مناقبه وفضائله
كان زيد بن ثابت ذكياً فَهماً فطناً، حسن التعلم، ماهراً بالكتابة؛ فكان النبي صلى الله عليه السلام يعلّمه القرآن، ويأمره بكتابة الوحي؛ فلزم زيدٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وتعلّم منه، وشاهد نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه القرآن مراراً، وشهد معه الخندق وأكثر المشاهد بعدها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ربما استخلفه على المدينة في بعض غزواته على حداثة سنّه، وكان له موقف محمود يوم السقيفة تبعه عليه عامة الأنصار، وتمت بعده البيعة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ثم إنه قاتل المرتدين في زمن أبي بكر الصديق، وشهد يوم اليمامة، وأصيب فيه بسهم ثم برأ، وجمع القرآن في زمان أبي بكر بين لوحين، وجاهد في الشام، وشهد يوم اليرموك، وهو الذي تولى قسمة الغنائم فيها، ولما فرّق عمر علماء الصحابة على الأمصار ليعلّموهم القرآن والسنن ويفقّهوهم في الدين احتبس زيد بن ثابت عنده بالمدينة ليعلّم أهلها ويفتيهم، وكان عمر إذا خرج من المدينة للحج أو لغيره أكثر ما يستخلف على المدينة زيد بن ثابت.
وكان في زمان عثمان على بيت المال مع قيامه بالإفتاء والقضاء، وهو الذي تولى كتابة المصاحف العثمانية.
ولما حوصر عثمان جاء زيد بن ثابت بالأنصار وعرض على عثمان أن يقاتلوا دونه، وقال: إن شئت أن نكون أنصار الله مرتين؛ فقال عثمان: أما القتال فلا.
وكان زيد عالماً بالقرآن والفرائض والحساب والكتابة، وكان الخلفاء يرجعون إليه في المعضلات، وكان عمر وهو خليفة ربما أتاه في بيته ليسأله عن بعض المسائل المعضلة، وكان معاوية يكتب إليه من الشام يسأله فيما يُشكل عليه.
وكان صاحب صدقات وإنفاق في سبيل الله، وكان يحتبس الجياد في سبيل الله ويبعث بها للجهاد في الثغور حتى بلغت أفراسُه القسطنطينية، وأوقف أوقافاً بالمدينة بقيت بعده مدّة طويلة.
- قال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، أن أباه زيدا، أخبره: أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال زيد: ذُهِب بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجب بي، فقالوا: يا رسول الله! هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((يا زيد! تعلّم لي كتاب يهود؛ فإني والله ما آمن يهود على كتابي)).
قال زيد: (فتعلمت له كتابهم، ما مرّت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب). رواه أحمد، وأبو داوود، والترمذي، ولفظ أبي داوود: (فتعلمته، فلم يمرَّ بي إلا نصف شهر حتى حذقته، فكنتُ أكتب له إذا كَتب، وأقرأ له إذا كُتب إليه).
- وقال أبو الوليد الطيالسي: حدثنا جرير عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( تأتيني كتب لا أحب أن يقرأها أحد فتحسن السريانية؟))
قلت: لا.
قال: ((فتعلمها)).
فتعلمتها في سبعة عشر يوماً). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
- وقال ابن شهاب الزهري: حدثني سهل بن سعد الساعدي، أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل الله} فجاءه ابنُ أم مكتوم وهو يملّها عليَّ، قال: يا رسول الله! والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان أعمى؛ فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وفخذُه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترضّ فخذي، ثم سُرّي عنه؛ فأنزل الله: {غير أولي الضرر}). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال يحيى بن أيوب الغافقي، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة المهري، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع إذ قال: ((طوبى للشام))
قيل: ولم ذلك يا رسول الله؟
قال: ((إنَّ ملائكةَ الرحمنِ باسطةٌ أجنحتها عليها)). رواه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذي، والحاكم، والبيهقي وغيرهم.