المجموعة الثالثة:
س1: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث البعوث لتعليم القرآن والتفقيه في الدين، وضحّ ذلك وبيّن أثره.
من الأمور التي اعتنى بها النبي-صلى الله عليه وسلم- بثعث المعلمين إلى الأمصار , فكان ممن بعثهم :
- بعث مصعب بن عمير وابن أمّ مكتوم إلى المدينة لتعليم الناس القرآن والدين.
- بعث سبعين من القراء إلى رعل وذكوان وعصية وبني لحيان , وحصل ما حصل من غدرهم وقتلهم للقراء .
- أبقى معاذ بن جبل في مكة بعد فتحها لتعليم الناس .
- بعث عثمان بن أبي العاص إلى الطائف.
- بعث إلى البحرين العلاء بن الحضرمي.
- وبعث عباد بن بشر الأشهلي إلى بني المصطلق.
- وكان يبعث أحيانا معاذا إلى أحياء من العرب يدعوهم إلى الإسلام .
- بعث عمرو بن حزم النجاري إلى نجران، لتعليمهم القرآن ، وكتب له كتابا جاء في : ((عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ الحقَّ كما أمره، وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم فيه، وينهى الناس، ولا يمسَّ أحدٌ القرآن إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم ويلين لهم في الحق، ويشد عليهم في الظلم، فإنَّ الله عز وجل كره الظلم ونهى عنه...).
- ولما بعث أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن أوصاهما بقوله : «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» .
وكان لهذه البعوث التي بعثها -صلى الله عليه وسلم- عظيم الأثر الذي تجلى في عدة أمور:
1- التعريف بالإسلام ونشره وزيادة رقعته .
2- نشر القرآن الكريم بين الناس .
3- تعليم المسلمين الجدد ما يحتاجون من أمور دينهم من خلال بيان أحكامه وتفقيههم فيه .
4- وضع قاعدة متينة للعمل الدعوي يعمل بها ولو بعد موته صلى الله عليه وسلم.
5- تدريب الدعاة على كيفية الدعوة إلى الله , وبيان أهمية معرفة حال المدعو
س2: ما هي العلوم التي كان الصحابة رضي الله عنهم يُعنون بها؟
كان اهتمام الصحابة -رضوان الله عليهم- منصبا نحو القرآن والسنة كونهما أصل العلوم , فأولوا عنايتهم لما تعلموه من العلوم على زمن النبي-صلى الله عليه وسلم- فبدؤا بتعليمها ونقلها للناس .
وكان مما ظهر في عصرهم من العلوم :
- العناية بالمصاحف , وقد ظهر جليا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه , فجمع القرآن في عهده , وكان ابن مسعود رضي الله عنه يملي المصاحف في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فانتشر بينهم استنساخ المصاحف , وهذا فيه شدة عنايتهم بكتاب الله جل وعلا .
- ظهرت كثير من أبواب السياسة الشرعية في عهد عمر رضي اله عنه , فقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لمّا ولي عمر الخلافة فرض الفرائض، ودوَّن الدواوين، وعرَّف العرَفاء) , ؛ فنظّم -رضي الله عنه- شؤون الدولة ، وعين الولاة ، وعرّف العرفاء، وأنشأ الدواوين، وعيّن القضاة، وأقام الحسبة، وفرض الأعطيات.
وقد هم -رضي الله عنه- بجمع السنة لكنه تركه خشية أن ينشغل الناس به عن القرآن.
-أما في عهد عثمان رضي الله عنه- فقد حصل الجمع الثاني للقرآن , فجمع الناس على مصحف إمام ، وبعث إلى الأمصار بنسخٍ منه ، وأمرهم أن يقوّموا مصاحفهم عليها، فشاع استنساخ المصاحف .
- ولما ظهرت الخوارج والسبئية في عهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه- ناظرهم المسلمين من أمثال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما .
كذلك في عهده رضي الله عنه نشأ علم النحو.
- روى سعيد بن سَلْم بن قتيبة بن مسلم الباهلي عن أبيه عن جدّه عن أبي الأسود، قال: دخلتُ على عليّ فرأيته مطرقا، فقلت: فيم تتفكر يا أمير المؤمنين؟
قال: سمعت ببلدكم لحناً، فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية، فقلت: إن فعلت هذا أحييتَنا، فأتيته بعد أيام؛ فألقى إليَّ صحيفة فيها: (الكلام كلُّه: اسم، وفعل، وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل). ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.
- وفي أواخر عهد الصحابة ظهر النقط والشكل للمصاحف .
- ولما ظهرت في أواخر عهدهم المرجئة والقدرية : رد عليهم الصحابة وحذروا منهم.
س3: لخّص القول في اختلاف الصحابة والتابعين في كتابة غير القرآن من الحديث ومسائل العلم.
اختلف الصحابة والتابعون في كتابة غير القرآن على أربعة أقوال بحسب ما جاء عنهم :
القول الأول:
النهي عن كتابة غير القرآن مطلقا مخافة الافتتان به , والانشغال به عن القرآن ، حتى جاءت أخبار عن بعضهم بأنه كان يمحو ما يجده في الكتب من غير القرآن , وهذا قول ابن مسعود وأبي موسى الأشعري وزيد بن ثابت ، وأبي سعيد الخدري وغيرهم، وهو إحدى الروايتين عن عمر.
- ومما روي عن محوهم لما كتب من غير القرآن :
ما ذكره حصين بن عبد الرحمن عن مرة الهمداني حيث قال: جاء أبو قرة الكندي بكتاب من الشام، فحمله فدفعه إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فنظر فيه فدعا بطست، ثم دعا بماء فمرسه فيه، وقال: «إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب وتركهم كتابهم»
قال حصين: فقال مرة: (أما إنه لو كان من القرآن أو السنة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب). رواه الدارمي، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
القول الثاني :
الحث على كتابة العلم وتقييده خشية النسيان، وهو قول علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبي أمامة الباهلي وغيرهم، وهو رواية عن أبي هريرة، ورواية عن ابن عباس.
وكتابة غير القرآن كانت معروفة من وقت الصحابة -رضوان الله عليهم- حيث اهتم من كان يعلم الكتابة بكتابة حديث النبي-صلى الل عليه وسلم- من أمثال عبدالله بن عمرو , حيث قال عمرو بن دينار، عن وهب بن منبه، عن أخيه، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: «ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب» رواه الدارمي.
- وقال عبد الله بن المثنى: حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس، أن أنسا رضي الله عنه، كان يقول لبنيه: «يا بني قيدوا هذا العلم» رواه الدارمي.
وكان عمر بن عبد العزيز يحث على الكتابة , وقد عزم في خلافته على كتابة الأحاديث والسنن؛ فتمّ له ذلك.
والقول الثالث:
منع الكتابة واستثناء الخاصّة الذين عُرف عنهم التيقّظ والتوثّق في كتابة العلم ، وهو ظاهر صنيع عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمر.
فقد كان ابن عباس -رضي الله عنهما- صاحب كتب، وكان لديه من يكتب له ، ومات وفي تركته حمل بعير من الكتب، وكان يأذن لبعض أصحابه بالكتابة كابن مليكة ، وكان يكتب لبعضهم، أما العامة فكان لا يجيبهم في كتابة الرسائل ويثول لصاحب الكتاب أبلغه بكذا وكذا؛ فإنا لا نكتب العلم في الرسائل.
ولما عمي رضي الله عنه كان يصمت إن علم أن في مجلسه من يكتب عنه ، خشية أن يَكتب عنه من لا يُحسن كتابة مسائل العلم فيضع كلامه في غير مواضعه .
وقد روى هارون بن عنترة الشيباني، عن أبيه أنه قال: حدثني ابن عباس بحديثٍ فقلتُ: أكتبه عنك؟ قال: «فرخَّص لي ولم يَكَدْ» رواه الدارمي.
ويدل هذا على توسط مذهب ابن عباس في كتابة العلم، وأنه يأذن فقط للثقة الذي سيضع المسائل في موضعها , وهذا التفريق قائم على تحقق المصلحة ودرء المفسدة.
القول الرابع:
الترخيص في كتابة العلم لمن كان سيّء الحفظ أ, فيكتبه حتى يحفظه، ومنهم من يمحوه بعد ذلك ، ومنهم من يكتب لنفسه ثم يمحو ولا يأذن لأحد أن يكتب عنه ولا ينسخ من كتبه ، وهو مذهب عبيدة السلماني، وسعيد بن المسيب، وأبي قلابة الجرمي، ومحمد بن سيرين، وغيرهم.
- قال عبد الرحمن بن حرملة: (كنت سيء الحفظ فرخّص لي سعيد بن المسيب في الكتاب). رواه الخطيب البغدادي.
- وروى يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين أنه (كان لا يرى بأسا أن يكتب الحديث فإذا حفظه محاه). رواه ابن سعد.
وقد آلت الأمور بعد ذلك إلى جواز كتابة العلم، ورجع بعض من قال بالمنع إلى الإذن بالكتابة لما رأوا من الحاجة الشديدة للكتابة وحفظ العلم , حتى قال مالك بن أنس: سمعت يحيى بن سعيد يقول: «لأَن أكون كتبت كل ما أسمع أحب إلي من أن يكون لي مثل مالي» رواه البيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال الزهري: «كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء فرأينا أن لا نمنعه أحداً من المسلمين» رواه البيهقي في المدخل إلى السنن.
وقد ندم بعضهم على ترك الكتابة أو إتلاف الكتب لما رأى الحاجة إليها , كما روي أنّ عروة بن الزبير أتلف كتبه ثمّ ندم على إتلافها.
س4: اذكر أصناف أهل العلم من التابعين.
الصنف الأول :
أهل الفقه والاجتهاد والنظر، وهم من برز من أئمة المفسرين والفقهاء والقضاة والمحدثين ، من أمثال الفقهاء السبعة، وعبيدة السلماني، وعلقمة بن قيس النخعي، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة.
الصنف الثاني:
أهل الحفظ والرواية، فضبطوا المرويّات وأدّوها كما سمعوها امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم , ؛ فانتفع الناس بعلمهم ونشروه.
وهذا الصنف منهم من كانت له عناية بالتفسير، ومنهم من كانت له عناية بالأحاديث والآثار والسير، ومنهم من كانت عنايته بأقوال الفقهاء.
ومنهم: عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، وسعيد بن نمران، وحسان بن فائد، وأربدة التميمي، والربيع بن أنس البكري، وأبو تميمة طريف بن مجالد الهجيمي، وأبو المتوكّل الناجي، وأبو الزبير المكي، وأبو صالح مولى أمّ هانئ، وغيرهم.
الصنف الثالث:
هم أهل عبادة وصلاح واستقامة , وقد انتفع الناس بصلاحهم واستقامتهم خاصة في أوقات الفتن؛ فكانت سيرهم وأخبارهم وعباداتهم ومواقفهم من الفتن تروى للناس وتبث ، وإن كان المروي عنهم من الأحاديث والآثار والفتاوى نادر جداً ، ومن هؤلاء: أويس القرني، وهرم بن حيان العبدي، وعامر بن عبد قيس التميمي.
والأصناف الثلاثة عرفوا بالعلم وإن كان بعضهم أكثر عناية ببعض العلوم من بعض , وكان من التابعين من هو إمام في هذه الأصناف الثلاثة .