8/1187 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَفِي الْحَدِيثِ هُنَا اخْتِصَارٌ، وَلَفْظُهُ: عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: ((مَنْ قَاتَلَ)) الْحَدِيثَ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكْتَبُ أَجْرُهُ لِمَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ خَلا عَنْ هَذِهِ الْخَصْلَةِ فَلَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ. وَيَبْقَى الْكَلامُ فِيمَا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا قَصْدُ غَيْرِهَا، وَهُوَ الْمَغْنَمُ مَثَلاً، هَلْ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لا؟
قَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُ الْمَقْصِدِ إعْلاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّ مَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِهِ ضِمْناً، وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ قَصْدِ التَّشْرِيكِ؛ لأَنَّهُ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ}؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يُنَافِي فَضِيلَةَ الْحَجِّ، فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِ. فَعَلَى هَذَا، الْعُمْدَةُ الْبَاعِثُ عَلَى الْفِعْلِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ إعْلاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ مَا انْضَافَ إلَيْهِ ضِمْناً.
وَبَقِيَ الْكَلامُ فِيمَا اسْتَوَى الْقَصْدَانِ، فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالآيَةِ أَنَّهُ لا يَضُرَّ، إلاَّ أَنَّهُ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَا لَهُ؟ قَالَ: ((لا شَيْءَ لَهُ))، فَأَعَادَهَا ثَلاثاً، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: ((لا شَيْءَ لَهُ))، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ خَالِصاً، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ)).
قُلْتُ: فَيَكُونُ هَذَا دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ إذَا اسْتَوَى الْبَاعِثَانِ: الأَجْرُ وَالذِّكْرُ مَثَلاً، بَطَلَ الأَجْرُ، وَلَعَلَّ بُطْلانَهُ هُنَا لِخُصُوصِيَّةِ طَلَبِ الذِّكْرِ؛ لأَنَّهُ انْقَلَبَ عَمَلُهُ لِلرِّيَاءِ، وَالرِّيَاءُ مُبْطِلٌ لِمَا يُشَارِكُهُ، بِخِلافِ طَلَبِ الْمَغْنَمِ؛ فَإِنَّهُ لا يُنَافِي الْجِهَادَ، بَلْ إذَا قَصَدَ بِأَخْذِ الْمَغْنَمِ إغَاظَةَ الْمُشْرِكِينَ، وَالانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}، وَالْمُرَادُ النَّيْلُ الْمَأْذُونُ فِيهِ شَرْعاً.
وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ)) قَبْلَ الْقِتَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُنَافِي قَصْدُ الْمَغْنَمِ الْقِتَالَ، بَلْ مَا قَالَهُ إلاَّ لِيَجْتَهِدَ السَّامِعُ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((انْتَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إِلاَّ إيمَانٌ بِي، وَتَصْدِيقٌ بِرَسُولِي، أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ)).
وَلا يَخْفَى أَنَّ هذهِ الأَخْبَارَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَشْرِيكِ النِّيَّةِ؛ إذ الإِخْبَارُ بِهِ يَقْتَضِي ذَلِكَ غَالِباً، ثُمَّ إنَّهُ قدْ يُقْصَدُ الْمُشْرِكُونَ لِمُجَرَّدِ نَهْبِ أَمْوَالِهِمْ، كَمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ لأَخْذِ عِيرِ الْمُشْرِكِينَ.
وَلا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، بَلْ ذَلِكَ مِنْ إعْلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَقَرَّهُم اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، بَلْ قَالَ تَعَالَى: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}، وَلَمْ يَذُمَّهُمْ بِذَلِكَ، مَعَ أَنَّ فِي هَذَا الإِخْبَارِ إخْبَاراً لَهُمْ بِمَحَبَّتِهِمْ لِلْمَالِ دُونَ الْقِتَالِ، فَإِعْلاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ يَدْخُلُ فِيهِ إخَافَةُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ، وَقَطْعُ أَشْجَارِهِمْ، وَنَحْوُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضاً مِن الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: ((لا أَجْرَ لَهُ))، فَأَعَادَ عَلَيْهِ ثَلاثاً، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: ((لا أَجْرَ لَهُ))، فَكَأَنَّهُ فَهِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْحَامِلَ هُوَ الْغَرَضُ مِن الدُّنْيَا، فَأَجَابَهُ بِمَا أَجَابَ، وَإِلاَّ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَشْرِيكُ الْجِهَادِ بِطَلَبِهِ الْغَنِيمَةَ أَمْراً مَعْرُوفاً فِي الصَّحَابَةِ؛ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي رَجُلاً شَدِيداً أُقَاتِلُهُ وَيُقَاتِلُنِي، ثُمَّ ارْزُقْنِي عَلَيْهِ الصَّبْرَ حَتَّى أَقْتُلَهُ، وَآخُذَ سَلَبَهُ.
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الْعَرَضِ مِن الدُّنْيَا مَعَ الْجِهَادِ كَانَ أَمْراً مَعْلُوماً جَوَازُهُ لِلصَّحَابَةِ، فَيَدْعُونَ اللَّهَ بِنَيْلِهِ.