المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداء حسين
المجموعة الأولى:
السؤال الأول: بيّن الدلائل على كمال القرآن وحسن أسلوبه وقوّة تأثيره.
بين الله في القرآن جميع العلوم النافعة, قال تعالى:{ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}، فاحتوى ما يحتاجه البشر من علوم إلى قيام الساعة, مثل: علوم الأصول وعلوم الفروع والأحكام، وعلوم الأخلاق والآداب، وعلوم الكون، وهو المرجع في الحقائق الشرعية والعقلية، فهو كلام الله سبحانه, فيستحيل أن يأتي علم صحيح أو عقل صريح يعارض ما جاء فيه, فقد قال تعالى فيه: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}.
- وقد جمع الوسائل (الهدى) والمقاصد (الحق), قال تعالى:{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}.
- وجمع كمال اللفظ والمعنى, فأخباره أصدق الأخبار وأحكامه أعدل الأحكام, قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
[الدليل على كمال ألفاظه ومعانيه في قوله تعالى:{ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرًا}]
- وجمع الله فيه بين المتقابلات العامة، مثاله:
قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}فهذه الاية جمعت بين كل ما على العبد فعله(البر) من خير يحبه الله ويرضاه, وكل ما عليه اجتنابه(التقوى) مما يبغضه الله من الآثام والمضار.
وكذا قوله :{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} قد جمع بين زاد السفر في الدنيا وزاد السفر إلى الآخرة.
وجمع بين السير الحسي و السير المعنوي في قوله: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} وغير ذلك من الأمثلة كثير.
وقد قال تعالى:{ما فرطنا في الكتاب من شيء}.
السؤال الثاني: بيّن بإيجاز الأسباب الموصلة إلى المطالب العالية.
ربط الله سبحانه بين الأسباب والمسسببات, وبين لنا الأسباب, وأمرنا بالأخذ بها لنصل إلى المطلوب, ومن السباب التي ذكرت:
- الإيمان والعمل الصالح سببا في الحصول على خيرات الدنيا والآخرة, وبحسب ما حقق العبد منهما بحسب ما تحقق له ما ترتب عليهما من خير.
- التوكل على الله والقيام بالعبودية سببا لحصول كفاية الله, وهذا كقوله:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
- التقوى والسعي من أسباب حصول الرزق, قال تعالى{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} وقال: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}.
- كما كانت التقوى وصدق اللجوء إلى الله بالدعاء والإلحاح عليه به من أسباب تفريج الكربات ورفعها, قال تعالى:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}.
- الدعاء والطمع في ماعند الله سببا لحصول العبد على جميع مطالبه، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
- إحسان العبد في عبادته لربه, وإحسانه إلى الخلق سببا ينال به الإحسان في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
- الإيمان والتوبة والاستغفار وصبر العبد على ما يصيبه من مصائب كل ذلك من مكفرات الذنوب, قال تعالى:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} وقال:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} .
- وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين, قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} .
- ومن أسباب حصول العلم: حسن السؤال والانصات والتعلم والتقوى وحسن القصد, وهذا مثل قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
- الاستعداد للأعداء بكل ما قدر الاستطاعة سببا لحصول النصر قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} .
- وكان اليسر يتبع العسر، قال تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
- وكان شكر الله سببا في حفظ النعم وزيادته, قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.
- ومحبة الله تنال باتباع نبيه-عليه الصلاة والسلام-, قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} .
- وتنال القناعة بملاحظة نعم الله والقيام بحق الشكر, وغض الطرف عما في أيدي الناس, قال تعالى: {قَالَ يا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.
- والعدل سببا لصلاح الأحوال، والظلم سببا لفسادها, قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}.
- ودفع المعاصي والنجاة من الفتن سببه إخلاص القلب لله, قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} .
- ذكر الله والاستعاذة وقوة التوكل: من أسباب دفع تسلط الشيطان على العبد, وهذا في مثل قوله تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}.
- والتفكر في آيات الله الشرعية والكونية من أسباب حصول اليقين, قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
- صلاح العقيدة والعمل وحسن الخلق سببا في دخول الجنة والبشارة عند الموت, قال تعالى: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}.
- وجعل الله أسبابا متنوعة للرزق, فإن تعسر أحدها يسر الآخر, وهذا من فضل الله ومنته على عبيده, قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} .
- ومن أراد الحصول على ثمرات الدعوة إلى الله; فعليه بما تضمنته هذه الآية: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
وغيرها كثير.
السؤال الثالث: بيّن الفروق بين كلّ من:
1. التبصرة والتذكرة
التبصرة: هي كالمرتبة الأولى تكون بالعلم بالشيء والتبصر فيه.
أما التذكرة: فهي ثمرة التبصرة فتكون بالعمل بما علم اعتقادا وعملا.
فالعلم النافع الذي يسأله كل مسلم يقوم على ثلاثة أمور:
- أولا: التفكر بآيات الله الشرعية والكونية.
- ثانيا: التبصر, وهي إدراك معاني ما تفكر به وفهمها, وإلا فالتفكر المجرد عن الأثر لا جدوى منه.
- التذكر, وهذا هو الثمرة, فيعمل بما علم وفهم, ويكون عمله بحسب ما علم سواء كان اعتقادا أو عمل جوارح أو قولا أوعملا قلبيا.
وهذا تجسيد لمعرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه.
2. العلم واليقين
العلم: إدراك الشيء على ما هو عليه وما قام عليه الدليل، والنافع منه ما كان مصدره الوحي.
واليقين: منزلة أخص من العلم بأمرين:
1- اليقين وصف للعلم الراسخ القوي الذي لا يقع فيه الريب والشك, ويسمى علم يقين إذا ثبت بالخبر، ويتحول إلى عين يقين إذا حصلت المشاهدة بالعين الباصرة، ويكون حق يقين إذا ذاقه العبد وتحقق به.
2- أثر اليقين على العبد هو الطمأنينة بخبر الله وذكره، ويحمل اليقين صاحبه على الصبرعلى المكاره، والقوة في أمر الله، والشجاعة والتلذذ بالطاعات فجميعها وغيرها من آثار اليقين.
3. الخوف والخشية
الخوف: هو ما يمنع العبد من انتهاك ما حرم الله, والخشية مثله إلا إن الخشية مقترنة بالعلم ومعرفة الله سبحانه, فيكون الخوف [الخشية] من منزلة ومكانة وعظمة المخوف منه لا مجرد الخوف من العقاب نفسه.
السؤال الرابع: أجب عما يلي:
أ- بيّن أنواع المعية وما يقتضيه كل نوع.
الأولى: المعية العامة، وهذا في مثل قوله تعالى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} فالمعية هنا معية صفات, معية علم وإحاطة.
الثانية: المعية الخاصة، وهي الأكثر في القرآن, وعلامة هذا النوع أن يقرنه الله بالاتصاف بالأوصاف التي يحبها، والأعمال التي يرضاها, وهذا مثل قوله:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} وقوله:{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ}, وهي معية نصر وتاييد وتسديد ونصيب العبد منها بمقدار ما اتصف من الأوصاف التي تجلب معية الله الخاصة.
ب- ما هي أسباب الطغيان وما عاقبته؟
أساب الطغيان اثنان:
الأول: الرئاسة .
الثاني: المال.
فهما يفسدان القلب بالكبر الذي يحمل صاحبه على البطر والبغي والعدوان على الحق وعلى الخلق, كما في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}وقوله:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}.
فحصل الطغيان لما شعر العبد بأنه قد استغنى عن ربه بما أعطاه الله إياه من الملك, أما أولياء الله فيزداد تواضعهم بزيادة نعم الله عليهم لما يحصل في قلوبهم من اليقين بأن لولا الله لما تحصل لهم شيء من هذا, ولهذا لما رأى سليمان عليه السلام عرش بلقيس مستقرا عنده لم يطغ بل قال: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} وكان قبل ذلك لما أحس بنعم الله عليه من تعليمه منطق الطير وسماعه لكلام النملة; خاف من دخول الكبر إلى القلب بسبب ما وهبه الله من ملك وسلطة, فقال:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} فكان ان استجاب الله له ذلك لما راى عرش بلقيس.
أما الطغيان فيهلك صاحبه في الدنيا والآخرة بما استحق من غضب الله عليه وغضب الخلق عليه وكراهيتهم له.
السؤال الخامس مثّل لعطف الخاص على العام، وبيّن فائدته.
قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}.
وقال: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}.
فائدته:
للتنبيه على المخصوص لمزيد العناية به, وذلك لأهميتة وآكديته وفضله.
السؤال السادس: كيف تجمع بين ما يلي:
1. أخبر الله في عدة آيات بهدايته الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم، وتوبته على كل مجرم، وأخبر في آيات أُخر أنه لا يهدي القوم الظالمين، ولا يهدي القوم الفاسقين.
بين قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ - وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} الجمع بن الأمرين, وبينت الاية من هداهم الله ومن لم يهدهم:
- فالله -سبحانه وتعالى- قد هدى الجميع هداية الإرشاد والدلالة, لكن من حقت عليه كلمة العذاب ممن أعرض وعاند ; فهؤلاء طبع الله على قلبوهم فلا يدخلها خيرا أبدا ولا يخرج ما فيها من ضلال وباطل, وهذا لأن الله-سبحانه- يعلم عدم صلاحية قلوبهم للهداية, كما قال:{ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} فصار الظلم والفسق وصفا لازما لهم،فأعرضوا عن كل سبيل يوصل للحق واتبعوا كل سبيل يوصل سالكه للغي والضلال, فحرمهم الله هداية التوفيق بسبب زيغهم عن الحق.
2. ورد في آيات من القرآن ذكر الخلود في النار على ذنوب وكبائر ليست بكفر وقد تقرر في نصوص أخرى أنَّ كلَّ مسلم يموت على الإسلام موعود بدخول الجنة.
قد أجمع السلف على أن الذنوب والكبائر دون الكفر لا تفضي بصاحبها إلى الخلود في النار إن مات مصرا عليها من غير توبة, فالأصل رد المتشابه إلى المحكم, ومن أحسن الأجوبة على هذا الإشكال هو القول بأن ذكر الخلود إنما هو من باب ذكر السبب , وبأن هذه الذنوب لقباحتها توجب بذاتها الخلود في النار إن لم يمنع منه مانع, للخلود في النار لشناعتها، والمجمع عليه أن الموت على الإيمان يمنع الخلود من النار, والخلود حكم يستلزم لوقوعه تحقق الشروط وانتفاء الموانع.
وبعض الايات المذكورة فيها ما يدل على أن المراد بها الكفر الأكبر, كقوله تعالى:{وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} لأن المعاصي التي دون الكفر لا تحيط بصاحبها،وقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} فالمعصية تطلق على الكفر وعلى الكبائر وعلى الصغائر، فإن كان فيها الكفر فلا إشكال.
السؤال السابع: فسّر قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}
في الآية أمر من الله تعالى لعباده بالأكل والشرب على وجه الاعتدال والاقتصاد والتدبير الحسن, وحذر من الإسراف وتجاوز الحد بالمأكل والمشرب بقوله:(إنه لا يحب المسرفين) والمؤمن يحرص على اجتناب ما لا يحبه الله وما لا يرضاه.
ودلت الآية على وجوب الأكل والشرب, لأن الأمر أصله الوجوب, فلا يحل للعبد الامتناع عن الأكل تدينا كما لا يحل له الامتناع عنه قدرا لأن في هذا هلاكه, إلا أن يكون قد أصيب بعقله.
وإن صاحب الأكل نية امتثال أمر الله في الآية, أو التقوي على العبادات; تحول الأكل والشرب إلى عبادة له عليها أجر.
وقد دلت هذه الاية على مجموعة من الفوائد, منها:
- الأصل في المأكولات والمشروبات الإباحة، إلا ما دل الدليل على تحريمه.
- حذف المأكول دل على أن لكل أحد أن يأكل ما ينفعه ويناسب حاله الاجتماعية, ويوافق مرضه وصحته وعادته.
- دلت الآية على أن أصل صحة البدن الاقتصاد في الطعام, وأن يأكل العبد ويشرب ما ينفعه، ويقيم به صلبه.
- ودلت على أن الإسراف في الطعام والشراب منهي عنه, لأنه مضرة للدين والعقل والبدن والمال, وتوضيح ذلك:
أما الضرر الديني: يكون بارتكاب كل ما نهى الشرع عنه, ون فعل هذا فعليه التوبة والرجوع عن فعله.
وأما الضرر العقلي: لأن الصل في العقل أن يحجز صاحبه عن فعل ما يضره ويرشده إلى الأصلح, لذلك كان حسن التدبير في المعاش دليل على عقل صاحبه، وعكس ذلك صحيح.
وأما الضرر البدني: فمعروف أن المسرف في المأكل والمشرب قد ضر بدنه وأمرضه بأنواع شتى من الأسقام والأوجاع، كذلك إن تعود كثرة الأكل صعب عليه أكل القليل إن تغيرت به الحال وعجز عما كان معتاد عليه, فتنحرف صحته.
وأما الضرر المالي: فهذا بين واضح, لأن كثرة المأكل والمشرب تحتاج إلى التوسع في النفقات, ولهذا قال تعالى: {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}.
- محبة الله للمقتصدين, ودل عليه إخباره بأنه لا يحب المسرفين.
- إثبات فة [صفة] المحبة لله, فحري بالعبد أن يتحرى محاب الله ويسعى لنيل محبته سبحانه.
|