بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس مذاكرة القسم السابع من كتاب التوحيد
المجموعة الثانية:
س1: ما معنى نفي الإيمان في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
المراد بالإيمان هنا هو الإيمان الواجب، ونفيه هو انتفاء ما تبرأ به الذمة، ويستحق به العذاب.
وذلك الإيمان الواجب لا يحصل إلا بتحقيق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من الولد والوالد والناس جميعا، بل حتى من محبة العبد لنفسه، وقد جاء في البخاري من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا نفسي)، فقال النبي صلى الله علي وسلم: ( والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) قوله: ( فإنك الآن والله أحب إلي من نفسي)، فقال صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر)، أي الآن تحقق الإيمان الواجب منك.
س2: ما هي المحبة الشركية؟
أصل التوحيد وأساسه إخلاص المحبة لله عز وجل، فعلم أن من أحب مع الله شيئا بقدر محبته لله عز وجل فقد وقع في المحبة الشركية، وهذه المحبة على قلتها أو كثرتها فإنها محبة شركية، وهى محبة المشركين للأنداد الذين اتخذوهم آلهة مع الله عز وجل فجعلوا يصرفون لهم ما وجب صرفه لله وحده، وصاروا يتقربون من أندادهم رغبا ورهبا اعتقادا النفع والضر منه، ولا أوضح من حال من قصد قبرا لولي وصرف له المحبة والتعظيم وطمع في أن ينجيه ويخلصه وينصره، حتى أنه صار عنده بمنزلة الإلهة المعبود، نسأل الله العافية.
س3: بيّن خطر إرضاء الناس بسخط الله.
قال الله تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، فالغاية الأسمى التي خلق العبد من أجلها، عبادة الله وحده، ومن لوازم عبوديته إرضاء الله وتجنب سخطه، أما من استبدل رضا الله برضا الناس نال سخط الله، ومن كانت هذه حاله فإنه استجلب أسباب الهلكة، ومنشأ السعي لرضا الناس هو اتباع المرء لهواه، وحرصه على إشباع ما في نفسه من حب منصب أو رياسة أو غير ذلك من شهوات زينت له، ومن كانت هذه حاله فإنه يفقد الإخلاص الذي هو أساس التوحيد، وعماده، ويصير عبدا لشهوته وهواه، كما جاء في الحديث، هو عبد للدرهم وعبد للقطيفة وعبد للخميصة.
س4: ما حكم التوكل على غير الله تعالى؟
التوكل عمل قلبي، وهو عبادة عظيمة لا تُصرف إلا لله عز وجل، وهو أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان ولجميع أعمال الإسلام، وحكم التوكل على الله أنه فريضة يجب إخلاصه إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) فجعل التوكل من الإيمان.
أما التوكل على غير الله ففيه تفصيل:
-إما أن يكون التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله ، مثل التوكل على الأموات والطواغيت ، فيتوكلون عليهم في طلب الرزق، والنصر، والحفظ، والشفاعة، وهذا شرك أكبر.
- إما أن يكون التوكل في الأمور التي يقدر عليها المخلوق، كمن يتوكل على أمير أو سلطان فيما أقدره الله عليه، ويحصل مع التوكل تعلق القلب بذلك السبب تعلقا كبيرا، وهذا شرك أصغر.
- أما تفويض أمر ما لشخص ليقضيه، مع كمال التوكل على الله، وصدق اللجوء إليه، وعدم التعلق بالسبب فهذا جائز ولا إشكال فيه.
س5: بيّن خطر الأمن من مكر الله تعالى، وأثره السيء على العبد، وكيف يعالج نفسه من يجد فيها شيئاً من ذلك.
الأمن من مكر الله هو من أكبر الذنوب، وينافي كمال التوحيد، والأمن من مكر الله له صور منها: الإقامة على الذنب والتمني على الله المغفرة، أو أن يوسع الله على العبد ويعطيه ويكون هذا استدراجا لا إكراما.
وأثره على العبد أنه يجعله يترك العبادات أو يتراخى في أدائها، ويجرؤوه على المعاصي وهذا من تغرير الشيطان للعبد، ويكون علاج هذا الأمر بإقبال العبد على ربه ومعرفته بأسمائه وصفاته، وتعلم الدين حيث تكون الإفاقة من الغفلة، ومعرفة ما عليه من حقوق، والتعرف على ركائز العبودية الثلاث وهى الخوف والمحبة والرجاء، وتقوية ركيزة الخوف، فإن غيابها منشأ الأمن من مكر الله، وبهذه المعرفة تصلح النفس فتنبذ ما قبح من صفات وأخلاق مثل العجب والغرور والكبر فإن العبد يغتر بنفسه وحاله حتى يتكبر حتى عن أداء العبادات وما عليه من واجبات.
س6: بيّن معنى الرياء، ودرجاته.
الرياء: مشتق من الرؤية، والمراد به: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدون صاحبها.
والرياء من أنواع الشرك، وتارة يكون شرك أكبر، وتارة يكون شرك أصغر، ويدخل في الرياء تحدث العبد بما عمل قاصدا مدح الناس.
وهو على درجتين :
الدرجة الأولى: رياء المنافقين، فيظهر المرء الإسلام ويبطن الكفر، يريد بذلك الخلق.
وهذا العمل مناف للتوحيد وهو كفر أكبر بالله.
وهم الذين وصفهم الله في قوله تعالى: (يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)يُراءون الناس، يعني: الرياء الأكبر الذي هو إظهار أصل الإسلام وشعب الإسلام؛ وإبطان الكفر، وشُعَب الكفر.
الدرجة الثانية: رياء يقع من بعض المسلمين في العمل أو بعض العمل، فهذا شرك خفي، مناف لكمال التوحيد.
وفي هذه الدرجة تفصيل:
1. فإما أن يكون العمل ابتداءً يراد به الرياء، ويستمر المرء عليه، فعمله حابط وهو شرك أصغر يخشى أن يتذرع به إلى الشرك الأكبر.
2. وإما أن يكون عمله فيه خلط بين هذا وذاك يقصد به وجه الله ومراءاة الناس، فعمله باطل.
3.وإما أن يكون العمل ابتداءً لوجه الله ثم طرأ على المرء خاطر الرياء فإن دافعه لم يبطل عمله وصح إخلاصه، وإن ركن إليه نقص أجره بحسب ما كان يرائي، وهذا يؤدي إلى نقص الإيمان في قلبه.
س7: اكتب رسالة قصيرة في بيان أثر التوحيد في الإعانة على الصبر.
بسم الله والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الحمد لله الذي خلق العباد وأحسن صورهم، وامتن عليهم بالنعم والعطايا، وقدر عليهم من الهموم والبلايا، وفي كل حكمة ولطف ورحمة، وقد أخبر المولى عز وجل بالغاية من خلق العباد وهى توحيده وإفراده بالعبادة، وجعل فوزهم في الدنيا والآخرة متوقف على اجتيازهم ما قدره عليهم من الأوامر والنواهي والأقدار التي يصيب بها من يشاء من عباده.
ولن ينجح العبد في اجتياز اختبارات الدنيا إلا بالصبر، الصبر على طاعة الله وما أمر به، والصبر عن معصيته وما نهى عنه، والصبر على ما قُدر من مصائب.
وقد دلت نصوص كثيرة على منزلة الصبر، ومنها ما قُرن فيها بين الإيمان والصبر كقول الله تعالى: (مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ) ، والمعنى أن من أصابته مصيبة فعلم أنها بقدر الله ومشيئته وحكمته، وهذا ينشأ من الإيمان بالله ومعرفته سبحانه، فصبر واحتسب فجزاه الله هداية ملأت قلبه فأطمان وسكن، والهداية أصل سعادة الدارين.
فانظر كيف جعل الإيمان بالله ومشيئته النافذة وحكمته البالغة سبب في الصبر وحبس النفس عما يقابله.
واسمع لقول ابن أبي طالب رضي الله عنه، إذ قال: (إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ألا إنه لا إيمان لم لا صبر له)، فنفى الإيمان عن فاقد الصبر، فالصبر ملاك الأمر، فلا ترى صاحب الإيمان إلا صابرا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثنتان من الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت)، رواه مسلم في صحيحه.
فقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بوجود من خصال الكفر في من أتى بأمرين: الطعن في النسب، والنياحة على الميت، وقد علم أن الموت من المصائب والبلايا كما قال الله تعالى: ( ..فأصابتكم مصيبة الموت..) وقد لا يتحملها الشديد إذا فقد غالٍ أو عزيزٍ، والنياحة على الميت من التسخط على القدر المنافي للصبر، ولو كان الفاقد يملك إيمانا لصبر.
فاعلم أنه بقدر ما مع المرء من إيمان بقدر ما يكمل صبره ويحسن، والواجب على العبد أن يسعى في تكميل إيمانه، ويتجنب ما يناقضه، فيهديه الله للصبر والرضا في وقت الشدائد والملمات.
الحمد لله رب العالمين