941- وعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ، أَوْ يُفِيقَ)). رَواهُ أحمدُ والأربعةُ إلا التِّرْمِذِيَّ, وصَحَّحَهُ الحاكِمُ، وأخْرَجَهُ ابنُ حِبَّانَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرجَةُ الحَديثِ:
الحديثُ صَحِيحٌ.
فَقَدْ وَرَدَ من حديثِ عَائِشَةَ، وعليِّ بنِ أبي طَالِبٍ، وأبي قَتَادَةَ.
أمَّا حديثُ عَائِشَةَ: فرَوَاهُ أبو دَاوُدَ، والنَّسائِيُّ، والدارميُّ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكِمُ، وأحمدُ، قالَ الحَاكِمُ: صَحِيحٌ على شَرْطِ مُسلِمٍ. ووافَقَه الذَّهَبِيُّ، ورِجَالُه كُلُّهم ثِقاتٌ، احْتَجَّ بهم مسلمٌ بروايةِ بعضِهم عن بعضٍ.
وحديثُ عليٍّ أصَحُّ من حديثِ عَائِشَةَ، فحديثُها طَرِيقُه وَاحِدٌ، وأمَّا حديثُ عَلِيٍّ، فله أربعُ طُرُقٍ، وهو صَحِيحٌ.
وأمَّا حديثُ أبي قَتَادَةَ: فأَخْرَجَهُ الحاكِمُ، وقالَ: صَحِيحُ الإسنادِ.
وفي البابِ: عن أبي هُرَيْرَةَ، وثَوْبانَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وشَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، وغيرِ وَاحِدٍ من الصحابةِ، لا تَخْلُو أسانيدُها من مَقالٍ.
وذكَرَ له الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ طُرُقاً عَدِيدَةً بألفاظٍ مُتقارِبَةٍ، ثم قالَ: وهذه طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُها بَعْضاً، وصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ والسيوطيُّ، وقالَ الزَّيْلَعِيُّ: هو قَوِيُّ الإسنادِ.
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- رُفِعَ: بالبناءِ للمَجْهولِ، يُقالُ: رَفَعَ يَرْفَعُ رَفْعاً, خلافُ خَفَضَ.
قالَ في (المِصْبَاحِ): الرَّفْعُ في الأجسامِ: حَقِيقَةٌ في الحَرَكَةِ والانتقالِ، وفي المعاني: مَحمولٌ على ما يَقْتَضِيهِ المَقامُ، ومنه قَوْلُه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ)). والقَلَمُ لَمْ يُوضَعْ على الصغيرِ، وإنَّما مَعْناهُ: لا تَكْلِيفَ، فلا مُؤاخَذَةَ.
- القَلَمُ: بفَتْحَتَيْنِ، هو ما يُكْتَبُ به، والمرادُ هنا: القَلَمُ الذي بيَدِ الملائكةِ الكَتَبَةِ، واللهُ أعْلَمُ بكَيْفِيَّتِه.
- أو يُفِيقَ: مِن الإِفَاقَةِ، يُقالُ: أَفَاقَ المَجنونُ إِفَاقَةً: رَجَعَ إليه عَقْلُه.
* مَا يُؤْخَذُ من الحَديثِ:
1- الأهْلِيَّةُ: هي صَلاحِيَةُ الشَّخْصِ، ومَحَلِّيَّتُه للحُقوقِ المَشْروعةِ، ثَبَتَتْ له أو عَلَيْهِ، فلا بُدَّ مِن اعْتبارِها في التصَرُّفاتِ.
2- فإِذَا فَقَدَ الإنسانُ الأهْلِيَّةُ، أصْبَحَ بفَقْدِها عَادِماً للحُرِّيَّةِ الاختيارِيَّةِ، إمَّا بسَبَبِ النَّوْمِ الذي أَفْقَدَهُ الاستيقاظَ لأداءِ واجباتِه، أو بسَبَبِ حَدَاثَةِ السِّنِّ والصِّغَرِ الذي هو مَعَها فَاقِدٌ للأهْلِيَّةُ ، أو بسببِ الجُنونِ الذي اضْطرَبَتْ معَه وظائِفُه العَقْلِيَّةُ، ففَقَدَ التَّمْيِيزَ والتصَوُّرَ الصحيحَيْنِ، فانْتَفَتْ عنه الأهْلِيَّةُ بسَبَبٍ من هذه الأسبابِ الثلاثةِ، فإنَّ اللهَ تَبارَكَ وتعالى بعَدْلِه، وحِلْمِه، وكَرَمِه، قَدْ رَفَعَ عنه المُؤاخَذَةَ، بما يَصْدُرُ عنه من تَعَدٍّ، أو تَقْصيرٍ.
3- قالَ تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة:225]، فالتصَرُّفاتُ التي تَصْدُرُ من الإنسانِ، وهو في حَالٍ فَاقِدٌ الأهْلِيَّةُ، وعَادِمٌ حُرِّيَّةَ الاختيارِ، لا يَتَرَتَّبُ عليها حُكْمٌ يُؤاخَذُ به المُتَصَرِّفُ.
4- ومِنْ ذلك الطَّلاقُ، فطَلاقُ النَائِمِ الَّذي يَهْذِي في نَوْمِه غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، ولا نَافِذٍ.
ومثلُه المَجْنُونُ الذي فَقَدَ أَهْلِيَّتَهُ، فَصَارَ يَقُولُ ما لا يُمَيِّزُه وَلاَ يَتَصَوَّرُهُ، فطَلاقُه غَيْرُ نَافِذٍ، ولا مُعْتَبَرٍ.
5- أمَّا المُمَيِّزُ مِن الصِّبْيانِ، فالتَّكالِيفُ التي علَى البَالِغِينَ أمْراً أو نَهْياً، لَمْ يُكَلَّفْ بها، وأمَّا الطَّلاقُ، فإِنَّ الصَّبِيَّ المُمَيِّزَ يَعْلَمُ أَنَّ زَوْجتَه تَبِينُ مِنْهُ، وتَحْرُمُ عليه إذا طَلَّقَها، فطَلاقُه مُعْتَبَرٌ نَافِذٌ؛ لأنَّه صَدَرَ مِن عَاقِلٍ، فوَقَعَ طَلاقُه كطَلاقِ البَالِغِ، فهو ذُو أَهْلِيَّةٍ فيهِ.