1: فسّر قول الله تعالى:
{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ : يخبر ربنا سبحانه وتعالى عن حال الذين أعطوا الكتاب وهم اليهود والنصارى , وقيل : هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنهم يقومون بما أمروا به من القيام بحق الكتاب من تلاوته و, وتحليل حلاله وتحريم حرامه , وعدم تحريفه عن مواضعه , ولا يتأولون منه شيء على غير تأويله , ويتبعونه حق اتباعه , ويكلون مشكله إلى عالمه.
أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ : أي أن حال هؤلاء المذكورون يؤمنون ويصدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم , بما أرسل به .
وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ : أي : ومن يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد خاب وخسر وكان موعده النار ؛ كما قال تعالى : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده ) , وكما قال صلى الله عليه وسلم : (والّذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمّة: يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثمّ لا يؤمن بي، إلّا دخل النّار ) .
2: حرّر القول في:
أ: الراد بالتطهير في قوله تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي} الآية.
ذكر في المراد بالتطهير قولان :
الأول : بناء البيت على طهر من الشرك والريب وعبادة الأوثان وقول الزور . وهو قول ابن عباس , وسعيد بن جبير , السدي , وعبيد بن عمير , ومجاهد , وقتادة .
- قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ ثنا أبو عاصمٍ النّبيل ثنا عبد اللّه بن هرمز عن سعيد بن جبيرٍ عنه .
- وقول سعيد ابن جبير أخرجه ابن أبي حاتم من طرق عنه .
- وقول السدي أخرجه ابن جرير عن موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ عنه .
- وقول عبيد ابن عمير اخرجه ابن جرير من طريق سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ عنه .
- وقول مجاهد أخرجه ابن جرير عن سفيان، عن ليثٍ عنه .
- وقول قتادة أخرجه ابن جرير من طرق عنه .
الثاني : تطهير مكان البيت قبل بنائه وبعد بنائه من الشرك الذي جعل فيه على عهد نوح وقبله ليكون ذلك سنة لمن بعدهما . وهو قول ابن زيد .
- قول ابن زيد أخرجه ابن جرير عن يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ عنه , وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة ثنا أسباطٌ عنه .
الدراسة :
ذكر أهل العلم في المراد بالتطهير في الآية الكريمة قولين وهذين القولين يرجعان إلى تطهير بيت الله تعالى من الشرك وعبادة الأوثان ومن قول الزور , وهذا التطهير يشمل تطهيره قبل بناءه وبعد بناءه .
وذكر قول عن مجاهد أن المراد بالتطهير هو تطهيره من الرفث والدم , وضعف هذا القول ابن عطية .
ب: معنى قوله تعالى: {كل له قانتون}.
ذكر في معنى الآية أقوال :
الأول : كل له مطيعون . وهو قول قتادة , ومجاهد , والسدي , عكرمة , والفراء , وأبو عبيدة , والزجاج .
- أما قول قتادة فأخرجه ابن جرير عن الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ عنه .
- وقول مجاهد أخرجه ابن جرير , وابن أبي حاتم من طرق عنه .
- وقول السدي أخرجه ابن جرير عن موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ عنه .
- وقول عكرمة أخرجه ابن جرير عن المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثني يحيى بن سعيدٍ، عمّن ذكره عنه .
- وروي عن ابن عباس أيضا عن ابن جرير قال : حدّثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ .
الثاني : كل مقرون له بالعبودية . وهو قول عكرمة , وابن قتيبة .
- قول عكرمة أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ عنه .
الثالث : كل قائم له يوم القيامة . وهو قول الربيع بن أنس .
- قول الربيع بن أنس أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه عنه .
الرابع : من المصلين . وهو قول ابن عباس .
- قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم عن أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أسباطٌ عن مطرّفٍ عن عطيّة عنه .
الخامس : الإخلاص . وهو قول سعيد بن جبير .
- قول سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم عن عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن علي بن حمزة ثنا نحيى بن إسحاق وحبّان عن عبد اللّه عن شريكٍ عن سالمٍ عنه .
الدراسة :
ذكر أهل العلم في المراد بالآية عدة أقوال ترجع هذه القوال إلى معنى القنوت في اللغة , إذ أن القنوت في اللغة له ثلاث معان : الأول : الطاعة , الثاني : القيام , الثالث : الكف عن الكلام والإمساك عنه , ورجح ابن جرير أن المراد بالآية أن المراد بالقنوت الطاعة والإقرار لله تعالى بالعبودية , وهذا القول يستلزم باقي الأقوال بالمقر لله تعالى بالعبودية والطاعة لابد أن يخلص له سبحانه في كل شيء , وأن يكون من المصلين , ويكون قائما له سبحانه يوم القيامة .
3: بيّن ما يلي:
أ: معنى قوله تعالى: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين}.
معنى الآية أن كل من تسبب في خراب بيوت الله تعالى , ومنع من الصلاة فيها ؛ فحاله أنه لا يدخل المسجد غلا وهو خائف , وفيه أيضا أن الله تعالى يظهر أمر المسلمين على جميع من خالفهم فلا يدخل المخالف للمسلمين المسجد إلا خائفا , ولا تدخلوهم إلا تحت الهدنة والجزية .
ب: القائل: {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}، مع الاستدلال لكلامك.
القائل في هذه الآية هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى , حيث أن اليهود قالوا لن يدخل الجنة إلا اليهود , والنصارى قالوا لن يدخل الجنة النصارى ؛ ذلك أن سياق الآيات يتحدث عن أهل الكتاب فقد قال تعالى قبل هذه الآية : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا ) الآية , وقال بعدها : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ) , وكما أخبر الله تعالى عنهم في سورة المائدة أنهم قالوا عن انفسهم : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) .
استخرج خمس فوائد سلوكية واستدلّ لها من قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}.
1 – إذا علمت أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي أرسله به ربه ؛ فإن ذلك يورث القلب اليقين والاطمئنان (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ ) .
2 – إذا علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بالبشارة ؛ فإن ذلك يورث العبد الفرح والسرور بما أعد الله تعالى للمؤمنين ( بَشِيرًا وَنَذِيرًا) .
3 – إذا علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بالنذارة ؛ فإن ذلك يورث العبد الخوف مما أعده الله تعالى للعاصين والكافرين ( بَشِيرًا وَنَذِيرًا) .
4 – إذا علمت أن الرسالة دائرة بين البشارة والنذارة ؛ أورث ذلك حسن العمل بما أمر الله تعالى , والابتعاد عن ما نهى عنه سبحانه وتعالى , ويقتضي أيضا متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل كبيرة وصغيرة ( بَشِيرًا وَنَذِيرًا) .
5 – إذا علمت أن أصحاب الجحيم يدخلون فيها ولا يسأل عنهم ؛ فإن ذلك يورث القلب خشية الله تعالى , والبعد عن مسالك أصحاب الجحيم القولية والعملية والاعتقادية (وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ) .
والله أعلم