كتابته للمصاحف
وهو الذي عهد إليه أبو بكر بجمع المصحف؛ فاجتهد في جمعه وأحسن، وكان جمعه بنظر قراء الصحابة ومراجعتهم.
وهو الذي كتب المصحفَ الإمام في زمن عثمان، وكان رئيس الكتَبَة الذين كتبوا المصاحف العثمانية وبعث بها عثمان إلى الأمصار.
- قال إبراهيم بن سعد الزهري: حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده.
قال أبو بكر رضي الله عنه: «إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن».
قلتُ لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال عمر: «هذا والله خير» فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: «إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه»
فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: «هو والله خير»
فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للَّذي شرَحَ له صدرَ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ واللخافِ وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه). رواه أحمد، والبخاري، والترمذي، وابن حبان، والبيهقي.
- وقال إبراهيم بن سعد الزهري: حدثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك، حدثه: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشأم في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق؛ فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل عثمان إلى حفصة: «أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك».
فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: « إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم».
ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرَّق). رواه البخاري، والترمذي، وأبو يعلى.
- وقال إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد أن عثمان قال في خطبته: (فأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به) وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرةً، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلاً رجلاً فناشدهم لسمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أملاه عليك؟
فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: (من أَكْتَبُ الناسِ؟)
قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت.
قال: (فأيّ الناسِ أعرب؟)
قالوا: سعيد بن العاص.
قال عثمان: (فليملَّ سعيدٌ وليكتب زيد).
فكتب زيد، وكتب مصاحف ففرّقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب محمد يقول: (قد أحسن). رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف.