كلُّها ومنْها : دَعْوى المالِ بغيرِ حقٍّ . وقدْ جُعِلَ الوعيدُ عليه بالنَّارِ؛ لأنَه لماَّ قال : "فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ " اقْتَضَى ذلكَ تَعْيِينَ دُخُولَهِ النَّارَ ؛لأنَّ التَّخيِيرَ في الأوصافِ فقطْ يُشْعِرُ بثبوتِ الأصلِ.
وأقولُ : إنَّ هذَا الحديثَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ ما ذَكَرَهُ بعضُ الفقهاءِ في الدَّعَاوَى ، مِن نَصْبِ مُسَخَّرٍ يَدَّعِي في بعضِ الصُّوَرِ، حِفْظًا لِرسْمِ الدَّعْوَى والجوابِ ، وهذا المُسَخَّرُ يدَّعِي ما يعْلمُ أنَّه ليسَ لـه ، والقاضِي الذِي يقيمُهُ عالمٌ بذلكَ أيْضًا . وليسَ حِفْظُ هذهِ القوانِينِ من المنصُوصاتِ في الشَّرْعِ ، حتى يُخَصَّ بِهَا هذا العمَومُ ، والمقْصودُ الأكْبَرُ في القضاءِ إيصَالُ الحقِّ إلى مستَحِقِّهِ . فانخِرامُ هذهِ المرَاسِمِ الحُكْميَّةِ ، معَ تحصيلِ مقْصودِ القضَاءِ ، وعدمِ تنْصيصِ صاحبِ الشَّرعِ على وجُوبِهَا أَوْلَى مِن مُخَالَفَةِ هذا الحديثِ . والدُّخولِ تحتَ الوعيدِ العظيمِ الذي دلَّ عليهِ . وهذهِ طريقَةُ أصحَابِ مَالكٍ . أعنِى : عدمَ التَّشْديدِ في هذهِ الْمَرَاسِيمِ.
وقولُه عليهِ السَّلاَمُ : "فَلَيْسَ مِنَّا" أخفُّ مِمَّا مضَى فيِمَنْ ادَّعَى إلى غَيِرِ أبيهِ؛ لأنَّهُ أخفُّ في الْمَفْسَدَةِ منَ الأُولىَ ، إذا كانتِ الدَّعوى بِالنَّسْبَةِ إلى المالِ ، وليسَ في اللَّفظِ ما يقْتضِي الزِّيادةَ على الدَّعوى بِأخذِ المالِ المدَّعَى به مثلاً ، وقد يَدْخُلُ تحْتَ هذَا اللَّفظِ الدَّعاوَى البَاطلةُ في العُلومِ . إذا ترتَّبتْ عليهَا مفاسدُ.
وقولُه: "فَلَيْسَ مِنَّا" قد تأوَّلـَهُ بعضُ المتقدِّميِن فِي غيرِ هذا الْمَوضِعِ ، بأنْ قالَ : ليسَ مثلَنَا فِرَارًا مِن القولِِ بِكُفْرِهِ ، وهذا كَمَا يقوُلُ الأبُ لولدِه – إذا أَنْكَرَ منهُ أخْلاقًا أو أعْمَالاً – : لَسْتَ مِنِّى ، وكأنَّهُ من بابِ نَفْيِ الشَّيءِِ لانتفاءِ ثمرتِهِ ؛ فإنَّ المطلوبَ أن يكونَ الابنُ مساويًا للأبِ فيما يريدُهُ مِن الأخلاقِ الجميلةِ ، فلمَّا انَتَفَتْ هذه الثَّمرةُ نُفِيَتِ البنُوَّةُ مبالَغَةً . وأمَّا مَنْ وصفَ غَيْرَهُ بالكفْرِ فقد رتَّبَ عليْهِ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قولَه : "حَارَ عَليْهِ" بالحاءِ الْمُهْملةِ أي ، رجَعَ . قالَ اللهُ تعالى : (الانشقاق : 12إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أيْ : يرجعَ حيًّا ، وهذا وعيدٌ عظيمٌ لِمَنْ كَفَّرَ أحَدًا من المسلمينَ ، وليسَ كذلكَ ،وهيَ ورْطَةٌ عظيمةٌ وقعَ فيها خلقٌ كثيرٌ مِن المُتَكَلِّمينَ ، ومن الْمَنْسُوبِينَ إلى السُّنَّةِ وأهلِ الحديثِ ، لـمَّا اخْتَلفُوا في العقائِدِ . فَغَلُظُوا على مخالِفيهمْ ، وحكَمُوا بكفْرِهِمْ ، وخَرَقَ حجابَ الهَيْبَةِ فيِ ذلكَ جماعةٌ مِن الحَشوِيَّةِ ، وهذا الوعيدُ لاحقٌ بهم إذا لَمْ يكنْ خصومُهُمْ كذلكَ.
وقد اختلفَ النَّاسُ فيِ التَّكْفِيرِ وسبَبِه ، حتىَّ صُنِّفَ فيه مُفْرَدًا ، والَّذي يَرْجِعُ إليه النَّظَرُ في هذَا أنَّ مآلَ المذْهبِ : هلَ هُوَ مذهبٌ أو لاَ ؟ فَمَن أكْفَرَ المُبْتَدِعَةَ قالَ : إن مآلَ المذْهَبِ مذهبٌ . فيقولُ : المُجَسِّمَةُ كُفَّارٌ ؛ لأنَّهُمْ عَبَدُوا جِسْمًا ، وهوَ غيرُ اللهِ تعالى ؛ فَهُمْ عَابِدُونَ لغيرِ اللهِ ، ومَن عبدَ غيرَ اللهِ كَفَرَ . ويقولُ : الْمُعْتَزِلةُ كفَّارٌ ؛ لأنَّهُمْ – وإنِ اعْتَرَفُوا بأحكامِ الصِّفاتِ – فقدْ أَنْكَرُوا الصِّفاتِ . وَيَلْزَمُ مِن إِنْكَارِ الصِّفاتِ إنكارُ أحْكامِها ، وَمَنْ أَنْكَرَ أَحْكَامَها فهو كافِرٌ ، وكذلكَ الْمُعْتَزِلَةُ تَنْسِبُ الكْفَرَ إلى غيرِهَا بَطريقِ المآلِ.
والحقُّ : إنه لا يُكَفَّرُ أحدٌ مِن أهلِِ القبْلةِ ، إلا بإنكارٍ مُتَوَاتِرٍ مِن الشَّريعِةِ عن صاحبِها . فإنَّه حينئذٍ يكونُ مُكَذِّباً للشَّرعِ ، وليسَ مُخَالَفَةُ القواطعِ مَأْخَذًا للتَّكْفِيرِ، وإِنَّمَا مأْخذُه مخالَفَةُ القواعِدِ السَّمْعِيَّةِ القطعيَّةِ طَريقًا وَدلالةً.
وعبَّرَ بعضُ أصحابِ الأُصُولِ عنْ هذا بِما معنَاهُ : إنَّ مَنْ أَنْكرَ طَريقَ إثباتِ الشَّرعِ لم يَكْفُرْ ، كمنْ أنكَرَ الإجْمَاعَ ، ومنْ أَنَكَرَ الشَّرْعَ بعدَ الاعْتِرافِ بطريقَةٍ كُفِّرَ ؛ لأنَّه مُكَذِّبٌ . وقد نُقِلَ عن بعضِ المُتَكَلِّمينَ أنَّه قالَ : لا أُكَفِّرُ إلا مَنْ كفَّرنِي ، وربَّما خَفِي سبَبُ هذا القولِ على بعضِ النَّاسِ ، وحمَلَه على غيْرِ مَحْمَلهِ الصَّحيحِ. والَّذى يَنْبَغِي أن يُحْمَلَ عَلَيْهِ : أنَّه قدْ لَمَحَ هذا الحـديثَ الَّذي يَقْتَضِي أنَّ منْ دعَا رجـلاً بالكُفْرِ – وليسَ كذلكَ – رجعَ عليْه الكُفْرُ ، وكذلكَ قالَ عليهِ السَّلامُ "مَن قالَ لأخِيهِ : كافرٌ فَقَدْ بَاءَ بِها أَحَدُهُمَا" وكَأنَّ هذَا المُتَكَلِّمَ يقولُ : الحديثُ دلَّ على أنَّهُ يحصُلُ الكُفْرُ لأِحَدِ الشَّخْصَينِ : إما الْمُكَفِّرُ ، أو الْمُكَفَّرُ ، فَإِذَا أكفرَنِي بعضُ النَّاسِ فالكُفْرُ واقعٌ بأحدِنَا . وأنا قاطِعٌ بأنِّي لستُ بكافِرٍ . فالكُفْرُ راجعٌ إليه.

  #6  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 11:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

. . .
أما حديث أبي ذر – رضي الله عنه – فيقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:
(ليس من رجل يدعي إلى غير أبيه – وهو يعلم – إلا كفر) هذا يدل على أنه يجوز للإنسان أن يقول أنا ولد فلان وهو يكذب، لا يحل له أن ينتسب إلى غير أبيه، بل يجب عليه أن ينتسب إلى أبيه، رضي أو كره، ولو كان أبوه كافرا، ولو كان أبوه فاسقا، يجب عليه أن يقول: أنا ولد فلان, ولا تزر وازرة وزر أخرى، ولو كان أبوه كافرا أو عاصيا، ذنبه عليه ولا يحل له أن ينتسب إلى غير أبيه، هذا من المحرمات من الكبائر.
قوله: (إلا كفر) يعني كفرا دون كفر، كفرا أصغر إذا لم يستحل ذلك، أما إذا استحل ذلك, وهو يعلم أن الله حرمه يكون كفرا أكبر, نسأل الله العافية.
وهكذا ليس له أن ينتسب إلى غير مواليه إلى غير قبيلته, ولا إلى غير من أعتقه لما جاء من النهي عن ذلك.
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (من ادعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار) هذا فيه التحذير من الدعاوى الباطلة، وفي الحديث الأخر ((من ادعى دعوى ليستكثر بها، لم يزده الله إلا قلة))، وفي اللفظ الأخر((من ادعى ما ليس له فليتبوأ مقعده من النار))، فليس للإنسان أن يخاصم في شيء لا حق له فيه، يدعي على الناس ظلما بغير حق، في أرض ما له فيها حق أو في ميراث ما له فيه حق, إلى غير ذلك، وهذا من كبائر الذنوب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ادعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار).
المسألة الثالثة قال: (ومن قال لأخيه يا عدو الله أو يا كافر وليس كذلك إلا باء بها أحدهما)، إذا قال لأخيه يا عدو الله أو يا كافر أو يا فاجر فإنها ترجع عليه ويكون هو الأولى بهذه الكلمة إذا كان المقول له ليس أهلا لذلك، فالواجب الحذر.
إذا قال: يا عدو الله أو يا كافر أو يا فاجر أو يا خبيث – وهو ليس كذلك، بريءٌ مما قال – رجعت كلماته عليه وصار إثمها عليه، فينبغي للمؤمن أن يصون لسانه وأن يحفظه إلا من الخير، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).
فالعاقل، الحازم، القوي الإيمان يحفظ لسانه ويصون لسانه إلا من الخير وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, ادعى

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir