1. (عامّ لجميع الطلاب)
اكتب رسالة تفسيرية مختصرة تبيّن فيها فضل الدعاء وآدابه من خلال تفسير قول الله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} الآية.
هو الله القريب المجيب، الذي من دعاه لا يخيب، ومن افتقر إليه نفسه تطيب، فعال لما يريد. رحمن رحيم جواد كريم، لا تعجزه لغة الداعين، ولا تنقص خزائنه إن أعطى جميع السائلين، ولا يضيق عليه كثرة الملحين، فواهًا على من طرق باب المساكين، وهجر باب الرزاق ذو القوة المتين؟
قال ابن القيم: والرب تعالى كلما سألته كرمت عليه ورضي عنك وأحبك، والمخلوق كلما سألته هنت عليه وأبغضك ومقتك وقلاك، وكما قيل:
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبُنَيّ آدم حين يسأل يغضب
وقبيح بالعبد المريد: أن يتعرض لسؤال العبيد، وهو يجد عند مولاه كل ما يريد. [1]
لقد أمر تعالى عباده بالدعاء، ووعدهم بالإجابة، فقال جل وعلا: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"، فمتى علم العباد عن ربهم أن من أسمائه "المؤمن": تيقنوا أنه الصادق في وعده، الذي لا يخلف موعوده، بل يعطي كل سائل مسألته، فقد قال جل وعلا في محكم تنزيله: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان".
** فالآية ترغب عباد الله وتحثهم على الدعاء، وكما روى أحمد شاكر في عمدة التفسير عن سلمان الفارسي رضي الله عنه حين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله ليستحيي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرا، فيردهما خائبتين). وقد أشار أحمد شاكر في مقدمته إلى صحته.
وإن أردنا الوقوف عند بعض فضائل الدعاء والتي اشتملت عليه الآية الكريمة، نقول:
1. جاءت الآية الكريمة في سياق آيات الصيام، مما يدل على أن الدعاء حال الصيام له مزية خاصة، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (للصائم دعوة مستجابة). [2]
فتنكير (دعوة) في سياق الإثبات يطلق معناها، فلا يحدها وقت معين، بل ومنذ الإمساك إلى حين الإفطار هو وقت ثمين للدعوات المستجابات، فهل بعد ذلك يزهد العباد بهذه النفحات؟
2. ومن قوله تعالى "عبادي" نلحظ إضافة العباد إلى الله تشريفا لهم وإكراما، فما أكرمك أيها المؤمن على الله! حين جعلك من أهل العبودية الخاصة الذين لا يليق بهم إلا الانكباب على بابه مفتقرين خاضعين ذليلين، وهنا مكمن عزتك، كما جاء في الحديث: (فما تواضع أحد لله إلا رفعه الله). [3]
فلا تحرم نفسك شرف العبودية، ولتكن من المخبتين المنكسرين عند باب الكريم.
3. وبقوله تعالى "عبادي يتبين أن الدعاء من جميع عباد الله المؤمنين – الصائمين وغير الصائمين، في رمضان وفي غير رمضان – مستجاب، وهذا يليق بالكريم الجواد الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماوات.
4. ولنتوقف قليلا عند قرب الله من العباد، ذلك القرب ذو المعنى اللطيف الدقيق:
- "فإني قريب" تسكّن قلوب المؤمنين سكون المطمئنين، فالله تعالى قريب رغم علوه، سميع رغم استوائه فوق سبع سماواته، يسمع دعوتك وإن تعذر سماعك على من هو بجوارك، وقد جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، فَكُنَّا إذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقالَ: ارْبَعُوا علَى أنْفُسِكُمْ، فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولَا غَائِبًا، تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا، ثُمَّ أتَى عَلَيَّ وأَنَا أقُولُ في نَفْسِي: لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، فَقالَ لِي: يا عَبْدَ اللَّهِ بنَ قَيْسٍ، قُلْ لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، فإنَّهَا كَنْزٌ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ، - أوْ قالَ ألَا أدُلُّكَ به". [4]
وهذا ما وجه به النبي صلى الله عليه وسلم صحابته، حين سألوه كما في الحديث الذي أخرجه ابن جرير والبغوي في "معجمه" وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق الصلب بن حكيم، عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي" إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني استجبت لهم.
- و "قريب" تذكر العباد بمعية الله لهم، فقد قال تعالى: "وهو معكم أينما كنتم" معية سماع وإجابة ونصرة وتوفيق وهداية وحفظ ورعاية.
- و "قريب" لا تقيدك بوقت، ولا تحدك بمكان، بل تفتح الآفاق لك مجالا، وتوسع لك الأحايين اتساعا، فاغرف من هذا الخير غرفا لا تعرف منه اكتفاء، وادعه على أي حال كنت: مسافرا أو مقيما، في مسجد أو في منزل، في بر أو في بحر، فمن كان معك أينما كنت، كيف له أن يتخلى عنك؟ فاغتنم لنفسك ولا تخش من ذي العرش إقلالا.
- و "قريب" يعني ألا تجعل بينك وبين القريب واسطة، فكما تولى تعالى إجابة العباد عن سؤالهم بنفسه مباشرة - حيث لم تأت في الآية كلمة بين "وإذا سألك عبادي عني" و "فإني قريب" كما هو الحال في باقي الآيات التي جاءت فيها "قل" - كذلك استشعر قرب الله منك، فلا تتخذ بينك وبينه واسطة.
5. أما قوله تعالى: "أجيب دعوة الداع إذا دعان"، فالإجابة حتمية مضمونة، مصداقا لوعد الله، فمتى ما وافقت الدعوة المقدور تحققت ولا شك، وقد يدخرها الله للداعي في الآخرة، أو قد يصرف عنه من شرور الدنيا مثلها، فقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو ليس بإثم ولا بقطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الأخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها). قال أبو سعيد: إذا نكثر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أكثر). صحح الألباني في صحيح الادب المفرد [547].
الله أكثر، الله أكثر، ما أعظمه من كرم! وما أشرفه من وعد، أبعد هذا السخاء يبخل العبد على نفسه من هذا الخير؟
6. "إذا دعان": فلا تحمل – يا عبد الله – هم إجابة الدعاء لأنك تدعو الغني الجواد المجيب، ولكن كل ما عليك حمل همه هو دعاءك، نعم، كل ما عليك هو أن تعلق قلبك بالله، مستعينا ومستغيثا ومستعيذا ومستجيرا.
واعلم أنه متى أطلق الله لسانك بالدعاء والطلب، فإنه يريد أن يعطيك، هل علمت الآن أن الأمر متوقف عليك وعلى مدى همتك في رفع يديك سائلا مولاك ليعطيك؟
7. "فليستجيبوا لي" بالإيمان والطاعة والانقياد والإذعان، فمتى أراد المؤمن أن يستجيب مولاه دعاءه، فعليه أن يكون هو كما يريده مولاه، "وليؤمنوا بي" في تحقيق جميع أركان الإيمان، موحدين ربهم في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته.
8. "لعلهم يرشدون" فيهتدون بذلك إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم في شؤون دينهم ودنياهم.
أما آداب الدعاء، فمنها:
1) ألا يكون في الدعاء اعتداء، ولا إثم ولا قطيعة رحم.
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو ليس بإثم ولا بقطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الأخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها). قال أبو سعيد: إذا نكثر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أكثر). صحح الألباني في صحيح الادب المفرد [547].
2) أن يحسن العبد بربه، ويوقن بأن مولاه مجيبه.
فقد جاء في الصحيحين: الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، قال الله عز وجل: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني). [5]
3) ألا يعجل في إجابة الله لدعائه.
عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي". أخرجاه في الصّحيحين من حديث مالكٍ، به. وهذا لفظ البخاريّ، رحمه اللّه، وأثابه الجنّة.
4) حضور القلب
روى أحمد شاكر في عمدة التفسير عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله أيها الناس، فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل). [6]
5) تحيّن مواطن الإجابة، فكما أن الآية جاءت في سياق آيات الصيام الذي يستجاب لصاحبه منذ إمساكه إلى إفطاره، فكذلك على العبد أن يتخير من الأوقات أفضلها وأدعاها للإجابة
6) رفع اليدين في الدعاء.
7) روى أحمد شاكر في عمدة التفسير عن سلمان الفارسي رضي الله عنه حين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله ليستحيي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرا، فيردهما خائبتين). وقد أشار أحمد شاكر في مقدمته إلى صحته.
8) عدم رفع الصوت في الدعاء.
للحديث المذكور أعلاه حين وجه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يربعوا على أنفسهم، فالحديث وإن كان بع ضعف، إلا إنه يذكر في مقام الحث والترغيب.
9) طيب المطعم والرزق الحلال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم"، وقال: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم"، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء، يارب، يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟). [7]
وهكذا أيها - الإخوة والأخوات – يدعونا الغني عنا إلى سؤاله ولزوم طرق بابه، فمن أكثر طرق الباب يوشك أن يفتح له.
نفعنا الله وإياكم بالعلم النافع والعمل الصالح، وفتح علينا أبواب السماء بالخير والبركات.
[1] مدارج السالكين لابن القيم.
[2] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم [6392] وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
[3] رواه أبو هريرة في صحيح الترمذي [2588]
[4] [صحيح البخاري 7386].
[5] [في البخاري: 7405، وفي مسلم: 2675]
[6] أخرجه احمد (6655) وابن المبارك في الزهد (21/2) باختلاف يسير.
[7] رواه مسلم في كتاب الزكاة (1015)
2. أجب على إحدى المجموعات التالية:
المجموعة الأولى:
1:حرّر القول في المسائل التالية:
أ: معنى قوله تعالى: {فمن بدّله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدّلونه}.
جاءت الآية في سياق بيان شأن الوصية، فقال تعالى: " كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ، فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".
فيتحدد معنى قوله تعالى: "فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه" بناء على مرجع الضمير في كل من: "بدله" و "سمعه"، وقد جاء فيها قولان لأهل العلم:
القول الأول: أن يعود الضمير "الهاء" في "بدله" و "سمعه" إلى أمر الوصية، فيكون المعنى: فمن بدل الوصية التي أمر بها الموصي، فحرفها وغيّر حكمها أو زاد فيها أو أنقص منها، أو كتمها - من باب أولى – بعدما سمعها منه فإنما الإثم يلحق من قام بهذا التبديل والتحريف، أما الموصي فلا إثم عليه طالما لم يخطئ في الوصية عمدا، ولكنه اجتهد فيها واحتاط، وكذلك ليس الإثم على الموصى إليه طالما لم يبدل فيها. هو حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: أن يعود الضمير "بدله" للوصية، و "سمعه" إلى "أمر الله في هذه الآية، والمعنى: أن من بدل في الوصية بعد أن سمع حكم الله في ذلك، وعلم بالوعيد لفاعل ذلك، فإن الإثم يلحقه. ذكره ابن عطية.
وقد رجح ابن عطية القول الأول لأنه أسبق للناظر، ولم يمنع من القول الثاني بل احتماله كونه يدخل ضمنا في المنهي عنه طالما علم حكم الله فيه ثم عمد لخلافه.
ب: معنى إنزال القرآن في شهر رمضان.
جاء لأهل العلم عدة أقوال في معنى إنزال القرآن في شهر رمضان، يمكن اختصارها إلى أربعة، منها:
القول الأول: بدء نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم كان في ليلة القدر من شهر رمضان. ذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: أن نزول القرآن كان جملة واحدة من اللوح إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان، ثم ينزل جبريل به رسلا على النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الوقائع. قاله ابن عباس وذكره ابن عطية وابن كثير.
الأدلة والشواهد:
- عن ابن عبّاسٍ أنّه سأله عطيّة بن الأسود، فقال: وقع في قلبي الشّكّ من قول اللّه تعالى: {شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن} وقوله: {إنّا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ} وقوله: {إنّا أنزلناه في ليلة القدر} وقد أنزل في شوّال، وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجّة، وفي المحرّم، وصفرٍ، وشهر ربيعٍ. فقال ابن عبّاسٍ: إنّه أنزل في رمضان، في ليلة القدر وفي ليلةٍ مباركةٍ جملةً واحدةً، ثمّ أنزل على مواقع النّجوم ترتيلًا في الشّهور والأيّام. رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه، وهذا لفظه. ذكره ابن كثير.
القول الثالث: "أنزل في فرضه وتعظيمه والحض عليه". قاله الضحاك وذكره ابن عطية وقال عنه ابن كثير: أنه غريب جدا.
- وحكى الرّازيّ عن سفيان بن عيينة وغيره أنّ المراد بقوله: {الّذي أنزل فيه القرآن} أي: في فضله أو وجوب صومه، وهذا غريبٌ جدًّا]. ذكره ابن كثير.
القول الرابع: أنه كان ينزل في كل ليلة قدر ما يحتاج الناس إلى إنزاله إلى مثله من اللوح إلى سماء الدنيا وتوقف. قاله فخر الدين ونقله القرطبي عن مقاتل احتمالا.
وعليه، فإن القولان الأول والثاني هما الأرجح، أما الثالث فغريب والرابع فبعيد، حيث حكى القرطبي الإجماع على أنّ القرآن نزل جملةً واحدةً من اللّوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السّماء الدّنيا، . ذكره ابن كثير.
2: بيّن ما يلي:
أ: سبب نزول قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى}.
جاء عن المفسرين ثلاثة أقوال في سبب نزول الآية، هما:
القول الأول: أنها نزلت في حيين من العرب: حيث كانوا أهل عزة ومنعة، إذا قتل منهم عبد قتلوا به حر، وإذا قتلت امرأة قتلوا بها ذكرا، فقد كانوا يطلبون بالدم أكثر من مقداره، ويتزوجون من الآخرين بغير مهور. حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
ومن أهل العلم من قال أنهما قبيلتان من الأنصار، ومنهم من قال من غيرهم. ذكره ابن عطية.
القول الثاني: نزلت في بني النضير التي غزت بني قريظة في الجاهلية وقهروهم، فكان إذا قتل النّضريّ القرظيّ لا يقتل به، بل يفادى بمائة وسقٍ من التّمر، وإذا قتل القرظيّ النّضريّ قتل به، وإن فادوه فدوه بمائتي وسقٍ من التّمر ضعف دية القرظيّ، فأمر اللّه بالعدل في القصاص، ولا يتّبع سبيل المفسدين المحرّفين، المخالفين لأحكام اللّه فيهم، كفرًا وبغيًا. ذكره ابن كثير.
القول الثالث: وروي عن ابن عباس أن الآية نزلت مقتضية أن لا يقتل الرجل بالمرأة ولا المرأة بالرجل ولا يدخل صنف على صنف ثم نسخت بآية المائدة أن النفس بالنفس. ذكره ابن عطية.
ب: هل كان الصوم قبل فرض صيام رمضان على الوجوب أو التخيير؟
كان الأمر في ابتداء الإسلام ألا يصوم المريض في حال المرض ولا المسافر في حال السفر، لما في ذلك من المشقة عليهما، فيفطران ويقضيان بعدة ذلك من أيام أخر.
وأما الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام فكان على التخيير بين الصيام وبين الإطعام، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وأطعم عن كلّ يومٍ مسكينًا، فإن أطعم أكثر من مسكينٍ عن كلّ يومٍ، فهو خيرٌ، وإن صام فهو أفضل من الإطعام.
ج: المراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود من الفجر.
جاء في المراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود من الفجر عدة أقوال لأهل العلم، يمكن اختصارها إلى قولين،هما:
القول الأول: أنها بياض النهار وسواد الليل. قاله جميع العلماء وذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
الأدلة والشواهد:
رواية البخاريّ أيضًا: حدّثنا قتيبة، حدّثنا جريرٌ، عن مطرّف، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ قال: قلت: يا رسول اللّه، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال: "إنّك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين". ثمّ قال: "لا بل هو سواد اللّيل وبياض النّهار". ذكره ابن كثير.
قال ابن عطية أنه استعارة وتشبيه لرقة البياض أولا، ورقة السواد الحاف به.
القول الثاني: اللون. قال ابن عطية: وهذا لا يطرد لغة.
فيبدأ صيام الصائم بطلوع الفجر الصادق: وهو يبدو أبيض يطلع ساطعا يملأ الأفق، المعترض الآخذ في الأفق يمنة ويسرة، فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك. أما الفجر الكاذب فلا اعتبار له: وهو أسود معترضا وهو الخيط الأسود.
ودليله: وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا شعبة، عن شيخٍ من بني قشيرٍ: سمعت سمرة بن جندب يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يغرّنّكم نداء بلالٍ وهذا البياض حتّى ينفجر الفجر، أو يطلع الفجر".
ثم رواه من حديث شعبة وغيره، عن سوادة بن حنظلة، عن سمرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يمنعكم من سحوركم أذان بلالٍ ولا الفجر المستطيل، ولكنّ الفجر المستطير في الأفق".