فَصْلٌ في الكَفَنِ
(يَجِبُ تَكْفِينُه في مَالِه)؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ في المُحْرِمِ: ((كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ)). (مُقَدَّماً علَى دَيْنٍ) ولو برَهْنٍ (وغَيْرِه) مِن وَصِيَّةِ وَارِثٍ؛ لأنَّ المُفْلِسَ يُقَدَّمُ بالكِسْوَةِ على الدَّيْنِ, فكذا المَيِّتُ، فيَجِبُ لحَقِّ اللَّهِ وحَقِّ المَيِّتِ ثَوْبٌ لا يَصِفُ البَشْرَةَ, يَسْتُرُ جَمِيعَهُ مِن مَلْبُوسِ مِثْلِه, ما لم يُوصِ بدُونِه، والجَدِيدُ أَفْضَلُ.
(فإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ)؛ أي: للمَيِّتِ (مَالٌ, فـ) كَفَنُه ومُؤْنَةُ تَجْهِيزِه (علَى مَن تَلْزَمُه نَفَقَتُه)؛ لأنَّ ذلكَ يَلْزَمُه حالَ الحَيَاةِ, فكذا بَعْدَ المَوْتِ, (إلاَّ الزَّوْجَ لا يَلْزَمُه كَفَنُ امْرَأَتِه), ولو غَنِيًّا؛ لأنَّ الكِسْوَةَ وَجَبَتْ عليهِ بالزَّوْجِيَّةِ والتَّمَكُّنِ مِن الاستِمْتَاعِ, وقد انقطَعَ ذلكَ بالمَوْتِ، فإن عُدِمَ مَالُ المَيِّتِ ومَن تَلْزَمُهُم نَفَقَتُه, فمِن بَيْتِ المَالِ إنْ كانَ مُسْلِماً، فإن لم يَكُنْ, فعَلَى المُسْلِمِينَ العَالِمِينَ بحَالِهِ.
قالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لا يَقُومُ بهِ, تَعَيَّنَ عَلَيْهِ, فَإِنْ أرادَ بَعْضُ الوَرَثَةِ أن يَنْفَرِدَ به, لم يَلْزَمْ بَقِيَّةَ الوَرَثَةِ قَبُولُه، لكن لَيْسَ للبَقِيَّةِ نَبْشُه وسَلْبُه مِن كَفَنِه بَعْدَ دَفْنِه.
وإذا مَاتَ إِنْسَانٌ معَ جَمَاعَةٍ في سَفَرٍ كَفَّنُوهُ مِن مَالِه، فإن لم يَكُنْ, كَفَّنُوهُ ورَجَعُوا على تِرْكَتِه أو مَن تَلْزَمُه نَفَقَتُه إن نَوَوُا الرُّجُوعَ.