دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > السلوك والآداب الشرعية > متون الآداب الشرعية > منظومة الآداب

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 محرم 1430هـ/3-01-2009م, 02:39 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي من تصاحب ومن تجانب


237- وَخَالِطْ إِذَا خَالَطْتَ: كُلَّ مُوَفَّقٍ = مِنْ الْعُلَمَا، أَهْلِ التُّقَى وَالتَّعَبُّدِ
238- يُفِيْدُكَ مِنْ عِلْمٍ، وَيَنْهَاكَ عَنْ هَوًى = فَصَاحِبْهُ تُهْدَى مِنْ هُدَاهُ وَتُرْشَدِ
239- وَإِيَّاكَ: وَ الْهَمَّازَ إِنْ قُمْتَ عَنْهُ = وَالْبَذِيَّ، فَإِنَّ الْمَرْءَ بِالْمَرْءِ يَقْتَدِيْ
240- وَلاَ تَصْحَبِ الْحَمْقَى، فَذُو الْجَهْلِ إِنْ = يَرُمْ صَلاَحًا لأَمْرٍ يَا أَخَا الْحَزْمِ: يُفْسِدِ

  #2  
قديم 7 محرم 1430هـ/3-01-2009م, 02:40 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي غذاء الألباب شرح منظومة الآداب/السفاريني



فإذا كنت ولا بد مخالطا فعليك بمخالطة العالم الناصح الذي : يفيدك من علم وينهاك عن هوى فصاحبه تهدى من هداه وترشد ( يفيدك من علم ) عنده ( وينهاك عن ) متابعة ( هوى ) وملابسته فإنه يهوي بصاحبه في النار . ثم أكد الأمر بمخالطة من هو بالصفة المذكورة بقوله ( فصاحبه ) ولازمه ( تهدى ) بكثرة ملازمتك له ( من هداه ) وتنتفع بتقواه ( وترشد ) بفتواه إلى الصراط المستقيم والطريقة الواضحة ، وتترك الغي والضلال وبنيات الطريق الفاضحة . فصحبة مثل هذا غنم ، والبعد عنه غرم ، فإنك تهتدي بهديه المقرب ، وتشدو بشدوه المطرب . وقد قال الأوزاعي : الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب إذا لم تكن مثله شانته وقيل لابن السماك : أي الإخوان أحق بإبقاء المودة ؟ قال الوافر دينه ، الوافي عقله ، الذي لا يملك على القرب ، ولا ينساك على البعد ، إن دنوت منه داناك . وإن بعدت عنه راعاك ، وإن استعضدته عضدك ، وإن احتجت إليه رفدك ، وتكفي مودة فعله ، أكثر من مودة قوله . وأنشدوا ، وهي مما ينسب لسيدنا علي رضي الله عنه : إن أخاك الصدق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك وقيل لخالد بن صفوان : أي إخوانك أحب إليك ؟ قال : الذي يسد خلتي ، ويغفر زلتي ، ويقبل عثرتي .

مطلب : في مجانبة الهماز والبذي . وأن المرء على دين خليله وإياك والهماز إن قمت عنه والبذي فإن المرء بالمرء يقتدي ( وإياك والهماز ) أي احذره وابعد عنه ولا تصاحبه فإنه يهمزك ( إن قمت عنه ) أي من عنده ، فمتى غبت عنه همزك . قال في القاموس : الهمز الغمز والضغط والنخس والدفع والضرب والعض والكسر ، انتهى . وفي النهاية : والهمز أيضا الغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم ، وهذا مراد الناظم هنا . وقد همز يهمز فهو هماز وهمزة للمبالغة ( و ) إياك و ( البذي ) أي الفاحش في مقالته ، المتمادي في رذالته . قال في القاموس : البذي الرجل الفاحش والأنثى بالهاء يعني بذية ، وقد بذو بذاء وبذاءة وبذوت عليهم وأبذيتهم من البذاء وهو الكلام القبيح ، انتهى . وقال في مطالع الأنوار : قوله كانت تبذو على أهلها أي تفحش في القول بذو يبذو بذوا . كذا قيده القتبي . وقال الهروي فيما رويناه عن ابن معدان عن أبي الحسين : كانت بذاء بكسر الباء ومباذاة وبذاءة فهو بذيء وبذي أي مهموز أو غير مهموز . وقد روى الترمذي وصححه وابن حبان في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله يبغض الفاحش البذيء } . قال المنذري : البذيء بالذال المعجمة ممدودا هو المتكلم بالفحش ورديء الكلام انتهى . فلم يذكر إلا أنه ممدود وقد علمت أنه يهمز ولا يهمز كما في المطالع . واقتصر في القاموس على أنه مقصور فقال : البذي كرضي الفاحش . وإنما نهاك الناظم رحمه الله تعالى عن مصاحبة مثل الهماز والبذي لئلا تقتدي بهما وتسرق طبيعتك من طبيعتهما ( فإن المرء ) وإن تحرز مهما أمكنه ولو صالحا إذا ألم ( بالمرء ) البذي والقتات والهماز ( يقتدي ) به في سيرته وتسرق طبيعته من قبح ما انطوت عليه مفاسد سريرته . وفي الحديث الشريف { يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل } ولفظ تبصرة ابن الجوزي { المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل } . وفي كلام أرسطو طاليس : الأشكال لاحقة بأشكالها كما أن الأضداد مباينة لأضدادها . وقال : من لم يرفع نفسه عن قدر الجاهل رفع الجاهل قدره عليه . وقال الشاعر : فما ينفع الجرباء قرب صحيحة إليها ولكن الصحيحة تجرب فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أصعب وقال آخر على وزانهما وأحسن : فصاحب تقيا عالما تنتفع به فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب وإياك والفساق لا تصحبنهم فقربهم يعدي وهذا مجرب فإنا رأينا المرء يسرق طبعه من الإلف ثم الشر للناس أغلب كما قيل طين لاصق أو مؤثر كذا دود مرج خضرة منه يكسب وجانب ذوي الأوزار لا تقربنهم فقربهم يردي وللعرض يسلب وقال آخر : عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فإن المقارن للمقارن ينسب وقد { قال صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب } في عدة أحاديث صحاح في البخاري ومسلم وغيرهما .

ثم نهى الناظم عن صحبة الأحمق فقال : مطلب : في النهي عن مصاحبة الحمقى وذوي الجهل : ولا تصحب الحمقى فذو الجهل إن يرم صلاحا لأمر يا أخا الحزم يفسد ( ولا تصحب ) أي لا تعاشر ، يقال صحبه كسمعه صحابة ويكسر ، وصحبه عاشره واستصحبه دعاه إلى الصحبة ولازمه ، فنهاك الناظم أن تصحب ( الحمقى ) قال في القاموس : حمق ككرم وغنم حمقا بالضم وبضمتين وحماقة وانحمق واستحمق فهو أحمق قليل العقل ، وقوم ونسوة حماق وحمق بضمتين وكسكرى وسكارى ويضم . وفي المطالع في قوله أرأيت إن عجز واستحمق أي فعل فعل الحمقى . والأحموقة الفعلة الواحدة من فعل الحمق . وفي القاموس فعل فعل الحمقى كاستحمق . وقال في لغة الإقناع : الحمق ارتكاب الخطأ على بصيرة يظنه صوابا . وقيل وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه . وقيل استحسان ما تستقبحه العقلاء ، انتهى . ثم بين الناظم رحمه الله علة ترك مصاحبته بقوله ( فذو ) أي صاحب ( الجهل ) ضد العلم ( إن يرم ) أي يطلب وهو مجزوم على أنه فعل الشرط الذي هو إن وفاعله ضمير يعود على ذي الجهل الذي هو الأحمق ( صلاحا لأمر ) من الأمور التي أفسدها هو أو غيره أو فسدت بنفسها ( يا أخا ) يا صاحب ( الحزم ) وهو ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة كالحزامة والحزومة ، يقال حزم ككرم فهو حازم وحزيم وجمعه حزمة وحزماء ( يفسد ) مجزوم على أنه جواب الشرط وحرك بالكسر للقافية . وأشار بهذا إلى ما رواه الدينوري في المجالسة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لا تواخ الفاجر فإنه يزين لك فعله ويحب لو أنك مثله ، ومدخله عليك ومخرجك من عنده شين وعار ، ولا الأحمق فإنه يجهد نفسه لك ولا ينفعك ، وربما أراد أن ينفعك فضرك ، فسكوته خير من نطقه ، وبعده خير من قربه ، وموته خير من حياته ، ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه عشرة ، ينقل حديثك وينقل الحديث إليك ، وإن تحدث بالصدق لا يصدق . وقيل مكتوب في التوراة من اصطنع معروفا إلى أحمق فهي خطيئة مكتوبة عليه . وقال بعضهم : صارم الأحمق فليس له خير من الهجران . وقال سفيان الثوري : هجران الأحمق قربة إلى الله تعالى . وقال ابن عبد القدوس في قافيته : ولأن يعادي عاقلا خير له من أن يكون له صديق أحمق وقال بعضهم : اتق الأحمق لا تصحبه إنما الأحمق كالثوب الخلق فهو إن رقعته من جانب عاد من هون سريعا فانخرق فلا يسوغ لك أيها العاقل الرشيد ، صحبة مثل هذا الأحمق البليد ، فإنه يسوءك بحمقه وتأنبه ، ولا تعرف رضاه من غضبه . وقد ألف الإمام الحافظ ابن الجوزي كتابا حافلا في الحمقى والمغفلين ، وكتابا في الأذكياء ، وهما من ألطف الكتب وأغزرهما فوائد .

مطلب : في طلب الأخوة والصداقة شرعا وطبعا . ( فوائد ) : ( الأولى ) : في الأخوة والصداقة ، وهي مطلوبة شرعا وطبعا . قال تعالى : { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } بمعنى قواك بهم { وألف بين قلوبهم } التأليف بالجمع على ما يشاكل ، والمراد بالآية الأوس والخزرج وهم الأنصار رضي الله عنهم ، وكانت بينهم عداوة في الجاهلية فألف الله بينهم ، وهذا من أعجب الآيات ، كانوا ذوي أنفة شديدة ، فلو لطم رجل رجلا لقاتلت عنه قبيلته حتى تدرك ثأره ، فآل بهم الإسلام إلى أن يقتل الرجل ابنه وأباه في طاعة الله عز وجل ، والجامع بين المسلمين الإسلام ، فقد اكتسبوا به أخوة أصلية وجب عليهم بذلك حقوق لبعضهم على بعض . وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } . وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه } . وتقدم الكلام على حقوق الوالدين وصلة الرحم وحق الضيف . وأما حق الصحبة فقال مجاهد : صحبت ابن عمر رضي الله عنه عنهما ، وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني أكثر . وأما الصداقة فإنها تطلق على ما دون الأخوة ، والأخوة هي المرتبة العليا ، وإنما تقع الأخوة الصادقة إذا حصل التشاكل بين الأخوين في أصل الوضع .

مطلب : في المحبة في الله وما ورد في ثوابها . وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف } وهذه الأخوة الخاصة هي التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه . وقد علم أن الأخوة العامة في قوله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } فهي واقعة بينهم قبل عقده ، غير أنه زاد الأمر الخاص ، وهذه الأخوة هي التي توجب المحبة في الله عز وجل وهي أوثق عرى الإيمان أن يحب في الله ويبغض في الله . وتقدم أن من جملة السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى يقول : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي } . وعن أبي مسلم الخولاني قال : { أتيت مسجد أهل دمشق وإذا حلقة فيها كهول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى ، فقلت لجليس لي من هذا ؟ قال : هذا معاذ بن جبل ، فجئت من العشاء فلم يحضر ، فغدوت من الغد فلم يجئ ، فرحت فإذا أنا بالشاب يصلي إلى سارية ، فركعت ، ثم تحولت إليه ، قال فسلم فدنوت منه فقلت : إني أحبك في الله عز وجل ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله } . قال فخرجت حتى لقيت عبادة بن الصامت فذكرت له حديث معاذ بن جبل ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن ربه تبارك وتعالى يقول : { حقت محبتي للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتباذلين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ، والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله } ذكره الإمام ابن الجوزي في التبصرة . ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ { قلت لمعاذ والله إني لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك ولا قرابة بيني وبينك ، قال : فلأي شيء ؟ قلت : لله ، فجذب حبوتي ثم قال : أبشر إن كنت صادقا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء } الحديث . وأخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال { : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأثر عن ربه تبارك وتعالى : حقت محبتي للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتواصلين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ، وحقت محبتي للمتباذلين في } والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا . واعلم أن هذا الثواب في هذه المحبة إنما يكون إذا كانت في الله خالصة لا يشوبها كدر ، وإذا قويت محبة الله عز وجل في القلب قويت محبة أوليائه والصالحين من عباده ، فلينظر الإنسان من يؤاخي ممن يحب ، ولا ينبغي أن يتخير إلا من سبر عقله ودينه . وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي وغيرهم . عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أعطى لله ، ومنع لله ، وأحب لله ، وأبغض لله ، وأنكح لله ، فقد استكمل إيمانه } ورواه أبو داود من حديث أبي أمامة بنحوه وليس فيه وأنكح لله . وفي صحيح ابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي } . وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث أحلف عليهن : لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له . وأسهم الإسلام ثلاثة : الصلاة والصوم والزكاة . ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ؛ ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم } الحديث رواه الإمام أحمد بإسناد جيد . قال ابن الجوزي في التبصرة : كان يقال : اصحب من إذا صحبته زانك . وإذا خدمته صانك ؛ وإذا أصابتك خصاصة مانك ؛ وإن رأى منك حسنة سر بها ؛ وإن رأى منك سقطة سترها ؛ ومن إذا قلت صدق قولك ؛ ومن هو فوقك في الدين ؛ ودونك في الدنيا ؛ وكل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه في دينك خيرا فانبذ عنك صحبته ؛ فإذا صفت المحبة وخلصت وقع الشوق والتزاور وصار بذل المال أحقر الأشياء . وقد كان عمر رضي الله عنه يذكر الأخ من إخوانه في بعض الليل فيقول : يا طولها من ليلة ؛ فإذا صلى المكتوبة غدا إليه واعتنقه . وقال مجاهد : إذا مشى أحد المتحابين في الله إلى الآخر فأخذ بيده فضحك إليه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر . وروي عن معروف الكرخي رحمه الله أنه قال : امش ميلا ؛ صل جماعة ، امش ميلين ؛ صل جمعة ؛ امش ثلاثة أميال ؛ شيع حاجا أو معتمرا ، امش ستة أميال ؛ شيع غازيا في سبيل الله ؛ امش سبعة أميال بصدقة من رجل إلى رجل ؛ امش ثمانية أميال ؛ أصلح بين الناس ؛ امش تسعة أميال ؛ صل رحما وقرابة ؛ امش عشرة أميال في حاجة عيالك ؛ امش أحد عشر ميلا في معونة أخيك ؛ امش بريدا ؛ والبريد اثنا عشر ميلا ؛ زر أخا في الله عز وجل . وقد قدمنا في الحديث { وحقت محبتي للمتباذلين في } .

مطلب : في بيان مراتب بذل المال أدونها وأوسطها وأعلاها . قال ابن الجوزي : وأما بذل المال فله ثلاث مراتب ؛ أدونها المساهمة ؛ وأوسطها المساواة ؛ وأعلاها تقديم الأخ في المال على النفس . قال ابن عمر رضي الله عنه ما : لقد رأيتنا وما أحدنا أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم . ثم قال ابن الجوزي : هيهات ، رحل الإخوان ، وأقام الخوان ، وقل من ترى في الزمان ، إلا من إذا دعي مان ، كان الأخ في الله يخلف أخاه في أهله إذا مات أربعين سنة . وكان الرجل إذا أراد شين أخيه طلب حاجته إلى غيره . ثم قال : نسخ في هذا الزمان رسم الأخوة وحكمه ، فلم يبق إلا الحديث عن القدماء ، فإن سمعت بإخوان صدق فلا تصدق ، انتهى . وقال وهب بن الورد : صحبت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلا غفر لي زلة ، ولا أقالني عثرة ، ولا ستر لي عورة . وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه : إذا كان العذر طباعا فالثقة بكل أحد عجز . وقيل لبعضهم : ما الصديق ؟ قال : اسم وضع على غير مسمى . وحيوان غير موجود . قال الشاعر : سمعنا بالصديق ولا نراه على التحقيق يوجد في الأنام وأحسبه محالا نمقوه على وجه المجاز من الكلام وقال جعفر الصادق لبعض إخوانه : أقلل من معرفة الناس ، وأنكر من عرفت منهم ، وإن كان لك مائة صديق فاطرح تسعة وتسعين وكن من الواحد على حذر . وقال البحتري : إياك تغتر أو تخدعك بارقة من ذي خداع يرى بشرا وإلطافا فلو قلبت جميع الأرض قاطبة وسرت في الأرض أوساطا وأطرافا لم تلق فيها صديقا صادقا أبدا ولا أخا يبذل الإنصاف إن صافى وقال آخر : خليلي جربت الزمان وأهله فما نالني منهم سوى الهم والعنا وعاشرت أبناء الرجال فلم أجد خليلا وفيا بالعهود ولا أنا وقال آخر : لما رأيت بني الزمان وما بهم خل وفي للشدائد أصطفي فعلمت أن المستحيل ثلاثة الغول والعنقاء والخل الوفي قلت : فإذا كان هذا كلام من كان في أوائل الإسلام أو في أوساطه ، وقد مضى بعده أكثر من خمسمائة عام ، وقد زعموا أن رسم الأخوة قد نسخ ، وعقد الصداقة قد فسخ . فما بالك بزمان وفاؤه غدر . وخيره شر . ونفعه ضر . وصدقه كذب ، وحسنته ذنب . وصديقه خائن . وصادقه مائن . وخليله غادر . وناسكه فاجر . وعالمه جاهل . وعاذره عاذل . وقد صارت صلاة أهل زماننا عادة لا عبادة ، وزكاتهم مغرما يغرمونها لا يرجون من عودها إفادة ، وصيامهم كجوع البهائم . وذكرهم كرغاء البعير الهائم . فأين هذه الحالة من حالة من يتضجر لعدم وفاء إخوانه ، وأقرانه وأخدانه . مطلب : قصة الهذلي مع السفاح . وقد قيل إن أبا العباس السفاح كان يحدث أبا بكر الهذلي يوما إذ عصفت الريح فأرمت طستا من سطح إلى المجلس ، فارتاع من حضر ولم يتحرك الهذلي ولم تزل عينه مطابقة لعين السفاح ، فقال ما أعجب شأنك يا هذلي . فقال إن الله تعالى يقول : { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } وأنا لي قلب واحد ؛ فلما غمر بمحادثة أمير المؤمنين لم يكن فيه لمحادثة غيره مجال فلو انقلبت الخضراء على الغبراء ما حسست بها ولا وجهت لها قلبي . فقال السفاح لئن بقيت لأرفعن مكانك . ثم أمر له بمال جزيل وصلة كبيرة فانظر بالله عليك واعتبر استغراق قلب هذا الرجل وانغماره بمحادثة مخلوق مثله وزن بحال وقوفك في الصلاة بين يدي الله ، وقد نصب لك وجهه الكريم ، ورفع من بينك وبينه الحجب . فهل تجد قلبك منغمرا ومستغرقا في جمال الله وجلاله كاستغراق قلب الهذلي في محادثة السفاح فيا ويل من لم يعرف خالقه ولم خلقه ؟ ولم يقم بما أمر إن لم يعف ويغفر والله الموفق . ( الثانية ) : جملة الذين نهى الناظم عن صحبتهم ثلاثة : الهماز ، والبذي ، والأحمق . وتقدم في أثر علي رضي الله عنه أنه نهى عن صحبة الفاجر أيضا والكذاب . وكذا ينبغي أن لا تصاحب العاق لوالديه وقاطع الرحم . وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : لا تودن عاقا كيف يودك وقد عق أباه . وكذا قاطع الرحم . وقد قال أبو العتاهية : من ذا الذي ترتجي الأقاصي إن لم تنل خيره الأداني ولكن الناظم لم يسبر من لا تنبغي صحبتهم . ولم يستقص عدهم . والحاصل أنه لا ينبغي للعاقل أن يصاحب شريرا مطلقا . ومن ثم قال بعض العلماء : ينبغي فيمن تؤثر صحبته خمس خصال : أن يكون عاقلا . حسن الخلق ، غير فاسق ، ولا مبتدع ، ولا حريص على الدنيا ، انتهى . وضابط ذلك كل من لم تستفد من صحبته شيئا فتركه أولى ؛ وكل من تضرك صحبته في دينك فتركه واجب . وكذا في دنياك ضررا له قيمة حيث كان لك منه بد . ودفع المضار مقدم على جلب المنافع . ويدفع أشد الضررين بأخفيهما . والله تعالى أعلم . ( الثالثة ) الحماقة . مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت ؛ فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر من الأمور . قاله ابن الأعرابي . وقال بعض العلماء : الحمق غريزة لا تنفع فيه حيلة وهو داء دواؤه الموت . كما قيل : لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها ولبعضهم : لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة والطاعون والهرم ويروى أن سيدنا عيسى عليه السلام قال : عالجت الأكمه والأبرص فأبرأتهما ، وعالجت الأحمق فأعياني . ومن كلامهم : فلان ذو حمق وافر . وعقل نافر . ليس معه إلا ما يوجب حجة الله عليه . مطلب : قصة العابد الأحمق : ويروى أن رجلا عابدا كان يتعبد في صومعة له . فمطرت السماء وأعشبت الأرض . فرأى حماره يرعى في ذلك العشب . فقال : يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري . فبلغ ذلك بعض الأنبياء فهم أن يدعو عليه . فأوحى الله إليه لا تدع فإني أجازي العباد على قدر عقولهم . قلت وقد أخرجه ابن عدي في كامله في ترجمة أحمد بن بشير . وفي شعب البيهقي ، عن الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تعبد رجل في صومعة ، فمطرت السماء ، وأعشبت الأرض ، فرأى حمارا يرعى ، فقال : يا رب ؛ لو كان لك حمار رعيته مع حماري } إلى آخره . والله تعالى أعلم .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, تصاحب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir