دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 5 شوال 1444هـ/25-04-2023م, 04:02 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح الدين محمد مشاهدة المشاركة
القسم الرابع من مقرر أصول التفسير البياني
أدّ تطبيقين من تطبيقات كلّ درس من الدروس التالية:
تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:
1: قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}
(لو) في الآية حرف شرط, واختلف في ذكر جواب الشرط وحذفه على قولين:
الأول: أن جوابه مقدم, ويكون المعنى: وهم يكفرون بالرحمن، ولو أنزلنا عليهم ما سألوا.وهو قول ابن عباس, ومجاهد, وذكره الفراء.
قال ابن جرير: وهم يكفرون بالرّحمن { ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال }: أي يكفرون باللّه، ولو سيّر لهم الجبال بهذا القرآن. وقالوا: هو من المؤخّر الّذي معناه التّقديم وجعلوا جواب " لو " مقدّمًا قبلها، وذلك أنّ الكلام على معنى قيلهم: ولو أنّ هذا القرآن سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض، لكفروا بالرّحمن.
الثاني: أن جوابه محذوف, وأن العرب تستخدم هذا الأسلوب كثيرا في كلامهم, ويكون المعنى على تقدير حذف جواب (لو):
1 - لكان هذا القرآن, فلو سيرت الجبال بهذا القرآن وقطعت به الأرض قطعا, وكلم به الموتى فسمعوا وأجابوا, لكان هذا القرآن مذكرا لهم ومخوفا, ومنبها لهم ومنذرا. وهو قول قتادة.
قال الزمخشري: والمعنى: ولو أن قرآنا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ عن مقارّها، وزعزعت عن مضاجعها أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ حتى تتصدع وتتزايل قطعاً أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى فتسمع وتجيب، لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف، كما قال: (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ).
قال ابن عاشور: وجَوابُ لَوْ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ المَقامِ عَلَيْهِ. وحَذْفُ جَوابِ لَوْ كَثِيرٌ في القُرْآنِ كَقَوْلِهِ ﴿ولَوْ تَرى إذْ وُقِفُوا عَلى النّارِ﴾ [الأنعام: ٢٧] وقَوْلِهِ ﴿ولَوْ تَرى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ [السجدة: ١٢] .
ويُفِيدُ ذَلِكَ مَعْنًى تَعْرِيضِيًّا بِالنِّداءِ عَلَيْهِمْ بِنِهايَةِ ضَلالَتِهِمْ، إذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهَدْيِ القُرْآنِ ودَلائِلِهِ، والحالُ لَوْ أنَّ قُرْآنًا أمَرَ الجِبالَ أنْ تَسِيرَ والأرْضَ أنْ تَتَقَطَّعَ والمَوْتى أنْ تَتَكَلَّمَ لَكانَ هَذا القُرْآنُ بالِغًا ذَلِكَ ولَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِن شَأْنِ الكُتُبِ، فَيَكُونُ عَلى حَدِّ قَوْلِ أُبَيِّ بْنِ سُلْمى مِنَ الحَماسَةِ: ولَوْ طارَ ذُو حافِرٍ قَبْلَها لَطارَتْ ولَكِنَّهُ لَمْ يَطِرِ.
2 - لو كان هذا كلّه لما آمنوا. ودليله قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)
قال محي الدين درويش: في قوله تعالى: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال إلى آخر الآية إيجاز عجيب فقد حذف الجواب كما تقدم، واختلف المعربون والمفسرون في تقديره وقد قدرناه في الإعراب: لما آمنوا وقد اختار الزمخشري هذا التقدير ولكنه جعله مرجوحا وقدر الأرجح بقوله «لكان هذا القرآن» لكونه غاية في التذكير ونهاية في الانذار وهو تقدير لا بأس به وإن كان الأول أقرب إلى سياق الحديث وأوكد في تقرير المعنى وحذف جواب «لو» شائع في كلامهم.
[نص قول قتادة: " لو فعل هذا بقرآنٍ قبل قرآنكم لفُعِل بقرآنكم". اهـ.
والأولى في الإجابة تخريج أقوال السلف وذكر نص كلامهم.

البحث في معنى قوله تعالى: {بل لله الأمر جميعًا} ومناسبته للشرط في أول الآية يفيدك في معرفة وجه الجمع بين الأقوال والبلاغة في تقدير حذف جواب الشرط]





5: قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}
أداة الشرط في الآية (من), وجوابها (فليمدد بسبب إلى السماء), واختلف المفسرون في المعنى المراد من جواب الشرط في الآية على أقوال:
1- فهي إما على سبيل المبالغة في التهكم. أي: من كان يظن أن الله تعالى لن ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم, فليمد حبلا في سقف بيته ثم يلفه حول عنقه ثم يقطعه ليختنق به, وينظر هل يذهب هذا ما عنده من الغيظ. وهو قول ابن عباس, ذكره ابن كثير.
قال الشنقيطي: والمَعْنى: لا يُذْهِبُ ذَلِكَ الَّذِي فَعَلَهُ ذَلِكَ الكافِرُ الحاسِدُ ما يَغِيظُهُ ويُغْضِبُهُ مِن نَصْرِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
2 - وإما على سبيل التحدي. أي: من كان يظن أن الله تعالى لن ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم, فليصعد إلى السماء ويقطع عنه الوحي, ويمنع منه النصر.
قال الشنقيطي: والمَعْنى: أنَّهُ وإنْ غاظَهُ نَصْرُ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ. فَلَيْسَ لَهُ حِيلَةٌ، ولا قُدْرَةٌ عَلى مَنعِ النَّصْرِ؛ لِأنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ الِارْتِقاءَ إلى السَّماءِ ومَنعِ نُزُولِ النَّصْرِ مِنها عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير: قال ابن عبّاسٍ: من كان يظنّ أن لن ينصر اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم في الدّنيا والآخرة، {فليمدد بسببٍ} أي: بحبلٍ {إلى السّماء} أي: سماء بيته، {ثمّ ليقطع} يقول: ثمّ ليختنق به. وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، وعطاءٌ، وأبو الجوزاء، وقتادة، وغيرهم.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {فليمدد بسببٍ إلى السّماء} أي: ليتوصّل إلى بلوغ السّماء، فإنّ النّصر إنّما يأتي محمّدًا من السّماء، {ثمّ ليقطع} ذلك عنه، إن قدر على ذلك.
وقول ابن عبّاسٍ وأصحابه أولى وأظهر في المعنى، وأبلغ في التّهكّم؛ فإنّ المعنى: من ظنّ أنّ اللّه ليس بناصرٍ محمّدًا وكتابه ودينه، فليذهب فليقتل نفسه، إن كان ذلك غائظه، فإنّ اللّه ناصره لا محالة، قال اللّه تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار} [غافرٍ: 51، 52]؛ ولهذا قال: {فلينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ}
قال السّدّيّ: يعني: من شأن محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال عطاءٌ الخراسانيّ: فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من الغيظ).
[لابن عباس رضي الله عنهما قول آخر وفيه أن ينصره بمعنى " يرزقه " والأولى تخريج الأقوال من مصادرها الأصلية]
تطبيقات الدرس السابع عشر:
اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
(2) قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}
في قوله تعالى: "تأكل" وجهين من الإعراب:
الأول: مجزومة على أنها جواب للأمر, بتقدير إن تذروها تأكل.
الثاني: ومرفوعة على أنها حال, على معنى "فذروها آكلةً". ذكره الأخفش. [ينبغي ذكر القراءة التي وردت على الرفع، ثم بيان توجيهها، فإذا لم تكن وردت ضمن قراءة متواترة أو شاذة وإنما يبين أهل اللغة وجها من وجوه الإعراب لغة، فينبغي النص على ذلك.
وقرأ بالرفع أبو جعفر يزيد بن القعقاع]
فاستعمالها على الجزم, والمعنى على الرفع.
قال االأخفش: وقال: {فذروها تأكل في أرض اللّه} جزم إذا جعلته جوابا ورفع إذا أردت "فذروها آكلةً" وقال: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} وقال: {قل لّلّذين آمنوا يغفروا للّذين} و{فذرهم يخوضوا ويلعبوا} فصار جواباً في اللفظ وليس كذلك في المعنى).
قال ابن عاشور: وجُزِمَ تَأْكُلْ عَلى أنَّ أصْلَهُ جَوابُ الأمْرِ بِتَقْدِيرِ: إنْ تَذْرُوها تَأْكُلْ، فالمَعْنى عَلى الرَّفْعِ والِاسْتِعْمالُ عَلى الجَزْمِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ أيْ يُقِيمُونَ وهو كَثِيرٌ في الكَلامِ، ويُشْبِهُ أنَّ أصْلَ جَزْمِ أمْثالِهِ في الكَلامِ العَرَبِيِّ عَلى التَّوَهُّمِ لِوُجُودِ فِعْلِ الطَّلَبِ قَبْلَ فِعْلٍ صالِحٍ لِلْجَزْمِ، ولَعَلَّ مِنهُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وأذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا﴾.
وقوله تعالى: "ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم"
نصب "فيأخذكم" على أنه جواب للنهي في قوله "لا تمسوها" , أو نصبت (بأن) مضمرة. [بعد فاء السببية]
ويكون المعنى: نهي لهم عن الجمع بين المس وأخذ العذاب, وإن لم يكن العذاب من صنيعهم, ولكنهم لما فعلوا أسبابه كانه كان من صنيعهم. ذكره الآلوسى.
أو يكون المعنى: النهي عن المس الذي هو مقدمة الإصابة بالسوء الشامل لكل أنواع الأذى, مع تنكير السوء مبالغة في النهي عن مسها بأي شيء يسؤها. ذكره أبو السعود.
قال ابن عاشور: وانْتَصَبَ قَوْلُهُ فَيَأْخُذَكم في جَوابِ النَّهْيِ لِيُعْتَبَرَ الجَوابُ لِلْمَنهِيِّ عَنْهُ لِأنَّ حَرْفَ النَّهْيِ لا أثَرَ لَهُ: أيْ إنْ تَمَسُّوها بِسُوءٍ يَأْخُذْكم عَذاب.
وأُنِيطَ النَّهْيُ بِالمَسِّ بِالسُّوءِ لِأنَّ المَسَّ يَصْدُقُ عَلى أقَلِّ اتِّصالِ شَيْءٍ بِالجِسْمِ، فَكُلُّ ما يَنالُها مِمّا يُرادُ مِنهُ السُّوءُ فَهو مَنهِيٌّ عَنْهُ، وذَلِكَ لِأنَّ الحَيَوانَ لا يَسُوؤُهُ إلّا ما فِيهِ ألَمٌ لِذاتِهِ، لِأنَّهُ لا يَفْقَهُ المَعانِيَ النَّفْسانِيَّةَ.
والفاء في قوله: "فيأخذكم" رابطة لجواب النهي, وذلك لتأكيد ما ينالونه من عذاب ‘إن هم مسوا الناقة بسوء.
(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}
في قوله تعالى: (من كفر بالله), من شرطية, وقيل موصولة وهي مرفوعة على الابتداء, وذكر الرازي أن خبرها محذوف, واختلف المفسرون في معناها على ذلك إلى أقوال:
[في إعرابها أربعة أوجه، منها أنها بدل، ومنصوبة على الذم، ومرفوعة على الابتداء، ومرفوعة على الخبرية.
وعلى القول بأنها بدل اختُلف في المبدل منه على ثلاثة أقوال.

وعلى القول بأنها مرفوعة على الابتداء اختُلف هل هي شرطية أو موصولة

ثم اختُلف في تعيين الخبر.
والذي يعنينا من ذكر أوجه الإعراب هو القول بأنها مرفوعة على الابتداء، ولا بأس بذكر بقية الأوجه لكن تنظيم الإجابة ضروري للوقوف على المسألة المقصودة وإحسان تحريرها]
1 - أنه بدل من قوله: (الذين لا يؤمنون بآيات الله), والتقدير: إنَّما يَفْتَرِي مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ.
2 - أنه بدل من الخبر (الكاذبون), والتقدير: وأُولَئِكَ هم مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ.
3 - أنه منصوب على الذم, والتقدير: وأُولَئِكَ هُمُ الكاذِبُونَ؛ أعْنِي مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ.
ورجح الزجاج أن (من) مرفوعة على البدل, وليست مرفوعة على الابتداء؛ لأن خبر الابتداء محذوف لأنّ قوله: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلّا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان}. [الكلام هنا غير مكتمل]
وأن قوله: (فعليهم غضب من ربهم) خبر لـــ (من) التي بعد (لكن).
وذكر ابن جزي أن قوله: (فعليهم غضب) جواب لــــ (من) الأولى والثانية جميعا, أو أنها جواب للثانية فقط, وجواب الأولى محذوف.
ورجح ابن جرير أن قوله: (فعليهم غضب من ربهم), رافعة لــــ (من) الأولى والثانية, فقال: والصّواب من القول في ذلك عندي أنّ الرّافع ل " من " الأولى والثّانية، قوله: {فعليهم غضبٌ من اللّه} والعرب تفعل ذلك في حروف الجزاء إذا استأنفت أحدهما على آخر.
واقتران الخبر بالفاء, على اعتبار أن (من) موصولة, وهي مبتدأ, لأن في المبتدأ شبها بأداة الشرط , وقد يعامل الموصول معاملة الشرط. كما ذكر ابن عاشور فقال: واعْلَمْ أنَّ الآيَةَ - إنْ كانَتْ تُشِيرُ إلى نَفَرٍ كَفَرُوا بَعْدَ إسْلامِهِمْ - كانَتْ (مَن) مَوْصُولَةً، وهي مُبْتَدَأٌ، والخَبَرُ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ، وقَرَنَ الخَبَرَ بِالفاءِ؛ لِأنَّ في المُبْتَدَأِ شَبَهًا بِأداةِ الشَّرْطِ، وقَدْ يُعامَلُ المَوْصُولُ مُعامَلَةَ الشَّرْطِ، ووَقَعَ في القُرْآنِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهم عَذابُ جَهَنَّمَ﴾، وقَوْلُهُ تَعالى ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ﴾إلى قَوْلِهِ ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ في سُورَةِ بَراءَةَ، وقِيلَ: إنَّ فَرِيقًا كَفَرُوا بَعْدَ إسْلامِهِمْ، كَما رُوِيَ في شَأْنِ جَبْرٍ غُلامِ ابْنِ الحَضْرَمِيِّ، وهَذا الوَجْهُ ألْيَقُ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ الآيَةَ.
وإنْ كانَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فالآيَةُ مُجَرَّدُ تَحْذِيرٍ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ العَوْدِ إلى الكُفْرِ، ولِذَلِكَ تَكُونُ (مَن) شَرْطِيَّةً، والشَّرْطُ غَيْرُ مُرادٍ بِهِ مُعَيَّنٌ بَلْ هو تَحْذِيرٌ، أيْ مِن يَكْفُرُوا بِاللَّهِ؛ لِأنَّ الماضِيَ في الشَّرْطِ يَنْقَلِبُ إلى مَعْنى المُضارِعِ، ويَكُونُ قَوْلُهُ ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ﴾ جَوابًا. والتَّحْذِيرُ حاصِلٌ عَلى كِلا المَعْنَيَيْنِ.
وأيضا دخول الفاء على الخبر يفيد ربط الخبر بالمبتدأ؛ لتأكيد اقتضاء المبتدأ للخبر, وتنزيله منزلة الشرط الذي يستلزم جزاء.
قال الشيخ عبد العزيز الداخل: والآيات التي فيها دخول "الفاء" على الخبر لربطه بالمبتدأ كثيرة؛ وهي تفيد تأكيد اقتضاء المبتدأ للخبر، وتنزيله منزلة الشرط الذي يستلزم جزاءً.

[ذُكرت (مَن) في الآية مرتان، والأفضل تنظيم الإجابة بتناول كل جملة بمفردها وبيان أوجه إعراب (مَن)، ثم ينظر على القول بأنها مرفوعة على الابتداء هل هي موصولة أو شرطية وإذا كانت موصولة؛ فما خبرها، وإذا كانت شرطية فما جوابها، وهل اقترن الخبر أو الجواب بالفاء؟]
تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:
1: قول الله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ}
وفي"إلا" قراءتان:
الأولى: بفتح الهمزة وتخفيف اللام؛ على أنها للاستفتاح. وهى قراءة ابن عباس, وزيد بن علي, وابن زيد.
الثانية: بكسر الهمزة وتشديد اللام. وهي قراءة الجمهور.
واختلف في الاستثناء على قراءة الجمهور في هذه الآية على أقوال:
الأول: أنه استثناء متصل.وهو قول مجاهد,وعطاء, وقتادة, والربيع,والسدي وابن جرير, وأبو روق. ذكره الواحدي.
قال ابن جرير: فقد أبان تأويل من ذكرنا تأويله من أهل التّأويل قوله: {إلاّ الّذين ظلموا منهم} عن صحّة ما قلنا في تأويله، وأنّه استثناءٌ على صحه بمعنى الاستثناء المعروف الّذي يثبت فيهم لما بعد حرف الاستثناء ما كان منفيًّا عمّا قبله، كما قول القائل: ما سار من النّاس أحدٌ إلاّ أخوك إثباتٌ للأخ من السّير ما هو منفيٌّ عن كلّ أحدٍ من النّاس، فكذلك قوله: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم} نفيٌ عن أن يكون لأحدٍ خصومةٌ وجدلٌ قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ودعوى باطل عليه وعلى أصحابه بسبب توجّههم في صلاتهم قبل الكعبة، إلاّ الّذين ظلموا أنفسهم من قريشٍ، فإنّ لهم قبلهم خصومةً ودعوى باطل بأن يقولوا: إنّما توجّهتم إلينا وإلى قبلتنا؛ لأنّا كنّا أهدى منكم سبيلاً، وأنّكم كنتم بتوجّهكم نحو بيت المقدس على ضلالٍ وباطلٍ.
الثاني: أنه استثناء منقطع, يقدر بـــ (لكن) عند البصريين, و بـــ (بل) عند الكوفيين. وهو قول الأخفش, والمؤرج, والفراء, ومعمر بن المثنى. ذكره الواحدي, والسمين الحلبي.
قال السمين الحلبي: والتقديرُ: لكنَّ الذين ظلموا فإنَّهم يتعلَّقون عليكم بالشُّبْهَة يَضَعونَها موضعَ الحُجَّةِ.
والاستثناء المنقطع له معنيان:
1 - أن يكون الذي بعدها مستأنفًا، يلابس الأول من جهة عائد عليه منها، أو معنى يقرب به منه.
2 - أن يكون مؤكدًا لما قبله.
الثالث: أنها بمعنى الواو العاطفة. وهو قول أبو عبيدة.
قال أبو عبيدة: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ موضع «إلّا» هاهنا ليس بموضع استثناء، إنما هو موضع واو الموالاة، ومجازها: لئلا يكون للناس عليكم حجة، وللذين ظلموا، وقال الأعشى:
إلّا كخارجة المكلّف نفسه ... وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا
ومعناه: وخارجة
ورد هذا القول ابن جرير, وذكر أنه قول خطأ؛ لأن ذلك يؤدي إلى التلبيس وعدم إبانة المعنى المراد.
وخطأ الفراء أيضا هذا القول فيما ذكره عنه الواحدي فقال: وهذا القول عند الفراء خطأ؛ لأن (إلا) لا يُخرج عن الاستثناء إلى النسق حتى يتقدمها عدد لا يصلح أن يستثنى منه، فتجري مجرى الواو إذا بطل فيها معنى الاستثناء.
الرابع: أنها بمعنى (بعد), أي: بعد الذين ظلموا. ذكره السمين الحلبي.
ورد هذا القول السمين الحلبي, وجعله من أفسد الأقوال, فقال: من أفسدِ الأقوالِ وأنْكَرِها وإنما ذكرْتُه لغرضِ التنبيه على ضَعْفِه.
الخامس: أن الاستثناء من الضمير في (عليكم). وهو قول قطرب, وهو اختيار أبو منصور الأزهري. ذكره الواحدي.
والمعنى: لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الذين ظلموا منهم فإن عليهم الحجة
ورد هذا القول أبو بكر بن الأنباري فقال: وهذا عندي بعيد رديء؛ لأن المكني المخفوض لا ينسق عليه إلا بإعادة الخافض، ولأنالكاف والميم في عليكم، للمخاطبين، فلو استثنى الذين ظلموا منهم لقال: إلا الذين ظلموا منكم، فلما قال: (منهم) دلّ بالغيبة على أنّ الذين ظلموا لميُستثنَوا من الكاف والميم.
[أحسنت، بارك الله فيك.
وفهم سبب الخلاف يفيد في تحرير المسألة؛ فالخلاف في معنى الاستثناء متفرع عن الخلاف في المراد بالحجة؛ فإذا بدأت بتحرير هذه المسألة وبيان القول الراجح فيها، أو وجه الجمع بين الأقوال -إن أمكن الجمع-، تبين لك الخلاف في معنى الاستثناء، وهل تحتمل الآية عدة معاني بناء على هذه المسائل أو لابد من الترجيح بين الأقوال واختيار أحدها]
3: قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}
ذكر المفسرون في معنى الاستثناء في الآية أقوال:
الأول: أنه استثناء منقطع, على تقدير (لكن). وهو قول جمهور المفسرين. ذكره السمين الحلبي.
والمعنى: ما كان للمؤمن أن يقتل مؤمنا بوجه من الوجوه, إلا إذا وقع ذلك على وجه الخطأ.
وهذا كقول الشاعر [الهذلي] :
أمسى سقام خلاء لا أنيس به ... إلّا السّباع وإلّا الرّيح بالغرف
الثاني: أنه متصل, على إرادة التحريم بالنفي. ذكره السمين الحلبي.
والمعنى: أنه قتله خطأ على أنه كافر, ثم تبين له بعد أنه مؤمن.
الثالث: أنه استثناء مفرغ.
وفي نصبه ثلاث احتمالات ذكرها الزمخشري وهي:
1 - أنه مفعول له أي: ما ينبغي له أن يقتله لعلة من العلل إلا لخطأ وحده.
2 - أنه حال أي: ما ينبغي له أن يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ.
3 - أنه نعت مصدر محذوف أي: إلا قتلا خطأ.
الرابع: أنه بمعنى (ولا), فتكون عاطفة بتقدير الواو. وهو قول يونس حكاه عنه أبو عبيدة. ذكره السمين الحلبي.
قال السمين الحلبي: حكى أبو عبيدة عن يونس قال: «سألت رؤبة بن العجاج عن هذه الآية فقال:» ليس له أن يقتله عمدا ولا خطأ «فأقام» إلا «مقام الواو، وهو كقول الشاعر:
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
ورد هذا القول الفراء, وقال بعدم جواز ذلك إلا إذا تقدم استثناء آخر فيكون الثاني معطوفا على الأول.
والله أعلم

التقويم: ب+

بارك الله فيك، وأؤكد على أهمية الاعتناء بتحرير المسائل بأسلوبك لتنمية الملكة التفسيرية، ثم بعد ذلك يمكنك نقل أقوال المفسرين على سبيل الاستشهاد.

وفقك الله وسددك.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الحادي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir