تفسير قول الله تعالى: {ومكر أولئك هو يبور}
معنى التعريف بأولئك
التعريف بأولئك لاسم الإشارة البعيد، يفيد معنى إبعادهم، وهو مقابل لتقريب أصحاب الكلم الطيب والعمل الصالح.
معنى {يبور}
{يبور} يجمع ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول: يفسد، ويبطل.
ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
كل دين يوم القيامة عند ... الله إلا دين الحنيفة بور
أي: دين باطل.
والمعنى الثاني: يكسد فلا ينتفع به صاحبه، ومن يقال: بارت السلعة إذا كسدت ولم يُرغب بها.
قال الكسائي: ومنه الحديث: «أنه كان يتعوذ من بوار الأيّم»، وذلك أن تكسد فلا تجد زوجاً، ذكره ابن فارس في مقاييس اللغة.
والمعنى الثالث: يهلك فلا يبقى فيه خير، ومنه يقال للأرض الذي لا نبت فيها: أرض بور.
فمكر أولئك المجرمين المبعدين بائر بالمعاني المتقدمة كلّها؛ فهو مكر فاسد باطل، وكاسد لا يُقبل عند الله، ولا ينتفع به صاحبه، وهالك لا خير فيه.
والإتيان بالفعل المضارع لإفادة التجدد، وأنّ هذا حكم كلّ مكر سيء إلى أن تقوم الساعة.
وأقوال السلف في تفسير هذه الآية لا تخرج عن هذه المعاني:
- قال معمر عن قتادة في قوله: {هو يبور} قال: (يفسد). رواه عبد الرزاق.
- وقال يزيد بن زريع: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {ومكر أولئك هو يبور} (أي: يفسد). رواه ابن جرير.
- وقال ابن وهبٍ: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ومكر أولئك هو يبور} قال: (بار فلم ينفعهم، ولم ينتفعوا به، وضرّهم). رواه ابن جرير.
- وقال يحيى بن سلام البصري: ({ومكر أولئك} أي: وعمل أولئك، {هو يبور} هو يفسد عند اللّه، لا يقبل اللّه الشّرك، ولا ما يعمل المشرك من العمل الصّالح، ولا يقبل العمل إلا من المؤمن).
- وقال ابن جرير: (وقوله: {ومكر أولئك هو يبور} يقول: (وعمل هؤلاء المشركين يبور، فيبطل فيذهب، لأنّه لم يكن للّه، فلم ينفع عامله).
- وقال ابن قتيبة: ({ومكر أولئك هو يبور}: أي: يبطل).
- وقال أبو إسحاق الزجاج: ({هو يبور}: أي : يفسد).
- وقال أبو عمر الزاهد: ({يبور}: أي: يهلك، ويفنى).
- وقال ابن عطية: (و"يبور" معناه: يفسد ويبقى لا نفع فيه).
فائدة التخصيص بـ{هو}
التخصيص بـ{هو} لإفادة الحصر والتأكيد على بواره، وليخرج من هذا الحكم كلّ مكر حسن يحتاج إليه أهل الإيمان.
وأن ما يصدر من المؤمن من قول طيب وعمل صالح لا يبور عند الله، بل هو كريم على الله، مرضيّ عنده، يصعد إليه ويرتفع عنده ويذكّر بصاحبه، ولا يضيع عند الله تعالى من ذلك شيء، قال الله تعالى: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} و{عملاً} نكرة في سياق النفي فتعمّ كلّ عمل مهما قلّ، وقال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره}.
وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}
وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)}