بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فموضوع كلمة هذا اليوم عن:
نفسية طالب العلم حين يتلقى الدرس.
والمستمعون للعلم يختلفون من جهة رغبتهم فيما يسمعون، ويختلفون أيضاً من جهة استعداداتهم، فليست الرغبات واحدة، وليست الاستعدادات واحدة، فالرغبات مختلفة:
- منهممن يستمع للعلم رغبة في تحصيله، هذا هو الغالب ولله الحمد.
-ومنهم من يستمع للعلم رغبة في تقييم المعلم، أو في معرفة مكانته من العلم وحُسْنِ تعليمه، أو حسن استعداداته للعلوم.
- ومنهممن يأتي مرة ويترك عشر مرات.
وهذه في رغبات أيضاً متنوعة، ويهمنا منها:
من يأتي للعلم رغبة في العلم، فحين يأتي طالب العلم للدرس راغباً في الاستفادة، ينبغي أن يكون:
-على نفسية وحالة قلبية خاصة.
-وحالة عقلية أيضاً خاصة.
أما الحالة القلبية والنفسية: فأن يكون قصده من هذا العلم أن يرفع الجهل عن نفسه،وهذا هو الإخلاص في العلم؛ لأن طلب العلم عبادة، والإخلاص فيه واجب، والإخلاص في العلم: بأن ينوي بتعلمه رفع الجهل عن نفسه، وقد سئل الإمام أحمد عن النية في العلم؛ كيف تكون؟
فقال: (أن ينوي رفع الجهل عن نفسه) فإذا كان في طلبه للعلم يروم أن يكون معلماً، أو أن يكون داعياً، أو أن يكون مؤلفاً ونحو ذلك، فالنية الصالحة فيه والإخلاص في ذلك يكون بشيئين:
الأول: أن ينوي رفع الجهل عن نفسه.
الثاني: أن ينوي رفع الجهل عن غيره.
فإذا لم ينو أحد هذين أو لم ينوهما معاً؛ فإنه ليس بصاحب نية صحيحة.
فإذا رام أحدنا أن يطلب العلم؛ فلابد أن يكون ناوياً رفع الجهل عن نفسه، وإذا نوى هذه النية يكون مستحضراً بالطبع أن الله جل جلاله خلقه، وله عليه:
-أمر ونهي في أصل الأصول، ألا وهو حقه جل وعلا (التوحيد).
-وكذلك في الأمر والنهي (في الحلال، وفي الحرام)
وسبب الإقدام على المنهيات في العقائد، وكذلك في السلوك: الجهل، من أسباب ذلك: الجهل، ثَمَّ أسباب أُخر.
فإذا علم ورفع الجهل عن نفسه كان عالماً بمراد الله جل وعلا، ثم بعد ذلك يستعين الله -جل وعلا- في امتثال مراداته الشرعية، هذا أمر نفسي مهم.
والأمر النفسي الثاني المهم أيضاً: أنه حين يتلقى العلم، يتلقى وهو واثق من علم المعلم، يعني: أن يكون في نفسه أن الأصل في المعلم أنه يعلم على الصواب، فإذا دخل وفي نفسه أن المعلم يعلم غلطاً، أو أن معلوماته مشوشة، أو أنه كذا وكذا، مما يضعفه في العلم فإنه لن يستفيد؛ ذلك لأنه إذا استمع سيستمع بِنَفَسِ المعارض.يأتي إذا قال كلمة أخذ يفكر بعدها نصف دقيقة أو دقيقة في ما قال، وهل هذا صحيح؟وفي اطلاعاته، وقد اطلع كذا وكذا مما يعارض كلام المعلم، ثم في هذه الدقيقة يكون المعلم قد أتى بشيء آخر؛ فإذا انتهى هذا من تفكيره سمع جملة أخرى فتكون مشوَّشة أيضاً، فيدخل في اعتراضات، وهذا يَحْرِمُ المستمع العلم.وإذا كان عند طالب العلم فيما يسمع إشكالات، أو إيرادات، فيكون عنده ورقة، أو كراسة بين يديه يكتب الإشكال، ثم لا يفكر فيه وهو يستمع العلم، يكتب بحث هذه المسألة، المسألة كذا وكذا، ثم بعد ذلك إذا فرغ من هذا الدرس يذهب هو ذلك اليوم أو بعده، يذهب ويبحث هذه المسألة، أو يسأل عنها.ومن المعلوم أنه ليس من شرط المعلم أن يكون محققاً، وليس من شرط المعلم أن يكون مصيباً دائماً، فقد يكون له اختيارات أو آراء تخالف المشهور، أو يكون له توجيهات غَلِطَ فيها، لكن الشأن أن يكون المعلم مشهوداً له بالعلم، مؤصَّلاً في العلم، يعرف ما يتكلم به، فإذا عرف ما يتكلم به، وعرف أقوال الناس، وعَلَّمَ العلم؛ فإنه قد يكون عنده غفلة في مسألة، أو في حكم أو نحو ذلك، فيغلط مرة، أو يغلط في تصور ونحو ذلك، هذا ليس بعجيب؛ لأن المعلم بشر، والبشر خطاؤون.
إذاً: المهم أن تتلقى العلم ممن وثقت بعلمه، وأنت في نفسية غير معارضة،وهذا يَحْرِم كثيرين علماً واسعاً، حيث إنهم يتلقون العلم بنفسية السؤال، بنفسية من يستشكل، ولهذا من أكثر السؤال في حلقات العلم لا يكون مجيداً.وقد حضرت مرة عند الشيخ عبد الرزاق عفيفي، العلامة المعروف - رحمه الله تعالى- وكان عنده من يسأله عن المسائل في الحج، فإذا أتى مستفتٍ يستفتي فيأتي هذا السائل ويقول له: فإن كان كذا، يحاول أن يتعلم العلم بطرح مسائل أُخر غير المسألة التي استفتى فيها السائل، فقال له الشيخ رحمه الله: (العلم لا يؤتى هكذا، وإنما يؤتى العلم بدراسته).وهذا صحيح؛ لأن المتعلم حين يحضر عند أهل العلم فيسمع؛ فإنه إذا عرض لذهنه أنه في كل ما يأتي يسأل، أو في كل ما يسمع يعترض، كما مر معنا كثيراً من بعض الإخوان والشباب في حلقات العلم، يوردون أسئلة ويوردون استشكالات، طبعاً بحسب ما عندهم من العلم سألوا واستشكلوا، ولو صبروا لكان خيراً لهم، هذه النفسية تؤثر على الذهن وعلى صفائه، وعلى تصور العلوم في أثناء الدرس.لهذا ينبغي لنا أننا حين نتلقى العلم، أن نتلقاه بنفسية من ليس عنده علم البتة،يسمع، ويسمع، ويسمع، وإذا استشكل فيكون بعد ذلك في محله، يُقَيِّد، ثم يبحث، أو يسأل عن ذلك، طبعاً هذا في حق من وثقنا بعلمه؛ فأخذنا عنه العلم عن ثقةٍ بما يأتي به.
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
هذا باب شرع به الشيخ -رحمه الله- في تفصيل ما سبق، فقال: (باب من الشرك لبس الحلْقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه) هذا شروع في بيان التوحيد ببيان ضده، ومن المعلوم أن الشيء يعرف ويتميز بشيئين:
-بحقيقته.
- وبمعرفة ضده.
والتوحيد يتميز:
-بمعرفته في نفسه.
-بمعرفة معناه وأفراده.
-وبمعرفة ضده أيضاً.
وقد قال الشاعر:
وبضدها تتميز الأشياء
وهذا صحيح، فإن التوحيد إنما يعرف حسنه بمعرفة قبح الشرك.
والإمام -رحمه الله- بدأ في ذكر ما هو مضاد للتوحيد، وما يضاد التوحيد:
- منه ما يضاد أصله، وهو الشرك الأكبر الذي إذا أتى به المُكَلَّف فإنه ينقض توحيده، يعني يكون مشركاً شركاً أكبر مخرجاً من الملة، هذا يقال فيه ينافي التوحيد، أو ينافي أصل التوحيد.والثاني: ما ينافي كمال التوحيد الواجب،وهو ما كان من جهة الشرك الأصغر، ينافي كماله، فإذا أتى بشيء منه فقد نافى بذلك كمال التوحيد؛ لأن كمال التوحيد إنما يكون بالتخلص من أنواع الشرك جميعاً، وكذلك الرياء فإنه من أفراد الشرك الأصغر، - أعني: يسير الرياء- وهذا ينافي كمال التوحيد.ومنها:أشياء يقول العلماء فيها: (إنها نوع شرك) فيعبرون عن بعض المسائل من الشركيات؛ بأنها نوع شرك أو نوع تشريك، فصار عندنا في ألفاظهم في هذا الباب أربعة:
الأول: الشرك الأكبر.
الثاني: الشرك الأصغر.
الثالث: الشرك الخفي.
الرابع: قولهم: نوع شرك أو نوع تشريك.وذلك من مثل ما سيأتي في قوله جل وعلا: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} وفي نحو قوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} في قصة آدم وحواء حين عبّدا ابنهما للشيطان، فهذا في الطاعة؛ كما سيأتي بيانه مفصلاً إن شاء الله.
بدأ الشيخ -رحمه الله- في تفصيل الشرك، ببيان صور من الشرك الأصغر التي يكثر وقوعها، وقدّم الأصغر على الأكبر انتقالاً من الأدنى إلى الأعلى؛ لأن الشبهة في الأدنى ضعيفة بخلاف الشبهة في الأعلى، يعني: أن تعلق المتعلق بالخيط، تعلق المتعلق بالتميمة، هذا شبهته أضعف، فتعلق ذلك المتعلق بغير الله، إذا وعى أنه تعلق بغير الله، فإنه يكون مقدمة مهمة ومنتجة للمطلوب في إقناعه؛ بأن التعلق بغير الله في الشرك الأكبر؛ أنه قبيح.أما إذا أتى إلى ما هو من جهة الشرك الأكبر:
-كالتعلق بالأولياء.
-ودعائهم.
-وسؤالهم.
- أو الذبح للجن.
- أو الذبح للأولياء.
فإنه يكون هناك شبهة، وهي: أن أولئك لهم مقامات عند الله جل وعلا، والناس الذين يتوجهون إلى أولئك، ويشركون بهم الشرك الأكبر المخرج من الملة -والعياذ بالله- يقولون: (إنما أردنا الوسيلة، هؤلاء لهم مقامات عند الله، وإنما أردنا الوسيلة) كحال المشركين في زمن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذين قال الله -جل وعلا- فيهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}فإذاً: الشيخ -رحمه الله- بدأ بما هو من الشرك الأصغر، انتقالاً من الأدنى إلى الأعلى، حتى يكون ذلك أقوى في الحجة، وأمكن في النفوس، من جهة ضرورة التعلق بالله، وإبطال التعلق بغيره.
قال رحمه الله: (باب من الشرك) (مِن) هذه تبعيضية، يعني: هذه الصورة التي في الباب هي بعض الشرك، هل هي بعض أفراده أو بعض أنواعه؟
هي هذه وهذه، فما ذُكِر وهو لبس الحلقة، أو الخيط: أحد نوعي الشرك وهو الشرك الأصغر، وهو أحد أفراد الشرك بعمومه؛ لأنها صورة من صور الإشراك.
قال: (باب من الشرك: لبس الحلقة والخيط ونحوهما) نحو الحلقة، والخيط مثل:
-الخرز.
- والتمائم.
- والحديد، ونحو ذلك مما قد يلبس.
-كذلك مما يُعَلَّق أيضاً في البيوت.
-أو في السيارات.
- أو يعلق على الصغار، ونحو ذلك مما فيه لبس أو تعليق، كل ذلك يدخل في هذا الباب وأنه من الشرك.
قال: (باب من الشرك لبس الحلقة أو الخيط) الحلْقة: إما أن تكون من صُفر، يعني: من نحاس، وإما أن تكون من حديد، أو تكون من أي معدن.
والخيط: مجرد خيط يعقده في يده، والخيط معروف.
الحلقة والخيط كانا عند العرب فيها اعتقادات في أشباههما، مثل التمائم وغيرها، يعتقدون أن من تَعَلَّقَ شيئاً من ذلك أثّر فيه ونفعه: إما من جهة دفع البلاء قبل وقوعه، وإما من جهة رفع البلاء أو المرض بعد وقوعه؛ ولهذا قال الشيخ رحمه الله: (لرفع البلاء أو دفعه) لأن الحالتين موجودتان؛ منهم من يعلق قبل أن يأتي البلاء ليدفعه، وهذا أعظم: أن يعلق خيطاً، أن يعلق حلقة، يلبس حلقة، أو يلبس خيطاً ليدفع الشيء قبل وقوعه، وهذا أعظم؛ لأنه يعتقد أن هذه الأشياء الخسيسة الوضيعة، أنها تدفع قدر الله جل وعلا.
وكذلك منها:أن يلبس ليرفع البلاء بعد حصوله، مَرِض فلبس خيطاً؛ ليرفع ذلك المرض.
أصابته عين؛ فلبس الخيط ليرفع تلك العين، وهكذا في أصناف شتى من أحوال الناس في ذلك، واعتقادات الناس كثيرة.
هذه لبس الحلقة، أو الخيط من الشرك، لِمَ كان شركاً؟قلنا: إنه شرك أصغر، لِمَ كان شركاً أصغر؟
لأنه تعلّق قلبه بها وجعلها سبباً لرفع البلاء، أو سبباً لدفعه.
والقاعدة في هذا الباب: أن إثبات الأسباب المؤثرة لا يجوز؛ إلا أن يكون من جهة الشرع،لا يجوز إثبات سبب إلا أن يكون سبباً شرعياً، أو أن يكون سبباً قد ثبت بالتجربة الواقعة أنه يؤثر ظاهراً لا خفيّاً، فهذا من لبس فإنه جعل سبباً ليس بمأذونٍ به في الشرع، وكذلك من جهة التجربة لا يحصل ذلك على وجه الظهور، وإنما هو مجرد اعتقاد ممن لبس في هذا الشيء، فقد يوافق القدر أنه يُشْفَى حين لبس أو بعد لبسه، أو يُدْفَع عنه أشياء يعتقد أنها ستأتيه، فيبقى معلقاً في ذلك، ويُثْبِت أن تلك سبب من الأسباب، وهذا باطل.إذاً: صار لبس الحلقة، والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه شركاً أصغر؛لأن من لبسها تعلق قلبه بها وجعلها تدفع أو تنفع، أو جعلها تؤثر في رفع الضرر عنه، أو في جلب المنافع له، وهذا إنما يستقل به الله -جل وعلا- وحده، إذ هو النافع الضار، هو -جل وعلا- الذي يفيض الرحمة، ويفيض الخير أو يمسك ذلك.وأما الأسباب التي تكون سبباً لمسَبَّبَاتها، فهذه لابد أن يكون مأذوناً بها في الشرع.
ولهذا بعض العلماء يُعَبِّر عما ذكرت بقوله: (من أثبت سبباً -يعني: المُسَبَب يُحْدِث النتيجة- لم يجعله الله سبباً لا شرعاً، ولا قدراً فقد أشرك) يعني: الشرك الأصغر، هذه القاعدة في الجملة صحيحة، بعض الأمثلة قد يُشْكِل: هل تدخل أو لا تدخل؟لكن المقصود من هذا الباب: أن إثبات الأسباب لابد أن يكون:
-إما من جهة الشرع.
-وإما من جهة التجربة الظاهرة، مثل: دواء الطبيب، ومثل: الانتفاع ببعض الأسباب التي فيها الانتفاع ظاهراً، تتدفى بالنار، أو تتبرد بالماء، أو نحو ذلك، هذه أسباب ظاهرة بيّن أثرها، لكن إذا كان السبب من جهة التعلق الذي لم يأذن به الشرع فإن التعلق بشيء. يعني التعلق القلبي بشيء لم يأذن به الشرع، يكون نوع شرك إذا كان لدفع البلاء أو لرفعه، وهذا مراد الشيخ بهذا الباب، فإن لبس الخيط والحلقة من الشرك الأصغر.كل أصناف الشرك الأصغر قد تكون شركاً أكبر بحسب حال من فعلها.
-اللبس.
- تعليق التمائم.
- الحلف بغير الله.
- قول: ما شاء الله وشئت، ونحو ذلك من الأعمال، أو الاعتقادات، أو الأقوال، الأصل فيها أن نقول: (هي شرك أصغر) لكن قد تكون تلك شركاً أكبر بحسب الحال، يعني: إن اعتقد في الحلْقة والخيط مثلاً أنها تؤثر بنفسها، فهذا شرك أكبر، إذا اعتقد أنها ليست سبباً ولكن هي تؤثر بنفسها؛ لأن هذه تدفع بنفسها:
-تدفع المرض بنفسها.
-تدفع العين بنفسها.
- أو ترفع المرض بنفسها.
- أو ترفع العين بنفسها، وليست أسباباً، ولكن هي بنفسها مؤثرة؛ فهذا شرك بالله، شرك أكبر؛ لأنه جعل التصرف في هذا الكون لأشياء مع الله جل وعلا، ومعلوم أن هذا من أفراد الربوبية، فيكون ذلك شركاً في الربوبية.
