دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 11:10 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي من لا تقبل روايته

مَسْأَلَةٌ: لَا يُقْبَل مجنون وَكَافِرٌ وَكَذَا صَبِيٌّ فِي الأَصَحِّ فإن تحمل فَبَلَغَ فَأَدَّى قُبِلَ عِنْدَ الجُمْهُورِ.
وَيُقْبَلُ مُبْتَدِعٌ يَحْرُمُ الكَذِبُ وَثَالِثُهَا قال مَالِكٍ إلَّا الدَّاعِيَةَ، وَمَنْ لَيْسَ فَقِيهًا خِلَافًا للحَنَفِيَّةِ فِيمَا يُخَالِفُ القِيَاسَ وَالمُتَسَاهِلُ فِي غَيْرِ الحَدِيثِ وَقِيلَ: يُرَدُّ مُطْلَقًا.
وَالمُكْثِرُ وَإِنْ نَدَرَتْ مُخَالَطَتُهُ للمُحَدِّثِينَ إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ القَدْرِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ.
وَشَرْطُ الرَّاوِي: العَدَالَةُ وَهِيَ مَلَكَةٌ تَمْنَعُ عَنْ اقْتِرَافِ الكَبَائِرِ، وَصَغَائِرِ الخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ، وَالرَّذَائِلِ المُبَاحَةِ كَالبَوْلِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُقْبَلُ المَجْهُولُ بَاطِنًا، وَهُوَ المَسْتُورُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ فَوْرَكٍ وَسُلَيْمٍ، وَقَالَ إمَامُ الحَرَمَيْنِ: يُوقَفُ وَيَجِبُ الِانْكِفَافُ إذَا رَوَى التَّحْرِيمَ إلَى الظُّهُورِ، أَمَّا المَجْهُولُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَمَرْدُودٌ إجْمَاعًا وَكَذَا مَجْهُولُ العَيْنِ فَإِنْ وَصَفَهُ نَحْوُ الشَّافِعِيِّ بِالثِّقَةِ فَالوَجْهُ قَبُولُهُ، وَعَلَيْهِ إمَامُ الحَرَمَيْنِ خِلَافًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَالخَطِيبِ , وَإِنْ قَالَ لَا أَتَّهِمُ فَكَذَلِكَ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: لَيْسَ تَوْثِيقًا وَيُقْبَلُ مَنْ أَقْدَمَ جَاهِلاً عَلَى مُفَسِّقٍ مَظْنُونٍ أَوْ مَقْطُوعٍ فِي الأَصَحِّ، وَقَدْ اُضْطُرِبَ فِي الكَبِيرَةِ فَقِيلَ: مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَقِيلَ: مَا فِيهِ حَدٌّ وَقيل ما نص الكتاب على تحريمه أو وجب في جنسه حد وقال الأُسْتَاذُ وَالشَّيْخُ الإِمَامُ كُلُّ ذَنْبٍ، وَنَفَيَا الصَّغَائِرَ، وَالمُخْتَارُ وِفَاقًا لِإِمَامِ الحَرَمَيْنِ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ، وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ كَالقَتْلِ وَالزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَشُرْبُ الخَمْرِ وَمُطْلَقُ المُسْكِرِ وَالسَّرِقَةُ وَالغَصْبُ وَالقَذْفُ وَالنَّمِيمَةُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَاليَمِينُ الفَاجِرَةُ وقطيعة الرحم وَالعُقُوقُ والفرار وَمَالُ اليَتِيمِ وخيانة الكيل والوزن وتقديم الصلاة وتأخيرها والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَضَرْبُ المُسْلِمِ وَسَبُّ الصَّحَابَةِ وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ وَالرِّشْوَةُ وَالدِّيَاثَةُ وَالقِيَادَةُ وَالسِّعَايَةُ وَمَنْعُ الزَّكَاةِ وَيَأْسُ الرَّحْمَةِ وَأَمْنُ المَكْرِ وَالظِّهَارُ وَلَحْمُ الخِنْزِيرِ وَالمَيْتَةِ وَفِطْرُ رَمَضَانَ وَالغُلُولُ وَالمُحَارَبَةُ وَالسِّحْرُ وَالرَّبَّا وَإِدْمَانُ الصَّغِيرَةِ.

  #2  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 10:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(مَسْأَلَةٌ: لَا يُقْبَل فِي الرِّوَايَةِ) مَجْنُونٌ) ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْخَلَلِ، وَسَوَاءٌ أَطْبَقَ جُنُونُهُ أَمْ تَقَطَّعَ، وَأَثَّرَ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ (وَكَافِرٌ)، وَلَوْ عُلِمَ مِنْهُ التَّدَيُّنُ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ ; لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ شَرَفِ مَنْصِبِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكَافِرِ (وَكَذَا صَبِيٌّ) مُمَيِّزٌ (فِي الْأَصَحِّ) ; لِأَنَّهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ قَدْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ فَلَا يُوثَقُ بِهِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ إنْ عُلِمَ مِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّمْيِيزِ لِلْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْخَلَلِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا كَالْمَجْنُونِ.) فَإِنْ تَحَمَّلَ) الصَّبِيُّ (فَبَلَغَ فَأَدَّى) مَا تَحَمَّلَهُ (قُبِلَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ ; لِأَنَّ الصِّغَرَ مَظِنَّةُ عَدَمِ الضَّبْطِ وَالتَّحَرُّزِ وَيَسْتَمِرُّ الْمَحْفُوظُ إذْ ذَاكَ، وَلَوْ تَحَمَّلَ الْكَافِرُ فَأَسْلَمَ فَأَدَّى قُبِلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا الْفَاسِقُ يَتَحَمَّلُ فَيَتُوبُ فَيُؤَدِّي يُقْبَلُ
(وَيُقْبَلُ مُبْتَدِعٌ) لَا يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ (يَحْرُمُ الْكَذِبُ) لَا مِنْهُ فِيهِ مَعَ تَأْوِيلِهِ فِي الِابْتِدَاعِ سَوَاءٌ دَعَا النَّاسَ إلَيْهِ أَمْ لَا، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا لِابْتِدَاعِهِ الْمُفَسِّقَ لَهُ (وَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (مَالِكٍ) يُقْبَلُ (إلَّا الدَّاعِيَةَ) أَيْ الَّذِي يَدْعُو النَّاسَ إلَى بِدْعَتِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ أَنْ يَضَعَ الْحَدِيثَ عَلَى وَفْقِهَا أَمَّا مَنْ يُجَوِّزُ الْكَذِبَ فَلَا يُقْبَلُ كُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ أَمْ لَا، وَكَذَا مَنْ يُحَرِّمُهُ وَكُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ كَالْمُجَسِّمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لِعِظَمِ بِدْعَتِهِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيُّ وَأَتْبَاعُهُ عَلَى قَبُولِهِ لَا مِنْ الْكَذِبِ فِيهِ
(وَ) يُقْبَلُ (مَنْ لَيْسَ فَقِيهًا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِيمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ) لِمَا تَقَدَّمَ مَعَ جَوَابِهِ (وَ) يُقْبَلُ (الْمُتَسَاهِلُ فِي غَيْرِ الْحَدِيثِ) بِأَنْ يَتَجَوَّزَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ الْخَلَلِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُتَسَاهِلِ فِيهِ فَيُرَدُّ (وَقِيلَ: يُرَدُّ) الْمُتَسَاهِلُ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّ التَّسَاهُلَ فِي غَيْرِ الْحَدِيثِ يَجُرُّ إلَى التَّسَاهُلِ فِيهِ (وَ) يُقْبَلُ (الْمُكْثِرُ) مِنْ الرِّوَايَةِ (وَإِنْ نَدَرَتْ مُخَالَطَتُهُ لِلْمُحَدِّثِينَ) أَيْ وَالْحَالُ كَذَلِكَ لَكِنْ (إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْقَدْرِ) الْكَثِيرِ الَّذِي رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ (فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ) الَّذِي خَالَطَ فِيهِ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنْ لَمْ يُمَكَّنْ فَلَا يُقْبَلُ فِي شَيْءٍ مِمَّا رَوَاهُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ فِي بَعْضٍ لَا تُعْلَمُ عَيْنُهُ.
(وَشَرْطُ الرَّاوِي الْعَدَالَةُ وَهِيَ مَلَكَةٌ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ (تَمْنَعُ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ) وَتَطْفِيفِ تَمْرَةٍ (وَالرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ) أَيْ الْجَائِزَةِ (كَالْبَوْلِ فِي الطَّرِيقِ) الَّذِي هُوَ مَكْرُوهٌ وَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ لِغَيْرِ سُوقِيٍّ وَالْمَعْنَى عَنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَا ذُكِرَ فَبِاقْتِرَافِ الْفَرْدِ مِنْ ذَلِكَ تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ أَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ كَكِذْبَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَرَرٌ وَنَظْرَةٍ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمَنْعُ عَنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا فَبِاقْتِرَافِ الْفَرْدِ مِنْهَا لَا تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ، وَفِي نُسْخَةٍ قَبِلَ الرَّذَائِلَ، وَهَوَى النَّفْسِ أَيْ اتِّبَاعَهُ، وَهُوَ مَأْخُوذُ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ الْمُتَّقِيَ لِلْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ مَعَ الرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ قَدْ يَتَّبِعُ هَوَاهُ عِنْدَ وُجُودِهِ لِشَيْءٍ مِنْهَا فَيَرْتَكِبُهُ، وَلَا عَدَالَةَ لِمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ; لِأَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُهُ عَنْ اقْتِرَافِ مَا ذُكِرَ يَنْتَفِي عَنْهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى لِشَيْءٍ مِنْهُ، وَإِلَّا لَوَقَعَ فِي الْمَهْوِيِّ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُ مِنْهُ وَتَفَرَّعَ عَلَى شَرْطِ الْعَدَالَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ بَاطِنًا، وَهُوَ الْمَسْتُورُ) لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ فَوْرَكٍ وَسُلَيْمٍ) أَيْ الرَّازِيُّ فِي قَوْلِهِمْ بِقَبُولِهِ اكْتِفَاءً بِظَنِّ حُصُولِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُظَنُّ مِنْ عَدَالَتِهِ فِي الظَّاهِرِ عَدَالَتُهُ فِي الْبَاطِنِ (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُوقَفُ) عَنْ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَالُهُ بِالْبَحْثِ عَنْهُ قَالَ
(وَيَجِبُ الِانْكِفَافُ) عَمَّا ثَبَتَ حِلُّهُ بِالْأَصْلِ (إذَا رَوَى) هُوَ (التَّحْرِيمَ) فِيهِ (إلَى الظُّهُورِ) لِحَالِهِ احْتِيَاطًا وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ مَعَ قَوْلِ الْإِبْيَارِيِّ بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ التَّحْتَانِيَّةِ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ: إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ يَعْنِي فَالْحِلُّ الثَّابِتُ بِالْأَصْلِ لَا يُرْفَعُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَمَا لَا يُرْفَعُ الْيَقِينُ أَيْ اسْتِصْحَابُهُ بِالشَّكِّ بِجَامِعِ الثُّبُوتِ.
(أَمَّا) (الْمَجْهُولُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) (فَمَرْدُودٌ إجْمَاعًا) لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ وَظَنِّهَا (وَكَذَا مَجْهُولُ الْعَيْنِ) كَأَنْ يُقَالَ فِيهِ: عَنْ رَجُلٍ مَرْدُودٍ إجْمَاعًا لِانْضِمَامِ جَهَالَةِ الْعَيْنِ إلَى جَهَالَةِ الْحَالِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (فَإِنْ وَصَفَهُ نَحْوُ الشَّافِعِيِّ) مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الرَّاوِي عَنْهُ (بِالثِّقَةِ) كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَثِيرًا أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ وَكَذَلِكَ مَالِكٌ قَلِيلًا (فَالْوَجْهُ قَبُولُهُ، وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) ; لِأَنَّ وَاصِفَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَصِفُهُ بِالثِّقَةِ إلَّا، وَهُوَ كَذَلِكَ (خِلَافًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَالْخَطِيبِ) الْبَغْدَادِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يُقْبَلُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَارِحٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْوَاصِفُ. وَأُجِيبَ بِبُعْدِ ذَلِكَ جِدًّا مَعَ كَوْنِ الْوَاصِفِ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ أَوْ مَالِكٍ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى حُكْمٍ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى (, وَإِنْ قَالَ) نَحْوُ الشَّافِعِيِّ فِي وَصْفِهِ (لَا أَتَّهِمُهُ) كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ (فَكَذَلِكَ) يُقْبَلُ وَخَالَفَ فِيهِ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ تَوْثِيقًا (وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَيْسَ تَوْثِيقًا)، وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِلِاتِّهَامِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ مِنْ مِثْلِ الشَّافِعِيِّ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى حُكْمٍ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُرَادُ بِالْوَصْفِ بِالثِّقَةِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ.
(وَيُقْبَلُ مَنْ أَقْدَمَ جَاهِلًا عَلَى) فِعْلٍ (مُفَسِّقٍ مَظْنُونٍ) كَشُرْبِ النَّبِيذِ (أَوْ مَقْطُوعٍ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ (فِي الْأَصَحِّ) سَوَاءٌ اعْتَقَدَ الْإِبَاحَةَ أَمْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا لِعُذْرِهِ بِالْجَهْلِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ لِارْتِكَابِ الْمُفَسِّقِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْإِبَاحَةَ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ فِي الْمَظْنُونِ دُونَ الْمَقْطُوعِ أَمَّا الْمُقْدِمُ عَلَى الْمُفَسِّقِ عَالِمًا بِحُرْمَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا.
(وَقَدْ اُضْطُرِبَ فِي الْكَبِيرَةِ فَقِيلَ:) هِيَ (مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ) فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ (وَقِيلَ:) هِيَ (مَا فِيهِ حَدٌّ) قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَهُمْ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا أَمْيَلُ وَالْأَوَّلُ مَا يُوجَدُ لِأَكْثَرِهِمْ، وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ. (وَ) قَالَ (الْأُسْتَاذُ) أَبُو إسْحَاقَ الإسفراييني (وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ: هِيَ (كُلُّ ذَنْبٍ وَنَفَيَا الصَّغَائِرَ) نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ مَنْ عَصَى بِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَشِدَّةِ عِقَابِهِ وَعَلَى هَذَا يُقَالُ فِي تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ بَدَلَ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَكَبَائِرُ الْخِسَّةِ ; لِأَنَّ بَعْضَ الذُّنُوبِ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ اتِّفَاقًا (وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) أَنَّهَا (كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ) هَذَا بِظَاهِرِهِ يَتَنَاوَلُ صَغِيرَةَ الْخِسَّةِ وَالْإِمَامُ إنَّمَا ضَبَطَ بِهِ مَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مِنْ الْمَعَاصِي الشَّامِلُ لِتِلْكَ لَا الْكَبِيرَةِ فَقَطْ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ اسْتِرْوَاحًا نَعَمْ هُوَ أَشْمَلُ مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ; وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كُلٍّ مِنْ التَّعَارِيفِ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْكَبِيرَةِ مَعَ وُجُودِ الْإِيمَانِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْدِيدِهَا بِمَا يَلِي الْكُفْرَ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ فَقَالَ (كَالْقَتْلِ) أَيْ عَمْدًا كَانَ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ بِخِلَافِ الْخَطَأِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ (وَالزِّنَا) بِالزَّايِ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ {قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ: قَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَك قَالَ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك قَالَ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ} فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَهَا {وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} (وَاللِّوَاطُ) ; لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِمَاءِ النَّسْلِ كَالزِّنَا، وَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَ لُوطٍ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ بِسَبَبِهِ كَمَا قَصَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ (وَشُرْبُ الْخَمْرِ)، وَإِنْ لَمْ تُسْكِرْ لِقِلَّتِهَا وَهِيَ الْمُشْتَدَّةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ (وَمُطْلَقُ الْمُسْكِرِ) الصَّادِقِ بِالْخَمْرِ وَبِغَيْرِهَا كَالْمُشْتَدِّ مِنْ نَقِيعِ الزَّبِيبِ الْمُسَمَّى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ عَلَى اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَمَّا شُرْبُ مَا لَا يُسْكِرُ لِقِلَّتِهِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ فَصَغِيرَةٌ (وَالسَّرِقَةُ وَالْغَصْبُ) قَالَ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ الْغَصْبَ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ رُبُعَ مِثْقَالٍ كَمَا يُقْطَعُ بِهِ السَّرِقَةُ أَمَّا سَرِقَةُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ فَصَغِيرَةٌ قَالَ الْحَلِيمِيُّ إلَّا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مِسْكِينًا لَا غِنَى بِهِ عَنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ كَبِيرَةً.
(وَالْقَذْفُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} نَعَمْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ قَذْفُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالْحُرَّةِ الْمُتَهَتِّكَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ ; لِأَنَّ الْإِيذَاءَ فِي قَذْفِهِنَّ دُونَهُ فِي الْحُرَّةِ الْكَبِيرَةُ الْمُتَسَتِّرَةُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَذْفُ الْمُحْصَنِ فِي خَلْوَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْحَفَظَةُ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ أَمَّا قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَمُبَاحٌ، وَكَذَا جَرْحُ الرَّاوِي وَالشَّاهِدِ بِالزِّنَا إذَا عُلِمَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ. (وَالنَّمِيمَةُ) وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ إلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَيَا أَيْضًا {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ يَعْنِي عِنْدَ النَّاسِ}. زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ {بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ يَعْنِي: عِنْدَ اللَّهِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ} أَمَّا نَقْلُ الْكَلَامِ نَصِيحَةً لِلْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَوَاجِبٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةِ {يَا مُوسَى إنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوكَ}، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْغِيبَةَ وَهِيَ ذِكْرُ الشَّخْصِ أَخَاهُ بِمَا يَكْرَهُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ وَالْعَادَةُ قَرْنُهَا بِالنَّمِيمَةِ ; لِأَنَّ صَاحِبَ الْعُدَّةِ قَالَ: إنَّهَا صَغِيرَةٌ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا فَقَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا نَعَمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: إنَّهَا كَبِيرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَيَشْمَلُهَا تَعْرِيفُ الْأَكْثَرِ الْكَبِيرَةَ بِمَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ {قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْت بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي التَّنْزِيلِ {, وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} وَتُبَاحُ الْغِيبَةُ فِي مَوَاضِعَ مَذْكُورَةٍ فِي مَحَلِّهَا. (وَشَهَادَةُ الزُّورِ) ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهَا فِي حَدِيثٍ مِنْ الْكَبَائِرِ وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَهَلْ يَتَقَيَّدُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِقَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ تَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَزَمَ الْقَرَافِيُّ بِالنَّفْيِ بَلْ قَالَ، وَلَمْ تَثْبُتْ إلَّا فَلَسًا (وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ {مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ، وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ.) وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَةٍ يَعْنِي قَاطِعَ الرَّحِمِ وَالْقَطِيعَةُ فَعِيلَةٌ مِنْ الْقَطْعِ ضِدُّ الْوَصْلِ وَالرَّحِمُ الْقَرَابَةُ. (وَالْعُقُوقُ) أَيْ لِلْوَالِدَيْنِ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُ فِي حَدِيثٍ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُهُمَا {الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ} وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ {عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ} فَلَا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُمَا كَالْوَالِدِينَ فِي الْعُقُوقِ) وَالْفِرَارُ) مِنْ الزَّحْفِ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُ مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ أَيْ الْمُهْلِكَاتِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ نَعَمْ يَجِبُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ فِي الْعَدُوِّ لِانْتِفَاءِ إعْزَازِ الدِّينِ بِثُبُوتِهِ (وَمَالُ الْيَتِيمِ) أَيْ أَكْلُهُ مَثَلًا قَالَ تَعَالَى {إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}، وَقَدْ عَدَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
أَمَّا الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ فَصَغِيرَةٌ (وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ) بِلَا حَقٍّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ} إلَخْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَسَبُّ الصَّحَابَةِ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ {كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ} إلَخْ الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ السَّابِينَ نَزَّلَهُمْ لِسَبِّهِمْ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِمْ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِمْ حَيْثُ عَلَّلَ بِمَا ذَكَرَهُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ} أَيْ أَعْلَمْتُهُ بِأَنِّي مُحَارِبٌ لَهُ أَيْ مُعَاقِبٌ وَالصَّحَابَةُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ تَعَالَى وَسَبُّهُمْ مُشْعِرٌ بِمُعَادَاتِهِمْ أَمَّا سَبُّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَصَغِيرَةٌ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ {سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ} مَعْنَاهُ تَكَرُّرُ السَّبِّ (وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ) قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} أَيْ مَمْسُوخٌ (وَالرِّشْوَةُ) وَهِيَ أَنْ يَبْذُلَ مَالًا لِيُحِقَّ بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ حَقًّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ فِي الْحُكْمِ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ فِي رِوَايَةٍ أَيْضًا {وَالرَّائِشُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا} وَقَالَ فِيهِ بِدُونِ الزِّيَادَتَيْنِ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ بِدُونِهِمَا حَسَنٌ صَحِيحٌ أَمَّا بَذْلُ مَالٍ لِلْمُتَكَلِّمِ فِي جَائِزٍ مَعَ السُّلْطَانِ مَثَلًا فَجَعَالَةٌ جَائِزَةٌ.
(وَالدِّيَاثَةُ) وَهِيَ اسْتِحْسَانُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَفِي حَدِيثٍ {ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ وَرَجِلَةُ النِّسَاءِ} قَالَ الذَّهَبِيُّ إسْنَادٌ صَالِحٌ (وَالْقِيَادَةُ) وَهِيَ اسْتِحْسَانُ الرَّجُلِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَهِيَ مَقِيسَةٌ عَلَى الدِّيَاثَةِ (وَالسِّعَايَةُ) وَهِيَ أَنْ يَذْهَبَ بِشَخْصٍ إلَى ظَالِمٍ لِيُؤْذِيَهُ بِمَا يَقُولُهُ فِي حَقِّهِ، وَفِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ حَدِيثُ السَّاعِي مُثَلِّث أَيْ مُهْلِكٌ بِسِعَايَتِهِ نَفْسِهِ وَالْمُسْعَى بِهِ وَإِلَيْهِ (وَمَنْعُ الزَّكَاةِ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ} إلَخْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَيَأْسُ الرَّحْمَةِ) قَالَ تَعَالَى {إنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (وَأَمْنُ الْمَكْرِ) بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي وَالِاتِّكَالِ عَلَى الْعَفْوِ قَالَ تَعَالَى {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}. (وَالظِّهَارُ) كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {, وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا} أَيْ حَيْثُ شَبَّهُوا الزَّوْجَةَ بِالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ) أَيْ تَنَاوُلُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ تَعَالَى {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} (وَفِطْرُ رَمَضَانَ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ; لِأَنَّ صَوْمَهُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَفِطْرُهُ يُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ مُرْتَكِبِهِ بِالدِّينِ. (وَالْغُلُولُ)، وَهُوَ الْخِيَانَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَمَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (وَالْمُحَارَبَةُ) وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمَارِّينَ بِإِخَافَتِهِمْ قَالَ تَعَالَى {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} الْآيَةَ (وَالسِّحْرُ وَالرَّبَّا) بِالْمُوَحَّدَةِ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُمَا مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَإِدْمَانُ الصَّغِيرَةِ) أَيْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ وَلَيْسَتْ الْكَبَائِرُ مُنْحَصِرَةً فِيمَا عَدَّهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ فِي أَوَّلِهَا وَمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ {الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ} زَادَ الْبُخَارِيُّ {وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ} وَمُسْلِمٌ بَدَلَهَا {وَقَوْلُ الزُّورِ} وَحَدِيثُهُمَا {اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرَّبَّا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} فَمَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْهَا وَقْتَ ذِكْرِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هِيَ إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا.

  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 10:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


(ص) مسألة: لا يقبل مجنون وكافر.
(ش) أي: بالإجماع، ولأن قبول الراوي منصب شريف، والكافر ليس أهلا لذلك، وسواء علم من دينه التحرز عن الكذب أم لا، والمراد بالجنون: المطبق، أما المتقطع فإن أثر جنونه في زمن إفاقته لم يقبل، وإلا قبل، قاله ابن السمعاني في (القواطع) بل حكاها الشيخ أبو زيد المروزي قولين للشافعي رضي الله عنه.
(ص) وكذا صبي في الأصح.
(ش) الخلاف ثابت عندنا واستبعد القرافي القول بجواز روايته وقال: إنه منكر من حيث النظر والقواعد، بخلاف التحمل وجوابه: أن المأخذ أمارة قوة الظن، وقد يحصل برواية الصبي، وهو يرد دعوى القاضي الإجماع، على عدم قبوله، ثم لا بد من تقييد الخلاف بأمرين:
أحدهما: لمن لم يجوز عليه الكذب، وإلا فلا يقبل بلا خلاف.
وثانيهما: أن يكون المخبر به رواية محضة، فلو أخبر برؤية الهلال، وجعلناه رواية لا شهادة، لم يقبل جزما، ولم يخرجه الجمهور على الوجهين لما ذكرنا.
(ص) فإن تحمل فبلغ فأدى – قبل عند الجمهور.
(ش) للإجماع على قبول رواية ابن عباس، وابن الزبير، وابن بشير رضي الله عنهم وغيرهم، من أحداث الصحابة من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده ولو قال المصنف: فبلغ وأسلم فأدى، لكان أحسن، ليشمل ما لو تحمل في حال كفره ثم أسلم وأدى، والحكم سواء على الصحيح، وكذا إذا تحمل فاسقا وروى عدلا، وأهل الحديث يجوزون رواية ما سمعه الصبي الصغير، وإن لم يعلم عند التحمل ما سمع، وأكثرهم على أنه لا يجوز سماع من له دون خمس سنين، وأما الفقهاء فلا يرون ذلك، بل لا بد من تمييز الصبي عند التحمل. ولا بد من ضبط ما سمعه وحفظه حتى يؤديه كما سمعه والاعتبار بضبط اللفظ، وإن لم يعرف المعنى، ومنهم من اشترط المعنى وهم الأقل وهذا حجر يتعذر مع العمل به رواية الحديث إلا على الآحاد قاله ابن الأثير في شرح المسند.
(ص) ويقبل مبتدع يحرم الكذب وثالثها قال مالك: إلا الداعية.
(ش) المبتدع إما أن يكفر ببدعته أو لا.
فالأول: إن علم من مذهبه جواز الكذب لنصرة مذهبه أو غيره – لم تقبل روايته ببدعته اتفاقا، وإن علم منه تحريمه وتحرزه منه، فقولان: الأكثرون على أنه لا يقبل أيضا، وقال أبو الحسين: يقبل، واختاره في (المحصول) و(المنهاج) لأن ذلك يمنعه من الإقدام عليه.
والثاني: إن كان مما يرى الكذب – فلا يقبل اتفاقا وإلا فأقوال:
أحدهما: يقبل مطلقا سواء كان داعية لمذهبه أو لا وعزاه الأصوليون للشافعي رضي الله عنه لأجل قبول شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية.
والثاني: لا يقبله مطلقا وعليه الأكثرون لأنه فاسق وإن كان متأولا.
والثالث: قول مالك: لا يقبل الداعية، أي: الذي يدعو الناس إلى بدعته، فإنه لا يؤمن أن يصنع الحديث على وفق بدعته، ويقبل إن لم يدعهم حكاه عنه القاضي عبد الوهاب، وقال الخطيب: أنه مذهب أحمد وعزاه ابن الصلاح للأكثرين وقال: إنه أعدل المذاهب وأولاها.
(ص) ومن ليس فقيها، خلافا للحنفية فيما يخالف القياس.
(ش) هذا إنما هو قول بعض الحنفية، ولهذا لم يحكه صاحب (البديع) منهم إلا عن فخر الإسلام بعبارة غير متبعة، فقال: الخبر مقدم على القياس عند الأكثر وقيل: بالعكس. وعيسى بن أبان: إن كان الراوي ضابطا غير متساهل قدم، وإلا فموضع اجتهاد. وفخر الإسلام: وإن كان الراوي من المجتهدين كالخلفاء الراشدين، والعبادلة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، قدم، لأنه يقيني في الأصل والقياس ظني أو من الرواة كأبي هريرة، وأنس رضي الله عنهما فالأصل العمل ما لم توجب الضرورة تركه، كحديث المصراة، فإنه معارض بالإجماع في ضمان العدوان بالمثل أو القيمة دون الثمن. انتهى. والشيخ أبو إسحاق في (اللمع) لم يحكه عن الحنفية، إلا فيما خالف قياس الأصول لا مطلق القياس كما سبق، ولا يخفى ما في هذه المسألة من التكرار، عند قول المصنف فيما سبق، أو عارض القياس.
(ص) والمتساهل في غير الحديث، وقيل: يرد مطلقا.
(ش) إذا كان الراوي يتساهل في أحاديث الناس، ويتحرز في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قبل على الصحيح لأنه يحصل ظن صدقه ولا معارض له، وقيل: يرد مطلقا، ونص عليه أحمد، وأنكر على من قبل روايته إنكارا شديدا، وهو ظاهر كلام ابن السمعاني وغيره، واحترز بقوله: في غير الحديث، عن المتساهل في الحديث، فلا خلاف أنه لا يقبل، قاله في (المحصول) وغيره.
(ص) والمكثر وإن ندرت مخالطته المحدثين إذا أمكن تحصيل ذلك القدر في ذلك الزمان.
(ش) ليس من شرط الراوي أن يكون مكثرا لسماع الحديث وروايته ومشهورا بمخالطة المحدثين ومجالستهم وقد قبلت الصحابة حديث أعرابي لم يرو غير حديث وهذه من مسائل (المحصول) قال: تقبل رواية من لم يرو إلا خبرا واحدا فأما إذا أكثر من الروايات مع قلة مخالطته لأهل الحديث، فإن أمكن تحصيل ذلك القدر من الأخبار في ذلك القدر من الزمان – قبلت أخباره، وإلا توجه الطعن في الكل.
(ص) وشرط الراوي العدالة، وهي ملكة تمنع من اقتراف الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة، وهوى النفس والرذائل المباحة كالبول في الطريق.
(ش) العدالة لغة: التوسط والاستقامة وشرعا: ما ذكره المصنف. والضابط: أن كل ما لا تؤمن معه الجراءة على الكذب، يرد به الراوية، وما لا فلا وإنما عبر بالملكة (وكالمنهاج) دون الهيئة، (كالبديع) لأن الصفة النفسانية، وإن كانت راسخة (يقال لها: الملكة، وإن لم تكن راسخة) يقال لها: الحالة، فالكيفية النفسانية أول حدوثها حال، ثم تصير ملكة، فقال: ملكة، لينبه على رسوخها ولهذا قال محمد بن يحيى في تعليقه: العدل: من اعتاد العمل بواجب الدين واتبع إشارة العقل فيه برهة من الدهر، حتى صار ذلك عادة وديدناً له والعادة طبيعة خاصة فيغلب دينه بحكم التمرين، والترسخ في النفس، فيوثق بقوله، بخلاف الفاسق فإنه الذي يتبع نفسه هواها زمانا طويلا، حتى ألف ارتكاب المحظورات وضري باقتضاء الشهوات فضعف وازع الدين بسببه، فلا يوثق بقوله. وإذا لم يقبل قول العدل لمعارضة الأبوة أو العداوة فكيف يقبل الفاسق مع قيام الفسق والمراد بالكبائر جنسها، وإلا فتعاطي الكبيرة الواحدة يقدح، ولم يحتج أن يقول: والإصرار على الصغيرة، لأنها بالإصرار تصير كبيرة، فلو ذكرها لكرر من غير فائدة وقوله: وصغائر الخسة، أي: وما يخل بالمروءة من الصغائر كسرقة لقمة وتطفيف حبة قصدا وكون هذا صغيرة استثنى الحليمي منه ما إذا كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عما أخذ منه، فيكون كبيرة وعلم من قوله: صغائر الخسة: أن القادح ببعض الصغائر لا كلها، فإن من الصغائر ما لا يكون منه إلا مجرد المعصية كالكذبة التي لا يتعلق بها ضرر، والنظر للأجنبية (إنما المؤثر ما يقدح في المروءة، أو يدل على استهزاء بالدين، وقوله: وهوى النفس، أي: وتمنعه) عن هوى النفس وهذا القيد من تفقه والده، فإنه قال: لا بد عندي في العدالة من وصف لم يتعرضوا له، وهو الاعتدال عند انبعاث الأغراض حتى يملك نفسه عن اتباع هواه فإن المتقي الكبائر والصغائر الملازم للطاعة والمروءة – قد يستمر على ذلك، ما دام سالما من الهوى، فإذا غلبه هواه خرج عن الاعتدال، وانحل عصام التقوى، وانتفاء هذا الوصف، هو المقصود من العدل، قال الله تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} وقوله: والرذائل المباحة أي: لا بد من تجنب ذلك، كالبول في الشارع، والأكل في الطريق، وصحبة الأراذل ونحوه مما يدل على أنه غير مكترث باستهزاء الناس قال الغزالي: إلا أن يكون ممن يقصد كسر النفس وإلزامها التواضع، كما يفعله كثير من العباد.
(ص) فلا يقبل المجهول باطنا، وهو المستور، خلافا لأبي حنيفة، وابن فورك وسليم، وقال إمام الحرمين: يوقف ويجب الانكفاف إذا روى التحريم إلى الظهور.
(ش) إذا ثبت أن العدالة شرط فلا بد من تحقيقها, فلهذا لا يقبل المجهول, بل لا بد من البحث عن سيرته باطنا وقال أبو حنيفة: يقبل، اكتفاء بالإسلام وعدم ظهور الفسق، ووافقه منا ابن فورك كما نقله المازري في شرح (البرهان) وسليم، كما رأيته في كتاب (التقريب في أصول الفقه) وعزاه قوم إلى الشافعي رضي الله عنه، وهو غلط توهموه من قوله: ينعقد النكاح بشهادة المستورين، وذكر صاحب (البديع) وغيره من الحنفية: أن أبا حنفية إنما قبل ذلك في صدر الإسلام حيث الغالب على الناس العدالة، فأما اليوم فلا بد من التزكية.
لغلبة الفسق وقال إمام الحرمين: يوقف إلى استبانة حاله فلو كنا على اعتقاد في حل شيء فروى لنا مستور تحريمه وجب الانكفاف إلى استتمام البحث عن حاله، قال: وهذا إذا أمكن البحث عنه، فلو فرض اليأس من ذلك فهذه مسألة اجتهادية والظاهر أنه لا يجب الانكفاف وانقلبت الإباحة كراهة.
(ص) أما المجهول باطنا وظاهرا فمردود إجماعا.
(ش) لأن من لا يعرف عينه، كيف تعرف عدالته، وهي شرط في قبول الرواية وفي هذا الإجماع نظر، فإن ابن الصلاح قد حكى الخلاف فيه.
(ص) وكذا مجهول العين.
(ش) قال المحدثون: مجهول العين أن تسمي اسما لا يعرف من هو، مثل: عمرو بن ذي مر، وجيار الطائي وسعيد بن جدان لا يعرف من هؤلاء قال الخطيب: ولم يرو عنهم غير أبي إسحاق السبيعي قال المصنف: لا نعرف خلافا في رد روايته، وهو ظاهر عطفه هنا، وليس كذلك، بل قيل فيه بالقبول وهو من لم يشترط في الراوي مزيدا على الإسلام وقيل: إن كان الراوي عنه لا يروي إلا عن عدل كيحيى بن سعيد قبل، وإلا فلا.
(ص) فإن وصفه نحو الشافعي بالثقة، فالوجه قبوله، وعليه إمام الحرمين خلافا للصيرفي والخطيب.
(ش) والضمير في (وصفه) عائد إلى أقرب مذكور، وهو مجهول العين، لا مطلق المجهول ومراده به نحو: حدثني رجل أو إنسان، ووصفه الراوي عنه بالثقة أو قال أخبرني الثقة كما يقع للشافعي رضي الله عنه، كثيرا فلا يخلو هذا القائل إما أن يكون من أئمة الشأن العارفين لما يشترطه هو وخصومه، في العدل وقد ذكره في مقام الاحتجاج أولا، فإن لم يكن – فلا يقبل وإن كان وذلك كالشافعي رضي الله عنه، يقوله في معرض الاحتجاج على خصمه، فالوجه: قبوله، وبه قطع إمام الحرمين وخالف فيه الصيرفي والخطيب وطوائف، فقالوا: يجوز أن يكون الخصم اطلع فيه على جارح لم يطلع عليه العدل، فلا يكتفى بقوله: هو ثقة والجواب أن مثل الشافعي رضي الله عنه، لا يطلق ذلك إلا حيث يأمن الاحتمال. فائدة: عاب بعض المتعنتين على الإمام الشافعي رضي الله عنه، إيهام الشيخ من وجهين:
أحدهما: أنه يشعر بسوء الحفظ، والثاني: أنه ضرب من الإرسال، والمراسيل ليست بحجة عنده، وأجيب عن الأول بأن الحافظ الماهر قد تعتريه ريبة، فيتورع ولا يجزم احتياطا وقد فعل مثله الأئمة، فروى مالك في (الموطأ) في كتاب الزكاة عن الثقة عنده عن سليمان بن يسار وعن الثاني: بأنه لم يبهم ذكر الراوي إلا في حديث معروف عند أهل الحديث، براو معلوم الاسم والعدالة، فلا يضره تركه تسمية الشيخ. قال الرافعي في شرح المسند: ولك أن تقول: المحتاج إلى الوضوء إذا قاله له من يعرفه بالعدالة: هذا الماء نجس، بسبب كذا – يلزمه قبول قوله، وترك ذلك الماء ولو قال وهو أهل للتعديل: أخبرني عدل أن هذا الماء نجس، بسبب كذا، ولم يسم ذلك العدل، فيشبه أن يكون الحكم كذلك، وإذا جاز الاعتماد على قوله: العدل في الإخبار عن عدل غير مسمى هناك، فكذلك هنا، ويؤيده أن الحديث الذي يروى عن رجل من الصحابة يحتج به، ولا يعد من المراسيل، وإن لم يكن الصحابي مسمى، وذلك للعلم بعدالتهم جميعا.
(ص): وإن قال: لا اتهمه، فكذلك: وقال الذهبي: ليس توثيقا.
(ش) هذه درجة دون قوله: أخبرني الثقة ويقع أيضا في عبارة الشافعي رضي الله عنه، كقوله: أخبرني من لا أتهمه فعند المصنف: أنه يقبل من مثل الشافعي رضي الله عنه ومعنى قوله: فكذلك، أي في أصل القبول، وإلا فالدرجة متفاوتة قال: ورأيت بخط شيخنا الذهبي: ليس قوله حدثني من لا أتهمه توثيقا بل نفي للتهمة، ولم يتعرض لإتقانه ولا لأنه حجة. انتهى. قال: وهو صحيح غير أن هذا إذا وقع من الشافعي رضي الله عنه، محتجا به على مسألة في دين الله – فهي والتوثيق سواء في أصل الحجة وإن كان مدلول اللفظ لا يزيد على ما ذكره الذهبي، فمن ثم خالفناه في مثل الشافعي رضي الله عنه، أما من ليس مثله، فالأمر على ما وصفه شيخنا رحمه الله تعالى انتهى.
والعجب من اقتصاره على نقله عن الذهبي مع أن ذلك قاله طوائف من فحول أصحابنا وقد رأيت في كتاب (الدلائل والإعلام) لأبي بكر الصيرفي: إذا قال المحدث: حدثني الثقة عندي أو حدثني من لم أتهمه – لا يكن حجة، لأن الثقة عنده قد لا يكون ثقة عندي فاحتاج إلى علمه. انتهى. وقال الماوردي والروياني في القضاء إذا قال: أخبرني الثقة أو من لا أتهم – فليس بحجة، لأنه قد يثق به، ويكون مجروحا عند غيره.
(ص) ويقبل من أقدم جاهلا على مفسق مظنون أو مقطوع في الأصح.
(ش) المراد بالمفسق المظنون: أن يقدم على أمر يعتقد أنه على صواب لمستند قام عنده ونحن نظن بطلان ذلك المستند ولا نقطع به، أما لو ظننا فسقه ببينة شهدت بفسقه فليس من هذا القبيل بل ترد روايته والمراد بالمقطوع: أن يقطع ببطلان مأخذه، فالأول: خالف ظننا، والثاني: خالف قطعنا، وهذا التفصيل نقلوه عن الشافعي رضي الله عنه، أما في المظنون، فلقوله: إذا شرب الحنفي النبيذ من غير سكر – قبل شهادته واحدة لأنه لم يقدم عليه جرأة، ودليل تحريمه ليس قطعيا، حتى لا يعتبر ظنه معه – فتقبل روايته، وأما في المقطوع فلقوله: أقبل رواية أهل الأهواء إلا الخطابية، ووجهه فيهما: أن المقتضي لقبول روايته قائم، وهو ظن صدقه، لأنه يرى الكذب قبيحا كغيره، والعارض المتفق عليه منتف، وهو الفسق الذي لا تؤمن معه الجرأة، على الكذب، والأصل عدم غيره، فوجب أن يقبل، عملا بالمقتضي ولا بد أن يستثنى على هذا القول من المقطوع بفسقه – من يرى الكذب والتدين به، فلا يقبل بلا خلاف، وإليه أشار الشافعي رضي الله عنه، بقوله: إلا الخطابية فلا وجه لطرح المصنف له، والثاني: لا يقبل، لأنه فاسق فاندرج تحت الأدلة المانعة من قبول قول الفاسق، والثالث: الفرق بين المقطوع والمظنون، لأن ظن الصدق يضعف في المقطوع دون المظنون وههنا أمران: أحدهما: اقتضى كلامه حكاية قول في عدم قبول المظنون، وحكى في (المحصول) الاتفاق فيه على القبول قال الهندي: والأظهر ثبوت الخلاف فيه، كما في الشهادة، فإن فيها وجها، أنها ترد به، وذلك جار في الرواية أيضا، إذ لا فرق بينهما فيما يتعلق بالعدالة.
الثاني: قوله جاهلا، ليس مطابقا لوضع المسألة لأنها مفروضة فيمن يقدم عليه معتقدا جوازه بتأويل، وأما الجاهل بكونه فسقا فلم يتكلم فيه الأصوليون والذي أوقع المصنف في ذلك عبارة (المنهاج) والحاصل أن الصور ثلاثة:
أحدها: أن يعتقد كونه فسقا ويقدم عليه عالما به، فروايته مردودة بالإجماع، كما قاله في (المحصول): لا يؤمن معه الإقدام على الكذب، وكأن المصنف عبر بالجهل ليحترز عنها.
والثانية: أن يستحله بتأويل، كشبهة أو تقليد وهي مسألتنا وهي التي تكلم فيها الشافعي رضي الله عنه، والقاضي.
والثالثة: أن يقدم جاهلا بكونه فسقا فهذا لم يتعرض له الأصوليون وهو من وظيفة الفقهاء وفيه تفصيل لهم، وقد قال الماوردي: أما ما اختلف في إباحته كشرب النبيذ والنكاح بلا ولي – إن فعله معتقد التحريم، كان كبيرة، وإن لم يعتقد تحريمه ولا إباحته مع علمه بالخلاف فيه وجهان: قال البصريون: هو فاسق مردود الشهادة لأن ترك الاسترشاد في الشبهات تهاون بالدين وقال البغداديون: لا يفسق، لأن اعتقاده الإباحة أغلظ من التعاطي ولا يفسق معتقد الإباحة، وحكى المصنف في شرحه (للمنهاج) الوجهين وأسقط منهما قوله مع علمه بالخلاف فيه، فأشكل الأمر عليه وقال: لا بد من فرضهما في جاهل بالقاعدة المشهورة، وهي أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل شيء حتى يعرف حكم الله تعالى فيه، وحكى الشافعي رضي الله عنه فيه الإجماع، ثم إنهما لا يتجهان إلا تخريجا على حكم الأشياء قبل ورود الشرع والماوردي كثيرا ما يخرج على ذلك وقد يكون ظانا الحل فتقبل روايته.
(ص): وقد اضطرب في الكبيرة، فقيل: ما توعد عليه بخصوصه وقيل: ما فيه حد، (وقيل: ما نص الكتاب على تحريمه وأوجب في جنسه حد) والأستاذ والشيخ الإمام: كل ذنب، ونفيا الصغائر والمختار – وفاقا لإمام الحرمين – كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين.
(ش): في حد الكبيرة أوجه: أحدها: ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة.
والثاني: المعصية الموجبة للحد قال الرافعي: وهم إلى ترجيح هذا أميل والأول ما يوجد لأكثرهم وهو الأوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر.
والثالث: هو قول الأستاذ والقاضي أبي بكر والإمام ابن القشيري: كل ذنب، بناء على أنه لا صغيرة في الذنوب، ونقله ابن فورك عن الأشعرية، واختاره نظرا إلى من عصى بها، قال القرافي: وكأنهم كرهوا تسمية معصية الله تعالى صغيرة إجلالا له عز وجل، مع أنهم وافقوا في الجرح أنه لا يكون بمطلق المعصية وإن من الذنوب ما يكون قادحا في العدالة ومنها لا يكون قادحا، هذا مجمع عليه، وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق والصحيح التغاير، لقوله تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} فجعلها رتبا، وسمى بعض المعاصي فسقا دون البعض، وفي الصحيح: ((الكبائر سبع)) وخص الكبائر ببعض الذنوب، ولأن ما عظمت مفسدته أحق باسم الكبيرة.
والرابع: قول إمام الحرمين في (الإرشاد) واختاره المصنف: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة فهي مبطلة للعدالة قال الإمام: وكل جريمة لا تؤذن بذلك، بل يبقى حسن الظن بصاحبها فهي التي لا تحبط العدالة، قال: وهذا أحسن ما يميز أحد الضدين على الآخر، وذكر في (النهاية) ما حاصله أن الصادر إن دل على الاستهانة، لا استهانة بالدين بل استهانة غلبة التقوى وتمرين غلبة رجاء العفو – فهو كبيرة، وإن صدر عن فلتة خاطر أو لفتة ناظر فصغيرة.
والتحقيق أن التعاريف السابقة اقتصار على بعض الكبائر، والضبط أن يقال: كل ذنب قرن به وعيد، أو حد، أو لعن، أو أكثر من مفسدته أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه إشعارا – مع الكبائر المنصوص عليها بذلك كما لو قتل من يعتقده معصوما فظهر أنه يستحق دمه، أو وطئ امرأة ظانا أنه زان، فإذا هي زوجته أو أمته، ولهذا حكى الروياني وجها بوجوب الحد وطرده في القتل وعن سفيان الثوري: أن ما تعلق بحق الله تعالى فصغيرة أو بحق آدمي فكبيرة، وقال الواحدي: الصحيح أنه ليس للكبائر حد، يعرفه العباد ويتميز به عن الصغائر تمييز إشارة ولو عرف ذلك، لكان الصغائر مباحة ولكن الله تعالى أخفى ذلك عن العباد فيجتهد كل أحد في اجتناب ما نهي عنه، رجاء أن يكون مجتنبا للكبائر ونظير هذا إخفاء الصلاة الوسطى في الصلوات وليلة القدر في رمضان.
(ص) (ورقة الديانة )كالقتل.
(ش) أي: العمد بغير حق، وشبهة العمد دون الخطأ كما قاله شريح الروياني، وجعله الحليمي مراتب وقال: إن قتل أبا أو ذا رحم في الجملة أو أجنبيا محرما بالحرم أو بالشهر الحرام – فهو فاحشة فوق الكبيرة، فإن قلت: كيف لم يبدأ بالشرك وهو أعظمها، ففي الصحيح: (سئل أي الذنب أعظم؟) قال: ((أن تجعل لله ندا وهو خلقك))، قال: (ثم أي؟) قال: ((أن تقتل ولدك)) الحديث؟ قلت: لأن كلامه في قادح العدالة بعد ثبوت صفة الإسلام.
(ص) والزنا واللواط.
(ش) أما الزنا ففي الصحيح عده كبيرة وألحق به اللواط، لاشتراكهما في وجوب الحد، واللواط أفحش وأقبح وقد أخبر الله تعالى أنه أهلك قوم لوط به، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا زنا العبد خرج منه الإيمان وكان كالظلة فإذا أقلع منه رجع إليه الإيمان)) قال الذهبي: على شرط، الشيخين ويلتحق به وطء الزوجة والأمة في الموضع المكروه.
(ص) وشرب الخمر ومطلق المسكر.
(ش) شرب الخمر وإن لم يسكر، وثبت عن ابن عباس: لما نزل تحريم الخمر مشى الصحابة بعضهم إلى بعض وقالوا: حرمت الخمر وجعلت عدلا للشرك. وإنما قال: ومطلق المسكر، أي: من غيرها، لأن الخمر اسم للعنب خاصة, وفي مسلم مرفوعا: ((أن على الله عهد لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)) وهو عرق أهل النار ويلتحق به كل ما يزيل العقل لغير ضرورة، وما قاله المصنف هو المشهور. وقال شريح الروياني: من اعتقد مذهب الشافعي: إذا شرب النبيذ فهل يكون كبيرة؟ فيه وجهان، وسبق عن الماوردي وزعم الحليمي أن من مزج خمرا بمثلها من الماء فذهبت شدتها وشربها فذاك من الصغائر، واستغربه المصنف في (الطبقات) وليس بغريب بل هو جار على المذهب، لأن المنع حينئذ للنجاسة لا للإسكار.
(ص) والسرقة والغصب.
(ش) للتوعد والحد في السرقة والتوعد في الغصب، لقوله: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله من سبع أرضين لعن الله من غير منار الأرض أو سرق منار الأرض)) رواه مسلم وقيد العبادي وشريح الروياني وغيرهما الغصب بما يبلغ قيمته ربع دينار، وكأنهم قاسوه على السرقة، قال الحليمي: وأما سرقة الشيء التافه فهو صغيرة إلا إذا كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عما أخذه فيكون كبيرة. قلت لا من جهة السرقة، بل من جهة إيذائه ويأتي مثل ذلك في الغصب.
(ص) والقذف.
(ش) لقوله تعالى: {إن الذين يرمون المحصنات} وفي الصحيح عده من السبع الموبقات، أما قاذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فكافر، لتكذيبه القرآن وقد يباح القذف لمصلحة كما إذا علم الزوج أن الولد ليس منه ويجرح الشاهد والراوي بالزنا، بل يجب قال ابن عبد السلام: والظاهر أن من قذف محصنا في خلوة بحيث لا يسمعه إلا الله والحفظة – أن ذلك ليس بكبيرة موجبة للحد، لانتفاء المفسدة، وما قاله قد يظهر فيما إذا كان صادقا دون الكاذب، لجرأته على الله تعالى وقال الحليمي: قذف الصغيرة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصغائر ومراده بالصغيرة: من لا تحتمل الوقاع، بحيث يقطع بكذب قاذفها، وفي المملوكة نظر، وفي الصحيح: (من قذف عبدا أقيم عليه الحد يوم القيامة).
(ص) والنميمة.
(ش) وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد قال تعالى: {مشاء بنميم} وفي الصحيحين: ((لا يدخل الجنة نمام)) ولا يشكل على كونها كبيرة، حديث: ((وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة)) لأن المراد لا تعده الناس كبيرة، لقوله تعالى: {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} وقد تجوز إذا اشتملت على مصلحة للمنموم إليه، بل يجب، كما لو قيل له: إن فلانا عزم على قتلك، قال تعالى: {إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} وما حكاه الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم عن المنافقين.

تنبيه: سكوت المصنف عن الغيبة يوهم إنها ليست بكبيرة، وهو ما نقله الرافعي عن صاحب (العدة) ولم يخالفه، وهو ضعيف، أو باطل، كيف وقد نقل عن المتأخرين في حد الكبيرة ما توعد عليه، والوعيد عليها طافح من الكتاب والسنة، بل نقل القرطبي في تفسيره الإجماع، على أنها كبيرة وظفرت بنص الشافعي رضي الله عنه، في ذلك كما حكيته في (خادم الرافعي) و(الروضة) وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين الدماء والأموال والأعراض والحرمة، وفي معناها السكوت على الغيبة، فإن السامع شريك المتكلم.
(ص) شهادة الزور.
(ش) ففي الصحيحين أنها من أكبر الكبائر، وفي الحديث الثابت: ((لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار)) وقوله: ((عدلت شهادة الزور الشرك بالله)) وإنما عادلته، لقوله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} ثم قال بعدها: {والذين لا يشهدون الزور} والزور: الكذب والباطل، ومنه قوله: ((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)) قال الراغب: نبه بذلك على أنه كاذب في قوله وفعله فتضاعف عنه وزره، وعليه حملوا قوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} قال القرافي: ومقتضى العادة أنها لا تكون كبيرة إلا إذا عظمت مفسدتها، لكن الشرع جعلها مفسدة مطلقا، وإن كان لم يتلف بها على المشهود عليه إلا فلسا.
(ص) واليمين الفاجرة.
(ش) ففي الصحيح: ((من اقتطع حق مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار)). قيل: يا رسول الله ولو كان شيئا يسيرا؟ قال: ((ولو كان قضيبا من أراك)) وفي صحيح البخاري في باب استتابة المرتدين: ((الإشراك بالله ثم عقوق الوالدين ثم اليمين الغموس))، قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: ((الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب)).
(ص) وقطيعة الرحم.
(ش) لقوله تعالى: {وتقطعوا أرحامكم} وفي الصحيح: ((لا يدخل الجنة قاطع رحم)) والرحم الأقارب ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب من جهة النساء، والقطيعة: الهجران والصد، فعيلة من القطع وهو ضد الصلة.
(ص) والعقوق.
(ش) ففي الصحيحين: أنها من أكبر الكبائر، وقال عليه السلام: ((رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين)) قال الذهبي: إسناده صحيح وفي الحديث: ((كل الذنوب يؤخر منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه)) وإنما قال المصنف: العقوق، ولم يقيد بالوالدين، لما في الحديث: ((الخالة بمنزلة الأم)) وصححه الترمذي، وعلى قياسه العم أب، وفي الصحيح: ((عم الرجل صنو أبيه)).
(ص) والفرار.
(ش) أي: من الزحف، وهو من السبع الموبقات، لكنه قد يجب إذا علم أنه يقتل من نكاية في الكفار، لأن التغرير في النفوس إنما جاز لمصلحة إعزاز الدين، وفي الثبوت ضد هذا المعنى.
(ص) ومال اليتيم.
(ش) لقوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} الآية. وعده في الصحيحين من السبع الموبقات، وقيل: إنه مجلب لسوء الخاتمة، أعاذنا الله من ذلك! وقال الشيخ عز الدين في (القواعد): قد نص الشرع على أن شهادة الزور وأكل مال اليتيم من الكبائر، فإن وقعا في مال خطير فظاهر، وإن وقعا في مال حقير كزبيبة أو تمرة فهذا مشكل، فيجوز أن يجعل من الكبائر فطاما عن هذه المفاسد كشرب قطرة من الخمر، ويجوز أن يضبط ذلك المال بنصاب السرقة
قلت: ويؤيد هذا ما سبق في الغصب.
(ص) وخيانة الكيل والوزن.
(ش) لقوله تعالى: {ويل للمطففين} ومطلق الخيانة أيضا من الكبائر قال تعالى: {إن الله لا يحب الخائنين} وفي معني الكيل والوزن: الزرع في المزروعات.
(ص) وتقديم الصلاة وتأخيرها.
(ش) أي: تقديمها على وقتها وتأخيرها عنه، بلا عذر من سفر أو مرض، وعليه حملوا حديث الترمذي: ((من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من الكبائر)) قال ابن حزم: ولا ذنب بعد الشرك أعظم من ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وقتل مؤمن بعير حق وعلم منه من تركها من باب أولى، وهو المراد بقوله: {ما سلككم في سقر} وروى الجريري عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة رواه الحاكم وأخرجه الترمذي دون ذكر أبي هريرة وحكى البغوي في (التهذيب) وجها غريبا: أن من ترك صلاة واحدة فليس بصاحب كبيرة حتى يعتاد ذلك مرارا.
(ص) والكذب على محمد صلى الله عليه وسلم.
(ش) لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) بل ذهب الشيخ أبو محمد الجويني إلى أن الكذب عليه كفر، ولا شك أن تعمد الكذب عليه في تحليل الحرام أو تحريم الحلال كفر محض وإنما الخلاف في تعمده فيما سوى ذلك، وفي الحديث: ((من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).
قال الذهبي: ومن هنا يعلم أن رواية الموضوع لا تحل، وتقييد المصنف الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوهم أن الكاذب على غيره ليس بكبيرة وليس على إطلاقه ومنه الكذاب في غالب أقواله قال تعالى: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} وقال: {قتل الخراصون} وفي الصحيحين: ((إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) ومن محاسن الشريعة: إباحة المعاريض فلا ضرورة حينئذ تدعو إلى الكذب، ولا خلاف في جوازها حيث يضطر إليها كما قاله الراغب وغيره وقيل: ورد: في المعاريض مندوحة عن الكذب وفي الحديث لمن سأله من أين أنت؟ قال: ((من الماء)).
(ص) وضرب المسلم.
(ش) أي: بلا حق أو زيادة على ما يستحقه وفي الصحيح: ((صنفان من أهل النار: قوم معهم كأذناب البقر يضربون بها الناس)) وخص المصنف المسلم، لأنه أفحش أنواعه، وإلا فالذمي بغير حق كذلك.
(ص) وسب الصحابة.
(ش) لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من عادى لي وليا فقد آذنني بالحرب)) رواه البخاري وقال: ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) متفق عليه.
(ص) وكتمان الشهادة.
(ش) لقوله تعالى: {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} وفي التفسير: أنه مسخ القلب وهذا الوعيد لمن لم يذكر في غيره من الكبائر، قال ابن القشيري: من كتمان الشهادة الامتناع عن أدائها، بعد تحملها، ومنه أن لا يكون عند صاحب الحق علم بأن له شهادة وخانه صاحبه.
(ص) والرشوة.
(ش) لحديث: ((لعنة الله على الراشي والمرتشي)) وهي مثلثة الراء، أن يبذل مالا ليستحق باطلا أو يبطل حقا أما من بذل مالا لمن يتكلم في أمره مع السلطان فهو جعالة قاله العبادي وغيره.
(ص) والدياثة والقيادة.
(ش) الأول المستحسن على أهله، والثاني: على أجنبي، قال تعالى: {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} وقد روى سليمان بن يسار عن الأعرج حدثنا سالم بن عبد الله عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق والديه، والديوث ورجلة النساء)) قال الذهبي: إسناده صالح لأن بعضهم يقول: عن أبيه عن عمر مرفوعا، قال: فمن كان يظن بأهله الفاحشة ويتغافل لمحبته فيها فهو دون من يعرص عنه ولا خير فيمن لا غيرة له).
(ص) والسعاية.
(ش) أي عند السلطان أي: إنما يضر المسلم وإن كان صدقا قال صاحب (نهاية الغريب): وفي حديث ابن عباس: الساعي لغير رشده، أي: الذي يسعى بصاحبه إلى السلطان ليؤذيه يقول: هو ليس بثابت النسب ولا ولد حلال، ومنه حديث كعب: الساعي مثلث يريد أن نهلك بسعايته ثلاثة نفر: السلطان والمسعى به ونفسه، وفي (الحلية) لأبي نعيم، عن الشافعي رضي الله عنه قال: قبول السعاية أضر من السعاية دلالة والقبول إجازة، وليس من دل على شيء كمن قبل وأجاز، قال: والساعي ممقوت إذا كان صادقا لهتكه العورة وإضاعته الحرمة، ويعاقب إن كان كاذبا لمبارزته الله تعالى بقول البهتان، وشهادة الزور.
(ص) ومنع الزكاة.
(ش) لقوله تعالى: {الذين لا يؤتون الزكاة} والمتوعد عليه كبيرة وقد قاتل الصديق مانع الزكاة وأجمع عليه الصحابة، ثم لا يخفى أن المراد المنع المجرد مع الاعتراف بوجوبها فإن جاحدها كافر، والمراد أصلها لا كل فرد حتى لا يكفر جاحد زكاة الفطر، ولا جاحدها في مال الصبي والمجنون وغيره من المختلف فيه، وفي معنى منع الزكاة تأخيرها إذا وجبت لا لعذر.
(ص) ويأس الرحمة وأمن المكر.
(ش) أما الأول، فلقوله تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} فمن قال: لا يغفر فقد حجر واسعا وكذب القرآن في قوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} وأضاف بعضهم إليه القنوط، قال تعالى: {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} ولك أن تسأل الفرق بينهما وفسر الراغب القنوط باليأس من الخير وفسر اليأس بانتفاء الطمع، قلت: ويحتمل تفسير اليأس بظن لا ينتهي إلى القطع والقنوط بما فوقه وقد اجتمعا في قوله تعالى: {وإن مسه الشر فيئوس قنوط} والثاني كقوله تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} فيسترسل في المعاصي ويتكل على رحمة الله تعالى، قال تعالى: {ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} قال بعضهم: من مكر الله تعالى إمهال العبد وتمكينه من أغراض الدنيا، ولهذا قال علي رضي الله عنه: من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع في عقله.
(ص) والظهار.
(ش) أي وهو قوله لزوجته: أنت علي كظهر أمي، اشتق من الظهر، ودل على تحريمه قوله تعالى: {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} لأنهم صيروا كأمهاتهم من لا يكون بمنزلتهن، ولهذا جعلت الكفارة قبل المسيس، ليحل له غشيانها، بخلاف كفارة القتل وغيرها.
(ص) ولحم الخنزير والميتة.
(ش): أي: بغير ضرورة، لقوله تعالى: {إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير} وهو من عطف الخاص على العام.
(ص) وفطر رمضان.
(ش) لأن صومه ركن الإسلام، وروى ((من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا رخصة لم يقضه صيام الدهر)).
(ص) والغلول.
(ش) أي: وهو تدرع الخيانة من الغنيمة وبيت المال والزكاة: قال تعالى: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} وروي: لا إغلال ولا إسلال أي لا خيانة ولا سرقة وقال الإمام أحمد: ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على الغال وقتال= نفسه، وما فسرت به الغلول هو الذي قاله الأزهري وغيره وقال أبو عبيد: الغلول من الغنم خاصة، ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد فإنه يقال: أغل يغل، ومن الحقد غل يغل بكسر الغين، ومن الغلول: غل يغل الضم، وقال ابن أبي هريرة: تنكية، صورة الغلول من الزكاة أن يخفي ماله لئلا تؤخذ منه الزكاة، أو يقل: لم يحل على مالي الحول، أو لم يكن لي نصاب في جميع الحول، وعرفنا خلاف ما قال.
(ص) والمحاربة.
(ش) لقوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ... } الآية.
(ص) والسحر.
(ش) ففي الصحيح عده من السبع الموبقات ولأن الساحر لابد أن يكفر، قال تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر}
(ص) والربا.
(ش) وهو مقابلة مال بمال مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حال العقد أو مع تأخيره في البدلين أو أحدهما لقوله تعالى: {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} وفي الصحيح عده من السبع الموبقات، وفيه: ((لعن آكل الربا وموكله)) قال الشيخ عز الدين في (القواعد): ولم أقف على المفسدة المقتضية لعجله من الكبائر، فإن كونه مطعوما وقيمة الأشياء أو مقدرا، لا يقتضي أن يكون كبيرة، ولا يصح التعليل بأنه لشرفه حرم ربا الفضل وربا النسا فإن من باع ألف دينار بدرهم واحد صح بيعه ومن باع كر شعير بألف كر حنطة، أو مد شعير بألف مد من حنطة، أو مداً من حنطة بمثله، أو ديناراً بمثله وأجل ذلك للحظة – فإن البيع يفسد، مع أنه لا يلوح في مثل هذه الصورتين معنى يصار إليه، قلت: وذكر الغزالي في (الإحياء) في توجيه المفسدة كلاما فلينظر فيه وقال السهيلي: من تأمل أبواب الربا لاح له سر التحريم من جهة الجشع المانع من حسن المعاشرة والذريعة إلى ترك الفرض، وما في التوسعة من مكارم الأخلاق، ولذلك قال تعالى: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} نبهنا فيه على العلة، ولهذا قالت عائشة: إن تعاطى ما شبهه إلا بطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تقبل صلاته ولا صيامه لأن السيئات لا تحبط الحسنات، ولكن خصت الجهاد بالإبطال، لأنه حرب لأعداء الله وآكل الربا قد آذن بحرب من الله فهو ضده ولا يجتمع الضدان، والظاهر أنه تعبد وكان الذين يتعاطونه يقولون: هذا الربح أخيرا كالربح ابتداء، لو بعت الثوب الذي قيمته عشرة بخمسة عشر، والله تعالى فرق بين الربح في الابتداء وبين الربح في الانتهاء، وله= يحكم بما يريد ولا يجمع بين متفرق. ويجوز أن يقرأ كلام المصنف بالياء المثناه من تحت فإنه من الكبائر أيضا وفي مسلم في حديث: الشهيد والغازي والمنفق في سبيل الله تعالى يقال لهم: إنما فعلت ليقال، ثم يؤمر بهم فيسحبوا إلى النار وصحح الحاكم: ((اليسير من الرياء شرك)).
(ص) وإدمان الصغيرة.
(ش) أي: فإنه بمنزلة الكبيرة، ولهذا أخره المصنف عن الكل، وهذا هو المشهور، وحكى الديبلي في (أدب القضاء) وجها: أنه لا تصير الصغيرة بالمداومة عليها كبيرة، كما لا تصير الكبيرة بالمداومة عليها كفرا. والإدمان يكون باعتبارين: الإصرار بالفعل، والإصرار حكما وهو العزم على فعلها بعد فراغه منها، فحكمه حكم من كررها فعلا وتعبير المصنف بـ (إدمان) تفسير منه للإصرار لهذا قال ابن فورك: الإصرار: الإقامة على الشيء (بالعقد عليه من جهة العزم على فعله، والإصرار على الذنب يقتضي التوبة منه. انتهى. وهل المراد الإدمان) على نوع واحد من الصغائر أم الإكثار من الصغائر سواء كانت من نوع أو أنواع؟ فيه تردد للأصحاب، قال الرافعي: والثاني يوافق قول الجمهور: من غلبت معاصيه طاعته كان مردود الشهادة.
تنبيهان: الأول: إنما عدد المصنف هذه الأنواع لئلا يتوهم حصرها في سبع ولهذا قيل لابن عباس: الكبائر سبع، فقال: هي إلى السبعين أقرب وعن ابن جبير: هي إلى السبعمائة أقرب، قال ابن ظفر: ولا تعد مثل هذا خلافا، فكل معصية كبيرة إذا أضيفت إلى ما هو دونها، فهو إخبار عما استفاده من مقامات الكبائر، ونحوه قال الحليمي: ما من ذنب وإلا في نوعه كبيرة وصغيرة إلا الكفر بالله، فإنه أفحش الكبائر، وليس في نوعه صغيرة، وقد جاءت أحاديث بعدها سبعا، وأحاديث بأكثر من ذلك كما بيناه، فلا مفهوم مخالفة لواحد منها، لأنها لم تتفق على سبعة معينة، بل بينها تفاوت، وطريق الجمع ما قيل في أفضل الأعمال، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص في كل وقت بعض الكبائر بالذكر لحاجة السامعين حينئذ إلى بيانه على حسب حال بعض الحاضرين، واقتصر في بعض الأحايين على أكبرها كقوله: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر)).
الثاني: لم يراع المصنف ترتبيها، وقال القرطبي: أكبرها الشرك ثم الإياس من رحمة الله تعالى، لأنه تكذيب للقرآن، ثم الأمن من مكر الله تعالى، ثم القتل لأن فيه إذهاب النفس وإعدام الموجود، ثم اللواط، لأن فيه قطع النسل، والزنا، لاختلاط الأنساب، ثم الخمر، لذهاب العقل الذي هو مناط التكليف وقلت: ويحتمل جعل عقوق الوالدين بعد الشرك، لأن الله تعالى واحد، فإذا جعل معه ثانيا فقد أشرك، والأب أعظم من على الابن له حق، فإذا استحق به فأحرى بغيره ولهذا قرن بينهما في قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} وقال:{أن أشكر لي ولوالديك} وجاء في بعض الأحاديث العقوق بعد الإشراك.

  #4  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 10:09 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: لا يقبل مجنون وكافر وكذا صبي في الأصح، فإن تحمل فبلغ فأدى قبل عند الجمهور.
ش: يشترط فيمن تقبل روايته شروط.
أحدها: كونه عاقلا، فلا تقبل رواية المجنون.
قال الشارح: والمراد بالجنون: المطبق، أما المنقطع فإن أثر جنونه في زمن إفاقته لم تقبل، وإلا قبل، قاله ابن السمعاني في (القواطع).
قلت: لا يحتاج لذكر ذلك، فإنه في حال الإفاقة – إذا لم يستمر به الخبل – ليس مجنونا، فإن استمر به الخبل فهو في تلك الحالة مجنون، إلا أن أحوال المجنون تختلف والله أعلم.
ثانيها: كونه مسلما، فلا تقبل رواية الكافر، سواء علم من دينه التحرز عن الكذب أم لا، هذا في المخالف في القبلة أما الموافق فيها كالمبتدع الذي يكفر ببدعته كالمجسمة إن كفرناهم فسيأتي الكلام فيه.
ثالثها: البلوغ، فلا تقبل رواية الصبي غير المميز بلا شك، وكذا المميز على الصحيح، وادعى القاضي أبو بكر الإجماع عليه، لكن يستثنى من ذلك الإذن في دخول الدار، وحمل الهدية، فيقبل قوله فيهما على الصحيح إن لم يجرب عليه الكذب، وكذا إخباره بطلب صاحب الوليمة لإنسان فإنه يجب به الإجابة كما صرح به الماوردي وكذا الروياني، إلا أنه اشترط أن يقع في قلب المدعو صدقه، وفي باب الأذان من شرح (المهذب) للنووي: عن الجمهور قبول روايته فيما طريقه المشاهدة دون ما طريقه الاجتهاد، وسبقه إلى ذلك المتولي ومحل الخلاف فيه أيضا أن يكون المخبر به رواية محضة، فلو أخبر برؤية الهلال وجعلناه رواية لم يقبل جزما، ولم يخرجوه على الخلاف.
فإن تحمل قبل البلوغ وأدى بعده، فقال الجمهور: إنه يقبل، للإجماع على قبول رواية أحداث الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم كابن عباس وابن الزبير وغيرهما، من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده.
قال الشارح: ولو قال المصنف: (فبلغ أو أسلم فأدى) لكان أحسن ليشمل ما لو تحمل في حال كفره ثم أسلم وأدى، والحكم سواء على الصحيح.
قلت: هذه الصورة لا خلاف فيها، إنما الخلاف في التحمل صبيا والله أعلم.
ص: ويقبل مبتدع يحرم الكذب، وثالثها: قال مالك: إلا الداعية.
ش: اختلف في قبول رواية المبتدع على أقوال:
أحدها: قبول روايته، إلا أن يستحل الكذب لنصرة مذهبه أو غيره. فإن الاتفاق على أنه لا تقبل روايته.
قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة، لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقهم واختاره المصنف تبعا للإمام والبيضاوي.
والثاني: المنع من ذلك مطلقا، وهو قول القاضي أبي بكر واختاره الآمدي وعزاه للأكثر وابن الحاجب.
والثالث: التفصيل بين أن يكون داعية إلى مذهبه فترد روايته، أو غير داعية فلا، وعزاه المصنف لمالك، والخطيب لأحمد، ونقل ابن حبان من المحدثين الاتفاق عليه، وعزاه ابن الصلاح للأكثرين وقال: إنه أعدل المذاهب وأولاها.
تنبيه:
لا فرق في جريان هذا الخلاف بين أن يكون ذلك المبتدع يكفر ببدعته كالمجسمة إن كفرناهم، أم لا، ولذلك أطلق المصنف الخلاف والترجيح.
ص: ومن ليس فقيها – خلافا للحنفية – فيما يخالف القياس والمتساهل في غير الحديث، وقيل: يرد مطلقا، والمكثر وإن ندرت مخالطته للمحدثين إذا أمكن تحصيل ذلك القدر في ذلك الزمان.
ش: فيه مسائل:
الأولى: لا يشترط في الراوي أن يكون فقيها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فرب حامل فقه غير فقيه)).
وحكى المصنف عن الحنفية اشتراط فقهه فيما إذا روى ما يخالف القياس، كحديث المصراة ولم يحكه الشيخ أبو إسحاق عنهم إلا فيما خالف قياس الأصول لا مطلق القياس ولم يحكه صاحب (البديع) منهم إلا عن فخر الإسلام منهم خاصة بشرط، فحكى عنه أنه إن كان الراوي من المجتهدين، كالخلفاء الراشدين والعبادلة قدم الخبر على القياس لأنه يقيني الأصل والقياس ظنية أو من الرواة كأبي هريرة وأنس، فالأصل العمل بما لم يوجب الضرورة تركه كحديث المصراة فإنه معارض بالإجماع في ضمان العدوان بالمثل أو القيمة، وقد تكررت هذه المسألة لقول المصنف فيما تقدم قريبا: (أو عارض القياس).
الثانية: إذا كان الراوي يتساهل في أحاديث الناس مع تحرزه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم فروايته مقبولة على الصحيح. وقيل: ترد رواية المتساهل مطلقا ونص عليه أحمد أما المستاهل في الحديث فلا خلاف في أنه لا يقبل، كما قاله في (المحصول) وغيره.
الثالثة: إذا أكثر الراوي من الروايات مع قلة مخالطته لأهل الحديث فإن أمكن تحصيل ذلك القدر في ذلك الزمان، قبلت روايته وإلا ردت كلها ذكره في (المحصول).
ص: وشرط الراوي العدالة، وهي ملكة تمنع عن اقتراف الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة، وهوى النفس، والرذائل المباحة كالبول في الطريق.
ش: يشترط في قبول رواية الراوي كونه عدلا، والعدالة لغة: التوسط وشرعا ملكة أي هيئة راسخة في النفس تمنعها عن اقتراف الكبائر.
والصغائر الدالة على الخسة كسرقة لقمة وتطفيف حبة عمدا، واستثنى الحليمي من كون هذا القسم من الصغائر: ما إذا كان المسروق منه مسكينا محتاجا إلى المأخوذ منه فتكون كبيرة، ولم يحتج إلى ذكر الإصرار على الصغائر، لأن الإصرار عليها يصيرها كبيرة، وقوله: (وهوى النفس) أي تمنعه عن هوى النفس.
قال الشارح: وهذا من تفقه والده فإنه قال: لا بد عندي في العدالة من وصف لم يتعرضوا له، وهو الاعتدال عند انبعاث الأغراض حتى يملك نفسه عن اتباع هواه، فإن المتقي للكبائر والصغائر الملازم للطاعة والمروءة قد يستمر على ذلك ما دام سالما من الهوى فإذا غلبه هواه خرج عن الاعتدال وانحل عصام التقوى وانتفاء هذا الوصف هو المقصود من العدول، قال تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} انتهى.
قلت: إن أراد المصنف أن تلك الملكة تمنع وجود هوى النفس – وهو ظاهر كلامه وكلام الشارح – فهذا مردود فليس يعتبر في العدل، ألا يهوى خلاف الحق، وإنما المعتبر فيه ألا يوقعه الهوى في الباطل، فمن خالف هواه فهذا من أكمل العدول، ولا تظهر ثمرة التقوى إلا إذا هوي الإنسان غير الحق، فأما إذا كان هوى الإنسان تابعا للحق واجتمعا في جانب واحد، فلا تظهر ثمرة التقوى وإن أراد المصنف أن تلك الملكة تمنعه عن اقتراف الكبائر والصغائر الخسة ولو هويتها النفس، فهذا داخل في كلامهم، ومتى لم تمنعه من ذلك فليست ملكة، فمن لم يمتنع من الكبائر إلا إذا لم يهواها ليس عدلا ولا فيه تلك الملكة ولا يحتاج إلى هذا لدخوله في إطلاقهم، وقوله: (والرذائل المباحة كالبول في الطريق) أي: وما في معناه من الأكل في الطريق وعشرة من لا يليق به عشرته، فإنه دال على عدم اكتراثه باستهزاء الناس، وهذا هو المراد بالمحافظة على المروءة بأن يسير سيرة أمثاله زمانا ومكانا.
قال الغزالي: إلا أن يكون ممن يقصد كسر النفس، وإلزامها التواضع كما يفعله كثير من العباد.
فإن قلت: التعبير بالكبائر والرذائل يخرج اقتراف كبيرة واحدة أو رذيلة واحدة مع أنه مخل بالعدالة.
قلت: المراد الجنس فيصدق بالواحد، وبتقدير إرادة الجمع فإذا قويت تلك الملكة على دفع الجمع فهي على دفع الواحد أقوى.
فإن قلت: اجتناب الرذائل المباحة ليس جزءا من حقيقة العدالة وإن اشترط في قبول الشهادة فإن اسم العدالة صادق بدونه.
قلت: قسم الماوردي المروءة المشترطة في قبول الشهادة ثلاثة أقسام، وجعل منها قسما شرطا في العدالة، وهو مجانبة ما يستحق من الكلام المؤدي إلى الضحك وترك ما قبح من الفعل.
قال: فمجانبة ذلك من المروءة المشترطة في العدالة، وارتكابها مفسق انتهى.
ص: فلا يقبل المجهول باطنا، وهو المستور، خلافا لأبي حنيفة وابن فورك وسليم، وقال إمام الحرمين: يوقف، ويجب الانكفاف إذا روى التحريم إلى الظهور، وأما المجهول ظاهرا وباطنا فمردود إجماعا وكذا مجهول العين، فإن وصفه نحو الشافعي بالثقة فالوجه قبوله وعليه إمام الحرمين خلافا للصيرفي والخطيب، وإن قال: لا أتهمه فكذلك، وقال الذهبي: ليس توثيقا.
ش: إذا تقرر اشتراط العدالة ترتب على ذلك رد رواية المجهول، فإن الشرط لا بد من تحققه وهو أقسام:
أحدها: من جهلت حاله باطنا لا ظاهرا وهو المستور، والمشهور رد روايته، وقبله أبو حنيفة ومن أصحابنا ابن فورك وسليم الرازي.
وقال ابن الصلاح: يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم. انتهى.
وذكر صاحب (البديع) أن أبا حنيفة إنما قبل ذلك في صدر الإسلام حيث كان الغالب على الناس العدالة فأما اليوم فلا بد من التزكية لغلبة الفسق.
وقال إمام الحرمين: يتوقف إلى أن يتبين حاله، فلو روى لنا مستور ما يقتضي تحريم شيء تقرر عندنا حله، وجب الانكفاف عنه إلى الظهور.
قال الشارح: وهذا إذا أمكن البحث عنه فلو فرض اليأس من ذلك فهذه مسألة اجتهادية، فالظاهر أنه لا يجب الانكفاف وانقلبت الإباحة كراهة.
القسم الثاني: مجهول الحال باطنا وظاهرا، وهو مردود الرواية بالإجماع كذا حكاه المصنف، وفيه نظر فقد نقل ابن الصلاح الخلاف في ذلك.
القسم الثالث: مجهول العين، وهو من لم يرو عنه إلا واحد، وقيل: من لم يرو عنه إلا اثنان، حكاه ابن عبد البر، ومقتضى كلام المصنف الإجماع على رد روايته وهو مصرح به في بعض نسخه فقال: أما المجهول باطنا وظاهرا ومجهول العين فمردودان إجماعا لكن الخلاف في ذلك موجود ثم محل رد روايته: إذا لم ينضم إلى ذلك توثيق إمام له، فإن وثق مع رواية واحد عنه اكتفي بذلك، ذكره أبو الحسين بن القطان وهو واضح، لأن من وثقه لم يوثقه إلا بعد معرفة عينه، وما زلت أعجب من رد المحدثين رواية مجهول العين، وكيف لا تثبت العين برواية ثقة عنه، وأي معنى لتوقف ثبوت عينه على رواية اثنين عنه مع الاكتفاء في معرفة حاله بتوثيق واحد؟
وقوله: (فإن وصفه) قال الشارح: الضمير فيه عائد إلى أقرب مذكور وهو مجهول العين، لا مطلق المجهول، ومراده به نحو: حدثني رجل أو امرأة أو إنسان ووصفه الراوي عنه بالثقة أو قال: أخبرني الثقة كما يقع للشافعي كثيرا.
قلت: هذا تخليط من المصنف والشارح، فليس المراد بمجهول العين من لا يسمى، وإنما المراد به من يسمى، لكن لم يرو عنه إلا واحد كما تقدم وأما هذه فمسألة أخرى وهي التوثيق على الإبهام من غير تسمية المروي عنه، فذهب أبو بكر الصيرفي والخطيب إلى عدم الاكتفاء بذلك، لأنه لو سماه فقد يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه هو.
واختار المصنف أن من كان إماما عارفا بأسباب الجرح والتعديل واختلاف العلماء في ذلك قبل منه، وإلا فلا، وحكاه عن إمام الحرمين ثم ذكر أنه لو قال: (حدثني من لا أتهم) كان في معنى قوله: (حدثني الثقة) أي: في قبوله من مثل الشافعي دون غيره، وليس المراد أنه مثله في المرتبة ولكنه مثله في مطلق القبول ثم حكى عن شيخه الحافظ أبي عبد الله الذهبي أن ذلك ليس توثيقا بل نفي للتهمة، ولم يتعرض لإتقانه ولا لأنه حجة.
قال المصنف: وهو صحيح غير أن هذا إذا وقع من الشافعي محتجا به على مسألة في دين الله فهي والتوثيق سواء في أصل الحجة، وإن كان مدلول اللفظ لا يزيد على ما ذكره الذهبي فمن ثم خالفناه في مثل الشافعي أما من ليس مثله فالأمر على ما وصفه شيخنا رحمه الله.
قال الشارح: والعجب اقتصاره على نقله عن الذهبي مع أن ذلك قاله طوائف من فحول أصحابنا ثم حكاه عن أبي بكر الصيرفي والماوردي والروياني.
قلت: هؤلاء منعوا القبول في قوله: (حدثني الثقة) أيضا، فسووا بين اللفظين والمحكي عن الذهبي انحطاط قوله: (من لا أتهم) عن قوله (الثقة) وأنه لا يلزم من كونه لا يتهمه أن يكون ثقة، والله أعلم.
ص: ويقبل من أقدم جاهلا على مفسق مظنون أو مقطوع في الأصح.
ش: يقبل رواية من أقدم على فعل أمر يقتضي الفسق لشبهة اقتضت عنده جواز الإقدام عليه، سواء أكان دليلنا على فسقه ظنيا أو قطعيا فالأول كقول الشافعي في الحنفي الشارب للنبيذ من غير سكر: (أحده وأقبل شهادته).
والثاني: كقوله: (أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، لأنهم يشهدون بالزور لموافقيهم).
وهنا تنبيهات:
أحدها: يحتمل أن يكون قول المصنف: (في الأصح) راجعا إلى المقطوع، ويكون قبوله رواية مظنون الفسق متفقا عليه، فيوافق كلام (المحصول) ويحتمل أن يعود إليهما فيوافق قول الصفي الهندي: الأظهر ثبوت الخلاف فيه أيضا.
ثانيها: كان ينبغي أن يستثني من قول المقطوع بفسقه المتدين بالكذب، وقد استثناه الشافعي بقوله: (إلا الخطابية).
ثالثها: في التعبير عن ذلك بالجهل نظر، وكان ينبغي التعبير عنه بالإقدام عليه بتأويل كما مثلناه، أما الإقدام عليه للجهل بكونه فسقا فلم يتعرض له في الأصول، وذكره الماوردي فقال في المختلف فيه كشرب النبيذ والنكاح بلا ولي، إن فعله معتقدا تحريمه فكبيرة، وإن لم يعتقد تحريمه ولا إباحته مع علمه بالخلاف فيه فوجهان قال البصريون بفسقه لتركه الاسترشاد في الشبهات تهاونا بالدين، وقال البغداديون: لا يفسق، لأن اعتقاد الإباحة أغلظ من التعاطي، ولا يفسق معتقد الإباحة.
رابعها: قد عرفت صورة المسألة، فلا يخفى عليك أنه لو قامت عليه بينة بارتكاب مفسق، مجمع عليه أنه غير مقبول، وإن كانت البينة المذكورة إنما أفادت الظن لا القطع، والله أعلم.
ص: وقد اضطرب في الكبيرة فقيل: ما توعد عليه بخصوصه وقيل: ما فيه حد. والأستاذ والشيخ الإمام: كل ذنب، ونفيا الصغائر والمختار وفاقا لإمام الحرمين: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة.
ش: في حد الكبيرة أوجه:
أحدها: أنها ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة هذه عبارة أصل (الروضة) ولم يقيد المصنف الوعيد بكونه شديدا، فيحتمل أن ذلك لأن كل وعيد من الله تعالى فهو شديد، ويكون ذلك من الوصف اللازم، وقوله: (بخصوصه) أي: لم يندرج ذلك تحت عموم وعليه يدل قوله: (بنص) ولا يحتاج إلى التصريح بأن ذلك الوعيد في الكتاب والسنة لأن الوعيد لا يكون إلا فيهما.
الثاني: إنها المعصية الموجبة لحد، قال الرافعي: وهم إلى ترجيح هذا أميل.
والأول أكثر ما يوجد لهم وهو أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر أي لأن الربا وأكل مال اليتيم وقطع الرحم والعقوق ونحوها من الكبائر مع أنه لا حد فيها، واعتمد صاحب (الحاوي الصغير).
الثاني: لقول الرافعي: إنهم إلى ترجيحه أميل.
الثالث: أنها ما نص الكتاب على تحريمه أو وجب في جنسه حد، حكاه الرافعي عن أبي سعد، الهروي بزيادة لم يذكرها المصنف، وهي ترك فريضة تجب على الفور والكذب في الشهادة والرواية واليمين، ولم يذكر الشارح هذا القول.
الرابع: أنها كل ذنب ولا صغيرة في الذنوب، وهذا قول الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني وبه قال القاضي أبو بكر والإمام وابن القشيري، وحكاه ابن فورك عن الأشاعرة وحكاه المصنف عن والده، وما كان ينبغي حكاية هذا القول في ضبط الكبيرة لأمرين:
أحدهما: أن القائل به ينكر الصغيرة فلا تحتاج الكبيرة عنده إلى ضبط بل سائر المعاصي كبائر.
الثاني: أن الخلاف بينه وبين الجمهور لفظي، فإنه لا يقول بسقوط العدالة بكل ذنب، قال القرافي: كأنهم كرهوا تسمية معصية الله صغيرة إجلالاً له عز وجل، مع أنهم وافقوا في الجرح أنه لا يكون بمطلق المعصية، وأن من الذنوب ما يكون قادحا في العدالة، وما لا يقدح هذا مجمع عليه وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق والصحيح التغاير لقوله تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} فجعلها رتبا وسمى بعض المعاصي فسقا دون بعض.
وفي الصحيح: (الكبائر سبع) فخص الكبائر ببعض الذنوب ولأن ما عظمت مفسدته أحق باسم الكبيرة.
قلت: وقوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} صريح في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر فلذلك قال الغزالي: لا يليق إنكار الفرق بينهما وقد عرفا من مدارك الشرع، والله أعلم.
الخامس: قاله إمام الحرمين في (الإرشاد) وغيره، واختاره المصنف: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، ورقة الديانة.
قال الإمام: وكل جريمة لا تؤذن بذلك بل تنفي حسن الظن بصاحبها لا تحبط العدالة.
قال: وهذا أحسن ما يميز أحد الضدين عن الآخر.
وقال الواحدي: الصحيح أنه ليس لها حد تعرفه العباد بل أخفاها الله تعالى عنهم ليجتهدوا في اجتناب المناهي خشية الوقوع فيها، كإخفاء الصلاة الوسطى وليلة القدر.
ص: كالقتل والزنا، واللواط، وشرب الخمر، ومطلق المسكر، والسرقة، والغصب، والقذف، والنميمة، وشهادة الزور، واليمين الفاجرة وقطيعة الرحم، والعقوق والفرار، ومال اليتيم وضرب المسلم وسب الصحابة وكتمان الشهادة، والرشوة، والدياثة، والقيادة، والسعاية، ومنع الزكاة، ويأس الرحمة، وأمن المكر، والظهار، ولحم الخنزير، والميتة، وفطر رمضان، والغلول، والمحاربة، والسحر، والربا، وإدمان الصغيرة.
ش: لما ذكر الخلاف في ضابط الكبائر شرع في تفصيلها.
فإن قيل: كان ينبغي أن يبدأها بالكفر فإنه أكبر الكبائر كما قال عليه الصلاة والسلام لما سئل: أي الذنب أعظم؟: ((أن تجعل لله ندا وهو خلقك)).
قلت: كلامه في قادح العدالة بعد ثبوت وصف الإسلام.
الأولى: القتل والمراد به العمد وشبه العمد، إذا كان على وجه التعدي دون الخطأ، قاله شريح الروياني، وقال الحليمي: إن قتل أبا أو ذا رحم في الجملة أو أجنبيا محرما بالحرم أو في شهر حرام فهو فاحشة فوق الكبيرة.
الثانية: الزنا ففي الصحيح عده الكبيرة.
الثالثة: اللواط، فهو في معنى الزنا بل أفحش وقد أهلك الله به قوم لوط عليه السلام، ويلحق به وطء الزوجة أو الأمة في الموضع المكروه.
الرابعة: شرب الخمر بل مطلق المسكر وإن لم يكن خمرا فإنها تختص بعصير العنب، ولا فرق بين أن يكون ذلك القدر يسكر أم لا ويلحق به كل مزيل للعقل بلا ضرورة.
وقال شريح الروياني: إذا شرب المعتقد لمذهب الشافعي نبيذا هل تكون كبيرة؟ وجهان.
وقال الحليمي: من مزج خمرا بمثلها من الماء فذهبت شدتها فشربها صغيرة، واستغربه المصنف في (الطبقات).
قال الشارح: وليس بغريب بل هو جار على المذهب لأن المنع حينئذ للنجاسة لا للإسكار.
الخامسة: السرقة، وتعليل ذلك بوجوب الحد فيها، ويقتضي أن المراد سرقة نصاب من حرز مثله بلا شبهة.
السادسة: الغصب، للوعيد عليه بقوله عليه الصلاة والسلام: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين)) ولعنة فاعله بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله من غير منار الأرض أو سرق منار الأرض)) رواه مسلم، وقيده العبادي وشريح الروياني وغيرهما بغصب ما قيمته ربع دينار وقال الحليمي: سرقة التافه صغيرة إلا إذا كان المسروق منه مسكينا، لا غنى به عن المسروق منه، فيكون كبيرة.
قال الشارح: لا من جهة السرقة بل من جهة الأذى، ويأتي مثله في الغصب.
السابعة: القذف أي بالزنا أو اللواط، للوعيد عليه في القرآن، وفي الصحيح عده من السبع الموبقات، ومحله في غير عائشة رضي الله عنها، فقذفها كفر لتضمنه تكذيب القرآن، وقال ابن عبد السلام: الظاهر أن من قذف محصنا في خلوة بحيث لا يسمعه إلا الله والحفظه أن ذلك ليس بكبيرة موجبة للحد، لانتفاء المفسدة.
قال الشارح: وإنما يظهر ذلك في الصادق دون الكاذب لجرأته على الله تعالى ويستثنى من تحريم القذف ما إذا علم الزوج زنا زوجته، فيباح له ذلك، بل يجب إن كان ثمة ولد علم أنه ليس منه، وكذا يباح القذف في جرح الراوي والشاهد.
الثامنة: النميمة وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم قال تعالى: {مشاء بنميم} وفي الصحيحين: ((لا يدخل الجنة نمام)).
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: ((وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة)) فعنه أجوبة.
أحدها: أن المراد في كبير تركه والاحتراز عنه.
والثاني: أن المراد ليس كبيرا في اعتقادكم كما قال تعالى: {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}
والثالث: أن المراد أنه ليس أكبر الكبائر، ويدل لكونه كبيرة قوله في بقية الحديث عقب ما حكيناه (بلى إنه لكبير) وهو في صحيح البخاري.
وتباح النميمة إذا كان فيها دفع مفسدة كإخبار من عزم على قتله بغير حق بذلك، وقد يفهم من سكوت المصنف عن الغيبة أنها صغيرة وهو ما حكاه الرافعي عن صاحب (العدة) وفيه نظر لورود الوعيد عليها في الكتاب والسنة وذلك ضابط الكبيرة كما تقدم عن الرافعي أنه أكثر ما يوجد لهم، وقد نقل القرطبي في تفسيره الإجماع على أنها كبيرة.
قال الشارح: وظفرت بنص الشافعي في ذلك.
التاسعة: شهادة الزور وقد تقرر في الأدلة السمعية الو عيد عليها، وفي الصحيحين أنها من أكبر الكبائر، قال القرافي: ومقتضى العادة أنها ليست كبيرة إلا إذا عظمت مفسدتها، لكن الشرع جعلها فسوقا مطلقا وإن لم يثبت بها على المشهور عليه غير فلس.
العاشرة: اليمين الفاجرة ففي الصحيح: ((من اقتطع حق مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار)) قيل: يا رسول الله ولو كان شيئا يسيرا؟ فقال: ((ولو كان قضيبا من أراك)).
الحادية عشر: قطيعة الرحم، وهي فعيلة من القطع، وهو ضد الوصل، والرحم القريب من جهة الأب أو الأم، وفي التنزيل: {وتقطعوا أرحاكم} وفي الصحيح: ((لا يدخل الجنة قاطع رحم)) كذا نقل الرافعي عن صحاب (العدة) أنها كبيرة ثم قال: إن للتوقف فيه مجالا.
قلت: وهل تختص القطيعة بالإساءة أم تتعدى إلى ترك الإحسان؟ فيه نظر والأول أقرب، والله أعلم.
الثانية عشر: العقوق ففي الصحيحين أنه من أكبر الكبائر والمشهور اختصاصه بالوالدين.
وقال الشارح: لم يقيده بذلك لما في الحديث: (الخالة بمنزلة الأم) صححه الترمذي وعلى قياسه العم أب، وفي الصحيح: ((عم الرجل صنو أبيه)) قلت: لا يمكن أن يتخيل في الخالة والعم أن مخالفتهما في الإثم كمخالفة الوالدين، وإنما هما من جملة الأقارب فقطيعتهما قطيعة رحم، وليس في الحديثين المذكورين عموم، فلا يلزم من كونها بمنزلتها وكونه صنوه أن يكون ذلك في جميع الأمور، والله أعلم.
الثالثة عشر: الفرار من الزحف، وهو من السبع الموبقات، وفي التنزيل {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير}.
الرابعة عشر: أخذ مال اليتيم بغير حق، وعبر بالآية بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع، وفي الصحيح عده من السبع الموبقات.
وقال الشيخ عز الدين في (القواعد): نص الشرع على أن شهادة الزور وأكل مال اليتيم من الكبائر فإن وقعا في مال خطير فظاهر وإن وقعا في حقير كزبيبة أو تمرة فهو مشكل، يجوز أن يجعل كبيرة قمعا عن المفسدة كشرب قطرة خمر، ويجوز ضبطه بنصاب السرقة.
الخامسة عشر: الخيانة في الكيل أو الوزن، وفي معناهما الزرع قال تعالى: {ويل للمطففين}.
قال الشارح: ومطلق الخيانة أيضاً من الكبائر, قال الله تعالى: {إن الله لا يحب الخائنين}
السادسة عشر: تقديم الصلاة على وقتها وتأخيرها عنه من غير عذر يبيح ذلك كالسفر وغيره، وعليه حمل الحديث الذي رواه الترمذي: ((من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)) وفهم من ذلك تركها بالكلية.
وقال ابن حزم: لا ذنب بعد الشرك أعظم من ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وقتل مؤمن بغير حق.
السابعة عشر: الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) ولا يخفى تقييد إطلاق المصنف بالتعمد فإنه يصدق مع الخطأ على المشهور.
وقال الشيخ أبو محمد الجويني: إن الكذب عليه كفر.
قال الشارح: ولا شك أن تعمد الكذب عليه في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض، وإنما الخلاف في تعمده فيما سوى ذلك، قال: وتقييد المصنف يوهم أن الكذب على غيره ليس بكبيرة وليس على إطلاقه ومنه الكذاب في غالب أقواله.
قلت: إنما صار فعل ذلك كبيرة بالإصرار والله أعلم.
الثامنة عشر: ضرب المسلم أي بغير حق، كذا حكاه الرافعي عن صاحب (العدة) وفيه نظر وطرده في كل مسلم وفي كل ضرب بعيد.
قال الشارح: وخص المصنف المسلم لأنه أفحش أنواعه، وإلا فالذمي بغير حق كذلك.
قلت: إن أراد في التحريم فمسلم، وإن أراد في كونه كبيرة فممنوع والله أعلم.
التاسعة عشر: سب الصحابة، ففي الصحيحين النهي عنه وفي صحيح البخاري: ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)).
قلت: ولو عبر بسب صحابي لكان أحسن، ويستثنى من ذلك سب الصديق رضي الله عنه بنفي الصحبة فهو كفر لتكذيب القرآن والله أعلم.
العشرون: كتمان الشهادة قال الله تعالى: {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} وذكر في التفسير أنه مسخ القلب، قال ابن القشيري: من كتمان الشهادة الامتناع من أدائها بعد تحملها، ومنه أن لا يكون عند صاحب الحق علم بأن له شهادة وخانه صاحبه.
الحادية والعشرون: الرشوة وهي مثلثة الراء: بذل مال لتحقيق باطل أو إبطال حق.
قلت: كذا أطلقه الشارح، وهذا بالنسبة للباذل، فلو بذل ليصل إلى حقه لم يحرم، كفك الأسير أما من جهة الآخذ فهي حرام في الأحوال الثلاثة.
والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله الراشي والمرتشي)) وحكي عن العبادي وغيره أنه لو بذل مالا لمن يتكلم في أمره مع السلطان فهو جعالة.
وقال الغزالي: إن بذل المال للتقرب إلى شخص ليتوسل بجاهه إلى أغراضه هدية إن كان جاهه بالعلم أو النسب، ورشوة إن كان بالقضاء والعمل.
الثانية والعشرون: الدياثة وهي استحسان الرجل على أهله والقيادة وهي استحسانه على أجنبية، كذا قال الشارح: لكن في أصل (الروضة) في الطلاق عن (التتمة) أن القواد من يحمل الرجال إلى أهله ويخلي بينهم وبين الأهل، ثم قال: ويشبه أن لا يختص بالأهل بل هو الذي يجمع بين الرجال والنساء بالحرام، ثم حكي عن (التتمة) أيضا أن الديوث من لا يمنع الناس الدخول على زوجته، وعن (الرقم) للعبادي أنه الذي يشتري جارية تغني للناس. انتهى.
وهذا يقتضي أن يفرق ما بينهما فرق ما بين العام والخاص، والله أعلم.
قال الله تعالى: {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} وفي الحديث: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة)) فذكر منهم الديوث.
قال الذهبي: إسناده صالح.
الثالثة والعشرون: السعاية، أي عند السلطان بما يضر المسلم وإن كان صدقا.
الرابعة والعشرون: منع الزكاة أي من غير جحود، فإن جحودها كفر وقد قاتل الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة وإن لم يجحدوا وجوبها وأجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم ويدخل في ذلك المنع المطلق والمنع وقت الوجوب بلا عذر أما لو جحد وجوب الزكاة مخصوصة كزكاة مال الصبي فإنه لا يكفر للخلاف فيه.
الخامسة والعشرون: اليأس من رحمة الله قال الله تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} والآيس مكذب لقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} وفي معناه القنوط، والظاهر أنه أبلغ منه للترقي إليه في قوله تعالى: {وإن مسه الشر فيؤوس قنوط}
السادس والعشرون: الأمن من مكر الله بالاسترسال في المعاصي والاتكال على الرحمة، قال الله تعالى: {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} وقال تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}.
السابعة والعشرون: الظهار، وهو قول الزوج لزوجته: أنت علي كظهر أمي، قال تعالى: {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا}
الثامنة والعشرون: أكل لحم الخنزير أو الميتة من غير اضطرار قال تعالى: {إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير} وفي هذه الآية عطف الخاص على العام، وفي كلام المصنف عطف العام على الخاص.
التاسعة والعشرون: فطر رمضان لأن صومه من أركان الإسلام وفي الحديث: ((من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا رخصة لم يقضه صيام الدهر)).
الثلاثون: الغلول، وهو الخيانة من الغنيمة أو بيت المال أو الزكاة، قاله الأزهري وغيره، وقال أبو عبيد: من المغنم خاصة.
وقال الإمام أحمد: ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على الغال. وقاتل نفسه.
الحادية والثلاثون: المحاربة، لقوله تعالى: {إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله} الآية.
قلت: ولم يعدها في (الروضة) من الكبائر ولا شك فيه، إذا حصل فيها قتل أو أخذ مال وهي حينئذ مندرجة فيما سبق فإن لم يوجد إلا إخافة السبيل من غير انضمام أحدهما فقد يتوقف في عدها من الكبائر والله أعلم.
الثانية والثلاثون: السحر، ففي الصحيح عده من السبع الموبقات قلت: ونقل ابن عطية في تفسيره عن مالك والشافعي: أنه كفر، والله أعلم.
الثالثة والثلاثون: الربا وهو معروف، ففي الصحيح عده من السبع الموبقات، وفي التنزيل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} وجوز الشارح في كلام المصنف أن يكون بالياء المثناة من تحت، فإنه من الكبائر أيضا.
وفي صحيح مسلم في حديث الشهيد والعالم والمنفق في سبيل الخير رياء إنه يقال لكل منهم: إنما فعلت ليقال ثم يؤمر به فيسحب إلى النار، وأنهم أول ثلاثة تسعر بهم النار.
وصحح الحاكم مرفوعا: ((اليسير من الرياء شرك)).
الرابعة والثلاثون: إدمان الصغيرة أي: الإصرار عليها إما فعلا أو عزما وهل المراد المداومة على نوع من الصغائر أم الإكثار من الصغائر؟ سواء أكانت من نوع أو أنواع؟ فيه وجهان.
قال الرافعي والنووي: موافق.
الثاني – قول الجمهور: من غلبت طاعته معاصيه كان عدلا وعكسه فاسق.
ولفظ الشافعي في المختصر يوافقه فعلى هذا لا تضر المداومة على نوع من الصغائر إذا غلبت الطاعات. وعلى الأول: تضر.
واعترض عليه ابن الرفعة في (المطلب) بأن مقتضاه أن مداومة النوع الواحد مضر على الوجهين، أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأنه في ضمن حكايته قال: إن الإكثار من نوع واحد كالإكثار من أنواع.
نعم يظهر أثرهما فيما لو أتى بأنواع من الصغائر، فإن قلنا بالأول لم يضر لمشقة كف النفس عنه، وهو ما حكاه في (الإبانة) وإن قلنا بالثاني ضر.
وكان شيخنا الإمام البلقيني يقول: الإكثار من النوع غير المداومة عليه ويحمل الإكثار على الأكثرية التي يغلب بها معاصيه على طاعته وهذا غير المداومة فالمؤثر إنما هو الغلبة لا المداومة.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, من

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir