دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #12  
قديم 14 ربيع الثاني 1442هـ/29-11-2020م, 01:43 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:


4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} يوسف 68

جاءت هذه الآية في سياق حكاية أمر يعقوب عليه السلام لأبنائه أن يدخلوا من أبواب متفرقة مع أخيهم بنيامين، إثر عودتهم لمصر بعد ما أحضروا أخاهم ليوسف عليه السلام (عزيز مصر في ذلك الوقت)، ولم يكونوا قد تعرفوا عليه بعد.
وبدأت الآية بـ {لمّا}
واختُلف فيها هل هي ظرف زمان، أم حرف شرط
وعلى القول بأنها حرف شرط، تفيد وجود جواب الشرط لوجود فعل الشرط
وتدخل على الماضي غالبًا، وفعل الشرط هنا {دخلوا من حيث أمرهم أبوهم}
وتفسرها الآية السابقة أنهم دخلوا من أبواب متفرقة
واختُلف في تعيين جواب الشرط على أقوال:
الأول:
أنه {ما كان يغني عنهم من الله من شيء}، وهو قول أبي حيان ووافقه السمين الحلبي وأبو السعود، وابن عادل، وهو اختيار محمد عبد الخالق عضيمة ومحيي الدين درويش.
واستدل به أبو حيان على أن معنى (لما) حرف وجوب لوجوب وليس ظرف زمان، لأنه لا يجوز أن يكون معمول الظرف بعد (ما) النافية.
ويكون المعنى على هذا القول: (لما دخلوا من أبواب متفرقة لم يغن تفرقهم عنهم من الله من شيء، فالحذر لا يغني عن القدر)

الثاني: أنه {آوى} في الآية التالية، من قوله تعالى: {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه}؛ فيكون الفعل (آوى) جوابًا لـ (لمّا) الأولى والثانية، وهو قول أبي البقاء.
وهو بعيد - والله أعلم - إذ أن إيواء يوسف عليه السلام لأخيه لم يكن واجبًا لوجوب الدخول من أبواب متفرقة، وإنما لدخولهم عليه، فلم يكن ليتحقق الإيواء، إذا دخلوا من أبواب متفرقة، ولم يدخلوا على يوسف عليه السلام، والله أعلم.
الثالث: جواب الشرط محذوف، وقال بهذا القول ابن عطية ومحمود عبد الرحيم صافي وابن عاشور، ورده ابن عادل بدعوى أن في الآية جواب واضح وادعاء الحذف تعسف.
وعلى القول الثاني والثالث تكون جملة: {ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} اعتراضية وليست جوابًا للشرط.
والقول بأن جواب الشرط محذوف أبلغ من حيث دلالته على معان أكثر؛ فيجوز تقديره بـ:
امتثلوا الأمر، أو سلموا من العين، ويجوز أن يكون التقدير تعلموا طاعة أبيهم فيكون ذلك أدعى في حفظ أخيهم، أو يكون التقدير تعلموا الأخذ بالأسباب والتوكل على الله
ويدل على هذه المعاني أن الله عز وجل ذكر نفاذ حاجة يعقوب عليه السلام {إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها}، والمقصود بالحاجة على قول أكثر المفسرين هي الخوف من العين.
والاستثناء هنا منقطع فحاجة يعقوب عليه السلام ليست مما يغني من قدر الله شيئًا، مهما كانت.
وقد أثنى الله عز وجل على يعقوب عليه السلام في ختام الآية {وإنه لذو علمٍ لما علمناه}
قال قتادة: {لذو علمٍ لما علّمناه}: «عاملٌ بما علم»، أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سفيان عن سعيد بن أبي عروبة عنه، وأخرجه البخاري معلقًا في صحيحه.
فهو عاملٌ بالأسباب موقنٌ أنها لا تنفع إلا بأمر الله، مع كمال اعتماده على الله عز وجل في جلب النفع ودفع الضر كما قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: {وقال يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}
ومع هذا لم يغن تفرقهم من قدر الله شيئا، وإن نفع السبب - بإذن الله - في تحقق غايته، إذ أن أخذ بنيامين ليس بسبب العينِ، أو كيد إخوته، وإنما لحكمة من الله عز وجل بتمكينه مع يوسف عليه السلام كما قال تعالى: {كذلك كِدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علمٍ عليم}

وعلى القول الأول بأن عدم الإغناء جواب الدخول من أبواب متفرقة، كما يقتضيه كلام أبي حيان - رحمه الله - فيكون المقصود أن الأسباب لم تنفع، وأن معنى {قضاها} هو تحقق الأسباب بالدخول من أبواب متفرقة لا تحقق الغاية بالحفظ من العين ونحو ذلك، أو يكون المقصود بالحاجة - كما فسرها الزمخشري- إظهار الشفقة عليهم ووصيتهم، والله أعلم.
واختار أبو السعود القول بأن جواب الشرط {ما كان يغني}، ومع هذا فرّق بين فعل الشرط وجوابه - إن صح فهمي لكلامه - ، فذكر أن عدم الإغناء لم يحصل عند الدخول، وإنما عند وقوع المحذور.
قال: ((والجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبل لتحقيق المقارنةِ الواجبةِ بين جوابِ لمّا ومدخولِه فإن عدمَ الإغناءِ بالفعل إنما يتحقق عند نزولِ المحذورِ لا وقت الدخول وإنما المتحققُ حينئذ ما أفاده الجمعُ المذكور من عدم كونِ الدخولِ المذكورِ مغْنياً فيما سيأتي فتأمل))
وهذا وإن كان له وجهه إلا أنه مخالف لمعنى (لمّا) الذي اختاره سيبويه أنه حرف وجوب لوجوب، والله أعلم.

5: قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)} الحج

اختُلف في معنى (من) على قولين:
الأول:
أنها شرطية.
الثاني: أنها موصولة بمعنى الذي.
فعلى القول بأنها شرطية يكون جملة الشرط {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة}
وجواب الشرط اقترن بالفاء {فليمدد بسبب إلى السماء} وعُطف على جواب الشرط جملة {ليقطع} وجملة {فلينظر}
ثم اختُلف في معنى الآية بحسب الخلاف في:
- مرجع الضمير في {ينصره} هل هو محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنه عائد على (من)
- والخلاف في معنى النصر بمعنى التأييد أو الرزق.
- المراد بـ {السماء} هل هي السماء المعروفة أو سقف البيت
وعلى هذا يكون معنى الآية:

القول الأول: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم/ أو يرزقه ويعطيه من فضله استبطاء للنصر من المنافقين الذين يعبدون الله على حرف، أو خوفًا من انتصاره من المشركين، فليمدد حبلا إلى سقف بيته ثم يختنق به ويقطعه فيموت، فهل سيذهب هذا غيظه وكيده؟ وهذا كناية عن شدة غيظهم، والأمر في قوله {فليمدد} و {ليقطع} و {لينظر} للتهكم والتوبيخ
والقول بأن المراد بالسماء سقف البيت، وأن المراد بالسبب حبل ممدود إليه يختنق به صاحب الظن، هو قول ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه ابن جرير والحاكم في المستدرك.
القول الثاني: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم استبطاء للنصر من المنافقين الذين يعبدون الله على حرف، أو خوفا من انتصاره من المشركين فليمدد بحبل إلى السماء حيث ينزل النصر والوحي من الله على نبيه، فليجتهد أن يقطعه عنه إن استطاع، ولينظر هل هذا سيذهب كيده !
وهذا الأمر للتعجيز، فليس بإمكانهم فعل ذلك.
والقول بأن المراد بالسماء السماء المعروفة، هو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم - كما في الدر المنثور للسيوطي-.
القول الثالث: من كان يظن أن لن يرزقه الله ويعطيه، استبطاء لرزق الله، فليمدد بحبل لسقف بيته فيختنق به، أو يمدد بحبل إلى السماء ويحاول استعجال رزقه إن استطاع، وهو قول مجاهد، ورواية عن ابن عباس رضي الله عنهما.
واختلفت الرواية عن ابن عباس في مرجع الضمير في (ينصره) على معنى يرزقه:
الأول:
مرجع الضمير محمد صلى الله عليه وسلم، رواه ابن جرير من طريق أبي إسحاق الهمداني عن أربدة التميمي عن ابن عباس.
الثاني: مرجع الضمير (من)، رواه ابن جرير من طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس.
بينما في قول مجاهد؛ فإن مرجع الضمير إلى (من)، رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، ومن طريق ابن جريج عن مجاهد.
وأما على القول بأن (من) موصولة، فيكون {فليمدد} خبرًا للمبتدأ الموصول، اقترن بالفاء للدلالة على تقوية ربط الخبر بالمبتدأ ودلالتهما على معنى الشرط والجزاء فيكون الظن بأن الله لن ينصر محمدًا صلى الله عليه وسلم سببًا يقتضي حصول الخبر وهو الأمر {فليمدد} وما عُطف عليه {ثم ليقطع} و {فلينظر}، والمعنى على ما سبق بيانه والله أعلم.

اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} سورة النحل

اختُلف في إعراب {من كفر بالله} على أقوال:
القول الأول: أن (مَن) بدل، ثم اختُلف في تعيين المبدل منه على أقوال ذكرها الزمخشري:
الأول: أنه بدل من قوله تعالى{الذين لا يؤمنون بآيات الله} في الآية السابقة {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون}
فيكون المعنى على هذا القول، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وكفروا بعد إيمانهم، وجملة {وأولئك هم الكاذبون} اعتراضية بين البدل والمبدل منه.
الثاني: بدل من {أولئك}، فيكون المعنى (من كفر بعد إيمانه هم الكاذبون)
الثالث: بدل من {الكاذبون}، ويكون المعنى: الذين لا يؤمنون بآيات الله يفترون الكذب وأولئك هم الذين كفروا بعد إيمانهم، وهو قول الزجاج.
و(من) على هذه الأقوال موصولة في محل رفع.
واعترض ابن جرير وأبو حيان على هذا القول بأن فيه حصر للذين يفترون على الله الكذب فيمن كفروا بعد إيمانهم، فخرج من المعنى من لم يؤمنوا قط، والواقع أنهم أكثر افتراء على الله؛ فاستدلوا بذلك على أن جملة {من كفر بالله من بعد إيمانهم} استئنافية.
القول الثاني: في محل رفع مبتدأ، قاله أبو عبيدة والأخفش وابن جرير الطبري، وأبو حيان وظاهر تفسير ابن كثير.
وحكى أبو حيان جواز أن تكون موصولة أو شرطية:
فعلى القول أنها شرطية، تكون جملة الشرط (كفر) في محل رفع الخبر، ويكون جواب الشرط محذوف تقديره (فعليهم غضب) أو يؤاخذهم الله، ونحو ذلك.
وعلى القول بأنها موصولة، فتكون جملة (كفر) صلتها، والخبر إما أن يكون:
- محذوفا، تقديره {فعليهم غضب}، دل عليه خبر {من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ من ربهم}، واختاره أبو حيان.
خبر (مَن) الأولى والثانية واحد، وهو {فعليهم غضبٌ من ربهم}، واختار هذا القول أبو عبيدة والأخفش وابن جرير الطبري وابن كثير.
القول الثالث: أنها منصوبة على الذم، قاله الزمخشري احتمالا.
القول الرابع: مرفوع على أنه خبر ابتداء مضمر على الذم، ذكره السمين الحلبي احتمالا.
وأما جملة (ولكِن من شرح للكفر صدرًا) فاختُلِف في معنى (مَن):

الأول: أنها موصولة، وقال أبو حيان أنه لا يجوز أن تكون شرطية لأنها جاءت بعد استدراك.
قال أبو حيان: (إِلَّا أَنَّ مَنِ الثَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَرْطًا حَتَّى يُقَدَّرَ قَبْلَهَا مُبْتَدَأٌ لِأَنَّ مَنْ وَلِيَتْ لَكِنْ فَيَتَعَيَّنُ إِذْ ذَاكَ أَنْ تَكُونَ مَنْ مَوْصُولَةً)
و {مَن} في محل رفع مبتدأ، وخبرها (فعليهم غضب من ربهم) اقترن بالفاء لأن المبتدأ أشبه الشرط.
أفاد اقتران الخبر بالفاء، أن غضب الله عليهم بسبب انشراح صدورهم بالكفر.
الثاني: أنها شرطية، ذكره عبد الخالق عضيمة في دراسات لأسلوب القرآن الكريم.
قال: (وجاء بعد (ولكن) الجملة الشرطية في قوله تعالى:
{ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله}
فعلى هذا يكون (شرح) جملة الشرط، وجواب الشر مقترن بالفاء (فعليهم غضبٌ)
والله أعلم.


سؤال:
يبدو لي أن المعنى واحد إن كانت بمعنى الشرط أو موصولة إذا كان الخبر المقترن بالفاء يفيد دلالة المبتدأ والخبر على الشرط والجزاء؟
فهل من فارق في المعنى على القولين؟
أعني هل من دلالة إضافية من استخدام الاسم الموصول مع اقتران الخبر بالفاء على استخدام الشرط أو العكس؟



(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)} سورة البقرة

ضمير الجمع في (قالوا) يعود على رؤساء اليهود والنصارى، و(أو) في جملة القول (كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا) للتفصيل، والمقصود أن اليهود قالوا: (كونوا هودًا) والنصارى قالوا: (كونوا نصارى) ثمُ جُمع جواب الطلب في الحالتين (تهتدوا)، فهو فعل مضارع مجزوم في جواب الطلب، أفاد معنى الشرط، وهو أن كل فريق منهم يرى الهداية في اتباع دينه، فقول اليهود (كونوا هودًا) يفيد معنى (إن لم تكونوا على اليهودية فلستم مهتدين) وقول النصارى: (إن لم تكونوا على النصرانية فلستم مهتدين)
فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بقول: (بل ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين)
أي أن حقيقة الهداية في اتباع ملة إبراهيم بالاستقامة على التوحيد والتبرؤ من الشرك وأهله.
والله أعلم.




بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:

4: قول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (سورة النساء: 148)
اختُلف في تفسير هذه الآية بحسب الاختلاف في تعيين المراد بالجهر بالسوء من القول، والمستثنى منه، ونوع الاستثناء هل هو متصل أو منقطع؟،وقراءة (ظلم) بالبناء للفاعل أو المفعول:
أولا: على قراءة (ظُلم) بضم الظاء وكسر اللام، على البناء للمفعول، وهي قراءة عامة القراء.

المراد بالجهر بالسوء من القول:
القول الأول:
الدعاء على أحد، وهو قول ابن عباس، والحسن ومفهوم من قول قتادة.
فيكون معنى الآية:
لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا المظلوم فله أن يدعو على من ظلمه.
واختُلِف في حد الدعاء الذي يدعو به
فعلى قول الحسن فللمظلوم أن يقول: ( اللّهمّ أعنّي عليه. اللّهمّ استخرج، لي حقّي، اللّهمّ حل بينى وبين ما يريد، ونحوه من الدّعاء) رواه ابن جرير.
وقول الحسن يفيد المدافعة.
وعلى قول ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة فالمعنى أعم من ذلك.
قال ابن عباس: ( إلا من ظلم إلا أن يكون مظلومًا فإنّه رخّص له أن يدعوا على من ظلمه وذلك قول اللّه تعالى إلا من ظلم وإن صبر فهو خيرٌ له) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم واللفظ له.
قال قتادة: ({لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم وكان اللّه سميعًا عليمًا} عذر اللّه المظلوم كما تسمعون أن يدعو). رواه ابن جرير.
ويكون الاستثناء على هذا المعنى متصل.
واختُلف في إعراب (من ظلم) بحسب الخلاف هل الاستثناء تام، أو مُفرغ؟
فعلى القول بأنه مُفرغ، عمل فيه المصدر المعرف بأل (الجهر)، والتقدير: (لا يحب الله أن يجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم)، فتكون (من) في موضع رفع فاعل.
قال ابن مالك في شرح الكافية: (وينبغي أن يعلم أن المصدر العامل على ضربين:
أحدهما: مقدر بالفعل وحرف مصدري
والثاني: مقدر بالفعل وحده).
قال الفراء في معاني القرآن: (وإن شئت جعلت (من) رفعا إذا قلت (ظلم) فيكون المعنى: لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم).
ورده ابن جرير الطبري في تفسيره: قال (وهذا مذهب يراه أهل العربية خطأ في العربية. وذلك أن"مَن" لا يجوز لأنها في صلة"أنْ" ولم ينله الجحد، فلا يجوز العطف عليه، من خطأٍ عندهم أن يقال: "لا يعجبني أن يقوم إلا زيد")
قال محمد عبد الخالق عضيمة: ( وفيه إعمال المصدر معرفاً بالألف واللام وهي مسألة خلاف، ومذهب سيبويه جواز ذلك).
وعلى القول بأن الكلام تام بتقدير (أحد) فالمعنى: (لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من ظُلم)
فـ( من) في محل نصب على الاستثناء، وأجاز الزجاج رفعه على البدل، وهو المختار على القول بأن الاستثناء متصل.


القول الثاني: عموم الجهر بالسوء من القول، ثم اختُلف في تعيين الظلم في قوله (من ظُلم) على أقوال:
الأول: الرّجل ينزل بالرّجل، فلا يحسن ضيافته، فيخرج من عنده، فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن، وهو قول مجاهد، رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم.
الثاني: السب، وهو قول عبد الكريم بن مالك الجزري
قال: (هو الرّجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتري عليه، مثل قوله: ولمن انتصر بعد ظلمه) رواه ابن أبي حاتم.
الثالث: الظلم عمومًا، وهو قول السدي.
قال: (إنّ اللّه لا يحبّ الجهر بالسّوء من أحدٍ من الخلق، ولكن من ظلم فانتصر بمثل ما ظلم، فليس عليه جناحٌ). رواه ابن جرير.
والاستثناء على هذا القول منقطع مما قبله، لأن جهر المظلوم ليس من جنس السيء من القول الذي لا يحبه الله.
فيكون موضع (من) منصوب على الاستثناء، على تقدير المستثنى منه (أحد)
ويكون المعنى:( لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول، لكن من ظُلِم له أن يجهر)
وعلى اعتبار أن الاستثناء مفرغ، فيكون موضع (من) مرفوعا على الابتداء.
وقيل يجوز أن يكون الاستثناء متصلا - على القول الأول والثاني- بتقدير مضاف محذوف: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا جهر من ظلم)، قاله أبو بكر البقاعي،ومحمد عبد الخالق عضيمة ومحيي الدين درويش.
قال أبو بكر البقاعي:
(وجهر ومن ظلم - وإن كان داخلاً فيما يحبه الله تعالى على تقدير كون الاستثناء متصلاً - لكن جعله من جملة السوء وإن كان من باب المشاكلة فإن فيه لطيفة، وهي نهي الفطن عن تعاطيه وحثه على العفو، لأن من علم أن فعله بحيث ينطلق اسم السوء - على أي وجه كان إطلاقه - كف عنه إن كان موفقاً).

ثانيًا: على قراءة (ظَلَم) بفتح الظاء واللام،على البناء للفاعل.
وهي قراءة شاذة، رويت عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وزيد بن أسلم وعبد الأعلى بن عبد الله بن مسلم بن يسار وعطاء بن السائب وابن يسار، قاله أبو الفتح بن جني في المحتسب.
واختلُف في معنى الاستثناء على هذه القراءة:
القول الأول:
على القول بأن المراد بـ(الجهر بالسوء من القول) على هذه القراءة هو تعيير المنافق بعد توبته بنفاقه السابق، والمراد بمن ظَلمَ هو من أقام على نفاقه.
يكون معنى الاستثناء: (لا يحب الله تعيير المنافق التائب بعد توبته بنفاقه لكن من أقام على نفاقه يجوز فضحه بذلك)، وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم فقرأ: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار} حتّى بلغ: {وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرًا عظيمًا} ثمّ قال بعد ما قال: هم في الدّرك الأسفل من النّار {ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان اللّه شاكرًا عليمًا} لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم قال: لا يحبّ اللّه أن يقول لهذا: ألست نافقت؟ ألست المنافق الّذي ظلمت وفعلت وفعلت؟ من بعد ما تاب إلاّ من ظلم إلاّ من أقام على النّفاق. قال: وكان أبي يقول ذلك له ويقرؤها: إلاّ من ظلم. رواه ابن جرير.
والاستثناء على هذا القول منقطع عما قبله، وإعراب (من) مرفوع على الابتداء.
قال أبو الفتح بن جني في المحتسب: ظَلَم وظُلِم جميعًا على الاستثناء المنقطع؛ أي: لكن من ظلم فإن الله لا يخفى عليه أمره، ودل على ذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}.
الثاني: على القول بعموم معنى (الجهر بالسوء من القول) يكون المعنى: لا يحب اللَّهُ الجهرَ بالسوء، لكنَّ الظالمَ يحبه فهو يفعله، أو يكونَ راجعاً إلى فاعل الجهر أي: لا يحبُّ اللَّهُ أن يَجْهَر أحدٌ بالسوء، لكن الظالم يَجْهر به، ذكره السمين الحلبي احتمالا.
والاستثناء على هذا القول منقطع أيضًا، منصوب على الاستثناء، لأنه تام منفي.
والله أعلم.

5: قول الله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا} (سورة مريم: 86-87)

اختُلف في تفسير هذه الآية بحسب الاختلاف في:
1. المقصود بملك الشفاعة هل هو استحقاقها بأن يكون شافعًا أو مشفوعًا له.
2. مرجع الضمير في قوله {يملكون}، وعليه يتحدد نوع الاستثناء هل هو متصل أو منقطع؟
3. المقصود بالعهد هل هو الإيمان والتوحيد عمومًا أو الإذن بالشفاعة خصوصًا.
وسعة دلالة الآية على هذه المعاني من بلاغة القرآن الكريم.
معنى الاستثناء في الآية:
اختُلف في معنى الاستثناء في هذه الآيات بحسب الاختلاف في تعيين مرجع الضمير في {يملكون}
القول الأول: أن الضمير يعود على {المجرمين} في قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا}، وأن المقصود بالمجرمين هنا المشركين خاصة، فيكون معنى الاستثناء على الانقطاع
أي: لا يملك المشركون الشفاعة لكن من اتخذ عند الله عهدًا فهو موعود بالشفاعة بإذن الله.
وإعراب (من) على هذا القول منصوب على الاستثناء، على المختار،قاله الزجاج.

القول الثاني: الضمير يعود على المتقين في قوله تعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدًا}، والمجرمين في قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا}
فيكون الاستثناء تاما منفيا متصلا، و(من) على هذا القول في موضع رفع على البدل من الضمير في {يملكون}، على المختار، قاله الزجاج.

القول الثالث: الضمير في {يملكون} يعود على المجرمين لكن المراد بهم عصاة الموحدين، والمشركين معًا، فيكون الاستثناء متصلا على هذا القول، باستثناء عصاة الموحدين، قاله ابن عطية.
وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن أهل الكبائر داخلون تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبهم بذنوبهم، وإن شاء غفر لهم، وموعودون بالشفاعة - بإذن الله-، ولا يُخلدون في النار.
وإعراب (من) على هذا القول في موضع رفع على البدل من الضمير في {يملكون}، على المختار.
والمقصود بملك الشفاعة على القول الأول والثاني أن يشفع بعضهم لبعض، بأن يكونوا شافعين أو مشفوعين، وعلى القول الثالث: أن يُشْفَع لهم.
والمقصود بالعهد شهادة أن لا إله إلا الله، والتبرؤ إلى الله من الحول والقوّة ولا يرجو إلا الله، أخرجه ابن جرير عن ابن عباس.
القول الرابع: الضمير يعود على المتقين، ويختلف معنى الآية بحسب الخلاف في معنى العهد على قولين:
الأول: العهد بمعنى الإذن بالشفاعة، فيكون المعنى: (لا يملك أن يشفع إلا من كان له عملا صالحًا فيأذن له الله)، فيكون معنى (من) على هذا القول في الشافعين.
الثاني: ويحتمل أن يكون المعنى:( لا يملك المتقون أن يشفعوا إلا لمن اتخذ عند الله عهدًا بالإيمان والتوحيد) فيكون معنى (من) على هذا القول للمشفوع فيهم، ذكر القولين ابن عطية.
القول الخامس: الضمير يعود على أهل الموقف عمومًا، والمقصود بـ (من) محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، والمقصود بالعهد، إذن الله عز وجل بأن يشفع محمد صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف، قاله ابن عطية أيضًا.
والاستثناء على القول الرابع والخامس متصل، ومن في محل رفع على البدل.
القول السادس: ذكر الزمخشري قولا بأن الواو في {يملكون}دالة على الجمع، وأن {من} في محل رفع فاعل، على القول بأن الاستثناء منفي مفرغ.
قال أبو حيان الأندلسي: (ولا ينبغي حمل القرآن على هذه اللغة القليلة مع وضوح جعل الواو ضميرا. وذكر الأستاذ أبو الحسن بن عصفور أنها لغة ضعيفة).

مسألة:
على القول بأن معنى {لا يملكون الشفاعة } (لا يَشْفعون)، يكون المعنى (لا يشفعون إلا لمن اتخذ عند الله عهدًا)
قال الفراء: ((و(من) فِي موضع نصب عَلَى الاستثناء ولا تكون خفضًا بضمير اللام ولكنها تكون نصبًا عَلَى معنى الخفض كما تَقُولُ فِي الكلام: أردت المرور اليوم إلا العدوّ فإني لا أمُرّ بِهِ فتستثنيه من المعنى ولو أظهرت الباء فقلت: أردت المرور إلا بالعدو لخفضت. وكذلك لو قيل: لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعةَ إِلَّا لمن اتّخذ عند الرحم عهدا)). اهـ
ولا حاجة لتقدير اللام في الآية - والله أعلم - لأن التعبير بالفعل (يملكون) دون (يَشفعون) أبلغ في إفادة نفي الشفاعة عن المجرمين كشافعين أو مشفوع لهم.
قال تعالى:{ فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا} سورة الأعراف.
وقال تعالى:{وما أضلنا إلا المجرمون. فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم} سورة الشعراء.
وقال: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين}
فنفى أن يشفع لهم أحد.
وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} سورة يونس.
وقال: {ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين} سورة الروم.
فنفى أن يكون من هذه المعبودات الباطلة شفعاء.
وقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، عامٌ في أنه لا يشفع أحد مهما كان إلا بإذن الله عز وجل.
وفي قوله تعالى: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}
بيان لشروط الشفاعة؛ وهي إذن الله للشافع، ورضاه عن الشافع والمشفوع له، والله لا يرضى عن الكافرين.
قال تعالى: {يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} سورة التوبة.
قال محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: (قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون في الآية وجهان أو أوجه من التفسير كلها حق، وكل واحد منها يشهد له قرآن، فإنا نذكر الجميع وأدلته من كتاب الله تعالى ; لأنه كله حق، فإذا علمت ذلك فاعلم أن هذه الآية الكريمة من ذلك النوع، قال بعض أهل العلم: الواو في قوله: لا يملكون راجعة إلى المجرمين المذكورين في قوله: ونسوق المجرمين إلى جهنم أي: لا يملك المجرمون الشفاعة، أي: لا يستحقون أن يشفع فيهم شافع يخلصهم مما هم فيه من الهول والعذاب.
[...]
وهذا الوجه يفهم منه بالأحرى أن المجرمين لا يشفعون في غيرهم ; لأنهم إذا كانوا لا يستحقون أن يشفع فيهم غيرهم لكفرهم فشفاعتهم في غيرهم ممنوعة من باب أولى)


والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir