بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة جمع القرآن
المجموعة الخامسة:
س1: ما فائدة جمع أبي بكر للقرآن؟ وما موقف الصحابة رضي الله عنهم منه؟
لما رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن القراء من الصحابة قد قتل منهم كثير يوم اليمامة، خشي على ضياع القرآن بموت القراء؛ فقد كانت الآيات والسور قبل جمع أبي بكر متفرّقة في العسب واللحاف وصدور الرجال، وكانت الاعتماد في ذاك الوقت على ما حفظ في الصدور، فأشار عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجمع، فشرح الله صدر أبي بكر لذلك، وأمر بجمعه في مصحف واحد مع بقاء قراءات الصحابة، فكانت فائدة جمعه توثيق للقرآن في مصحف واحد وحفظاً له من الضياع .
وأما عن موقف الصحابة رضي الله عنهم من جمع أبي بكر الصديق للقرآن، فقد أجمعوا على الأمر ولم يخالفوا الصديق بل شاركوا واتفقوا على الأمر، فأخذ هذا الجمع للقرآن الصفة الإجماعية، ونال قبولهم كافة، فكان محلّ إجماع منهم.
لو ذكرت الحديث
**********************
س2: عرّف بأسماء أجزاء المصحف وملحقاته في الزمان الأول.
قام علماء السلف الصالح بوضع تسميات لأجزاء المصحف وملحقاته على النحو التالي:
دفتا المصحف: أي ضمامتاه من جانبيه.
الشَّرَج: أي عرى المصحف.
الرَّصيع: أي زر عروة المصحف.
الرَّبعة: أي الصندوق الذي يوضع فيه المصحف.
وأوراق المصاحف كانت من أُدم رِقَاق .
****************************
س3: لخّص موقف ابن مسعود رضي الله عنه من جمع عثمان.
لقد تلقى الصحابة رضوان الله عليهم جمع عثمان رضي الله عنه بالقبول بل ونقل عنهم الاجماع على استحسان ذلك الجمع، ويستدل برواية سويد بن غَفَلة حيث قال: « والله لا أحدثكم إلا شيئاً سمعته من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، سمعته يقول: يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرا في المصاحف وإحراق المصاحف؛ فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منّا جميعاً أصحابَ محمد، دعانا فقال: « ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضكم يقول: قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفراً، وإنكم إن اختلفتم اليوم كان لمن بعدكم أشد اختلافاً » قلنا: فما ترى؟ قال: «أن أجمع الناس على مصحف واحد؛ فلا تكون فرقة ولا اختلاف» قلنا : فَنِعْمَ ما رأيت. قال علي: « والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل»، ولم يخالف في ذلك في بادئ الأمر إلا ابن مسعود رضي اللّه عنه، وسبب مخالفته رضي الله عنه: أن حذيفة لما رأى اختلاف الناس في القراءة وتنازعهم خشي من حدوث الفتنة والاختلاف فيه كما حصل في أهل الكتاب فقال في مجلس لعبد الله ابن مسعود وأبي موسى الأشعري لو أنكما أقمتما هذا الكتاب على حرف واحد، ثم لما رأى تفاقمَ الأمر لم يجد بدا من رفعه لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه فرفعه إليه فأمر زيد بن ثابت وكان أعلمهم بالخط والكتابة بجمع القرآن ومعه نفر من الصحابة ولم يكن بينهم عبد الله ابن مسعود فغضب رضي الله عنه لأمرين:
- الأول: لأنّه كان يخشى أن يُترك بعض الأحرف التي قرأ بها وتلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثاني: ذلك لأنّه كان يأمر القراء أن يقرأ كل واحد منهم على ما علم ولا ينكر على من قرأ قراءة صحيحة؛ بل ربما اشتدّ على من يسأل عن الأحرف خشية أن يضرب السائل بعض القراءات ببعض، ويصرف نظره إلى التدبّر والتفكر والعمل، غير أنّه بعد أن رأى إجماع الصحابة على ذلك ورضاهم رأى أنّ هذا الجمع حقّ فرضيَ، بل كان يسكّن الناسَ في أمر الاختلاف في القراءات، وأنّ كلّ حرف منها كافٍ شافٍ، وأنّ من قرأ على قراءة فليثبت عليها ولا يشكّك فيها ولا يدعنّها رغبة عنها
***********************
س4: كم عدد المصاحف العثمانية؟
اختلفت الروايات على عدة أقوال :
الأول: أنها كثيرة وغير محددة بعدد معين والدليل ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ : « عثمان أرسل إلى كل أفقٍ بمصحفٍ مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرق » .
الثاني: أنّ عددها أربعة، ورجح هذا القول أبو عمرو الداني:
1. مصحف في المسجد النبوي بالمدينة.
2. مصحف في الشام.
3. مصحف في الكوفة.
4. مصحف في البصرة .
الثالث: أنّ عددها خمسة؛ المصاحف السابقة إضافة إلى المصحف الإمام، وهو المصحف الذي أمسكه لنفسه .
الرابع: أنّ عددها سبعة مصاحف؛ في مكة، والشام، واليمن، والبحرين، والبصرة، والكوفة، والمدينة .
الخامس: أنّه كان عددها ثمانية، في كل مصر مصحف واحد فأرسل إلى البصرةِ، والكوفةِ، والشامِ، والمدينة، مكة، واليمن، والبحرين وأمسك لنفسه مصحفاً الذي يقال له: "الإمام"، وهذا قول ابن الجزري في طيبة النشر
والخلاصة أنه إن تفاوتت الروايات في بيان عدد هذه المصاحف إلا أنه قد نسخت منه نسخاً عدة حتى كثر عددها، وانتشرت في البلدان .
***************************
س5: هل كلّ ما خالف المصاحف العثمانية منسوخ بالعرضة الأخيرة؟
قول أن ما خالف المصاحف العثمانية منسوخ بالعرضة الأخيرة ، هو قول أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني والزرقاني في مناهل العرفان حيث قال: (ما لا يوافق رسم المصحف بحال من الأحوال نحو قوله سبحانه: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} وقرأ ابن عباس هكذا (يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) بزيادة كلمة صالحة فإنَّ هذه الكلمة لم تثبت في مصحف من المصاحف العثمانية فهي مخالفة لخطّ المصحف، وذلك لأنَّ هذه القراءة وما شاكلها منسوخة بالعرضة الأخيرة، أي عرض القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل آخر حياته الشريفة، ويدل على هذا النسخ إجماع الأمة على ما في المصاحف
وهذه الدعوى باطلة لا تصح من عدة وجوه :
• أنّ الصحابة كانوا يصلون ويقرؤون بهذه القراءات في الجمع والجماعات، فلولو كانت قراءة أحد منهم منسوخة لأُنكِرَ عليه .
• أن القراءة بالمنسوخ قد تُتَصوّر من الرجل والرجلين في أحرف يسيرة، وأما ما يحمله العدد الكثير من القراء، ويشتهر ذكره ولا ينكر فلا.
• أنّ الصحابة رضي الله عنهم إنّما حملهم على الجمع في زمن عثمان اختلافُ الناس في الأحرف، لا أنّ أحداً من القرّاء كان مصرّاً على الإقراء بالمنسوخ.
• أن ابنُ عباس شهد لابن مسعود أنّ قراءته هي الأخيرة، كما أن زيد بن ثابت كان ممن عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه، فكلاهما قد شهد العرضة الأخيرة، واختلفت قراءتهما في بعض الأحرف، وكلاهما أقرأ الناسَ زمناً طويلاً بعد النبي صلى الله عليه وسلم، من غير إنكار، وابن عباس قرأ على زيد بن ثابت وروي أنه أخذ بعض الأحرف من قراءة ابن مسعود، ولم ينكر على أحد منهما أنه يقرئ بالمنسوخ.
• أنّ حذيفة رضي الله عنه كان عالماً باختلاف القرَّاء، ولو كان أحدهم يُقرئ بالمنسوخ لأَنكر عليه، ولما احتاج الجمعُ إلى أكثر من الإنكار على من يُقرئ بالمنسوخ.
• أنّ أئمة القراء قرروا بطلان هذه الدعوى، وذلك عندما ردّوا على دعوى احتواء المصاحف العثمانية للأحرف السبعة .
لذلك ، يتبين لنا ضعف هذا القول وأنه مجرد دعوى لا تقوم عليها الأدلة، بل هي دعوى باطلة، منشأها أقوال المتكلمين كما قال ابن تيمية.
والله الموفق؛؛؛