إذاً: عماد هذا الباب من جهة تعلق القلب بهذه الأشياء، بالحلقة، أو الخيط؛ لدفع ما يسوؤه، أو لرفع ما حل به من مصائب.
الشيخ رحمه الله ساق بعد ذلك قول الله جل وعلا: {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}.
قوله -جل وعلا- في هذه الآية من سورة الزمر:{قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}.العلماء يقولون: إن الفاء إذا جاءت بعد همزة الاستفهام فإنها تكون عاطفة على جملة محذوفة يدل عليها السياق.
وهذه الآية أولها: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم} يعني: قل أتقرون بأن الذي خلق السموات والأرض هو الله وحده فتدعون غيره، فتتوجهون لغيره، أتقرون بذلك فتفعلون هذه الأشياء؟
قال جل وعلا: {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} أو يكون التقدير: أتقرون بأن الله هو الواحد في ربوبيته هو الذي خلق السموات والأرض وحده؟
إذا أقررتم فرأيتم هذه الأشياء التي تتوجهون لها من دون الله، هل تدفع عنكم المضار؟ أو هل تجلب لي ضرّاً، أو تجلب لكم رحمة من دون إذن الله؟
فإذاً: تكون الفاء هنا ترتيبية، رتبت ما بعدها على ما قبلها، وهذا هو المقصود أيضاً من الاحتجاج؛ لأن طريقة القرآن أنه يحتج على المشركين بما أقروا به من توحيد الربوبية على ما أنكروه من توحيد الإلهية، وهم أقروا بالربوبية، فرتب على إقرارهم أنه يلزمهم أن يبطلوا عبادة غير الله جل وعلا.
قال: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} (تدعون) يعني: تعبدون، وقد تكون العبادة بدعاء المسألة، وقد تكون بأنواع العبادة الأخرى، أو نقول: (تدعون) هذه تشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة؛ لأنهما حالتان من أحوال أهل الإشراك بالله.و{ما تدعون من دون الله} (ما) هنا عامة؛ لأنها اسم موصول بمعنى (الذي) أفرأيتم الذي تدعونه من دون الله، والذي يدعونه من دون الله -الذي شملته هذه الآية- أنواع، وهو كل ما دُعي من دون الله مما جاء بيانه في القرآن.وجاء في القرآن بيان أن الأصناف التي أُشرك بها من دون الله -جل وعلا- وتُوجِّه لها بالعبادة أنواع:
الأول: الأنبياء، بعض الأنبياء، والرسل، والصالحون؛ كما قال -جل وعلا- في آخر سورة المائدة: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ} الآيات، فهذا في هذا النوع.
ونوع آخر: اتخذوا الملائكة،كما جاء في آخر سورة سبأ بيان ذلك: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ (.4) قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} هذا في الملائكة.
نوع آخر: أيضاً كانوا يتوجهون للكواكب: الشمس، القمر، يعني: طائفة من الناس يتوجهون لهذا الأشياء فيعبدونها.
أيضاً من الأنواع: أنهم كانوا يتوجهون للأشجار والأحجار.
ومن الأنواع: أنهم كانوا يتوجهون للأصنام والأوثان.
فإذاً: قوله: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} يدخل فيه توجه أولئك في كل ما أشركوا به من دون الله -جل وعلا-، في كل ما أشركوا به مع الله جل وعلا في نوع من أنواع العبادة، يفيدنا ذلك في معرفة وجه الاستدلال من هذه الآية كما سيأتي.
قال: {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} أبطل أن يكون لتلك الآلهة بأنواعها إضرار أو نفع، إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره؟لايستطيعون.
إن أرادني الله -جل وعلا- برحمة، هل هذه تدفع رحمة الله؟
لا تستطيع أيضاً.
فإذاً: بطل أن يكون ثَمَّ تعلق بتلك الآلهة العظيمة التي يُظَن أن لها مقامات عند الله-جل وعلا- موجبة لشفاعتها.إذا تبين ذلك: فقد قال بعض أهل العلم:إن هذه الآية في الشرك الأكبر، فلم جعلها الشيخ -رحمه الله- في صدر بيان أصناف من الشرك الأصغر؟
والجواب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن إيراد الآيات في الشرك الأكبر من جهة معناه، والتعلق بغيره، ووجوب التعلق بالله -جل وعلا- ونحو ذلك هذا يورده السلف فيما هو من الشرك الأصغر؛ فالآيات التي في الشرك الأكبر تورد في إبطال الشرك الأصغر بجامع أن في كلا الشركين تعلق بغير الله جل وعلا، فإذا بطل التعلق في الأعظم بطل التعلق فيما هو دونه من باب أولى.
الوجه الثاني: أن هذه الآية في الشرك الأكبر، ولكن المعنى الذي دارت عليه هو أنه في إبطال إضرار أحد من دون الله، أو أن الله إذا أصاب أحداً بضر، أن ثم من يستطيع أن يرفعه بدون إذن الله، أو إذا أراد الله رحمة، أن ثم من يصرف تلك الرحمة بدون إذنه جل وعلا، وهذا المعنى الذي هو التعلق بما يضر وبما ينفع هو المعنى الذي من أجله تعلق المشرك الشرك الأصغر بالحلقة وبالخيط؛ لأنه ما علق الخيط، ولا علق الحلقة، أو لبس الحلقة والخيط؛ إلا لأنه يعتقد أن في الحلقة تأثيراً من جهة رفع البلاء، أو دفع الضر، وأنها تجلب النفع، وتدفع الضر؛ وهذه أشياء مهينة، أشياء وضيعة، فإذا نفي عن الأشياء العظيمة كالأنبياء، والمرسلين، والملائكة، والصالحين، أو الأوثان التي لها روحانيات كما يقولون؛ فإنه، انتفاء النفع والضر عما سواها مما هو أدنى؛ لاشك أنه أظهر في البرهان وأبين.طبعاً في قوله: {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ} هنا {بِضُرٍّ} هذه نكرة في سياق الشرط، وهذا يعم جميع أنواع الضرر، يعني: فغير الله -جل وعلا- لا يستطيع أن يرفع ضرّاً أنزله الله -جل وعلا- إلا بإذنه سبحانه.
ثم ساق-رحمه الله- عدة أحاديث، قال: (عن عمران بن حصين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً في يده حلقة من صفر فقال: ((ما هذه؟)) قال: من الواهنة. فقال: ((انْزِعْهَا فَإِنَّهَا لاَ تَزِيدَكَ إِلاَّ وَهَناً، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَداً)))مناسبة الحديث للباب ظاهرة، وهي أنه -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلاً في يده حلقة من صُفْر بحسب ما كان يعتقد أهل الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام: ((مَا هَذِهِ؟)) هذا السؤال: من أهل العلم من قال: إنه استفهام إنكار، ولكن الرجل ما فهم أنه إنكار، فهم أنه استفصال، فلذلك أجاب فقال: (من الواهنة).
وقال آخرون من أهل العلم: قوله عليه الصلاة والسلام: ((مَا هَذِهِ؟)) يحتمل أن يكون استفهام استفصال، أو استفهام إنكار؛ ولهذا أجاب الرجل فقال: (من الواهنة) والاستفهام الأول -يعني: في القول الأول- للإنكار الشديد، وهو الأظهر من حيث دلالة السياق عليه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في السياق ما ذكر الحالة الأخرى، والحالة الأخرى التي يمكن أن يكون لبسها من أجله: أن تكون للتحلي، والتحلي بالصُّفْر غير أن يلبسه لدفع البلاء، أو رفعه.المقصود:أن الاستفصال هنا في قوله:((مَا هَذِهِ؟)) هذا السؤال لا يعني أنه يحتمل أن يكون اللبس شركاً، ويحتمل أن يكون اللبس غير شرك، ولكن هذا للإنكار، وإذا كان استفهام استفصال فإنه لأجل أنه قد يلبس لأجل التحلي لا لأجل التعلق -تعلق القلب- بذلك، فلما أجاب: (من الواهنة) تعين على كلا القولين أنه لبسها لأجل تعلقه بها لرفع المرض، أو لدفعه. و(الواهنة): نوع مرض من الأمراض، يهن الجسم ويطرحه، ويضعف قواه. فقال عليه الصلاة والسلام: ((انْزِعْهَا)) هذا أمر، وإنكار المنكر يكون باللسان، إذا كان المأمور به يطيع، إذا كان المأمور به يطيع الأمر فإنك تأمره باللسان ولا تنكر عليه باليد.والنبي -عليه الصلاة والسلام- له ولاية، وينـزع هذا المنكر بيده، لكن علم من حال ذاك أنه يمتثل الأمر، فقال له: ((انْزِعْهَا)) فلا تعارض بين هذا، وبين ما سيأتي من أنَّ حذيفة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قطع خيطاً من رجل، فإن ذلك مبني على حالٍ أخرى، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمره فامتثل ذلك الأمر.
قال: ((فَإِنَّهَا لاَ تَزِيدَكَ إِلاَّ وَهْناً)).
((فإنها لا تزيدك إلا وهناً)) يعني: أن ضررها أقرب من نفعها، وهذا في جميع أنواع الشرك، فإن ما أشرك به ضرره أعظم من نفعه، لو فُرِض أن فيه نفعاً، وقد قال العلماء هنا:((انزعها فَإِنَّهَا لاَ تَزِيدَكَ إِلاَّ وَهْناً)) يعني: لو كان فيها أثر فإن أثرها الإضرار بدنيّاً، وإن أثرها أيضاً الإضرار روحياً ونفسيّاً، حيث تضعف الروح والنفس عن مقابلة الوهن والمرض؛ لأنه يكون المرء أضعف ويتعلق بهذه الحلقة أو بذلك الخيط، قال: ((فَإِنَّهَا لاَ تَزِيدَكَ إِلاَّ وَهْناً))وهذا حال كل من أشرك؛ فإنه من ضرر إلى ضرر أكثر منه، ولو ظن أنه في انتفاع. ثم قال: ((فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَداً)):هذا القول منه -عليه الصلاة والسلام- لأن حال المعلّق يختلف:
- قد يكون علقها اعتقاداً فيها استقلالاً.
- وقد يكون علقها من جهة التسبب، والاستقلال إذا كان الذي رؤي في يد الصحابي لاشك أنه منفي، ولكن العبرة هنا؛ لأجل العبرة هنا في هذا اللفظ بالفائدة منه لغيره، فإن من مات وهي عليه:
-قد يحتمل أنه علقها لأجل الاستقلال.
- أو علقها لأجل التسبب، وبالتالي: يكون الفلاح على قسمين:
القسم الأول:الفلاح المنفي: هو الفلاح المطلق، وهو دخول الجنة والنجاة من النار، وهذا في حال من أشرك الشرك الأكبر؛ بأنْ اعتقد أن تلك الحلقة من الصفر أو ذلك الخيط الذي يعلق بأنه ينفع استقلالاً، أو يكون المنفي نوع من الفلاح، أو مطلق الفلاح، درجة من درجاته، بعض الفلاح ذلك، إذا كان فاعله جعله سبباً مما لم يجعله الله -جل وعلا- سبباً، لا شرعاً ولا قدراً، يعني: كان مشركاً الشرك الأصغر، فإنه يكون الفلاح هنا المراد به مطلق الفلاح، يعني: درجة من درجات الفلاح، وهذان لفظان يكثران في كتب أهل العلم، وفي التوحيد بخصوصه:
الأول:مطلق الشيء. والثاني: الشيء المطلق.
يقول مثلاً:
-التوحيد المطلق، ومطلق التوحيد.
-الإسلام المطلق، ومطلق الإسلام.
-الإيمان المطلق، ومطلق الإيمان.
-الشرك المطلق، ومطلق الشرك.
- الفلاح المطلق، ومطلق الفلاح.
- الدخول المطلق، ومطلق الدخول.
- التحريم المطلق -يعني تحريم دخول الجنة أو تحريم دخول النار- التحريم المطلق، ومطلق التحريم.
ومن المهم أن تعلم أن الشيء المطلق هو الكامل، الإيمان المطلق هو الكامل، الإسلام المطلق هو الكامل، التوحيد المطلق هو الكامل، الفلاح المطلق هو الكامل.وأما مطلق الشيء: فهو أقل درجاته، أو درجة من درجاته، فمطلق الإيمان هذا أقل درجاته، فنقول مثلاً: (هذا ينافي الإيمان المطلق) يعني: ينافي كمال الإيمان، أو نقول:
-هذا ينافي كمال الإيمان.
- أو نقول: ينافي مطلق الإيمان.
- ينافي أقل درجات الإيمان، فهو ينافي الإيمان من أصله.
فإذاً: هنا نقول: الفلاح يحتمل أن يكون المنفي الفلاح المطلق، يعني: كل الفلاح، أو درجة من درجاته بحسب حال المُعَلِّق، فكل من لبس حلقة أو خيطاً ومات وهي عليه من غير توبة فإنه لن يفلح أبداً، لن يفلح: يعني: لن يكون مفلحاً، وهذا الفلاح بحسب اعتقاده؛ إن كان معتقداً فيها -كما ذكرت- أنها تنفع باستقلال فهو من أهل النار، أو كان اعتقد أنها سبب فهو من أهل النار كعصاة الموحدين.
قال رحمه الله: (وله عن عقبة بن عامر مرفوعاً: ((مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدْعَةً فَلاَ وَدَعَ اللهُ لَهُ)) المقصود من هذا الحديث ذكر لفظ التعلق، و((تعلق)) يعني: أنه علّق، وتعلق قلبه بما علّق، لفظ تعلّق يشمل التعليق، وتعلق القلب بما علّق، فهو لبس وتعلق قلبه بما لبس، علق في صدره وتعلق قلبه بما علق، قال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللهُ لَهُ)) والتميمة لها باب يأتي إن شاء الله تعالى، لكن هي نوع خرزات وأشياء توضع على صدور الصغار، أو يضعها الكبار؛ لأجل دفع العين، أو دفع الضرر، أو الحسد، أو أثر الشياطين نحو ذلك.قال: ((مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللهُ لَهُ)) هنا دعا عليه -عليه الصلاة والسلام- أن لا يتم الله له؛ لأن التميمة أخذت من تمام الأمر، سميت تميمة لأنه يعتقد فيها أنها تتم الأمر، فدعا عليه -عليه الصلاة والسلام- بأن لا يتم الله -جل وعلا- له المراد. قال: ((وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدْعَةً فَلاَ وَدَعَ اللهُ لَهُ))والوَدْعَة: نوع من الصدف أو الخرز يوضع على صدور الناس، أو يعلق على العضد ونحو ذلك، لأجل أيضاً دفع العين ونحوها من الآفات، أو رفع العين ونحوها من الآفات.قال: ((وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدْعَةً فَلاَ وَدَعَ اللهُ لَهُ)) يعني: فلا تركه وذلك، ولا جعله في دعة وسكون وراحة، ودعاؤه -عليه الصلاة والسلام- عليه ذلك؛ لأنه أشرك بالله -جل وعلا-.
قال: (وفي رواية: ((مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ)) لأن تعليق التمائم، والتعلق بها؛ شرك أصغر بالله جل وعلا، وقد يكون أكبر بحسب الحال كما سيأتي.
قال: (ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ}) مناسبة هذا الحديث أو الأثر للباب ظاهرة، من أن حذيفة الصحابي -رَضِيَ اللهُ- عَنْهُ رأى رجلاً في يده خيط، هذا الخيط من الحمى.
(من): هنا تعليلية، يعني: علق الخيط لأجل رفع الحمى، أو لأجل دفع الحمى. و(مِن): لها استعمالات شتى، مر في أول الباب أنها تبعيضية، وهنا أيضاً أنها تعليلية، لها أحوال كثيرة جمعها ابن أم قاسم في نظمه لبعض حروف المعاني بقوله:
أتـتــنا"مِنْ" لتـبيين ٍوبعضٍ وتــعــلــيـل ٍوبـد ءٍ وانتــهاء وزائدة ٍ وإبـــدالٍ وفــصــلٍ ومعنى عن وعلى وفي وباء |
فمنها: أن (مِنْ) تكون للتعليل، فقوله: (رأى رجلاً في يده خيط من الحمى) يعني: لأجل دفع الحمى، أو لأجل رفع الحمى، فـ(مِنْ) تعليل لوضع الخيط في اليد.
قال: (فقطعه) وهذا يدل على أن هذا منكر عظيم؛ يجب إنكاره ويجب قطعه.
قال: (وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ}) قال السلف في هذه الآية: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} يعني: بأن الله هو الرب، وهو الرزاق، وهو المحيي، وهو المميت، يعني: توحيد الربوبية، إلا وهم مشركون به -جل وعلا- في العبادة، فليس توحيد الربوبية بمنجٍ، بل لابد من أن يوحد الله في العبادة، وهذا الدليل في الشرك الأكبر، وقد قال المصنف -رحمه الله- :(أن فيه أن الصحابة يستدلون بما نزل في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر).