مجلس مذاكرة تفسير سور:
الحشر [من آية 11 حتى نهايتها]، والممتحنة، والصف.
1. (عامّ لجميع الطلاب).
استخرج ثلاث فوائد سلوكية وبين وجه الدلالة عليها من قوله تعالى:
(كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)) الحشر.
1- كثرة الإستعاذة من الشيطان،والحرص من تزينه لأن غاية مراده كفر العبد.
وجه الدلالة: قوله تعالى:"كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ" والواقع أن الشيطان لن يطلب من العبد الكفر مرة واحدة، ولكنه سيستدرجه إليه.
2- المبادرة إلى التوبة وعدم اليأس من مغفرة الله عز وجل بعد الوقوع فى الذنوب -حتى لو وصلت للكفر- لأن هذا مراد الشيطان من العبد فهو يُغويه ثم يفر منه بعد أن يورطه.
وجه الدلالة: قوله تعالى:" فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" أى أنه تبرأ منه ومن كفره بعدما أوقعه فيه.
3- اللجوء إلى الله تعالى والإستعاذة به من الوقوع فى الزلل والكفر، خوفا من الخلود فى النار.
وجه الدلالة: قوله تعالى: " فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا" فالخلود فى النار جزاء من مات كافرا، فلا يأمن الإنسان على نفسه، ولا يركن إليها فى العصمة من الزلل.
المجموعة الثالثة:
1. بيّن ما يلي:
أ: سبب نزول قوله: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} الآية.
عندما قدمت قتيلة على أسماء بنت أبى بكر- رضى الله عنه- بهدايا، وهى مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشةُ –رضى الله عنها- رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: " لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين...."الآية، فأمرها الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها.
عن عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكرٍ بهدايا: صناب وأقطٌ وسمنٌ، وهي مشركةٌ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها تدخلها بيتها، فسألت عائشة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} إلى آخر الآية، فأمرها أن تقبل هديّتها، وأن تدخلها بيتها. رواه أحمد.
ب: أبرز صفات المنافقين مما درست.
-قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"المجادلة: 14
1- موالاة غير المسلمين.
2- أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، واتقوا بالأيمان الكاذبة.
-قوله تعالى: "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ" المجادلة: 19
3- لا يذكرون الله تعالى ولا يُصلون.
-قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ - لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ" الحشر: 11-12
4- اخلاف الوعد.
5- جبناء عند القتال.
-قوله تعالى: "لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ" الحشر:13
6- يخافون من المؤمنين أكثر من خوفهم من الله تعالى.
-قوله تعالى: "لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ" الحشر: 14
7- لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام بالمبارزة والمقابلة، ولكن فى حصون أو منوراء جدر.
8- عداوتهم فيما بينهم شديدة.
9- مختلفين فيما بينهم غاية الإختلاف، حتى لو بدوا مجتمعين ظاهرا.
2. حرر القول في:
المراد بـ "الذين من قبلهم"، في قوله تعالى: {كمثل الّذين من قبلهم قريبًا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذابٌ أليمٌ}.
الأقوال فى المراد ب "الذين من قبلهم":
القول الأول: كفار قريش ، قاله مجاهد والسدى ومقاتل بن حبان، ذكره ابن كثير، وكذلك ذكر السعدى والأشقر، واستدل السعدى على ذلك بأنهم هم المذكورون فى قوله تعالى: “الذينَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ” فغَرَّتْهُم أَنْفُسُهم، وغَرَّهُم مَن غَرَّهم، الذينَ لم يَنْفَعُوهم ولم يَدْفَعُوا عنهم العذابَ، حتى أَتَوْا بَدْراً بفَخْرِهم وخُيَلائِهم، ظانِّينَ أنَّهم مُدْرِكونَ برسولِ اللَّهِ والمُؤمنِينَ أمَانِيَّهم، فنَصَرَ اللَّهُ رسولَه والمُؤْمنِينَ عليهم، فَقَتَلُوا كِبارَهم وصَنادِيدَهم، وأَسَرُوا مَن أسَرُوا مِنهم، وفَرَّ مَن فَرَّ، وذاقُوا بذلك وَبالَ أمْرِهم وعَاقبةَ شِرْكِهم وبَغْيِهم.
القول الثانى: يهود بنى قينقاع، قاله ابن عباس وقتادة ومحمد ابن اسحاق، ذكره ابن كثير.
ورجح ابن كثير هذا القول، لأن يهود بني قينقاع كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أجلاهم قبل هذا.
3. فسّر قوله تعالى:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) }
لما ذكر الله تعالى بشارة عيسى –عليه السلام- بالرسول –صلى الله عليه وسلم- وكانت دعوة الرسل جميعا هى الإسلام، وكان جواب قوم عيسى -وهم أهل كتاب- مشابه لجواب أهل الكتاب والمشركين للنبى –صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ" فوصفهم الله تعالى بأنهم لا أحد أظلم منهم، وذلك ذما لهم وتشنيعا لحالهم، إذ الأولى والأجدر بهم تصديق للنبى –صلى الله عليه وسلم- وعدم إتهامه بأنه ساحر، وهو –صلى الله عليه وسلم- يدعوهم إلى توحيد الله تعالى وتنزيهه عن الأنداد والشركاء، " وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" فحرمهم الله تعالى من هداية التوفيق، لأن الظلم صار صفة ملازمة لهم وذلك بردهم الحق ونصرهم الباطل، فلا ينفعهم نصح ولا إرشاد، فقال الله عنهم: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ" وهذا من سفههم أنهم يحاولون أن يردوا الحق البيِّن بباطل واهى لا حجة فيه، وأنى لهم ذلك "وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" فتتلاشى إدعاءاتهم الباطلة وتضمحل حججهم ويزدادوا عوارا، ويزداد الحق سطوعا وانتشارا، كما قال تعالى: "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ" الأنبياء:18، ثم تحداهم الله تعالى فقال: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى" فمن يستطيع اطفاء هذا النور وحجب هذه الدعوة التى أراد بها الله هداية العباد إلى مصالح الدنيا والآخرة والهداية إليه وإلى دار كرامته، "وَدِينِ الْحَقِّ" دين الإسلام الذى لا دين غيره الذى يأمر بكل خير وينهى عن كل شر "لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ" ليجعل الله تعالى دين الإسلام غالبا وعاليا على جميع الأديان المخالفة له، وهذا الوعد قائم إلى يوم الدين، "وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" ذلك الظهور والغلبة، أما أهل الإسلام المنتسبون له فينالهم من الظهور والغلبة بحسب قيامهم بهذا الدين والتمسك به وبهداياته،والجهاد فى سبيله، فلو تمسكوا به نالوا ولاية الله تعالى، فلن يغلبهم غالب ولا يقهرهم قاهر، ولو اعرضوا عنه وابتغوا العزة فى غيره سلط الله تعالى أعداءهم عليهم.
والله تعالى أعلى وأعلم.