854- وعن الحَسَنِ, عن سَمُرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ، فَهِيَ للأَوَّلِ مِنْهُمَا)). رواهُ أَحْمَدُ والأربعةُ، وحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرَجَةُ الحديثِ:
الحديثُ حَسَنٌ.
أخْرَجَهُ أحمدُ، والدَّارِمِيُّ، وأبو دَاوُدَ، والنَّسائِيُّ، والتِّرْمِذِيُّ، وابنُ أبي شَيْبَةَ، والحَاكِمُ، والبَيْهَقِيُّ، وغيرُهم، من طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عن قَتَادَةَ, عن الحَسَنِ، عن سَمُرَةَ به، قالَ التِّرْمِذِيُّ: حديثٌ حَسَنٌ. وقالَ الحاكمُ: صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ. ووافَقَه الذَّهَبِيُّ، وصحَّحَه أيضاً أبو زُرْعَةَ وأبو حاتِمٍ.
وقالَ الحافِظُ: صِحَّتُه مُتوقِّفَةٌ على ثُبوتِ سَماعِ الحَسَنِ من سَمُرَةَ، فإنَّ رِجالَه ثقاتٌ، ويُرْوَى عن عليٍّ نحوُه مَوْقوفاً عندَالبَيْهَقِيِّ من طَريقِ خلاسِ بنِ عَمْرٍو الهَجَرِيِّ، وخلاسٌ لَمْ يَسْمَعْ مِن عَلِيٍّ، ولكنْ مَعَ انقِطاعِه،فإنَّ رِجالَ إسنادِه ثِقاتٌ.
* مَا يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- ولايَةُ النِّكاحِ مُرَتَّبَةٌ مِن الأَبِ، فالجَدِّ وإنْ عَلاَ، فالابْنِ وإنْ نَزَلَ، ثم الأَقْرَبِ فالأقْرَبِ من العَصَبَةِ، على حَسَبِ تَقْدِيمِهم في المِيراثِ.
2- فإذا وُجِدَ وَلِيَّانِ في جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، ودَرَجَةٍ واحدةٍ، ومن حيثُ القُوَّةُ في مُسْتَوًى وَاحِدٍ، وتَوفَّرَتْ فيهما شروطُ الولايةِ، قُدِّمَ منهما مَن أَذِنَتْ له منهما في تَزْويجِها، وإنِ اسْتَوَيا في الإذْنِ، صَحَّ عَقْدُ الأولِ منهما، وصارَ العَقْدُ الثاني باطلاً؛ لأنه لم يُصادِفْ مَحَلاًّ، وهذا بإجماعِ العُلماءِ.
3- وإنْ لَمْ تَأْذَنْ إلاَّ لولِيٍّ وَاحِدٍ من أوليائِها، أُنِيطَ الحُكْمُ به،فلا يَصِحُّ تَزْويجُ غَيْرِه مِمَّن لَمْ تَأْذَنْ لهم.
4- وإِذَا اسْتَوَى للمَرْأَةِ وَليَّانِ فأكْثَرُ من حيثُ القَرَابَةُ، كأخويْنِ شقيقيْنِ، سُنَّ تَقْدِيمُ الأَفْضَلِ، فالأَسَنِّ، فإنْ تَشَاحُّوْا أُقْرِعَ بينَهم.
5- ولايةُ عَقْدِ النكاحِ مِن جُملةِ الوِلاياتِ التي يُخْتَارُ لها الأَكْفَاءُ، قالَ تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26]. فإذا كانوا في دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ من القَرابةِ، قُدِّمَ الأصْلَحُ لهذه الوِلايَةِ، من حَيْثُ معرفةُ مصالِحِ النكاحِ، واختيارُ الزَّوْجِ الكُفْءِ، والمُصاهَرَةُ الصَّالِحَةُ؛ لأنَّ هذا عَقْدٌ سَيَدُومُ، فيُحْتَاطُ له بطَلَبِ الأصلحِ، واللهُ المُسْتَعَانُ.
6- يُفِيدُ الحديثُ أنَّه لو زَوَّجَها البعيدُ من الأولياءِ معَ وُجودِ الأقربِ أنَّ العَقْدَ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ البَعِيدَ لا يُسَمَّى وَلِيًّا معَ وُجودِ أقْرَبَ منه، وتَقَدَّمَ خلافُ العلماءِ في ذلك عندَ الكلامِ على حديثِ (847).
7- الحديثُ مُطْلَقٌ في بُطلانِ نِكاحِ العَاقِدِ الثاني، وصِحَّةِ عَقْدِ الأولِ مِن دُونِ ذِكْرِ إذنِها لهما أو عَدَمِه، ولكنَّه يُقَيَّدُ بالأحاديثِ المُتَقَدّمَةِ من وُجوبِ استئذانِ الثَّيِّبِ، واستئمارِ البِكْرِ.