دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 27 جمادى الآخرة 1442هـ/9-02-2021م, 08:17 PM
الصورة الرمزية وسام عاشور
وسام عاشور وسام عاشور غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 347
افتراضي

إعراب (إن هذان لساحران) طه 63

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} قالوا: إن هذان لساحران يعنون بقولهم: إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما} يعنون موسى وهارون صلّى اللّه عليهما.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إن هذان لساحران} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: ( إنّ هذان ) بتشديد إنّ وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك اتباعا لخط المصحف.
واختلف أهل العربية في وجه ذلك إذا قرئ كذلك فكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: " إن " خفيفةٌ في معنى ثقيلةٍ، وهي لغة لقومٍ يرفعون بها، ويدخلون اللاّم ليفرّقوا بينها وبين الّتي تكون في معنى ما.
وقال بعض نحويّي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. وقال: أنشدني رجلٌ من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعبٍ:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى = مساغًا لناباه الشّجاع لصّمما
قال: وحكي عنه أيضًا: هذا خطّ يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلاً أقيس، لأنّ العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعةً للضّمّة، لأنّها لا تعرب، ثمّ قالوا رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعةً لكسرة الميم، قالوا: فلمّا رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حالٍ. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان، إلاّ بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس.
قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامةً، وليست بلام " فعلى " فلمّا بنيت زدت عليها نونًا، ثمّ تركت الألف ثابتةً على حالها لا تزول فى كلّ حالٍ، كما قالت العرب الّذي، ثمّ زادوا نونًا تدلّ على الجمع، فقالوا: الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه. قال: وكنانه يقولوا: الذّون.
وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
- وحدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، قال: قال أبو عمرٍو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران في اللّفظ، وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون فى الكتاب، واللّفظ صوابٌ
قال: وزعم أبو الخطّاب أنّه سمع قومًا من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنّصب قال: وقال بشر بن هلالٍ: إن بمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنّها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الّذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما تنصب الاسم، فكان مجاز " إن هذان لساحران " مجاز كلامين، مخرجه: إنّه: إي نعم، ثمّ قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنّهم يرفعون المشترك كقول ضابئٍ:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقوله :إنّ السّيوف غدوّها ورواحها = تركت هوازن مثل قرن الأعضب
قال: ويقول بعضهم: إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: وقرأها قومٌ على تخفيف نون إنّ وإسكانها. قال: ويجوز، لأنّهم قد أدخلوا اللاّم في الابتداء وهي فصلٌ، قال:
أمّ الحليس لعجوزٌ شهربه
قال: وزعم قومٌ أنّه لا يجوز، لأنّه إذا خفّف نون " إنّ " فلا بدّ له من أن يدخل " إلاّ " فيقول: إن هذا إلاّ ساحران.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: " إنّ " بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّه كذلك هو في خطّ المصحف. ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن
قال أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت: 427هـ):
الُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران «1» بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إِنْ بكسر الالف وجزم النون هذانِ بالألف على معنى ما هذان إلّا ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ «2» «3» قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن «4»
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران «5» ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء «6» : إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ «7» وَالْمُقِيمِينَ «8» وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ «9» وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «10» فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما « 11»
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها «3»
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه «4»
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون.(الكشف والبيان ص248)
قال أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي (ت: 437هـ):
ثم قال تعالى ذكره: {قالوا إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ}
وفي حرف ابن مسعود " إن هذان/ إلا ساحران ": أي: ما هذان يخفف " إن " يجعلها بمعنى ما
ومن شدد " إن " ورفع " هذان "، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن " إن " تأتي بمعنى أجل. واختبار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان إبان بن العاصي
وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ " نعم "، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ... نال العُلي وشقى الخليل الغادر
وقال بان قيس الرقيات:
بكرت على عواذ لي ... يلحينني وألومهنه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت أنه
وأنشد ثعلب:
ليس شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء.
أي: نعم.
فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.
وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بيعد، إنما يجوز التقديم في اللام
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو " إن هذين " لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل " إن " بمعنى " أجل ". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان العاصي
وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ " نعم "، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ... نال العُلي وشقى الخليل الغادر
وقال بان قيس الرقيات:
بكرت على عواذ لي ... يلحينني وألومهنه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت أنه
وأنشد ثعلب:ليس شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء.
أي: نعم.
فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.
وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بيعد، إنما يجوز التقديم في اللام
وهي مؤخرة في الشعر.
لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.
وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.
وقيل: هي في موضعها، و " لعجوز " مبتدأ، وشهرية الخبر، والجملة خبر عن اللام.
والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.
- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً باه الشجاع لصماً
وأنشدوا أيضاً:
- تزود منا بين أذناه طعنة على ... رأسه تلقى العظام من الفم.
وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.
وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.
ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمه لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء " استحوذ " على الأصل.
والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في " هذان " دعامة، ليست بلام
الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت " الذي " ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت " الذين " في الرفع والنصب والجر.
والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.
والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب.
روي أن عثمان وعائشة/ رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.
وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.
فأما من خفف " إن " فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، وإلا أنه أتى بـ " هذان "، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.
فأما من شدد نون " هذان "، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.
وعن الكسائي والفراء في: " إن هذان " قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك(الهداية إلى بلوغ النهاية ص 4657)
قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت: 450هـ):
. قوله تعالى: {قَالُواْ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإِعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الأكثرون: إن هذان الساحران , فوافقوا المصحف فيها , ثم اختلفوا في تشديد إنّ فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإِعراب , ويكون معناها: ما هذان إلا ساحران. وقرأ أُبَيّ: إن ذان إلا ساحران , وقرأ باقي القراء بالتشديد: إنَّ هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإِعراب. واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل: أحدها: أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإِثنين ونصبه وخفضه بالألف , وينشدون:(فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغاً لِناباهُ الشجاع لصمّما)
والوجه الثاني: لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها , ولكن في (إن) هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران , وهو قول متقدمي النحويين. الثالث: أنه بَنَى (هذان) على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع. الرابع: أن (إن) المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم , كما قال رجل لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك , فقال ابن الزبير: إنّ وصاحبها. وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
(بكى العواذل في الصبا ... ح يلمنني وألومُهُنّة)
(ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنْه)(النكت والعيون ص 408)
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {إن هذان لساحران} الآية. قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "إن" مشددة النون "هذان" بألف ونون مخففة للتثنية، وقرأ أبو عمرو وحده: "إن هذين لساحران"، وقرأ ابن كثير: "إن هذان لساحران" بتخفيف نون "إن" وتشديد نون "هذان لسحران"، وقرأ حفص عن عاصم: "إن" خفيفة "هذان" خفيفة أيضا "لساحران". وقرأت فرقة: "إن هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن ذان لساحران"، وقرأت فرقة: "ما هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن هذان" بتشديد النون من "هذان".
فأما القراءة الأولى، فقالت فرقة: "إن" بمعنى: نعم، كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: إن الحمد لله برفع "الحمد"، وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: "إن وراكبها" حين قال له الرجل: لعن الله ناقة حملتني إليك، ويدخل في هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الابتداء، وهو مما يجوز في الشعر، ومنه قول الشاعر:
أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه
[المحرر الوجيز: 6/106]
وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب، وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض، فمن ذلك قول الشاعر:
زود منها بين أذناه طعنة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
وقول الآخر:
أطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمها
[المحرر الوجيز: 6/107]
وتعزى هذه اللغة لكنانة، وتعزى لخثعم، وقال الفراء: الألف في "هذان" دعامة وليست بمجلوبة للتثنية، وإنما هي ألف "هذا" تركت في حال التثنية، كما نقول: "الذي" ثم في الجمع نزيد نونا وتترك الياء في حال النصب والرفع والخفض، وقال الزجاج: في الكلام ضمير تقديره: إنه هذان لساحران.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر، وقال بعض النحاة: ألف "هذان" مشبهة هنا بألف تفعلان، وقال ابن كيسان: لما كان "هذا" بحال واحدة في رفعه ونصبه وخفضه تركت تثنيته هنا كذلك. وقالت جماعة - منهم عائشة رضي الله عنها - وأبو عمرو -: هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وهو تخفيف النون من "إن".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الأقوال معترضة، إلا ما قيل من أنها لغة، و"إن" بمعنى: أجل ونعم، أو "إن" في الكلام ضمير.
وأما من قرأ: "إن" خفيفة، فهي عن سيبويه المخففة من الثقيلة ويرتفع بعدها الاسم، ويقول الفراء: هي بمعنى "ما" واللام بمعنى "إلا" ووجه سائر القراءات بين [المحرر الوجيز: 6/108
قال جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت: 597هـ):
واختلف القراء في قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فقرأ أبو عمرو بن العلاء: «إِنَّ هذين» على إِعمال «إِنَّ» وقال: إِني لأستحيي من الله أن أقرأ «إِنْ هذان» . وقرأ ابن كثير: «إِنْ» خفيفه «هذانّ» بتشديد النون. وقرأ عاصم في رواية حفص: «إِنْ» خفيفة «هذان» خفيفة أيضاً. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «إِنّ» بالتشديد «هاذان» بألف ونون خفيفة. فأما قراءة أبي عمرو، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن عثمان وعائشة، أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى:
وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ «3» في سورة النساء. وأما قراءة عاصم، فمعناها: ما هذان إِلا ساحران، كقوله تعالى: وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ «4» أي: ما نظنك إِلا من الكاذبين، وأنشدوا في ذلك:
ثكلتْك أمُّك إِن قتلتَ لَمُسْلِماً ... حَلّت عَليه عُقوبة المُتَعمِّدِ
أي: ما قتلت إِلا مسلماً. قال الزجاج: ويشهد لهذه القراءة، ما روي عن أبيّ بن كعبٍ أنه قرأ «ما هذان إِلا ساحران» ، وروي عنه، «إن هذان لساحران» بالتخفيف، ورويت عن الخليل «إِنْ هذان» بالتخفيف والإِجماع على أنه لم يكن أحدٌ أعلمَ بالنحو من الخليل. فأما قراءة الأكثرين بتشديد «إِنَّ»
وإِثبات الألف في قوله: «هاذان» فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: هي لغة بلحارث بن كعب وقال ابن الأنباري: هي لغة لنبي الحارث بن كعب، وافقتها لغة قريش. قال الزجاج: وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأس من رؤوس الرواة: أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون: أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وأنشدواك
فأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ ... مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا»
ويقول هؤلاء: ضربته بين أُذناه وقال النحويون القدماء: ها هنا هاء مضمرة، المعنى: إِنه هذان لساحران. وقالوا أيضاً: إِن معنى «إِنَّ» : نعم «هذان لساحران» ، وينشدون:
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كَبِرتَ فقلتُ إِنَّهْ «2»
قال الزجاج: والذي عندي، وكنتُ عرضتُه على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد، فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا، وهو أن «إِنَّ» قد وقعت موقع «نعم» ، والمعنى: نعم هذان لهما الساحران، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة. وأستحسن هذه القراءة، لأنها مذهب أكثر القراء، وبها يُقرأ. وأستحسن قراءة عاصم، والخليل، لأنهما إِمامان، ولأنهما وافقا أُبَيَّ بن كعب في المعنى. ولا أجيز قراءة أبي عمرو لخلاف المصحف. وحكى ابن الأنباري عن الفراء قال: «ألف» «هذان» هي ألف «هذا» والنون فرَّقتْ بين الواحد والتثنية، كما فرقت نون «الذين» بين الواحد والجمع(زاد المسير في علم التفسير ص162)
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (ت: 671هـ):
قوله تعالى: (إن هذان لساحران) 20: 63 قرأ أبو عمرو" إن هذين لساحران". ورويت عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة، وكذلك قرأ الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين، ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري، فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة موافقة للإعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم: في رواية حفص عنه" إن هذان 20: 63" بتخفيف" إن"" لساحران" وابن كثير يشدد نون" هذان". وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران. وقرأ المدنيون والكوفيون:" إن هذان" بتشديد" إن"" لساحران 20: 63" فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب. قال النحاس: فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ" إن هذان إلا ساحران" وقال الكسائي في قراءة عبد الله:" إن هذان ساحران" بغير لام، وقال الفراء في حرف أبي" إن ذان إلا ساحران" فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير لا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قلت: وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال ذكرها ابن الأنباري في آخر كتاب الرد له، والنحاس في إعرابه، والمهدوي في تفسيره، وغيرهم أدخل كلام بعضهم في بعض. وقد خطأها قوم حتى قال أبو عمرو: إني لأستحي من الله [تعالى «1»] أن أقرأ" إن هذان 20: 63". وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى" لكن الراسخون في العلم" «2» ثم قال:" والمقيمين" «3» وفي" المائدة"" إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون" «4» [المائدة: 69] و" إن هذان لساحران 20: 63" فقالت: يا ابن أختي! هذا خطأ من الكاتب. وقال عثمان ابن عفان رضي الله عنه: في المصحف لحن وستقيمه العرب بألسنتهم. وقال أبان بن عثمان: قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان، فقال: لحن وخطأ، فقال له قائل: ألا تغيروه؟ فقال: دعوه فإنه لا يحرم حلالا ولا يحلل حرما. القول الأول من الأقوال الستة: أنها لغة بنى الحرث بن كعب وزبيد وخثعم. وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف،
يقولون: جاء الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، ومنه قوله تعالى:" ولا أدراكم به 10: 16" [يونس: 16] على ما تقدم «1». وأنشد الفراء لرجل من بني أسد «2» - قال: وما رأيت أفصح منه:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما «3»
ويقولون: كسرت يداه وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم: «4»
تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال آخر: «5»
طاروا علاهن فطر علاها أي عليهن وعليها. وقال آخر: «6»
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
أي إن أبا أبيها وغايتها. قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية، إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول: إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيني، وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء اللغة، والكسائي والفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بن كعب. وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة. المهدوي: وحكى غيره أنها لغة لخثعم. قال النحاس ومن أبين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مد ولين وهو حرف الإعراب، قال أبو جعفر فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل ألا يتغير، فيكون" إن هذان" جاء
على أصله ليعلم ذلك، وقد قال تعالى" استحوذ عليهم الشيطان" «1» [المجادلة: 19] ولم يقل استحاذ، فجاء هذا ليدل على الأصل، وكذلك" إن هذان" ولا يفكر في إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كان الأئمة قد رووها. القول الثاني: أن يكون" إن" بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال: العرب تأتي ب"- إن" بمعنى نعم، وحكى سيبويه أن" إن" تأتي بمعنى أجل، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق القاضي يذهبان، قال النحاس: ورأيت أبا إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه. الزمخشري: وقد أعجب به أبو إسحاق. النحاس: وحدثنا علي بن سليمان، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري، ثم لقيت عبد الله بن أحمد [هذا «2»] فحدثني، قال حدثني عمير بن المتوكل، قال حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بن عبد المطلب، قال حدثنا عمر بن جميع الكوفي عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن علي- وهو ابن الحسين- عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره:" إن الحمد لله نحمده ونستعينه" ثم يقول:" أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سعيد بن العاص" قال أبو محمد الخفاف قال عمير: إعرابه عند أهل العربية والنحو" إن الحمد لله" بالنصب إلا أن العرب تجعل" إن" في معنى نعم كأنه أراد صلى الله عليه وسلم نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في «3»] خطبها بنعم. وقال الشاعر في معنى نعم:
قالوا غدرت فقلت إن وربما ... نال العلا وشفى الغليل الغادر
وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصبا ... ح يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل:" إن هذان لساحران" بمعنى نعم ولا تنصب. قال النحاس: أنشدني داود بن الهيثم، قال أنشدني ثعلب:
ليت شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء
قال النحاس: وهذا قول حسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم، كما قال:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
آخر: أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من الشاة بعظم الرقبه
أي لخالي ولأم الحليس، وقال الزجاج: والمعنى في الآية إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ. المهدوي: وأنكره أبو علي وأبو الفتح بن جني. قال أبو الفتح:" هما" المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عرف، وإذا كان معروفا فقد استغني بمعرفته عن تأكيده باللام، ويقبح أن تحذف المؤكد وتترك المؤكد. القول الثالث: قاله الفراء أيضا [قال «1»]: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها كما قلت:" الذي" ثم زدت عليه نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك، ومررت بالذين عندك. القول الرابع: قاله بعض الكوفيين قال الألف في" هذان" مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير. القول الخامس: قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون الهاء ها هنا مضمرة، والمعنى إنه هذان لساحران، قال ابن الأنباري: فأضمرت الهاء التي هي منصوب" إن" و" هذان 20: 63" خبر" إن" و" ساحران" يرفعها" هما" المضمر [والتقدير «2»] إنه هذان لهما ساحران. والأشبه «3» عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم" إن" و" هذان" رفع بالابتداء وما بعده خبر الابتداء. القول السادس: قال أبو جعفر النحاس وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية، فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي، فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال:" هذا" في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به حتى يؤنس به، قال ابن كيسان: فقلت له: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم(الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي ص215)

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :
({قالوا إن هذان لساحران} هذه لغةٌ لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ: "إن هذين لساحران" وهذه اللّغة المشهورة، وقد توسّع النّحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه.
والغرض أنّ السّحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أنّ هذا الرّجل وأخاه -يعنون: موسى وهارون- ساحران عالمان خبيران بصناعة السّحر، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على النّاس، وتتبعهما العامّة ويقاتلا فرعون وجنوده، فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم.
وقوله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} أي: ويستبدّا بهذه الطّريقة، وهي السّحر، فإنّهم كانوا معظّمين بسببها، لهم أموالٌ وأرزاقٌ عليها، يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض، وتفرّدا بذلك، وتمحّضت لهما الرّياسة بها دونكم.
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد الله: (إن هذان إلا ساحران) ). [الدر المنثور: 10/218]



التفسير اللغوي

قال أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي (ت: 170هـ):
وأمّا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَمَنْ خفّف فهو بلغة الذين يخفِّفون ويرفعون، فذلك وَجْهٌ، ومنهم مَنْ يجعل اللاّم في موضع (إلاّ) ، ويجعل (إنْ) جَحْداً، على تفسير: ما هذان إلاّ ساحرانِ، وقال الشّاعر:
أَمْسَى أبانُ ذليلاً بَعْدَ عزّته ... وإن أبانُ لَمِنْ أَعْلاجِ سوراء «69»
ويقال: [تكون] (إنّ) في مَوْضع (أَجَلْ) فيكسِرونَ ويثقلون، فإِذا وقفوا في هذا المعنى قالوا: إنّهْ.. تكون الهاء صلةً في الوقوف، وتَسْقط [الهاء] إذا صرفوا «70» ...
وبلغنا عن عبدِ اللَّه بنِ الزُّبَيْر أن أعرابيّاً أتاه فسأله فحرمه، فقال: لعن اللَّه ناقةً حملتني إليك، فقال ابنُ الزُّبير: إنّ وراكِبَها
، أي: أَجَلْ. فأمّا تميم فإِنّهم يَجْعلونَ ألِفَ كلّ أنّ وأَنْ، منصوبة، من المُثَقَّل والمُخَفَّف: عيناً، كقولك: أريد عَنْ أكلمك، و [بلغني عنّك مقيم] . وأنّ الرّجل يَئنُّ: من الأنين، قال: «71»
تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما ... أن المريض إلى عُوّاده، الوَصِبُ
ورَجُلٌ أُنَنةٌ: [كثير الكَلامِ والبثِ والشَّكْوَى] «72» ، وهو البليغُ القَوّالةُ، والجميع، الأُنَن، ولا يشتق منه فِعْلٌ. ومن الأنين يُقالُ: أَنَّ يَئِنُّ أنيناً، وأنّاً وأنّةً، وإذا أمرت قلت: اينَنْ لأن الهمزتين إذا التقتا فسكنتِ الأخيرة اجتمعوا على تليينها. ويقال للمرأة: إنّي، كما يُقالُ للرَّجُلِ: اقْرِرْ، وللمرأة قرّي. وإنّما يُقاس حرف التّضعيف على الحَرَكةِ والسُّكون بالأمثلة من الفِعْل فحيثما سكنت لام الفعل فأَظْهِرْ حرفي التَّضْعيف على ميزان ما
(العين ص 337)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن هذان لساحران...}
قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب. ... حدثني أبو معاوية الضرير،
عن هاشم بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن قوله في النساء {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة} وعن قوله في المائدة {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} وعن قوله: {إنّ هذان لساحران} فقالت: يا بن أخي هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران} واحتجّ أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب.
... ولست أشتهي على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم {إن هذان لساحران}
خفيفة وفي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وفي قراءة أبيّ (إن ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهما على لغة بني الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وأنشدني رجل من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرىمسـاغـاً لـنـابـاه الـشـجـاع لصـمّـمـا
قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسديّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطّ يدا أخي بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيس؛ لأنّ العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألف تتبعه،
فقالوا: رجلان في كل حال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بني كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلى الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مضوا على القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذي) ثم زادوا نوناً تدلّ على الجماع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) ). [معاني القرآن: 2/184،183]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ هذان لساحران} قال أبو عمرو وعيسى ويونس " إنّ هذين لساحران " في اللفظ وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب، وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال " إنّ " بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجازه " إنّ [مجاز القرآن: 2/21]
{هذان لساحران} مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحلهفــــإنــــيّ وقــــيّـــــارٌ بــــهـــــا لـــغـــريـــب
وقوله: إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسودمـــــــــا لـــــــــم يــــعـــــاص كـــــــــان جـــنـــونـــا
وقوله: إنّ الـســيــوف غــدوّهـــا ورواحـــهـــاتركت هوزان مثل قرن الأعضب
ويقول بعضهم " إنّ الله وملائكته يصلون على النّبي " فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها " إن "، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له.
وقرأها قومٌ على تخفيف نون " إن " وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فضل، قال:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه وزعم قومٌ أنه لا يجوز لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول: إن هذان إلا ساحران). [مجاز القرآن: 2/23،22]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم مّن أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى}
وقال: {إن هذان لساحران} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب ما ادّعي على القرآن من اللحن، وأما ما تعلَّقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غَلَطِ الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لَحْناً- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلُّوا لكلِّ حرف منها، واستشهدوا الشعرَ: فقالوا: في قوله سبحانه: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:
تــزوّد مـنَّـا بـيــن أذنـــاه ضـربــةدعته إلى هابي التراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا: أيَّ قـلــوصِ راكـــبِ تــراهــاطارُوا علاهنَّ فَطِرْ عَلاها
على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنَّ هذين لساحران»، وقرأ {المقيمون الصلاة}،
وقرأ {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ}.
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: {والصابرون فى البأساء والضراء} ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجَّاجُ وكَّلَ عاصماً وناجِيَةَ بنَ رُمْحٍ وعليَّ بنَ أصمعَ بتَتَبُّعِ المصاحفِ، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفاً لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهماً.
خبّرني بذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ قال: وفي ذلك يقول الشاعر:
وإلا رســـومُ الـــدّار قـفــراً كـأنّـهــاكتابٌ مَحَاهُ البَاهليُّ بنُ أَصْمَعَا
وقرأ بعضهم: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} اعتباراً بقراءة أُبيّ لأنها في مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل (أن هذان) تبيينا للنجوى). [تأويل مشكل القرآن: 50-52]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى}
{إن هذان لساحران}.
يعنون موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللّه عزّ وجلّ مشكل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القراء أما قراءة أهل المدينة والأكمه في القراءة فبتشديد (إنّ) والرفع في (هذان) وكذلك قرأ أهل العراق حمزة وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيون.
وروي عن عاصم: إن هذان بتخفيف (إن)، ويصدّق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروى عن أبيّ فإنه قرأ: ما هذان إلّا ساحران، وروي أيضا عنه أنه قرأ: إن هذان إلا ساحران، ورويت عن الخليل أيضا: إن هذان لساحران - بالتخفيف -.
والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر: إنّ هذين لساحران، بتشديد " إنّ " ونصب هذين.
فهذه الرواية فيه.
فأما احتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنه روي أنه من غلط الكاتب، وأن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها، يروى ذلك عن عثمان بن عفان وعن عائشة - رحمهما اللّه -.
وأما الاحتجاج في أنّ هذان بتشديد أن ورفع هذان فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون أتاني الزيدان.
ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وهؤلاء ينشدون:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو رأىمسـاغـا لـنـابـاه الـشّـجـاع لصـمّـمـا
وهؤلاء أيضا يقولون: ضربته بين أذناه، ومن يشتري مني الخفّان وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعب.
قال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنه هذان لساحران،
وقالوا أيضا أن معنى (إن) معنى (نعم)، المعنى نعم هذان لساحران.
وينشدون: ويـقـلــن شــيــب قــــد عــــلّاك وقد كبرت فقلت إنّه
ويحتجون بأن هذه اللام - أصلها - أن تقع في الابتداء، وأن وقوعها في الخبر جائز، وينشدون في ذلك:
خالي لأنت ومن جرير خالهينـل العـلاء ويكـرم الأخــوالا
وأنشدوا أيضا: أمّ الـحـلـيــس لــعــجــوز شــهــربــهترضى من الشاة بعظم الرّقبه
قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
وقال الفراء في هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الّذين في الرفع والنصب والجر.
فهذا جميع ما احتج به النحويون.
والذي عندي - واللّه أعلم - وكنت عرضته على عالمينا - محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو " أنّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت موقعها، وأن المعنى هذان لهما ساحران.
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة، لأن حق الألف أن تدل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفض أبين وأفضل للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.
فأمّا قراءة عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة.
وما عليه أكثر القراء، ولكني أستحسن {إن هذان لساحران} بتخفيف (إن) وفيه إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أبيّ في المعنى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضا (إنّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية.
قال أبو جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي (ت: 338هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فيه ست قراءات «5» قرأ المدنيون والكوفيون إنّ هذان
لساحران وقرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إن.
فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلّا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء «1» : في حرف أبيّ إن ذان إلّا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إنّ بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:
تأتي بإنّ بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أنّ «إنّ» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدّثنا علي بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السّلام النيسابوري، ثمّ لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدّثني قال: حدّثنا عمير بن المتوكل قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص» «2» قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إنّ الحمد لله بالنصب إلّا أن العرب تجعل «إنّ» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم: [الكامل] 292-
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر «3»
وقال ابن قيس الرقيات «4» : [مجزوء الكامل] 293-
بكر العواذل في الصّبوح ... يلمنني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنّه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عزّ وجلّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بمعنى نعم.
قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب: [الخفيف] 294-
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء «1»
أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزّيدان، ومررت بالزّيدان وأنشد: [الطويل] 295-
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما «2»
وحكى أبو الخطاب أنّ هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبّهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنّه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغيّر لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدّمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسّم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلّا أنّ فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلّموا في ذلك فقالوا: اللّام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إنّ هذان لهما ساحران، ثمّ حذف المبتدأ كما قال: [الرجز] 296-
أمّ الحليس لعجوز شهربه «3»
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللّغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنّثت الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة
(إعراب القرآن ص 30)
قال محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (ت: 370هـ):
وَأما قَول الله تَعَالَى: (إِن هَذَانِ لساحران) (طه: 63) فَإِن أَبَا إِسْحَاق النَّحوي اسْتَقصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحويون، فحكيتُ كلامَه.
قَالَ: وَقَرَأَ المدنيون والكوفّيون، إلاّ عَاصِمًا: (إنّ هَذَانِ لساحران) .
ورَوى عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (إنْ هَذَانِ) بتَخْفِيف (إنْ) .
ورُوي عَن الْخَلِيل (إنْ هَذَا لساحران) .
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (إنّ هذَيْن لساحران) ، بتَشديد (أنّ) وَنصب (هذَيْن) قَالَ أبوإسحاق: والحجّة فِي (إنّ هَذَانِ لساحران) بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع، أَن أَبَا عُبيدة روى عَن أبي الخطّاب أَنه لُغة لِكنانة، يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد، يَقُولُونَ: رَأَيْت الزيدان.
وروى أَهل الْكُوفَة وَالْكسَائِيّ والفَراء أَنَّهَا لُغة لبني الْحَارِث بن كَعْب.
قَالَ: وَقَالَ النحويّون القُدماء: هَاهُنَا هَاء مُضمرة، الْمَعْنى: إنّه هَذَانِ لساحران.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: (إِن) فِي معنى (نعم) ، الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لساحران؛ وَأنْشد:
ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا كَ وَقد كَبِرْت فَقلت إنَهْ
وَقَالَ الْفراء فِي هَذَا: إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة، وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، كَمَا فعلوا فِي (الَّذين) فَقَالُوا: الَّذين، فِي الرَّفع والنَّصب والجر.
فَهَذَا جَمِيع مَا قَالَ النحويّون فِي الْآيَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأجودها عِنْدِي أَن، (أَن) وَقعت موقع (نعم) ، وَأَن اللَّام
وَقعت موقعها، وَأَن الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لَهما ساحران
وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الْجَوْدَة مَذْهب بني كنَانَة وبَلْحارث بن كَعْب.
فأمّا قِرَاءَة أبي عَمْرو فَلَا أُجيزها، لِأَنَّهَا خلاف المُصْحف.
قَالَ: وأَستحسن قِرَاءَة عَاصِم والخليل: (إنْ هَذَانِ لساحران) .
وَقَالَ غَيره: العربُ تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مَا بَعْدَه على (إنّه) ، وَالْمرَاد: إِنَّه لكذلك، وإنّه على مَا تَقول.
فَأَما (إِن) الْخَفِيفَة، فَإِن المنذريّ رَوى عَن ابْن اليَزيدي، عَن أبي زيد، أَنه قَالَ: (إِن) تقع فِي مَوضِع من الْقُرْآن مَوْضِعَ (مَا) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (النِّسَاء: 159) ، مَعْنَاهُ: مَا من أهل الْكتاب.
وَمثله: {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 17) أَي: مَا كنّا فاعلين.
قَالَ: وتجيء (إِن) فِي مَوضِع (لقد) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} (الْإِسْرَاء: 108) ، الْمَعْنى، لقد كَانَ من غير شكّ من الْقَوْم.
وَمثله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} (الْإِسْرَاء: 73) ، {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} (الْإِسْرَاء: 76) .
وتجيء (إِن) بِمَعْنى (إِذْ) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} (الْبَقَرَة: 278) الْمَعْنى: إِذْ كُنْتُم مُؤمنين.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (النِّسَاء: 59) مَعْنَاهُ: إِذْ كُنْتُم.
قَالَ: و (أَن) بِفَتْح الْألف وتَخفيف النُّون، قد تكون فِي مَوضِع (إِذْ) أَيْضا.
و (إِن) بَخْفض الْألف تكون مَوضِع (إِذا) ، من ذَلِك قولُه تَعَالَى: {لاَ تَتَّخِذُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ} (التَّوْبَة: 23) .
من خَفضها جعلهَا فِي مَوضِع (إِذا) .
ومَن فتحهَا جعلهَا فِي مَوضِع (إِذْ) .
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِن} (الْأَعْلَى: 9) .
قَالَ: (إِن) فِي معنى (قد) .
وَقَالَ أَبُو العبّاس، العربُ تَقول: إِن قَامَ زيد، بِمَعْنى قد قَامَ زيد.
وَقَالَ الْكسَائي: سمعتُهم يَقُولُونَهُ فظننته شرطا، فسألتهم فَقَالُوا: نُرِيد: قد قَامَ زيد، وَلَا نُرِيد: مَا قَامَ زيد.
وَقَالَ الْفراء: (إِن) الْخَفِيفَة أُمّ الْجَزاء، وَالْعرب تُجازي بحروف الِاسْتِفْهَام كُلّها وتجزم الْفِعْلَيْنِ: الشَّرْط وَالْجَزَاء، إِلَّا (الْألف) و (هَل) ، فَإِنَّهُمَا يَرفعان مَا يليهما.
وَسُئِلَ ثَعلب: إِذا قَالَ الرّجل لامْرَأَته: إِن دخلت الدَّار، إِن كلمت أَخَاك، فَأَنت طَالِق، مَتى تَطْلُق؟ فَقَالَ: إِذا فعلتهما جَمِيعًا. قيل لَهُ: لِم؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قد جَاءَ بشَرطين. قيل لَهُ: فَإِن قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق إِن احمرّ البُسْر. فَقَالَ: هَذِه مسألةُ محَال، لأنّ البُسر لَا بُدّ من أَن يَحمرّ. قيل لَهُ: فَإِن قَالَ: أَنْت طَالِق إِذا احْمَرّ البُسر. قَالَ: هَذَا شَرط صَحِيح، تطلُق إِذا احمرّ البُسر.
وَقَالَ الشَّافِعِي: فِيمَا أثْبت لنا عَنهُ: إنْ قَالَ الرَّجُل لامْرَأَته: أنتِ طَالِق إِن لم أُطلِّقك، لم يَحْنث حَتَّى يُعلم أنّه لَا يُطلِّقها بِمَوْتِهِ أَو بموتها.
وَهُوَ قَول الكوفيّين.
وَلَو قَالَ: إِذا لم أطلّقك، وَمَتى مَا لم أُطلّقك، فَأَنت طَالِق، فَسكت مُدّة يُمكنهُ فِيهَا الطَّلَاق، طُلّقت.
أَنا: للْعَرَب فِي (أَنا) لُغات، وأجودها: أنّك إِذا وَقَفْت عَلَيْهَا قُلت: أنَا، بِوَزْن (عَنَا) .
وَإِذا مَضَيت عَلَيْهَا قلت: أَنَ فَعَلْت ذَاك، بِوَزْن: عَنَ فَعَلْت ذَاك.
تُحرِّك النُّون فِي الوَصل وَهِي سَاكِنة من مثله فِي الْأَسْمَاء غير المتمكِّنة، مثل: (من) و (كم) إِذا تَحرّك مَا قبلهَا.
وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَنا فعلت ذَاك، فَيثبت الْألف فِي الْوَصْل وَلَا يُنوّن.
وَمِنْهُم من يسكّن النُّون، وَهِي قَليلَة، فَيَقُول: أنْ قُلت ذَاك.
وقُضاعة تَمُدّ الْألف الأُولى: آنَ قُلته؛ قَالَ عَدِيّ:
يَا لَيت شعري آنَ ذُو عَجّةٍ
مَتَى أرى شَرْباً حوالَي أَصِيصْ
وَقَالَ العُدَيل فِيمَن يُثبت الْألف:
أَنا عَدْل الطِّعان لمن بَغَانِي
أَنا العَدْل المُبيِّن فاعْرفونِي
و (أَنا) لَا تَثْنية لَهُ من لَفظه إِلَّا ب (نَحن) ، ويَصلح (نَحن) فِي التّثنية وَالْجمع.
فَإِن قيل: لمَ ثَنَّوا (أَنْت) فَقَالُوا: أَنْتُمَا، وَلم يثنوا (أَنا) .
قيل: لمَا لم تجز: أَنا وَأَنا، لرجُل آخر، لم يُثنّوا.
وَأما (أَنْت) فثنّوه (بأنتما) لِأَنَّك تُجيز أَن تقولَ لرجلٍ: أَنْت وَأَنت، لآخر مَعَه، فَلذَلِك ثُنِّي.
وَأما (إنّي) فتثنية (إِنَّا) ، وَكَانَ فِي الأَصْل: إنّنا، فكثرت النونات، فحذفت إِحْدَاهَا، وَقيل: إنّا.
وَقَوله عزّ وجلّ: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّآ} (سبأ: 24) . الْمَعْنى: إنّنا وَإِنَّكُمْ، فعطف (إيَّاكُمْ) على الِاسْم فِي قَوْله (إنّا) على النُّون وَالْألف، كَمَا تَقول: إِنِّي وإيّاك. مَعْنَاهُ: إنّي وإنّك، فافهمه؛ وَقَالَ:
إنّا اقْتَسمنا خُطّتَيْنا بعدكم
فحملتُ بَرّة واحْتملت فجارِ
(إِنَّا) تَثْنِيَة (إِنِّي) فِي الْبَيْت.
نِينَوَى: اسْم قَرْيَة مَعْروفة تُتاخم كَرْبلاء.
وين: الوَيْنة: العِنَبة السَّوداء. وَجمعه: الوَيْن؛ وأَنْشد:
كَأَنَّهُ الوَيْن إِذْ يُجْنى الوَيْن
يَصف شَعْر امرأَة.
يين: قَالَ أَبُو عَمْرو: يَيَن: اسْم مَوضع.
النُّون: اللَّيْث: النُّون حرف فِيهِ نونان بَينهمَا وَاو، وَهِي مدّة.
وَلَو قيل فِي الشّعْر: نن، كَانَ صَوَابا.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو (نون) جزما.
وَقَرَأَ أَبُو إِسْحَاق (نون) : جرًّا.
وَقَالَ الفَراء {ن والقلم} (الْقَلَم: 1) : لَك أَن تُدْغَم النُّون الْأَخِيرَة وتُظهرها، وإظهارها أعجب إليّ. لِأَنَّهَا هجاء، والهجاء كالموقوف عَلَيْهِ، وَإِن اتَّصل.
وَمن أخفاها بناها على الآتصال.
وَقد قَرَأَ القُرّاء بالوَجهْين جَمِيعًا.
وَكَانَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة يُبِينانها، وَبَعْضهمْ يتْرك الْبَيَان.
وَقَالَ النحويون: (النّون) تزاد فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال.
أما فِي الْأَسْمَاء فَإِنَّهَا تزاد أَولا فِي: تفعل، إِذا سُمِّي بِهِ.
وتُزاد ثَانِيَة فِي: جُنْدب، وجَنْدل.
وتُزاد ثَالِثَة فِي: حَبَنطى، وسَرَندى، وَمَا أشْبهه.
وتُزاد رَابِعَة فِي: خَلْبن، وضَيْفن، وعَلْجن، ورَعْشن.
وتُزاد خَامِسَة فِي: مثل: عُثْمَان، وسُلطان.
وتُزاد سادسة فِي: زعفران، وكَيْذُبان.
وتُزاد سابعة فِي مثل: عُبَيْثران.
وتُزاد عَلامَة للصَّرف فِي كل اسْم منصرف.
وتُزاد فِي الْأَفْعَال ثَقيلَة وخَفِيفة.
وتُزاد فِي التّثنية وَالْجمع، وَفِي الْأَمر فِي جمَاعَة النِّساء.
حَدثنَا عبد الله، عَن حَمْزَة، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر والثَّوري، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظَبيان، أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول مَا خَلق الله خَلق الْقَلَم فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ: إِي رَبّ، وَمَا أكتب؟ فَقَالَ: الْقدر. قَالَ: فَكتب فِي ذَلِك الْيَوْم مَا هُوَ كَائِن إِلَى قيام السَّاعَة. ثمَّ خلق النُّون، ثمَّ بسط الأَرْض عَلَيْهَا فاضطربَ النُّون فمادت الأَرْض، فخلق الله الجِبال فأثْبتها بهَا. ثمَّ قَرَأَ ابْن عبّاس: {ن والقلم وَمَا يسطرون} (الْقَلَم: 1)(تهذيب اللغة ص407)
قال أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني (ت: 437هـ):
قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} من رفع هَذَانِ حمله على لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب يأْتونَ بالمثنى بِالْألف على كل حَال قَالَ بَعضهم
... تزَود منا بَين أذنَاهُ طعنة ... دَعَتْهُ هابي التُّرَاب عقيم ...
وَقيل إِن بِمَعْنى نعم وَفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ... أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال وَقيل الْهَاء مضمرة مَعَ ان وَتَقْدِيره انه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعده فَأَما من خفف إِن فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط لَكِن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر على مَا ذكرنَا وَأما على مَذْهَب الْكُوفِيّين فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلَّا مَا ادعوهُ أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى إِلَّا(مشكل إعراب القرآن ص 466)
قال أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ت: 458هـ]:
وقولُه تَعالَى {قالوا إن هذان لساحران} طه 63 قال الفَرّاءُ أَرادَ ياءَ النَّصْبِ ثم حَذَفَها لسُكُونِها وسُكونِ الأَلِفِ قَبْلَها ولَيْسَ ذلِك بالقَوِيِّ وذلِكَ أَنَّ الياءَ هي الطارِئَةُ على الأَلِفُ فيجبُ أَن تُحْذَفَ الأَلِفُ لمكانِها فأَمَّا ما أَنْشَدَه اللِّحْيانِيُّ عن الكسائِيِّ لجَمِيلٍ من قَوْلِه
(وأَتَى صَواحِبُها فقُلْنَ هَذَا الَّذِي ... مَنَح المَوَدَّةَ غيرَنَا وجَفانَا) (المحكم والمحيط الأعظم ص89)
قال أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت: 538هـ):
قرأ أبو عمرو إِنْ هذانِ لَساحِرانِ على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: إن هذان لساحران، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة.
وقرأ أبىّ: إن ذان إلا ساحران. وقرأ ابن مسعود: أن هذان ساحران: بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى. وقيل في القراءة المشهورة إِنْ هذانِ لَساحِرانِ هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم: إِنْ بمعنى نعم. ولَساحِرانِ خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق(الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ص72)
قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (ت: 743 هـ):
قوله: ("أن هذان ساحران" بفتح "أنْ" وبغير لام)، بدلٌ من (النَّجْوَى)، هذا على أن يكون قوله: "أن هذان لساحران" من كلام السحرة كما قال، والظاهر أنهم تشاوروا في السر، فيكون قوله: (قَالُوا) مقحماً توكيداً لأن "أسروا" نوعٌ من القول، وقوله: (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) كلام بعضهم مع بعض، وفي "الموضح": بحذف (قَالُوا) من البين.
قوله: 0 جعلوا الاسم المُثنى نحو الأسماء التي آخرها ألفٌ كعصا)، قال الزجاج: حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأسٌ من رؤساء الرواة، أنها لغةٌ لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: ضربته بين أذناه، وكذلك روى الكوفيون أنها لغة لبني الحاث بن عب، وقالت النحاة القدماء: إن الضمير فيه مضمر، أي: إن هذان لساحران، وقالوا أيضاً: إن معنى "إنْ": نعم، وينشدون.
ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلتُ إنه
وحكى صاحب "المطلع": أن أعرابياً أتى ابن الزبير يستجديه فلم يعطه شيئاً. فقال: لعن الله ناقةً حملتني إليك، قال ابن الزبير: إن وراكبها، أي: نعم.
وقال ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأهرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ،
ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة. وقال: "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ.
قوله: (وقال بعضهم: "إنْ" بمعنى: نعم)، وقد أُعجب به أبو إسحاق، أي: الزجاج، قال بعدما نقل كلام النحويين: هذا جميعُ ما اتجوا به، والذي عندي - والله أعلمُ - وكنتُ عرضته على عالمينا: محمد بن يزيد، يعني: المبرد، وعلى إسماعيل بن إسحاق فقبلاه وذرا أنه أجود ما سمعاه في هذا المعنى: أن تقديره: نعم هذان لهما ساحران، وأن اللام قد وقعت موقعها، أي: دخلت على المبتدأ لا الخبر. وقال النحاة أصل هذا اللام أن تقع في الابتداء ووقوعها في الخبر جائزٌ، وأنشدوا:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
أي: لأم الحُليس عجوزٌ.
وقال أبو عليٍّ في "الإغفال": هذا غيرُ مرضي؛ لأن اللام للتأكيد، ويقبح أن يُذكر للتأكيد ويُحذف نفسُ المؤكد؛ لأن التأكيد إنما يُحتاج إليه فيما خيف لبسه على السامع، فإذا بلغ به الحال التي يستجاز معها حذفه لعلم المخاطب به استغنى لذلك عن التأكيد، ولهذا حمل النحويون قوله: "أمُّ الحُليس لعجوزٌ" على الضرورة، حيث أدخل اللام على الخبر وحقها أن تدخل على المبتدأ، ولو كان للي ذكره وجهٌ ما حملوا هذا على الضرورة بلقدروا فيه ما قدروه في قوله: ويحذفُ نفسُ المؤكد نظراً لأن المؤكد مضمونُ الجملةِ، كما نص
عليه المصنف في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5].
ثم قال أبو علي: فإن قلت: أليسوا قد أجازوا حذف الخبر في نحو:
إن مُحلاً وإن مُرتحلاً
وإذا لم يُمنع الحذفُ في الخبر مع "إنْ" لم يمتنع في المبتدأ مع اللام؟
قلتُ: لا يلزمُ من جواز هذا جوازُ ذاك وإن اجتمعا في التأكيد وتلقي القسم؛ لأن "إنْ" مشبهةٌ بـ"لا" من حيث كانت تعملُ عملها وكانت نقيضتها، وحملُ النقيض على النقيض شائعٌ، وإنما حسُن الحذفُ مع "لا"؛ لأن المنفي في تقدير التكرير لأنه لا يقعُ إلا بعد إثبات مُثبت وبعد إثباته يحسنُ الحذفُ، وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة.
فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) ص138
قال محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (ت: 711هـ):
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ
، أَخبر أَبو عَلِيٍّ أَن أَبا إسحق ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَنَّ إنَّ هُنَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَهَذَانِ مرفوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وأَنَّ اللامَ فِي لَساحران داخلةٌ عَلَى غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وأَن تَقْدِيرَهُ نَعَمْ هَذَانِ هُمَا ساحِران، وَحُكِيَ عَنْ أَبي إسحق أَنه قَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ بيَّن أَبو عليٍّ فسادَ ذَلِكَ فغَنِينا نَحْنُ عَنْ إِيضَاحِهِ هُنَا. وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ
، فإنَّ أبا إسحق النَّحْوِيَّ اسْتَقْصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحْوِيُّونَ فحَكَيْت كَلَامَهُ. قَالَ: قرأَ المدنيُّون وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا: إنَّ هَذَانِ لَساحِران، وَرُوِيَ
عَنْ عَاصِمٍ أَنه قرأَ: إنْ هَذَانِ
، بِتَخْفِيفِ إنْ، وَرُوِيَ
عَنِ الْخَلِيلِ: إنْ هَذَانِ لساحِران
، قَالَ: وقرأَ
أَبو عَمْرٍو إِنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ
، بِتَشْدِيدِ إِنَّ ونصْبِ هَذَيْنِ، قال أَبو إسحق: والحجةُ فِي إِنَّ هَذَانِ لساحِران، بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْعِ، أَن أَبا عُبَيْدَةَ رَوَى عَنْ أَبي الْخَطَّابِ أَنه لغةٌ لكنانةَ، يَجْعَلُونَ أَلفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، يَقُولُونَ: رأَيت الزَّيْدَانَ، وَرَوَى أَهلُ الْكُوفَةِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَنها لغة لبني الحرث بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماء: هَاهُنَا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، الْمَعْنَى: إِنَّهُ هذانِ لساحِران، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ فِي مَعْنَى نعَمْ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وأَنشدوا لِابْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّات:
بَكَرَتْ عليَّ عواذِلي ... يَلْحَيْنَنِي وأَلومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ: شَيْبٌ قدْ علّاكَ، ... وَقَدْ كَبِرْتَ، فقلتُ: إنَّهْ
. أَي إِنَّهُ قَدْ كَانَ كَمَا تَقُلْن؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا اختصارٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يُكتفى مِنْهُ بِالضَّمِيرِ لأَنه قَدْ عُلِم مَعْنَاهُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي هَذَا: إِنَّهُمْ زَادُوا فِيهَا النونَ فِي التَّثْنِيَةِ وَتَرَكُوهَا عَلَى حَالِهَا فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، كَمَا فعَلوا فِي الَّذِينَ فَقَالُوا الَّذِي، فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، قَالَ: فَهَذَا جَمِيعُ مَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي الْآيَةِ؛ قال أَبو إسحق: وأَجودُها عِنْدِي أَن إِنَّ وَقَعَتْ مَوْقِعَ نَعَمْ، وأَن اللَّامَ وَقَعتْ موقِعَها، وأَنّ الْمَعْنَى نعَمْ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ، قَالَ: وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الجَوْدَة مذهبُ بني كنانة وبَلْحَرِث بن كَعْبٍ، فأَما قراءةُ أَبي عَمْرٍو فَلَا أُجيزُها لأَنها خلافُ الْمُصْحَفِ، قَالَ: وأَستحسن قراءةَ عَاصِمٍ وَالْخَلِيلِ إنْ هَذَانِ لَساحِران. وَقَالَ غيرُه: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْكَلَامَ مُخْتَصَرًا مَا بعْدَه عَلَى إنَّه، وَالْمُرَادُ إِنَّهُ لَكَذَلِكَ، وَإِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، قَالَ: وأَما قَوْلُ الأَخفش إنَّه بِمَعْنَى نَعَمْ فَإِنَّمَا يُراد تأْويله لَيْسَ أَنه مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِذَلِكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الْهَاءُ أُدْخِلت لِلسُّكُوتِ. وَفِي حَدِيثِ
فَضالة بْنِ شَريك: أَنه لقِيَ ابنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: إِنَّ نَاقَتِي قَدْ نَقِبَ خفُّها فاحْمِلْني، فَقَالَ: ارْقَعْها بجِلدٍ واخْصِفْها بهُلْبٍ وسِرْ بِهَا البَرْدَين، فَقَالَ فَضالةُ: إِنَّمَا أَتَيْتُك مُسْتَحْمِلًا لَا مُسْتَوْصِفاً، لَا حَمَلَ اللَّهُ نَاقَةً حمَلتْني إِليك فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وراكِبَها
أَي نعَمْ مَعَ رَاكِبِهَا. وَفِي حَدِيثِ
لَقيط بْنِ عَامِرٍ: وَيَقُولُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ
أَي وَإِنَّهُ كَذَلِكَ، أَو إِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، وَقِيلَ: إنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ وَالْهَاءُ لِلْوَقْفِ، فأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
، وإِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ
، وَنَحْوُ ذَلِكَ فأَصله إنَّنا وَلَكِنْ حُذِفَت إِحْدَى النُّونَين مِنْ إنَّ تَخْفِيفًا، وَيَنْبَغِي أَن تكونَ الثانيةَ مِنْهُمَا لأَنها طرَفٌ، وَهِيَ أَضعف، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُبْدِلُ هَمْزَتَها هَاءً مَعَ اللَّامِ كَمَا أَبدلوها فِي هَرَقْت، فَتَقُولُ: لَهِنَّك لَرَجُلُ صِدْقٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ كلُّ الْعَرَبِ تَتَكَلَّمُ بِهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلا يَا سَنا بَرْقٍ عَلَى قُنَنِ الحِمَى، ... لَهِنّكَ مِنْ بَرْقٍ عليَّ كَرِيمُ
وحِكى ابْنُ الأَعرابي: هِنّك وواهِنّك، وَذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِ أَيضاً. التَّهْذِيبُ فِي إِنَّمَا: قَالَ النَّحْوِيُّونَ أَصلها مَا مَنَعت إنَّ مِنَ الْعَمَلِ، وَمَعْنَى إِنَّمَا إثباتٌ لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا ونفيٌ لِمَا سِوَاهُ كَقَوْلِهِ:
وَإِنَّمَا يُدافعُ عَنْ أَحسابهم أَنا ومِثْلي
الْمَعْنَى: مَا يُدافع عَنْ أَحسابِهم إِلَّا أَنا أَو مَنْ هُوَ مِثْلي، وأَنَّ: كَإِنَّ فِي التأْكيد، إِلَّا أَنها تَقَعُ مَوْقِعَ الأَسماء وَلَا تُبْدَل همزتُها هَاءً، وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ أَنَّ كإنَّ، إنَّ كالفِعْلِ، وأَنَ كالاسْمِ، وَلَا تَدْخُلُ اللامُ مَعَ الْمَفْتُوحَةِ؛ فأَما قِرَاءَةُ
سَعِيدِ بْنِ جُبيَر: إلَّا أَنهم ليأْكلون الطَّعَامَ
، بِالْفَتْحِ، فَإِنَّ اللَّامَ زَائِدَةٌ كَزِيَادَتِهَا فِي قَوْلِهِ:
لَهِنَّك فِي الدُّنْيَا لبَاقيةُ العُمْرِ
الْجَوْهَرِيُّ: إنَّ وأَنَّ حَرْفَانِ يَنْصِبَانِ الأَسماءَ وَيَرْفَعَانِ الأَخبارَ، فالمكسورةُ مِنْهُمَا يُؤكَّدُ بِهَا الخبرُ، وَالْمَفْتُوحَةُ وَمَا بَعْدَهَا فِي تأْويل الْمَصْدَرِ، وَقَدْ يُخَفَّفان، فَإِذَا خُفِّفتا فَإِنْ شئتَ أَعْمَلْتَ وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْمِلْ، وَقَدْ تُزادُ عَلَى أَنَّ كافُ التَّشْبِيهِ، تَقُولُ: كأَنه شمسٌ، وَقَدْ تُخَفَّفُ أَيضاً فَلَا تعْمَل شَيْئًا؛ قَالَ:
كأَنْ ورِيداهُ رِشاءَا خُلُب
وَيُرْوَى: كأَنْ ورِيدَيْهِ؛ وَقَالَ آخَرُ:
ووَجْهٍ مُشْرِقِ النحرِ، ... كأَنْ ثَدْياه حُقَّانِ
وَيُرْوَى ثَدْيَيْه، عَلَى الإِعمال، وَكَذَلِكَ إِذَا حذفْتَها، فَإِنْ شِئْتَ نَصَبْتَ، وَإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَ، قَالَ طَرَفَةُ:
أَلا أَيُّهَذا الزاجِرِي أَحْضُرَ الوغَى، ... وأَن أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ، هَلْ أَنتَ مُخْلدي؟
يُرْوَى بِالنَّصْبِ عَلَى الإِعمال، والرفْعُ أَجود. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ، قَالَ النَّحْوِيُّونَ: كأَنَّ أَصلُها أَنَّ أُدخِلَ عَلَيْهَا كافُ التَّشْبِيهِ، وَهِيَ حرفُ تَشْبِيهٍ، والعربُ تَنْصِبُ بِهِ الاسمَ وَتَرْفَعُ خبرَه، وقال الْكِسَائِيُّ: قَدْ تَكُونُ كأَنَّ بِمَعْنَى الْجَحْدِ كَقَوْلِكَ كأَنك أميرُنا فتأْمُرُنا، مَعْنَاهُ لستَ أَميرَنا، قَالَ: وكأَنَّ أُخرى بِمَعْنَى التَّمَنِّي كَقَوْلِكَ كأَنك بِي قَدْ قلتُ الشِّعْرَ فأُجِيدَه، مَعْنَاهُ لَيْتَني قَدْ قلتُ الشِّعْرَ فأُجيدَه، وَلِذَلِكَ نُصِب فأُجيدَه، وَقِيلَ: تَجِيءُ كأَنَّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ والظنِّ كَقَوْلِكَ كأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وكأَنك خارجٌ؛ وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تُنشِد هَذَا الْبَيْتَ:
ويومٍ تُوافينا بوَجْهٍ مُقَسَّمٍ، ... كأَنْ ظَبْيَةً تَعْطُو إِلَى ناضِرِ السَّلَمْ
وكأَنْ ظَبْيَةٍ وكأَنْ ظَبْيَةٌ، فَمَنْ نَصَبَ أَرادَ كأَنَّ ظَبْيَةً فَخَفَّفَ وأَعْمَل، ومَنْ خفَض أَراد كظَبْيَةٍ، ومَن رَفَعَ أَراد كأَنها ظبْيَةٌ فخفَّفَ وأَعْمَل مَعَ إضمارِ الكِناية؛ الْجَرَّارُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشد:
كأمَّا يحْتَطِبْنَ عَلَى قَتادٍ، ... ويَسْتَضْحِكْنَ عَنْ حَبِّ الغَمامِ
. قَالَ: يُرِيدُ كأَنما فَقَالَ كأَمَّا، وَاللَّهُ أَعلم. وإنِّي وإنَّني بِمَعْنًى، وَكَذَلِكَ كأَنِّي وكأَنَّني ولكنِّي وَلَكِنَّنِي لأَنه كثُر اسْتِعْمَالُهُمْ لِهَذِهِ الْحُرُوفِ، وَهُمْ قَدْ يَسْتَثْقِلون التَّضْعِيفَ فَحَذَفُوا النُّونَ الَّتِي تَلي الْيَاءَ، وَكَذَلِكَ لَعَلِّي ولَعَلَّني لأَن اللَّامَ قَرِيبَةٌ مِنَ النُّونِ، وَإِنْ زِدْتَ عَلَى إنَّ مَا صارَ للتَّعيين كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ
، لأَنه يُوجِبُ إثْباتَ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ ونَفْيَه عَمَّا عَدَاهُ. وأَنْ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي مَعْنَى مصدرٍ فتَنْصِبُه، تَقُولُ: أُريد أَنْ تقومَ، وَالْمَعْنَى أُريد قيامَك، فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ ماضٍ كَانَتْ مَعَهُ بِمَعْنَى مصدرٍ قَدْ وقَع، إِلَّا أَنها لَا تَعْمَل، تَقُولُ: أَعْجَبَني أَن قُمْتَ وَالْمَعْنَى أَعجبني قيامُك الَّذِي مَضَى، وأَن قَدْ تَكُونُ مخفَّفة عَنِ المشدَّدة فَلَا تَعْمَلُ، تَقُولُ: بَلَغَني أَنْ زيدٌ خارجٌ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها
(لسان العرب 31)
قال أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ):
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَحُمَيْدٌ وَأَيُّوبُ وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَالْأَخَوَانِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ السَّبْعَةِ إِنَّ بِتَشْدِيدِ النُّونِ هذانِ بِأَلِفٍ وَنُونٍ خَفِيفَةٍ لَساحِرانِ وَاخْتُلِفَ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ. فَقَالَ الْقُدَمَاءُ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّهُ عَلَى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ وَالتَّقْدِيرُ إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، وَخَبَرُ إِنْ الْجُمْلَةَ مِنْ قَوْلِهِ هذانِ لَساحِرانِ وَاللَّامُ فِي لَساحِرانِ دَاخِلَةٌ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَضَعُفَ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ حَذْفَ هَذَا الضَّمِيرِ لَا يَجِيءُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ وَبِأَنَّ دُخُولَ اللَّامِ فِي الْخَبَرِ شَاذٌّ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: اللَّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْخَبَرِ بَلِ التَّقْدِيرُ لَهُمَا سَاحِرَانِ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ، وَاسْتَحْسَنَ هَذَا الْقَوْلَ شَيْخُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. وَقِيلَ: هَا ضَمِيرُ الْقِصَّةِ وَلَيْسَ مَحْذُوفًا، وَكَانَ يُنَاسِبُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً فِي الْخَطِّ فَكَانَتْ كِتَابَتُهَا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ وَضُعِّفَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَتِهِ خَطَّ الْمُصْحَفِ. وَقِيلَ إِنْ بِمَعْنَى نَعَمْ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآية عليه وهذانِ لَساحِرانِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَاللَّامُ فِي لَساحِرانِ عَلَى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ فِي هَذَا التَّخْرِيجِ، وَالتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمُبَرِّدُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ الصَّغِيرُ، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ مِنْ إِجْرَاءِ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ دَائِمًا وَهِيَ لُغَةٌ لِكِنَانَةَ حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَلِبَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَخَثْعَمٍ وَزُبَيْدٍ وَأَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَلِبَنِي الْعَنْبَرِ وَبَنِي الْهُجَيْمِ وَمُرَادٍ وَعُذْرَةَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ كُلَّ يَاءٍ يَنْفَتِحُ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا.
وَقَرَأَ أَبُو بَحْرِيَّةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ سَعْدَانَ وَحَفْصٌ وَابْنُ كَثِيرٍ إِنْ بِتَخْفِيفِ النُّونِ هَذَا بِالْأَلِفِ وَشَدَّدَ نُونَ هذانِ ابْنُ كَثِيرٍ، وَتَخْرِيجُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَاضِحٌ وَهُوَ عَلَى أَنَّ أَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثقيلة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ الْخَبَرُ وَاللَّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفِّفَةِ من الثقيلة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ الْخَبَرُ وَاللَّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفِّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ عَلَى رَأْيِ البصريين والكوفيين، يَزْعُمُونَ أَنَّ إِنْ نَافِيَةً وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ إِنْ ذَانِ لَسَاحِرَانِ وَتَخْرِيجُهَا كَتَخْرِيجِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَرَأَتْ عَائِشَةُ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْجَحْدَرِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو عَمْرٍو إِنَّ هَذَيْنِ بِتَشْدِيدِ نُونِ إِنَّ وَبِالْيَاءِ فِي هَذَيْنِ بَدَلَ الْأَلِفِ، وَإِعْرَابُ هَذَا وَاضِحٌ إِذْ جَاءَ عَلَى الْمَهْيَعِ الْمَعْرُوفِ فِي التَّثْنِيَةِ لِقَوْلِهِ فَذانِكَ بُرْهانانِ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ «1» بِالْأَلِفِ رَفْعًا وَالْيَاءِ نَصْبًا وَجَرًّا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَا أُجِيزُ قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو لِأَنَّهَا خِلَافُ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
رَأَيْتُهَا فِي الْإِمَامِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ هَذَنِ لَيْسَ فِيهَا أَلِفٌ، وَهَكَذَا رَأَيْتُ رَفْعَ الِاثْنَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمُصْحَفِ بِإِسْقَاطِ الْأَلِفِ، وَإِذَا كَتَبُوا النَّصْبَ وَالْخَفْضَ كَتَبُوهُ بِالْيَاءِ وَلَا يُسْقِطُونَهَا، وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَأَبُو عَمْرٍو: هَذَا مِمَّا لَحَنَ الْكَاتِبُ فِيهِ وَأُقِيمَ بِالصَّوَابِ.
وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ قَالَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ وَعَزَاهَا الزَّمَخْشَرِيُّ لِأُبَيٍّ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ هَذَانِ سَاحِرَانِ بِفَتْحِ أَنْ وَبِغَيْرِ لَامٍ بَدَلٌ مِنَ النَّجْوى انْتَهَى. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ مَا هَذَا إِلَّا سَاحِرَانِ وَقَوْلُهُمْ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما تَبِعُوا فِيهِ مَقَالَةَ فِرْعَوْنَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ وَنَسَبُوا السِّحْرَ أَيْضًا لِهَارُونَ لَمَّا كَانَ مَشْتَرِكًا مَعَهُ فِي الرِّسَالَةِ وَسَالِكًا طَرِيقَتَهُ، وَعَلَّقُوا الْحُكْمَ عَلَى الْإِرَادَةِ وَهُمْ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَيْهَا تَنْقِيصًا لَهُمَا وَحَطًّا مِنْ قَدْرِهِمَا، وَقَدْ كَانَ ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الْيَدِ وَالْعَصَا مَا يدل على صدقهما(البحر المحيط في التفسير ص342)
قال أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (ت: 756هـ):
قوله: {إِنْ هذان} : اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه «إنْ هذانِّ» بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ «هذانٍ» . وقرأ أبو عمرو «إنَّ» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ «هذان» بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ «إنْ» نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران» .
وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى. أمَّا الإِعرابُ ف «هذَيْن» اسمُ «إنَّ» وعلامةُ نصبِه الياءُ. و «لَساحِران» خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً. وأمَّا مِنْ حيث المعنى: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: «لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ» . وقال أبو عبيد: «رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان» هذن «ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها» .
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ
المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.
وذهب جماعةٌ منهم عائشةُ رضي الله عنها وأبو عمروٍ إلى أن هذا ممّا لَحَنَ فيه الكاتبُ وأُقيم بالصواب.
يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
وأمَّا قراءةُ الباقين ففيها أوجه، أحدُها: أن «إنَّ» بمعنى نَعَمْ، و «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، وكَثُرَ ورودُ «إنَّ» بمعنى نعم وأنشدوا:
3297 - بَكَرَ العَواذِلُ في المَشِيْ ... بِ يَلُمْنَني وأَلوْمُهُنَّهْ
ويَقلْن شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
أي: فقلت: نَعَمْ. والهاءُ للسَّكْتِ. وقال رجلٌ لابن الزبير: لَعَن اللهُ ناقةً حَمَلَتْني إليكَ. فقال: «إنَّ وصاحبَها» أي: نعم. ولَعَنَ صاحبَها. وهذا رأيُ المبردِ وعلي بن سليمان في آخرين. وهو مردودٌ من وجهين، أحدهما: عدمُ ثبوتِ «إنَّ» بمعنى نعم، وما أوردُه مُؤَوَّلٌ: أمَّا البيتُ فإنّ الهاءَ اسمُها، والخبرَ محذوفٌ لفهمِ المعنى تقديرُه: إنه كذلك. وأمَّا قولُ ابنِ الزبير فذلك مِنْ حَذْفِ المعطوفِ عليه وإبقاءِ المعطوف وحَذْفِ خبر «إنَّ للدلالةِ عليه، تقديره: إنَّها وصاحَبها ملعونان، وفيه تكلُّفٌ لا يَخْفَى والثاني: دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد ب «إنَّ» المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً كقولِه:
3298 - أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوْزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى من اللحمِ بعظمِ الرَّقَبَهْ
وقد يُجاب عنه: بأنَّ «لَساحِران» يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ دَخَلَتْ عليه هذه اللامُ تقديرُه: لهما ساحران. وقد فعل ذلك الزجاج كما ستأتي حكايتُه عنه.
الثاني: أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو «ها» التي قبل «ذان» وليست ب «ها» التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ «إنها» فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} [الحج: 46] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من «إنَّ» متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
الثالث: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِ»
بعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً ل «إنَّ» ، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ. وقد ضُعِّفَ هذا بوجهين، أحدهما: حَذْفُ اسمِ «إن» ، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ «إنَّ» فعلاً كقولِه:
3299 - إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً ... يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ
/ والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
الرابع: أنَّ «هذان» اسمُها، و «لَساحران» خبرُها. وقد رُدَّ هذا بأنه كان ينبغي أَنْ يكونَ «هذين» بالياءِ كقراءةِ أبي عمرو.
وقد أُجيب عن ذلك: بأنه على لغةِ بني الحارثِ وبين الهُجَيْم وبني العَنْبر وزُبَيْد وعُذْرَة ومُراد وخَثْعَم. وحكى هذه اللغةَ الأئمةُ الكبارُ كأبي الخَطَّاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي. قال أبو زيد: «سمعتُ من العربِ مَنْ يَقْلِبُ كلَّ ياءٍ ينفتح ما قبلها ألفاً» ، يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ، وأنشدوا قولَه:
3300 - فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما
أي: لنابَيْه. وقولَه:
3301 - إنَّ أباها وأبا أباها ... قد بَلَغا في المجدِ غايتاها
أي: غايتيهما، إلى غير ذلك من الشواهد(الدر المصون في علوم الكتاب المكنون ص63)
قال محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (ت: 1205هـ):
قلْتُ: ومِن ذلِكَ أَيْضاً قَوْله تعالَى: {إِن هذانِ لَساحِرانِ} ؛ أَخْبَرَ أَبُو عليَ أنَّ أَبا إسْحاق ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَن إنَّ هُنَا بمعْنَى نَعَمْ، وهذانِ مَرْفُوعٌ بالابْتِداءِ، وأنَّ اللامَ فِي لَساحِران داخِلَةٌ على غيرِ ضَرُورَةٍ، وَأَن تَقْديرَه نَعَمْ هذانِ هُما ساحِرانِ؛ وَقد رَدّه أَبو عليَ، رحِمَه اللَّهُ تعالَى، وبَيَّن فَسادَهُ.
وَفِي التَّهْذِيبِ: قالَ أَبو إسْحاق النّحويُّ: قَرَأَ المدنيُّونَ والكُوفيُّون إلاَّ عَاصِمًا: إنَّ هذانِ لَساحِران، ورُوِي عَن عاصِمٍ أنَّه قَرَأَ: إنْ هذانِ، بتخْفِيفِ إنْ؛ وقَرَأَ أَبو عَمْرٍ و: إِنَّ هذينِ لَساحِران، بتَشْدِيدِ إنَّ ونَصْبِ هذينِ؛ قالَ: والحجَّةُ فِي إنَّ هذانِ لَساحِرانِ، بالتَّشْديدِ والرَّفْع، أنَّ أَبا عُبَيْدَةَ رَوَى عَن أَبي الخطَّاب أنّها لغةٌ لكنانَةَ، يَجْعلونَ أَلفَ الاثْنَيْن فِي الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ على لفْظٍ واحِدٍ. ورَوَى أَهْلُ الكُوفَة والكِسائي والفرَّاءُ: أنَّها لُغَةٌ لبَني الحرِثِ بنِ كَعْبٍ، قالَ: وقالَ النَّحويُّون القُدَماء: هَهُنَا هاءٌ مُضْمرَةٌ، المعْنَى: إنَّه هذانِ لَساحِرانِ.
قالَ أَبو إسْحاق: وأَجْودُ الأَوْجه عنْدِي أَن إنَّ وَقَعَتْ مَوْقعَ نَعَمْ، وأَنَّ اللامَ وَقَعَتْ مَوْقِعَها، وأَنَّ المعْنَى نَعَمْ هذانِ لَهما ساحِرانِ، قالَ: وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الجَوْدةِ مَذْهبُ بني كِنانَةَ وبَلْحَرِثِ بنِ كَعْبٍ، فأَمَّا قراءَةُ أَبي عَمْرٍ وفلا أُجيزُها لأَنَّها خِلافُ المصْحَف؛ قالَ: وأَسْتحْسن قِراءَةَ عاصِمٍ، اه.
(وتُكْسَرُ إنَّ) فِي تسْعَةِ مَواضِع.
الأَوّل: (إِذا كانَ مَبْدُؤاً بهَا لَفْظاً أَو مَعْنًى) ليسَ قَبْلها شيءٌ يُعْتَمدُ عَلَيْهِ، (نحْو: إِنَّ زَيْداً قائِمٌ.
(و) الثَّاني: (بَعْدَ أَلاَ التَّنْبِيهِيَّةِ) نَحْو: (أَلاَ إِنَّ زَيْداً قائمٌ) ؛) وقوْلُه تعالَى: {أَلاَ! إنَّهم حِين يثنون صدورَهم} .
(و) الثَّالِثُ: أَنْ يكونَ (صِلَةً للاسْمِ المَوْصولِ) نَحْوَ قَوْله تعالَى: { (وآتَيْناهُ من الكُنوزِ مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ) لتنوء بالعصْبةِ أولى القُوَّة} .
(و) الرَّابع: أَنْ تكونَ (جَوابَ قَسَمٍ سواءٌ كانَ فِي اسمِها أَو خَبَرِها اللَّامُ أَوْ لمْ يَكُنْ) ، هَذَا مَذْهَب النَّحويِّين
يقُولُون: واللَّه إنَّه لقائِمٌ، {وإِنَّه قائِمٌ، وقيلَ: إِذا لم تأْتِ باللاَّم فَهِيَ مَفْتوحَة: واللَّهِ أَنَّك قائِمٌ؛ نَقَلَهُ الكِسائي، وقالَ: هَكَذَا سَمِعْته مِنَ العَرَبِ.
(و) الخامِسُ: أَنْ تكونَ (مَحْكِيَّةً بالقَوْلِ فِي لُغَةِ من لَا يَفْتَحُها قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {} إِنِّي مُنْزِلُها عَلَيْكُمْ} ) ، قالَ الفرَّاءُ: إِذا جاءَتْ بَعْدَ القَوْلِ وَمَا تصرَّف مِنَ القَوْل وكانتْ حكايَةً لم يَقَعْ عَلَيْهَا القوْلُ وَمَا تصرَّف مِنْهُ فَهِيَ مكْسُورَةٌ، وَإِن كانتْ تفْسِيراً للقوْلِ نَصَبَتْها وذلِكَ مثْل قَوْل اللَّهِ، عزَّ وجلَّ: {وقوْلِهم {إنَّا قَتَلْنا المَسِيحَ عيسَى ابْن مَريَمَ} ، كسَرْتَ لأنَّها بعْدَ القَوْلِ على الحِكايَةِ.
(و) السَّادِسُ: أَنْ تكونَ (بعدَ واوِ الحالِ) نحْوَ: (جاءَ زَيدٌ وإِنَّ يَدَهُ على رأْسِه.
(و) السَّابِعُ: أَنْ تكونَ (موضِعَ خَبَرِ اسْمِ عَيْنٍ) نحْو: (زَيْدٌ إِنَّهُ ذَاهِبٌ، خِلافاً للفَرَّاءِ.
(و) الثَّامِنُ: أَنْ تكونَ (قَبْلَ لامٍ مُعَلِّقَةٍ) نحْوَ قوْلِهِ تعالَى: { (واللَّهُ يَعْلَمُ} إِنَّكَ لرَسولُهُ) } .) قالَ أَبو عبيدٍ: قالَ الكِسائيُّ فِي قوْلِهِ عزَّ وجلَّ: {وإنَّ الذينَ اخْتَلَفوا فِي الكِتابِ لفي شقاقٍ بَعِيدٍ} ، كُسِرَتْ إنَّ لمَكانِ الَّلامِ الَّتِي اسْتَقْبلتها فِي قوْلهِ: لَفِي، وكذلِكَ كلُّ مَا جاءَك مِن أنَّ فكانَ قَبْله شيءٌ يَقَعُ عَلَيْهِ فإنَّه مَنْصوبٌ، إِلاَّ مَا اسْتَقْبَله لامٌ فإنَّ الَّلامَ تَكْسِره.
قلْتُ: فأمَّا قِراءَة سعيدِ بنِ جُبَيْر: إِلَّا! أَنَّهم ليأْكلُونَ الطَّعامَ بالفتْح فإنَّ الَّلامَ زائِدَةٌ.
(و) التَّاسِعُ: أَنْ تكونَ (بَعْدَ حَيثُ) ، نحْو: (اجلِس حيثُ إنَّ زَيداً جالِسٌ) .) فَهَذِهِ المَواضِعُ التِّسْع الَّتِي تُكْسَرُ فِيهَا إنَّ.(تاج العروس من جواهر القاموس ص201)
قال محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت : 1393هـ):
وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرَّاء المعتبرين قرأوا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ من قَوْله «هاذان» مَا عَدَا أَبَا عَمْرٍو مِنَ الْعَشَرَةِ وَمَا عَدَا الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَذَلِكَ يُوجِبُ الْيَقِينَ بِأَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ فِي لَفْظِ (هَذَانِ) أَكْثَرُ تَوَاتُرًا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ (إِنَّ)
مُشَدَّدَةً أَوْ مُخَفَّفَةً، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَشْهُورِ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَرَأُوا- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (أَنَّ) مَا عَدَا ابْنَ كَثِيرٍ وَحَفْصًا عَنْ عَاصِمٍ فَهُمَا قَرَءَا (أَنْ) - بِسُكُونِ النُّونِ- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ.
وَإِنَّ الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ مَا رَسَمُوهُ إِلَّا اتِّبَاعًا لِأَشْهَرِ الْقِرَاءَاتِ الْمَسْمُوعَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُرَّاءِ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ أَقْدَمُ مِنْ كِتَابَتِهِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَمَا كُتِبَ فِي أُصُولِ الْمَصَاحِفِ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْكَاتِبِينَ، وَمَا كُتِبَ الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ إِلَّا مِنْ مَجْمُوعِ مَحْفُوظِ الْحُفَّاظِ وَمَا كَتَبَهُ كُتَّابُ الْوَحْيِ فِي مُدَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ.
فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (إِنَّ) وَبِالْأَلِفِ فِي هذانِ وَكَذَلِكَ فِي لَساحِرانِ، فَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَوْجِيهِهَا آرَاءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وَأَظْهَرُهَا أَنْ تَكُونَ (إِنَّ) حَرْفُ جَوَابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وَأَجَلْ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ (إِنَّ) ، أَيِ اتَّبَعُوا لَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ بَعْدَ النَّجْوَى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهُ
أَيْ أَجَلْ أَوْ نَعَمْ، وَالْهَاءُ فِي الْبَيْتِ هَاءُ السَّكْتِ، وَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَعْرَابِيٍّ اسْتَجْدَاهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وَرَاكِبَهَا. وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ ذَكَرَهُ فِي «تَفْسِيرِهِ» . وَقَالَ: عَرَضْتُهُ عَلَى عَالِمَيْنَا وَشَيْخَيْنَا وَأُسْتَاذَيْنَا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ (يَعْنِي الْمُبَرِّدَ) ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ (يَعْنِي الْقَاضِيَ الشَّهِيرَ) فَقَبِلَاهُ وَذَكَرَا أَنَّهُ أَجْوَدُ مَا سَمِعَاهُ فِي هَذَا.
وَقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقَا وَحَقَّقَا، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.
وَفِي «التَّفْسِيرِ الْوَجِيزِ» لِلْوَاحِدِيِّ سَأَلَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي (هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ) ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمُبْهَمِ إِعْرَابٌ فِي الْوَاحِدِ وَلَا فِي الْجَمْعِ (أَيْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهَؤُلَاءِ إِذْ هُمَا مَبْنِيَّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرَى الْوَاحِدِ إِذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تُغَيَّرَ. فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: مَا حسن هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ فِيهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ! فَقَالَ لَهُ ابْنُ كَيْسَانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ الْقَاضِي حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.
وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ حِكَايَةً لِمَقَالِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ الْفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذَا الرَّأْيَ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَوَابِ يَقْتَضِي كَلَامًا سَبَقَهُ.
وَدَخَلَتِ اللَّامُ عَلَى الْخَبَرِ: إِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُهَا وَهُوَ مَدْخُولُ اللَّامِ فِي التَّقْدِيرِ، وَوُجُود اللّام ينبىء بِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي وَقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ وَإِمَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ دُخُولَ اللَّامِ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ.
وَوُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَيْضًا بِجَعْلِ (إِنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ وَإِعْرَابُ اسْمِهَا الْمُثَنَّى جَرَى عَلَى لُغَةِ كِنَانَةَ وَبِلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلَامَةَ إِعْرَابِ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ فِي أَحْوَالِ الْإِعْرَابِ كُلِّهَا، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ وَلَهَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ دَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
وَقَرَأَهُ حَفْصٌ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ نُونِ (إِنْ) مُسَكَّنَةً- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةُ (إِنَّ) الْمُشَدَّدَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَتَكُونُ اللَّامُ فِي لَساحِرانِ اللَّامَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ وَبَيْنَ (إِنِ) النَّافِيَةِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ- بِسُكُونِ نُونِ (إِنْ) - عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي «هَذَانِ» وَبِتَشْدِيدِ نُونِ (هَاذَانِّ) .
وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَحْدَهُ إِنَّ هَذَيْنِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ (إِنَّ) وَبِالْيَاءِ بَعْدَ ذَالِ «هَذَيْنِ» .
فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ مُخَالفَة للمصحف. وَأَقل: ذَلِكَ لَا يَطْعَنُ فِيهَا لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَوَافَقَتْ وَجْهًا مَقْبُولًا فِي الْعَرَبِيَّةِ.
وَنُزُولُ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْفَصِيحَةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ إِعْجَازِهِ لِتَجْرِيَ تَرَاكِيبُهُ عَلَى أَفَانِينَ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي مُتَّحِدَةِ الْمَقْصُودِ. فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا رُوِيَ مِنِ ادِّعَاءِ أَنَّ كِتَابَةَ «إِنَّ هَاذَانِ» خَطَأٌ مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ، وَرِوَايَتِهِمْ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ سَنَدٌ صَحِيحٌ. حَسِبُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَخَذُوا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَهَذَا تَغَفُّلٌ، فَإِنَّ الْمُصْحَفَ مَا كُتِبَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، وَمَا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْحُفَّاظِ، وَمَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ إِلَّا مِنْ أَفْوَاهِ حُفَّاظِهِ قَبْلَ أَنْ تُكْتَبَ الْمَصَاحِفُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ فَلَوْ كَانَ فِي بَعْضِهَا خَطَأٌ فِي الْخَطِّ لَمَا تَبِعَهُ الْقُرَّاءُ، وَلَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا تُرِكَ مِنَ الْأَلِفَاتِ فِي كَلِمَاتٍ كَثِيرَةٍ وَبِمَنْزِلَةِ كِتَابَةِ أَلِفِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَيَاةِ، وَالرِّبَا- بِالْوَاوِ- فِي مَوْضِعِ الْألف وَمَا قرأوها إِلَّا بِأَلِفَاتِهَا.
وَتَأْكِيدُ السَّحَرَةِ كَوْنَ مُوسَى وَهَارُونَ سَاحِرَيْنِ بِحَرْفِ (إِنَّ) لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يُخَامِرُهُ الشَّكُّ فِي صِحَّةِ دَعْوَتِهِمَا.
(التحرير والتنوير ص250)
=================================================================================================================================
النقول التي باللون الأزرق وجدتها في موقع جمهرة التفاسير
و النقول التي باللون الوردي وجدتها في المكتبة الشاملة



من التفاسير التي تنقل أقوال السلف:
-كتب موجودة في موقع جمهرة التفاسير:جامع البيان لابن جرير-والمحرر الوجيز لابن عطية-وتفسير ابن كثير-الدر المنثور للسيوطي
-الكتب التي وجدت فيها:الكشف والبيان للثعلبي-والهداية لمكي بن أبي طالب- والنكت والعيون للماوردي- وزاد المسير لابن الجوزي-وأحكام القرآن للقرطبي
-الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:--
-الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها :--
المرتبة الأولى :
-كتب موجودة في موقع جمهرة التفاسير:معاني القرآن للفراء-مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى-معاني القرآن للأخفش-تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة-معاني القرآن لأبي اسحاق الزجاج
-الكتب التي وجدت فيها:--
-الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: تفسير القرآن ليحي بن سلام البصري -معاني القرآن لأبي جعفر النحاس
-الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها :--
المرتبة الثانية:
-كتب موجودة في موقع جمهرة التفاسير:--
-الكتب التي وجدت فيها:تفسير المشكل من غريب القرآن، لمكي بن أبي طالب
-الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة- ونزهة القلوب لابن عزيز السجستاني-ياقوتة الصراط لأبي عمر الزاهد
-الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها :العمدة في غريب القرآن لمكي بن أبي طالب-غريب القرآن وتفسيره لليزيدي
المرتبة الثالثة:
-كتب موجودة في موقع جمهرة التفاسير:--
-الكتب التي وجدت فيها:--
-الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:غريب الحديث لأبي سليمان الخطابي-بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي-الكتاب لسيبويه-غريب الحديث لابن سلام
-الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها :--
المرتبة الرابعة:
-كتب موجودة في موقع جمهرة التفاسير:--
-الكتب التي وجدت فيها:الكشّاف للزمخشري-وحاشية الطيبي على الكشّاف- والبحر المحيط لأبي حيّان- والدرّ المصون للسمين الحلبي- والتحرير والتنوير لابن عاشور
-الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:--
-الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها :--
المرتبة الخامسة:
-كتب موجودة في موقع جمهرة التفاسير:--
-الكتب التي وجدت فيها:العين للخليل بن أحمد- وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري-والمحكم لابن سيده-ولسان العرب لابن منظور- والقاموس المحيط للفيروزآبادي-وتاج العروس للزبيدي-إعراب القرآن للنحاس
-الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:مقاييس اللغة لابن فارس
-الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها :--

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:52 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir