دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج الإعداد العلمي العام > المتابعة الذاتية في برنامج الإعداد العلمي > منتدى المستوى السابع

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 17 ذو القعدة 1440هـ/19-07-2019م, 06:22 AM
د.محمد بشار د.محمد بشار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 265
افتراضي

هذه الرسالة على صغر حجمها إلا أنها عظيمة؛ وذلك لما احتوت عليه من كلام النبوة في التوحيد، وهي معينة لمن أراد معرفة حقيقة التوحيد والرجوع إلى طريق الحق.
وقد لخص الشيخ هذه الرسالة وأتى فيها بما يدل على أهمية شهادة التوحيد، ليس في الدنيا فقط بل وفي الآخرة يوم يقوم الأشهاد، وبما يدل على فضائل هذه الكلمة في الدنيا والآخرة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالرسالة بمشيئة الله تعالى هي: ( كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ) للحافظ ابن رجب رحمه الله
ونبذة عن الحافظ ابن رجب رحمه الله قبل الشروع في هذه الرسالة:

• أحاديث الشهادة والمقصود بجزاء قائلها

أما بالنسبة لكتاب كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ، فإن أهمية هذا الكتاب تنبع من أنه يُوضح معنى شهادة لا إله إلا الله، لأن هذه الكلمة التي خفي معناها على الكثيرين، وجعلها بعضهم وسيلة لدخول الجنة بلا تعب، يقولها كلمات دون أن يعقل معناها، أو يعمل بمقتضاها، أو يوفيها حقها، أو يقوم بشروطها، فأراد ابن رجب رحمه الله أن يبين عِظم هذه الكلمات، وأن مفتاح الإسلام لا إله إلا الله هذه عبارة عظيمة جامعة لها معاني وفيها شروط ينبغي أن تحقق وأن تطبق، استهلها بعد البسملة بقوله: خرّج البخاري ومسلم في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل -ولذلك أحياناً يطلق على هذه الرسالة شرح حديث معاذ - فقال: يا معاذ ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك! قال: يا معاذ ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك! قال: يا معاذ ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك! قال: ما من عبدٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار قال: يا رسول الله ألا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا، فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً). وكذلك جاء في الصحيحين عن عتبان بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) وكذلك حديث: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما، فيحجب عن الجنة). وكذلك في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، -يقول أبو ذر - قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق، قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر ، فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر). وكذلك حديث عبادة بن الصامت في صحيح مسلم أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، حرمه الله على النار) وفي رواية: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) رواه مسلم .الآن نأتي إلى قضية ما معنى هذه الأحاديث التي فيها أن قول: لا إله إلا الله يدخل الجنة وينجي من النار؟ هل المقصود هو قول هذه الكلمة فقط كما يفهمه كثير من العامة أنك إذا قلت الكلمة دخلت الجنة بمجرد القول، وتنجو من النار؟ وإذا احتججت على بعضهم، أو ناقشته في معاصيه، أو في فسق فلان وفجوره، أو في كفر فلان، قال: هذا يقول لا إله إلا الله، ومن قال: لا إله إلا الله دخل الجنة. فما هو الكلام في مسألة التلفظ بالشهادتين، ما حقيقة هذا التلفظ؟ وكيف ينبغي أن يُنظر في الأحاديث هذه التي ساق ابن رجب رحمه الله طرفاً منها؟ قال: وأحاديث هذا الباب نوعان: أحدهما: ما فيه أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة ولم يحجب عنها، وهذا ظاهر. يقول: هذا لا إشكال فيه، فإن النار لا يخلد فيها أحدٌ من أهل التوحيد الخالص، وقد يدخل الجنة ولا يحجب عنها إذا طُهر من ذنوبه في النار. إذاً أولاً: من قال: لا إله إلا الله، ليس قوله مانعاً من دخوله النار، لكن يدخل الجنة بعد التطهير، وحديث أبي ذر وما في معناه وإن زنا وإن سرق، وإن زنا وإن سرق، ليس معناه أن من قال: إلا إله إلا الله دخل الجنة بدون عذاب وإن زنا وإن سرق، وإن زنا وإن سرق، وإن زنا وإن سرق، لا، وإنما معناه أن الموحد وإن زنا وإن سرق سيكون مصيره في النهاية إلى دخول الجنة، أصابه قبل ذلك ما أصابه، ممكن يحترق في النار مليون سنة على معاصي وكبائر عملها، لكن في النهاية سيدخل الجنة. فإذاً الأحاديث تدل على أن الموحد مصيره في النهاية إلى الجنة، لكن هذه الأحاديث لا تعني إطلاقاً أنه لن يمسه عذاب قبل ذلك، ولذلك ورد في بعض الأحاديث: (من قال: لا إله إلا الله، نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه) وبوضوح أن بعض أهل التوحيد يعذبون، ويصيبهم من النار ما يصيبهم نتيجة كبائر ومعاصي اقترفوها، أو واجبات تركوها، وفي النهاية يخرجون من النار ويدخلون الجنة. إذاً هذا اتجاه، ومعلم واضح في فهم هذه الأحاديث.
-ثانياً: بعض هذه النصوص، فيها أنه يحرم على النار، لا أن يكون مصيره فقط إلى الجنة بل يحرم على النار، فكيف نفهمها؟ وقد دلت أحاديث وآيات كثيرة على أن أصحاب الكبائر يعذبون والعصاة يعذبون والفجرة يعذبون، فكيف نجمع بين هذه النصوص الكثيرة جداً، والتي فيها أن الله يُعذب من شاء من أهل الكبائر والمعاصي وهم موحدون، وبعض النصوص التي فيها أن شهادة أن لا إله إلا الله تحرم صاحبها على النار، نحن الآن انتهينا من أنها تدخل صاحبها الجنة، قلنا: نجمع أنه يدخل الجنة بعد أن يُعذب إلا إذا عفا الله، فكيف نفهم الآن بعض النصوص التي فيها أن من قال هذه الكلمة فإنه يحرم على النار؟ كيف نجمع بين هذا وبين النصوص التي فيها تعذيب بعض أصحاب الكبائر، أو الآثام والمعاصي؟ الجواب: أننا نقول: يحرم الموحد على النار من جهة الخلود فيها، أي: يحرم عليه الخلود في النار لا الدخول والعذاب، أو أنه لا يدخل النار التي فيها خلود، لأن نار جهنم دركات، فالدرك الأعلى يدخله كثيرٌ من العصاة الموحدين بذنوبهم، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين، وبرحمة أرحم الراحمين، يدل على هذا حديث الصحيحين : (أن الله تعالى يقول: وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله) فلاحظ هنا الكلام (لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله) إذاً دخلوها، وعذبوا فيها، ثم خرجوا منها. إذاً: الذي امتنع عنهم هو الخلود وليس الدخول والتعذيب. إذاً القاعدة الأولى قلنا: الموحد مصيره إلى الجنة في النهاية، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه.ثانياً: الموحد لا يخلد في النار، ولا بد أن يخرج منها في يوم من الأيام إذا دخلها، هذا فهم للنصوص قال به أهل العلم.فهمٌ آخر تُفهم به أحاديث: (من قال لا إله إلا الله، دخل الجنة) (ومن قال لا إله إلا الله، حرم من النار) قالت طائفة من العلماء: المراد من هذه الأحاديث: أن (لا إله إلا الله) سببٌ لدخول الجنة والنجاة من النار، ومقتضٍ لذلك، لكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه.أي: نقول: إذا أردنا أن نجري النصوص بجميع ما في معناها، أي: نقول: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) ( من قال لا إله إلا الله حرم من النار ). إذا انتفت عنه الموانع، وتوفرت فيه الشروط: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) (من قال لا إله إلا الله حرم على النار) إذن تقول: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) بلا عذاب و( من قال لا إله إلا الله، حرم من النار ) ولو لحظة، أي: حرم على النار مطلقاً، فلا بد أن تقول إذاً: إذا قام بشروط لا إله إلا الله وحققها، وانتفت الموانع التي تمنع من دخول الجنة دون عذاب، وانتفت الموانع التي توجب دخول النار والتعذيب فيها، لأن بعض الموحدين قد يتخلف عنهم بعض الشروط، أو توجد فيهم موانع تمنع من دخولهم الجنة مباشرة، و ابن رجب رحمه الله رجح الثاني وهو قضية الشروط والموانع بأن تفسر النصوص بقضية الشروط والموانع.

• أهمية الشهادة بالنسبة لما بعدها من الأعمال

قال: وقال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: " ما أعددت لهذا اليوم؟ -يذكر الفرزدق - قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: نِعْمَ العدة، لكن ل لا إله إلا الله شروطاً، فإياك وقذف المحصنة ".لأن الشعراء قد يقعون في القذف بسهولة ويحصل في شعره قذف، يهجو فيقذف، فيقول الفرزدق: أنا أعددت شهادة أن لا إله إلا الله لأجل يوم القيامة والحساب، قال: نِعْم العدة، ولكن للا إلا إله إلا الله شروطاً، فإياك وقذف المحصنة. إذاً معناها أنه إذا قذف المحصنة، لا يكون قد قام بشروط لا إله إلا الله، فعدته ناقصة قال: وقيل للحسن : " إن أناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قال -مفسراً- من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها، دخل الجنة ".وقال وهب بن منبه لمن سأله: " أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان، فتح لك وإلا لم يُفتح لك ".وأسنان مفتاح لا إله إلا الله تحقيق شروطها، وانتفاء موانعها، والقيام بحقها، وقد جاء في الصحيحين عن أبي أيوب : (أن رجلاً قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة (أن رجلاً قال: يا رسول الله! دلني على عملٍ إذا عملته، دخلت الجنة قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان فقال الرجل: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا). وفي المسند عن بشير بن الخصاصية وفي السند مجهول، قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه، فاشترط عليَّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن أقيم الصلاة، وأن أوتي الزكاة، وأن أحج حجة في الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله، فقلت: يا رسول الله! أما اثنتين فوالله لا أطيقهما: الجهاد والصدقة -أي: أضحي بنفسي ومالي!- فإنهم زعموا أن من ولى الدبر، فقد باء بغضبٍ من الله -أي: ولى الأدبار في المعركة، باء بغضبٍ من الله- فأخاف إن حضرت تلك جشعت نفسي وكرهت الموت والصدقة، فوالله ما لي إلا غُنيمة وعشر ذودٍ، أي: من الإبل هنَّ رُسُلُ أهلي وحمولتهُن -أي: هذه عزيزة عليَّ وقليلة- قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم حركها، ثم قال: فلا جهاد، ولا صدقة، فبمَ تدخل الجنة إذاً؟ قلت: يا رسول الله أبايعك، فبايعته عليهن كلهن). ففي هذا الحديث أن الجهاد والصدقة شرطٌ في دخول الجنة مع حصول التوحيد والصلاة والصيام والحج. ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) ففهم الصديق أن من امتنع عن الزكاة يُقاتل، لأنه ما أدى حق لا إله إلا الله، قالوا: فسر معنى الحديث: (فإذا منعوا ذلك، منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله) قال أبو بكر : [الزكاة حق المال] فهذا فهم الصديق الصريح الذي فاء إليه الصحابة ووافقوه عليه وساروا وراءه فيه: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5].. فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]. إذاً: لابد من أداء الفرائض مع التوحيد، أي: إذا قال لا إله إلا الله، ولا صلاة، ولا زكاة، يكون من إخواننا في الدين؟ نخلي سبيله؟ لا نقاتله؟ بل نقاتله إذا امتنع عن هذه الفرائض. فإذا عُلم يا إخواني أن عقوبة الدنيا لا تُرفع عمن أدى الشهادتين مطلقاً: لو زنا، يجلد أو يرجم، ولو سرق، تُقطع يده، بل يُعاقب عليها، وإن أدى الشهادتين يعاقب في الدنيا، وتقام عليه الحدود، فكذلك عقوبة الآخرة لا تمتنع على من خالف، بعض العلماء ذكروا شيئاً، قالوا: إن هذه النصوص (من قال لا إله إلا الله، دخل الجنة) ( من قال لا إله إلا الله، حرم من النار ) قيلت قبل نزول الحدود، وقبل نزول تحريم الأشياء، وقبل نزول الفرائض، ولكن هذا القول استبعده الحافظ ابن رجب رحمه الله. وبعضهم قال: تلك الأحاديث التي سبق تصدير الرسالة منسوخة، ولكن الأرجح أن يُقال: أحاديث محكمة وقيلت في الفرائض وبعد الفرائض ونزول تحريم الأشياء، لكن لا إله إلا الله لها شروط إذا توفرت وانتفت الموانع، حصلت النتيجة وهي الفوز بالجنة والنجاة من العذاب. ثم يلفت النظر إلى أن بعض النصوص المطلقة قد جاءت مقيدة، ففي أحاديث: (من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قبله) (من قال: لا إله إلا الله مستيقناً بها ) (من قال: لا إله إلا الله يصدق لسانه قلبه) (يقولها حقاً من قلبه) وفي رواية: (قد ذل بها لسانه، واطمأن بها قلبه) هذا الذي ينجو، تخيل رجل لا يؤدي الصلاة ولا الزكاة ولا يحج ولا يصوم ويزني ويشرب الخمر ويكذب ويسرق ويفعل ويفعل ... ثم يكون مستيقناً بلا إله إلا الله، وقال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه، ممكن؟ لا يمكن أن يكون ذلك. فإذاً لا بد من هذا المفهوم أن يتضح، وهذه المسألة مهمة، لأن الناس العامة يناقشون في هذه القضية، فلابد من تفهيمهم هذه المسألة، وأن تُعقد الخطب والدروس لشرحها، وأن تكون المواعظ من أجلها والمناقشات في المجالس عليها.

• علاقة أعمال القلوب بالشهادة

ثم لفت ابن رجب رحمه الله النظر إلى مسألة مهمة جداً، وهي أن هذه النصوص التي فيها (مستيقناً بها قلبه) (خالصاً من قلبه) تفيد أهمية أعمال القلوب. فإذاً لا إله إلا الله لها علاقة مباشرة بأعمال القلوب، ما معنى لا إله إلا الله؟ أي: لا يأله القلب غير الله حباً ورجاءً وخوفاً وتوكلاً واستعانةً وخضوعاً وإنابةً وطلباً، وأعمال القلوب كثيرة، فمنها: الوجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2]. الإخبات: فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ [الحج:54]. الإنابة: وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق:33]. الطمأنينة: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]. التقوى: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]. الانشراح: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125]. السكينة: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:4]. اللين: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23]. الخشوع: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:16]. الطهارة: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]. الهداية: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11]. العقل: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46]. التدبر: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]. الفقه: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف:179]. الإيمان: مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة:41]. الرضى والتسليم: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].إذاً: القلوب لها أعمال مرتبطة ارتباطاً مباشراً بلا إله إلا الله، ثم إنه لا يمكن للإنسان أن يحقق لا إله إلا الله إلا إذا حقق محمد رسول الله، هذا الربط مهم جداً، منه نصل إلى قضية اتباع السنة واجتناب البدعة، وأن المبتدع لم يحقق لا إله إلا الله، من قال لا إله إلا الله، وأطاع الله عز وجل، يُطاع ولا يُعصى هيبةً له وإجلالاً ومحبةً وخوفاً ورجاءً وتوكلاً عليه وسؤالاً منه ودعاءً له، هذا الذي إذا حقق تلك المعاني، فإنه يكون محققاً للا إله إلا الله. ومما يدل على أن من مقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله: اجتناب المعاصي، أنه قد جاء في وصف بعض المعاصي بالكفر والشرك، وهذه المعاصي إذا كانت دون الكفر فالمقصود بها إذاً الكفر الأصغر، والشرك الأصغر كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى قول من قال: ما شاء الله وشاء فلان، وما لي إلا الله وأنت. فإذاً هناك أشياء تقدح في كلمة التوحيد مثل هذه الأمور. فكيف يقال من قال: لا إله إلا الله مجردة تنجيه وتدخله الجنة دون حساب، ولا عذاب؟ ثم هو يقع فيما يناقض لا إله إلا الله بكلامه وأفعاله، وقد وصف بالكفر من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، ووصف كذلك بالشرك بعض الأعمال كما تقدم، وورد إطلاق الإله على الهوى المتبع، قال الله عز وجل: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23] وقيل في تفسير هذه الآية: هو الذي لا يهوى شيئاً إلا ركبه، ليس يحجزه عنه شيء، كلما اشتهى شيئاً أتاه، ولا ورع يمنعه من ذلك ولا تقوى. إذاً: ممكن أن يقع في العبودية لغير الله أناس يقولون: لا إله إلا الله كما دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) هذا كله يدل على أن كل من أحب شيئاً وأطاعه وكان هو غايته ومقصوده وطلبه، ووالى لأجله وعادى لأجله فهو عبده، وإن كان يقول: لا إله إلا الله، وقد سمى الله طاعة الشيطان عبادة كما قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ [يس:60]. ومن هذا حاله تكون شهادة أن لا إله إلا الله في حقه مدخولة مخترقة بهذه المعاصي والآثام، وقد قال الخليل لأبيه: يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً [مريم:44]. فإذاً: الذين حققوا قول لا إله إلا الله هم عباد الله الذين ليس لإبليس عليهم سلطان، فصدقوا قولهم بفعلهم، ولم يلتفتوا إلى غير الله محبةً ورجاءً وخشيةً وطاعةً وتوكلاً، هؤلاء الذين صدقوا في قول لا إله إلا الله هم أهل لا إله إلا الله حقاً، ولا يمكن أن يكون منهم الذي قال لا إله إلا الله بلسانه، ثم أطاع الشيطان واتبع هواه في معصية الله ومخالفته وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص:50]. ثم يقول ابن رجب واعظاً: فيا هذا كن عبد الله لا عبد الهوى، فإن الهوى يهوي بصاحبه في النار: أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف:39] تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار! والله لا ينجو غداً من عذاب الله إلا من حقق عبودية الله وحده، ولم يلتفت إلى شيء من الأغيار -أي: ما أطاع شيئاً آخر غير الله عز وجل- من علم أن إلهه معبوده فرد، فليفرده بالعبودية، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً. فقول لا إله إلا الله تقتضي ألا يحب سواه، فإن الإله هو الذي يطاع، فلا يُعصى مع محبته والخوف منه ورجائه. قال: ومن تمام محبته محبة ما يُحبه، وكراهية ما يُبغضه، فمن أحب شيئاً يكرهه الله، أو كره شيئاً يُحبه الله لم يكمل توحيده، ولا صدقه في قوله: لا إله إلا الله، وكان فيه من الشرك الخفي بحسب ما أحب من الأمور التي يبغضها الله، وبحسب ما أبغض من الأمور التي يحبها الله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:28]. قال: " قال الليث عن مجاهد في قوله: لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55] قال: لا يحبون غيري ".وقال الحسن : " اعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته ". ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك، كل من ادعى محبة الله، ولم يوافق الله في أمره، فدعواه باطلة. ونقل أيضاً عن يحيى بن معاذ قوله: ليس بصادقٍ من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده.وقول رويم : " المحبة الموافقة في جميع الأحوال " وهذا من معنى قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]. قال الحسن: " قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نحب ربنا حباَ شديداً، فأحب الله أن يجعل لحبه علماً -دليل على صدق المحبة المدعاة- فأنزل الله تعالى هذه الآية. ومن هنا يُعلم أن شهادة لا إله إلا الله لا تتم إلا بشهادة أن محمداً رسول الله، فإنه إذا علم أنه لا تتم محبة الله إلا بمحبة ما يحبه وكراهية ما يكرهه. فكيف تعرف الذي يحبه الله والذي يكرهه الله؟ أليس من كتابه ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه؟ فإذاً: الأخذ بالسنة واجبٌ وحتمٌ، وصارت محبة الله مستلزمة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:24] وهدد وقارن الله بين طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة، وقال: (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ...) الحديث.
وهذا حال سحرة فرعون لما سكنت المحبة قلوبهم، سمحوا ببذل النفوس، وقالوا لفرعون: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] ومتى ما تمكنت المحبة في القلب، لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعة الرب.
وهذا معنى الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إليًّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها). فإذاً لما استغرقت المحبة قلب العبد واستولت عليه، لم تنبعث جوارحه إلا إلى ما يُرضي الرب، وصارت نفسه مطمئنةً بإرادة مولاها عن مرادها وهواها.

• ومن الناس من يعبد الله على حرف

يقول ابن رجب : " يا هذا اعبد الله لمراده منك لا لمرادك منه " ماذا يريد منك؟ اعبده بناءً على ما يريد منك، ولا تعبده بناءً على ما تريده منه، فإذا جئت مضطراً وغرقت في البحر، جئت تعبده لكي ينجيك، وإذا مرضت، صرت تعبده لكي يشفيك، وإذا افتقرت صرت تعبده لكي يغنيك فقط، يقول: هذا خطير، فمن عبده لمراده منه، فهو ممن يعبد الله على حرف، إن أصابه خيرٌ اطمأن به، لو جاءك المال قلت: هذه العبادة .. هذا الأثر منها، ولو جاءتك الصحة بعد المرض، قلت: هذا بسبب الدعاء والعبادة. ولو طلبت الغنى بعد الفقر وما أتاك الغنى، وطلبت الصحة في المرض وما أتتك الصحة، هنا ينقلب الذين لم تثبت في طريق الدين أقدامهم. ولذلك قال: " يا هذا اعبد الله لمراده منك، لا لمرادك منه، فمن عبده لمراده منه فهو ممن يعبد الله على حرف، إن أصابه خيرٌ اطمأن به، وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ". كان بعضهم يأتي إلى المدينة ، يقول: نجرب الإسلام، إن ولدت المرأة ذكراً، وأنتجت الخيل وجاءت بمهر، فهذا دين خير، وإن جاءت زوجته بأنثى وهذه الخيل ماتت والزرع ضاع، قال: هذا دين سوء، لا رغبة فيه. فإذاً: العبادة على مراد الشخص، وليست على مراد الله، فمن كان يفعل العبادة بناءً على هذا ينتكس وينقلب قال: " وفي بعض الكتب السالفة: من أحب الله لم يكن شيءٌ عنده آثر من رضاه، ومن أحب الدنيا لم يكن شيءٌ عنده آثر من هوى نفسه". قال الحسن : " ما نظرت ببصري، ولا نطقت بلساني، ولا بطشت بيدي، ولا نهضت على قدمي؛ حتى أنظر على طاعة الله أو على معصية، فإن كانت طاعة تقدمت، وإن كانت معصية تأخرت ". البطشة أو الكلمة أو النظرة أو الخطوة إن كان طاعة تقدمت، وإن كانت معصية تأخرت، وهكذا تكون حقيقة العبودية أن ينزل العبد أعمال الجوارح على الآيات والأحاديث ومقاييس طاعة الله عز وجل، فإن وافقت مراد الله وما يحبه الله تقدم وعمل، وإن خالفت أحجم ورجع.

• الرياء وأثره على الأعمال

" ومن لم يُحرق اليوم قلبه بنار الأسف على ما سلف -التوبة والندم- فنار جهنم له أشد حراً، ما يحتاج إلى التطهر بنار جهنم إلا من لم يكمل تحقيق التوحيد والقيام بحقوقه. أول من تُسعر بهم النار من الموحدين العُبّاد المراءون بأعمالهم، وأولهم العالم المرائي بعلمه، والمجاهد والمتصدق للرياء ". لأن يسير الرياء شرك، ما نظر المرائي إلى الخلق بعمله إلا لجهله بعظمة الخالق، لو عنده علم بعظمة الخالق ما نظر إلى الخلق أثناء عمله، كان عمله إلى الله عز وجل، وعمل لله تعالى.قال: " المرائي يُزور التوقيع على اسم الملك ليأخذ البراطيل لنفسه ".البراطيل جمع برطيل وهو: الرشوة، وطبعاً هنا العلاقة بين الله سبحانه وتعالى هو ملك الملوك، والمرائي ماذا يفعل؟ يزور على اسم الملك ليأخذ البراطيل، فكأنه يتزيا بزي العُبّاد، ويتظاهر بالعبادة ليأخذ نصيبه من الناس ثناءً وشكراً وسمعةً. يزور ليوهم أنه من خاصة الملك، وهو ما يعرفه الملك حقيقةً، وأهل الرياء وأصحاب الشهوة وعبيد الهوى يدخلون النار، الذين أطاعوا هواهم وعصوا مولاهم، أما عبيد الله حقاً، فيقال لهم: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30]. ولذلك إذا مرَّ أهل الإخلاص والتوحيد على النار أثناء العبور على الصراط، فإنها تكون عليهم برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، حتى لربما كان للنار ضجيجاً من بردهم، فهذا ميراثٌ ورثه المحبون من حال الخليل عليه السلام، وأما الذين يمرون على النار وهم ليسوا من أهل التوحيد الخالص، وقد كدروا التوحيد بالمعاصي والفجور، فإنهم يسقطون في النار، وتنالهم النار بمعاصيهم، فينبغي أن يكون الهم كله لله، ومن أصبح وهمه غير الله فليس من الله قال: " وكان داود الطائي يقول: همك عطل عليَّ الهموم وحالف بيني وبين السهاد -منعني النوم مثل قيام الليل- وشوقي إلى النظر إليك أوبق مني اللذات -أخمدها وقتلها- وحال بيني وبين الشهوات.يقول ابن رجب رحمه الله: إخواني إذا فهمتم هذا المعنى، فهمتم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً من قلبه حرمه الله على النار).فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها، فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله.من صدق في قول لا إله إلا الله لم يحب سواه، ولم يرج سواه، ولم يخش أحداً إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم يبق له بقيةً من آثار نفسه وهواه، وكلما زلق العبد في هوة الهوى أخذ بيده سبحانه إلى نجوة النجاة، ويسر له التوبة إذا كان من أهل الله، وينبهه على قبح الزلة فيفزع إلى الاعتذار، ويبتليه بمصائب مكفرة تكفر ما جناه، فلا يعني أن أهل التوحيد الصادقين لا يعصون ولا يقعون في المعصية، لكنهم سريعو الفيئة، والله عز وجل من حبه لهم كلما زلقوا في هوة الهوى أخذ بأيديهم إلى ساحل التوبة والنجاة، وجعلهم يفزعون إلى الاعتذار، ويبتليهم بمصائب ليكفروا آثام المعصية، فيكونوا أنقياء، فيدخلون الجنة أنقياء. ولذلك قال في الحديث: (الحمى تُذهب الخطايا كما يذهب الكير الخبث) رواه مسلم ، وجاء عن عبد الله بن مغفل أن رجلاً رأى امرأة كانت بغياً في الجاهلية، ثم أسلما كلاهما، لكن هذا لما لقيها في الطريق تذكر الماضي، وربما أصابه شيءٌ من الرغبة في العودة، فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها أراد أن يلمسها، فقالت: مه! أي: كف، فإن الله قد أذهب الشرك وجاء بالإسلام، فتركها وولى، أي: اتعظ من كلامها وولى، فجعل يلتفت خلفه ينظر إليها حتى أصاب الحائط وجهه وشُج وسال دمه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر، فقال: (أنت عبدٌ أراد الله بك خيراً) ثم قال: (إن الله إذا أراد بعبده شراً، أمسك ذنبه حتى يوافي به يوم القيامة). فهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان يدل على أن الله إذا أحب شخصاً في الدنيا، وكان قد عصى، فإن الله إما أن يوفقه إلى توبة، أو يبتليه بمصيبة يُكفر بها ذنبه حتى يلقاه يوم القيامة وهو نقي، لأن من لم تنقه التوبة في الدنيا ولا المصائب، فلا بد من التطهير يوم القيامة، والتطهير لا يكون إلا بالعبور على الصراط وركوب النار وما تأخذه منه بسبب معصيته.

• فضل كلمة الإخلاص وآثارها

قال" يا قوم! قلوبكم على أصل الطهارة، وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب، فرشوا عليها قليلاً من دموع العيون تطهر "." اعزموا على فطام النفوس عن رضاع الهوى " هذا من بليغ كلام ابن رجب رحمه الله افطم نفسك عنه الهوى، " فالحمية رأس الدواء "." متى طالبتكم -أي: نفوسكم- بمألوفاتها -أي: بهواها، قالت لك: انظر إلى الحرام، امش إلى الحرام، اسمع الغناء الحرام، كل الربا الحرام- فقولوا مقالة تلك المرأة لذاك الرجل الذي دمي وجهه: قد أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام، والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة.ذكروها إذا اشتهت المعصية بقول الله: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] لعلها إلى الاستقامة ترجع.عرفوها اطلاع من هو أقرب إليها من حبل الوريد، لعلها تستحي من قربه ونظره: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [لعلق:14].. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].راود رجل امرأة في فلاة ليلاً، فأبت، فقال لها: من يرانا إلا الكواكب؟ قالت: فأين مكوكبها؟ أكره رجل امرأة على نفسها وأمرها بغلق الأبواب، فقال لها: هل بقي بابٌ لم يغلق؟ قالت: نعم، الباب الذي بيننا وبين الله تعالى، فتركها ولم يتعرض لها.رأى بعض العارفين رجلاً يُكلم امرأة في ريبة، فقال: إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما ". المراقبة: علم القلب بقرب الرب؛ وصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يستحي من الله كما يستحي من رجل صالح من عشيرته لا يفارقه. وقال بعضهم: استح من الله على قدر قربه منك، وخف من الله على قدر قدرته عليك.وبعد أن انتهى ابن رجب رحمه الله من هذه المواعظ والتذكير بمعنى لا إله إلا الله المعنى الحقيقي الذي يغيب عن أذهان الكثيرين، عقد فصلاً في فضل لا إله إلا الله وفضائلها، وقال: إن لها فضائل عظيمة لا يمكن استقصاؤها، فلنذكر بعض ما ورد فيها:لأجلها خلق الخلق: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].ولأجلها جردت السيوف للجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، ما أنعم الله على العباد نعمةً أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، أعظم نعمة أنه عرفنا لا إله إلا الله. ولا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، من قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة ومفتاح دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى كفاحاً، من قالها صادقاً أدخله الله الجنة، وهي ثمن الجنة، ومن كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة. وهي النجاة من النار، سمع النبي صلى الله عليه وسلم مؤذناً يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: (خرج من النار) رواه مسلم . وهي التي توجب المغفرة، وهي أحسن الحسنات، قلت: (يا رسول الله! - أبو ذر - كلمني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشر أمثالها. قلت: يا رسول الله! لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: هي أحسن الحسنات) رواه الإمام أحمد وسنده حسن. وهي التي تمحو الذنوب وتحرقها رئي بعض السلف بعد موته في المنام فسئل عن حاله فقال: ما أبقت لا إله إلا الله شيئاً، أي: الحمد لله بإخلاصي فيها قد محيت ذنوبي. وهي تجدد ما اندرس من الإيمان، كما في المسند عند عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن نوحاً قال لابنه عند موته آمرك بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن في حلقة مبهمة، خصمتهن لا إله إلا الله). وفي رواية: (قصمتهن) فهي تنفذ إلى كل شيء، قويةٌ غاية القوة، وبلا إله إلا الله ترجح كفة الحسنات، وترجح صحائف الذنوب كما في حديث السجلات والبطاقة وهو حديث صحيح، وهي التي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما قال: عبدٌ لا إله إلا الله مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر) رواه الترمذي وحسنه وهو حديث حسن. وقال أبو أمامة : ما من عبدٍ يهلل تهليلة، فينهنهها شيءٌ دون العرش.التهليل لا يحبسه شيء عن الله، يصعد إلى الله مباشرة، وهي التي ينظر الله إلى قائلها: (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مخلصاً بها روحه، مصدقاً بها لسانه؛ إلا فتق له السماء فتقاً -الله سبحانه وتعالى- حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض، وحق لعبد نظر إليه أن يعطيه سؤله) رواه النسائي رحمه الله.وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها كما جاء في الحديث الصحيح: (إذا قال العبد لا إله إلا الله، والله أكبر، صدقه ربه). وهي الكلمة التي من يقولها في مرضه، فيموت لا تطعمه النار، وهي أفضل كلمة قالها النبيون كما ورد في دعاء يوم عرفة، وهي أفضل الذكر على الإطلاق كما في حديث جابر المرفوع: (أفضل الذكر لا إله إلا الله) وهو حديث حسن. وهي أفضل الأعمال، وأكثرها تضعيفاً، وتعدل عتق الرقاب، وهي حرزٌ من الشيطان كما جاء في حديث الصحيحين : (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يومه مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك) (ومن قالها عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل) أي: من أنفس الرقاب.وفي حديث السوق: (من قالها -وأضاف فيها-: يحيي ويميت وهو حيٌ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع الله له ألف ألف درجة) حسنه بعض أهل العلم، وهي أمانة من وحشة القبر وهول المحشر، وشعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم، وهي التي تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية كما جاء في حديث عبادة في الصحيحين : (من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء). وهذا الحديث الصحيح يبين عظمها وفضلها، وأن أهل النار أيضاً الموحدين لو دخلوا النار بتقصيرهم، فلا بد أن يخرجوا منها لأجل هذه الكلمة، كما جاء في حديث الصحيحين، يقول الله عز وجل: (وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله). ولذلك إذا اجتمع الموحدون العصاة في جهنم مع المشركين، وقال المشركون: أنتم كنتم تقولون: لا إله إلا الله في الدنيا، ماذا أغنت عنكم؟ فيغضب الله لهم، فيخرجهم من النار ويدخلهم الجنة. فإذاً ينجيهم الله بكلمة التوحيد ولو عذبهم فيها ما داموا من الموحدين ليسوا من المشركين.
كان بعض السلف يقول في دعائه: اللهم إنك قلت عن أهل النار: إنهم أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ [المائدة:53] -أي: في الدنيا- لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [النحل:38] ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت، اللهم لا تجمع بين أهل القسمين في دارٍ واحدةٍ.
قال رحمه الله في آخر رسالته: " إخواني! اجتهدوا اليوم في تحقيق التوحيد ... فإنه لا ينجي من عذاب الله إلا إياه " ما نطق الناطقون إذا نطقوا أحسن من لا إله إلا هو

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, التطبيق

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:49 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir