سيرة أنس بن مالك بن النضر النجاري الأنصاري رضي الله عنه(ت92هـ)
ضيق المشركون الخناق في مكة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأذن الله للحبيب صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة فاستقبله رجالها ونساؤها وأطفالها فرحين مسرورين بقدومه ، وكان من بين هؤلاء أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها وابنها النجيب أنس بن مالك الذي لم يتجاوز عمره آنذاك عشر سنين ؛ فألهم الله سبحانه وتعالى أمه الحكيمة بفكرة جليلة عظيمة وهي أن تهبه لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فينال بذلك شرف قربه والتعلم منه والأخذ من بركته ؛ فقبل الحبيب طلبها وواظب أنس على خدمته عشر سنين ونشأ أنس في ظلال الدوحة النبوية ،فكان من أعرف الناس بشؤون النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى من دلائل النبوة شيئاً كثيراً ، قال إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثنا أنس، قال: جاءت بي أمي أم أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أزَّرتني بنصف خمارها، وردَّتني بنصفه، فقالت: يا رسول الله! هذا أنيس ابني، أتيتك به يخدمك فادع الله له، فقال: «اللهم أكثر ماله وولده».
قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادّون على نحو المائة، اليوم). رواه مسلم.
ومما استفاده أنس من ملازمة الحبيب صلى الله عليه وسلم أن كبار الصحابة كانوا يسألونه عن بعض ما يعلم من شؤون النبي صلى الله عليه وسلم؛ وكان من أسعد الناس حظا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعظمهم بركة بتلك الصحبة؛ وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة؛ فبورك له في عمره وولده وماله وعلمه بركة عظيمة هي من دلائل النبوة.
تأثر أنس رضي الله عنه بمعاملة الحبيب صلى الله عليه وسلم الطيبة له ولطفه به رغم حداثة سنه وصغره ،فقد روى سعيد من منصور من طريق ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي: أفا قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟). رواه مسلم.
فكان هذا سببًا في شدة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم فحرص على اتّباع هديه وسمته ،قال أبو هريرة: (ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم. يعني أنسا).
وقال أنس بن سيرين: كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر.
كما بلغ من شدّة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أحب ما يرى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم يحبّه من الطعام.
فقد روى الإمام مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: إنَّ خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا ومرقاً فيه دُبَّاء وقديد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم «يتتبع الدباء من حوالي القصعة»، قال: «فلم أزل أحب الدباء من يومئذ» رواه البخاري.
ومن فضائله رضي الله عنه أنه صلى للقبلتين ، وشهد المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى روي أنه خرج معه إلى بدر يخدمه ولم يقاتل.
لزم أنس الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى مات ، لكن هذه العلاقة القوية لم تنقطع فكان يزوره حبيبه صلى الله عليه وسلم في منامه ، قال: المثنى بن سعيد الذارع: سمعت أنس بن مالك يقول: (قلَّ ليلةٌ تأتي علي إلا وأنا أرى فيها خليلي صلى الله عليه وسلم)
قال المثنى: وأنس يقول ذلك وتدمع عيناه. رواه الإمام أحمد وابن سعد في الطبقات.
ثم أحسن صحبة أبي بكر وعمر وكانا يثنيان عليه، ثم شهد بعض الفتوح مع المسلمين، ثم سكن البصرة، وكان له بها أرض وزرع ومال، وطال عمره حتى حدّث عنه خلق كثير من التابعين، وكان يحبّ طلاب العلم ويقرّبهم، وربّما آثرهم بالحديث على بنيه لما يرى من حرصهم على العلم.
وقد روى عنه ما يزيد على مائتين وخمسة وثمانين من الصحابة والتابعين، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يزيد على 2200 من الأحاديث؛ مما يدل على عظيم أثره، وعلوّ همته في تبليغ العلم الذي حصّله من الرسول صلى الله عليه وسلم
تُوُفِّي -رضي الله عنه- بالبصرة، قيل: سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة اثنتين وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين من الهجرة النبوية.
رحم الله أنسا رضي الله عنه وجمعه بحبيبه صلى الله عليه وسلم وآنسه بصحبته .
-الفوائد المستفادة من سيرته :
-الإقتداء بأم سليم رضي الله عنها باختيار المعلم والمؤدب للأبناء والحرص على تربيتهم وتنشئتهم على الدين والأخلاق الفاضلة .
-تحبيب العلم وخدمة الدين للأبناء الصغار منذ نعومة أظفارهم.
-التأسي بهدي الحبيب صلى الله عليه وسلم وسمته والتقرب إلى الله بذلك .
الحرص على ملازمة العلماء والتأسي بهم والانتفاع بعلمهم وأخلاقهم .
نشر العلم النافع بين الناس وعدم كتمانه تأسيا بما فعله الصحابة الكرام .