مجلس مذاكرة القسم الأول من دورة طرق التفسير
المجموعة الأولى:
س1: بيّن أهميّة معرفة طرق التفسير.
من الأهمية بمكان أن أبيَّن أن طرق التفسير تسري على وجهين من وجوه التفسير التي حددها حبر الأمة عبد الله ابن عباس و هما وجهٌ تعرفه العربُ من كلامها، و الأخر يعلمه العلماء،و للمفسرين في تفسير هذين الوجهين طرق أربع و هي
• تفسير القرأن بالقرأن
• تفسير القرأن بالسنة القولية و العملية و التقريرية
• تفسير القرأن بأقوال الصحاية
• تفسير القرأن بأقوال التابعين
و أهمية معرفة هذه الطرق تتبدى من وجوه منها
• أنَّ على المفسر أن يسلكها بالترتيب ، فيطلب التفسير من القرأن ثمَّ من السنة ثمَّ من أقوال الصحابة ثمَّ من أقوال التابعين ، مع مراعاة أنها قد تتداخل و يعاضد بعضها بعضاً فيما يدخله الإجتهاد ، أما ما كان النص فيه واضحاً فليس للمفسر مندوحة عنهً ، مراعياً في ذلك الترتيب
• أنَّ ما ثبتت صحته بإحدى هذه الطرق لا مجال لمخالفته مخالفة تضاد و يمكن مخالفته مخالفتة تنوع إذا كان الخلاف سائغاً و معتبراً بشروطه عند أئمة هذا العلم
• أخذها بعين الاعتبار عند تحرير أقوال المفسرين و الترجيح بين أقوالهم
س2: هل ما يذكر من تفسير القرآن بالقرآن يفيد اليقين؟
تفسير القرأن بالقرأن يكون على وجهين
الأول : ما ورد فيه نص صريح متصلاً كان أو منفصلاً و هذا يفيد اليقين قطعاً
ومثال الصريح: قول الله تعالى: {والسماء والطارق . وما أدراك ما الطارق . النجم الثاقب}؛ فنصّ الله تعالى على بيان المراد بالطارق بأنه النجم الثاقب، وهذا نصّ صريح في المسألة ليس لأحد قول في مخالفته.
الثاني : ما ليس فيه نص صريح و لكن يدخله الاجتهاد و التأويل و هذا متفاوت في إفادته اليقين حسب صحة الاجتهاد و وضوح دلالته فمنه ما يفيد اليقين و منه ما يفيد غلبة الظن و منه ما يصيب به المجتهد بعض المعنى و منه ما يكون محتملاً و منه المردود و الأمثلة على هذا الوجه حسب درجة إفادتها اليقين متنوعة و كثيرة ومن تلك الأمثلة ما ذكره بعض أهل العلم في تحديد مقدار ما أمر الله بإنفاقه في قوله تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم} حيث ذكر أن من تبعيضية، والتبعيض هنا غير مقدر، والتقدير مبين في قول الله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}؛ فهذا اجتهاد من المفسر في تفسير القرآن بالقرآن، والدلالة فيه محتملة لكنها غير متعينة؛ فإن الله أثنى على من آثر على نفسه فأنفق ما زاد على قدر العفو فأنفق ما هو محتاج إليه كما في قول الله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}، وأثنى على من أنفق بعض العفو ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص لما أراد أن يوصي بماله: ((الثلث والثلث كثير؛ إنك أن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)). رواه البخاري.
س3: بيّن عناية العلماء بتفسير القرآن بالقرآن.
تتبيَّن عناية العلماء بتفسير القرأن بالقرأن من خلال ما أُثر عنهم من التفسير و قد ظهرت العناية بتفسير القرأن بالقرأن منذ عهد النبي صلى الله عليه و سلَّم إذ هو أول من فسر القرأن بالقرأن فقد أخرج البخاري في صحيحه أنَّ النبي صلى الله عليه و سلَّم فسر الظلم في قوله تعالى ( ..... و لم يلبسوا إيمانهم بظلم ...... ) الأنعام -82 بالشرك ، استدلالاً بقوله تعالى ( إنَّ الشرك لظلمٌ عظيم ) لقمان – 13 ثمَّ تتابع الصحابة من بعده و التابعين من بعدهم و من تبعهم بإحسان من المفسرين إلى يومنا هذا على التأسي بهدي النبي صلى الله عليه و سلَّم و لبيان ذلك أذكر بعض من كانت له عناية بتفسير القرأن بالقرأن و بعض أثارهم
• فمن الصحابة عبد الله ابن عباس و ما أثر عنه من تفسير القرأن بالقرأن مبثوث في معظم كتب التفسير
• و من التابعين مجاهد و قتادة و أيضاً ما أثر عنهم من تفسير القرأن بالقرأن مبثوث في معظم كتب التفسير
• و مِنْ مَن تبعهم بإحسان العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه أضواء البيان في تفسير القرأن بالقرأن
س4: بيّن خطر توسّع أهل الأهواء في تفسير القرآن بالقرآن.
أهل الأهواء هم تلك الطائفة من الناس الذين جعلوا أراءهم و أهواءهم قائداً و إماماً لهم فأضلهم الله على علم ، فضلوا و أضلوا قال تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه و أضله الله على علم ) و هم في جريهم وراء أهواءهم يسلكون كل مسلك بغض النظر عن شرعية هذا المسلك أو صوابيته و من المسالك التي سلكوها لتبرير أهواءهم و شرعنتها توسعهم في تفسير القرأن بالقرأن متخذين ذلك ستاراً يتسترون وراءه لِبث و نشر أهواءهم و أراءهم ، فحمَّلوا النصوص ما لا تحتمل و أولوها بتأويلات بعيدة متكلَّفة و ألبسوها عباءة تفسير القرأن بالقرأن ، كما فعل المعتزلة و المرجئة و القدرية و غيرهم من الفرق فلذلك وجب على المسلم أن يتنبه لذلك و لا ينخدع بهم و أن لا يأخذ من التفسير الإجتهادي للقرأن بالقرأن إلا ما ثبتت صحته و كان له مأخذ في الدلالة واضح و معتبر عند أهل العلم
س5: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في التفسير؟
نعم ، فقد اجتهد في التفسير كما اجتهد في غيره من مسائل الدين إلا أنه صلى الله عليه و سلَّم معصوم في أمور الدين فلا يُقرُّ على خطأ و من ذلك اجتهاده في الإستغفار و الصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول متأولاً قول الله ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) بأنه مخيرٌ في هذا حتى نزل قوله تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}. فما صلى بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله
س6: من هم القرآنيون؟ وما خطر فتنتهم؟
هم طائفة من الناس زعموا الاكتفاء بالقرآن، وأنّ الأخذ بالسنة غير لازم، و هم من صنائع الإنجليز بأرض الهند في القرن التاسع عشر الميلادي، وكان زعيمهم رجل يقال له: أحمد خان؛ بدأ توجهه بالتفسير العقلي للقرآن، والإعراض عن الاحتجاج بالسنة، ثم تلاه عبد الله جكرالوي في الباكستان، وأسس جماعة أهل الذكر والقرآن ودعا إلى اعتبار القرآن المصدر الوحيد لأحكام الشريعة. وفي مصر تزعَّم هذه الطائفةَ رجلٌ يقال له: أحمد صبحي منصور ، وكان مدرّساً في الأزهر ففُصِل منه بسبب إنكاره للسنة ، و خطر فتنتهم أنهم يحاولون هدم الدين الإسلامي بأيدي المنتسبين إليه.
و قد حذَّر رسول الله من هذه الفتنة فقال ( يوشك أحدكم أن يكذِّبَني وهو متكّئ على أريكته يحدَّث بحديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإنَّ ما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله ) فليحذر المسلم من الوقوع في هذه الفتنة
س7: هل كان الصحابة يتفاضلون في العلم بالتفسير؟ بيّن ذلك.
نعم ، فالصحابة – رضي الله عنهم - يتفاضلون في العلم بالتفسير؛ فلعلماء الصحابة وقرّائهم وكبرائهم مزيد عناية بالعلم بالقرآن كالخلفاء الأربعة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وابن مسعود و غيرهم و مما يدل على ذلك ما قاله مسروق بن الأجدع: ( لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ، فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ ) رواه ابن سعد في الطبقات، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخه.
س8: ما هي طرق التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم.
طرق التفسير عند الصحابة ثلاثة تفسير القرأن بالقرأن نصاً و اجتهاداً و تفسير القرأن بالسنة القولية و العملية و التقريرية أيضاً نصاً و اجتهاداً ( المقصود بنصاً أي ما ورد فيه نص صريح في التفسير و المقصود باجتهاداً هو استنباط المعاني من النصوص غير الصريحة في التفسير و الإستدلال بها في فهم نصوص القرأن ) ثمَّ تفسير القرأن بما شهدوه من وقائع التنزيل و بما دلَّت عليه اللغة
س9: بيّن مراتب حجيّة أقوال الصحابة رضي الله عنهم في التفسير.
أقوال الصحابة رضي الله عنهم في التفسير على مراتب:
المرتبة الأولى: ما له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على أنواع:
منها: ما يصرّح فيه بأخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: مراسيل الصحابة.
ومنها: ما لا يقال بالرأي والاجتهاد، ولم يأخذه الصحابي عمن يروي عن بني إسرائيل فهذا مع ضميمة الجزم بتورّع الصحابة رضي الله عنهم وتثبّتهم في القول عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم يدلّ على أنّهم إنما أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: قول الصحابي الصريح في سبب النزول.
فهذه المرتبة ما صحّ منها فهو حجّة في التفسير.
والمرتبة الثانية: أقوالٌ صحّت عنهم في التفسير، اتّفقوا عليها ولم يختلفوا فيها، فهذه حجّة أيضاً لحجيّة الإجماع، وأرفعه إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
والمرتبة الثالثة: ما اختلف فيه الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الاختلاف على نوعين:
النوع الأول: اختلاف تنوّع، وهو ما يمكن جمع الأقوال الصحيحة فيه من غير تعارض؛ فهذه الأقوال بمجموعها حجّة على ما يعارضها.
والنوع الثاني: اختلاف تضادّ لا بدّ فيه من الترجيح؛ فهذا مما يجتهد العلماء المفسّرون فيه لاستخراج القول الراجح بدليله.
وهذا النوع لا بدّ أن يكون أحد القولين فيه مأخذه الاجتهاد؛ لأنه لا يقع تعارض بين نصين، وإذا تعارض النص والاجتهاد قُدّم النص.
س10: بيّن فضل التابعين مع الاستدلال.
ورد في فضل التابعين أدلة كثيرة منها
• حديث ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ) متفق عليه
• و حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصَاحَبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصَاحَب مَن صَاحَبَني ) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن أبي عاصم في السنة وابن السمّاك، وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فهذه الأحاديث و غيرها تدل بشكل واضح على فضل التابعين ، و قد سمّوا بالتّابعين لقول الله تعالى: {والذين اتّبعوهم بإحسان}..، وهذا الاسم الشريف يدلّ على أنّهم إنما نالوا أفضليتهم بإحسانهم الاتّباع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.