معرفته بالمنافقين
- قال المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس أنه قال: قدمت الشام فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسر لي جليسا صالحا، فأتيت قوما فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: من هذا؟
قالوا: أبو الدرداء.
فقلت: إني دعوتُ الله أن ييسّر لي جليساً صالحاً، فيَسَّركَ لي.
قال: ممن أنت؟
قلت: من أهل الكوفة.
قال: (أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان - يعني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم - أوليس فيكم صاحب سرّ النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه أحد غيره). رواه أحمد والبخاري وغيرهما، وفي رواية أحمد: (أليس فيكم الذي يعلم السر، ولا يعلمه غيره يعني حذيفة).
- قال عليّ بن مسهر، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن صلة بن زفر قال: قلنا لحذيفة: من أين علمت المنافقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فبينا نحن نسير ليلاً إذ نام على راحلته فسمعتُ ناساً يقولون: قد نام على راحلته، ولو طرحناه لانكسرت عنقه؛ فاسترحنا؛ فلما سمعتُ ذلك جعلتُ أسير بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرأ وأرفع صوتي، وأخفتُ القومَ فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: (( من هذا؟)).
فقلت: يا رسول الله! هذا فلان وفلان.
فقال: سمعت ما قالوا؟
قلت: نعم.
قال: (فإنَّ هؤلاء فلانا وفلاناً، لا تخبر بذلك أحداً)). عن تلك الليلة علم المنافقين). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال أبو أسامة الحافظ وعبيدة بن الأسود الهمداني: حدثنا مجالد، عن الشعبي، قال: قلنا: كيف أصاب حذيفة ما لم يصب أبو بكر ولا عمر؟
قال صلة بن زفر: قد والله سألنا حذيفة عن ذلك، فقال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ذات ليلة، فأدلجنا دلجة، فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فقال أناس: لو دفعناه الساعة فوقع فاندقت عنقه استرحنا منه. فلما سمعتهم تقدمتهم، فسرت بينه وبينهم، فجعلت أقرأ سورة من القرآن، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من هذا؟»
قلت: حذيفة يا رسول الله!
قال: «ادن» فدنوت.
فقال: «ما سمعت هؤلاء خلفك ما قالوا؟».
قلت: بلى يا رسول الله! ولذلك سرت بينك وبينهم.
قال: «أما إنهم منافقون، فلان وفلان وفلان». رواه الطبراني في الكبير.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، زيد بن وهب: مات رجل من المنافقين فلم يصل عليه حذيفة، فقال له عمر: أمن القوم هو؟
قال: نعم.
فقال له عمر: بالله منهم أنا؟
قال: (لا، ولن أخبر به أحداً بعدك). رواه ابن أبي شيبة.
- قال الأعمش: حدثني عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: سئل عليّ عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال: عن أيهم تسألوني؟
قالوا: عن عبد الله.
قال: (علم القرآن، وعلم السنة، ثم انتهى وكفى به علماً). فقالوا: أخبرنا عن أبي موسى؟
قال: (صُبغ في العلم صبغاً).
قالوا: أخبرنا عن حذيفة؟
قال: (أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين).
قالوا: حدثنا عن عمار؟
قال: (مؤمنٌ نَسِيٌّ، وإذا ذكّرته ذكر).
قالوا: حدثنا عن أبي ذر؟
قال: (وعى علماً عجز عنه).
قالوا: حدثنا عن سلمان؟
قال: (عن لقمان الحكيم تسألوني، عَلِمَ عِلْمَ الأولى وعلم الآخرة، بحرا لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت).
قالوا: حدثنا عن نفسك؟
قال: (كنتُ إذا سَألتُ أعطيت، وإذا سكتُّ ابتُديت). رواه يعقوب بن سفيان واللفظ له، وابن سعد في الطبقات، والبيهقي في المدخل إلى السنن، ورواية أبي البختري الطائي عن عليّ مرسلة.
- وقال إبراهيم بن يوسف الصيرفي: حدثنا علي بن عابس، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، وإسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قالا [ عمرو وقيس]: سُئل علي رضي الله عنه عن ابن مسعود فقال: «قرأ القرآن ووقف عند متشابهه، فأحلَّ حلاله وحرَّم حرامه».
وسئل عن عمار فقال: «مؤمن نَسِيٌّ، وإذا ذُكّرَ ذَكَر، قد حُشي ما بين قرنه إلى كعبه إيماناً».
وسئل عن حذيفة فقال: «كان أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين، سأل عنهم فأُخبرَهم».
فقالوا: حدثنا عن سلمان، فقال: «أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا ينزح منا أهل البيت»
قالوا: أخبرنا عن أبي ذر، قال: «وعاء علم ضيعه الناس».
قالوا: فأخبرنا عن نفسك.
قال: «إياها أردتم، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، وإن بين الذقنين لعلماً جماً». رواه الطبراني في المعجم الكبير والسياق له، ورواه الحاكم في المستدرك مختصراً، عمرو بن مرة لم يدرك عليّ بن أبي طالب، وأدركه قيس بن أبي حازم، وعليّ بن عابس الملائي متكلّم فيه، ضعّفه يحيى بن معين، وقال الدارقطني: يُعتبر به.
- وقال حجاج بن محمد المصيصي: حدثنا ابن جريج قال: حدثنا أبو حرب بن أبي الأسود الديلي عن أبي الأسود، وعن ابن جريج ورجل عن زاذان كذا قالا: (بينا الناس ذات يوم عند علي إذ وافقوا منه نفسا طيبة؛ فقالوا: حدّثنا عن أصحابك يا أمير المؤمنين!
قال: عن أيّ أصحابي؟
قالوا: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابي فأيّهم تريدون؟
قالوا: النفر الذين رأيناك تلطفهم بذكرك والصلاة عليهم دون القوم.
قال: أيهم؟
قالوا: عبد الله بن مسعود.
قال: (علم السنة وقرأ القرآن وكفى به علماً، ثم ختم به عنده).
فلم يدروا على ما يريد بقوله: (كفى به علماً) كفى بعبد الله بن مسعود أم كفى بالقرآن.
قالوا: فحذيفة؟
قال: (عَلِمَ أو عُلّم أسماء المنافقين وسأل عن المعضلات حين غُفل عنها؛ فإن تسألوه عنها تجدوه بها عالماً). ثم ذكر باقي الحديث بنحو ما تقدم، وفيه زيادات، وقد رواه أحمد بن منيع كما في المطالب العالية، والضياء المقدسي في المختارة، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال قيس بن الربيع الأسدي، عن أبي إسحاق [السبيعي]، عن هبيرة [بن يريم] قال: شهدت علياً وسئل عن حذيفة فقال: (سأل عن أسماء المنافقين فأُخبر بهم). رواه أبو داوود الطيالسي، وابن عساكر.
- وقال أسود بن عامر الشامي: حدثنا شعبة بن الحجاج، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيسٍ ، قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة » وأربعة لم أحفظ ما قال شعبة فيهم). رواه أحمد، ومسلم.
- وقال الأعمش: حدّثني إبراهيم، عن الأسود، قال: كنّا في حلقة عبد اللّه فجاء حذيفة حتّى قام علينا فسلّم، ثمّ قال: «لقد أنزل النّفاق على قومٍ خيرٍ منكم»، قال الأسود: سبحان اللّه إنّ اللّه يقول: (إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار)، فتبسّم عبد اللّه، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد اللّه فتفرّق أصحابه، فرماني بالحصا، فأتيته، فقال حذيفة: «عجبت من ضحكه، وقد عرف ما قلت، لقد أنزل النّفاق على قومٍ كانوا خيرًا منكم ثمّ تابوا، فتاب اللّه عليهم». رواه البخاري في صحيحه، والنسائي في السنن الكبرى.