المجموعة الأولى:
1: فسّر قول الله تعالى:
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (144)} البقرة.
قد نرى يا محمد (وقد تفيد التحقيق في هذا الموضع) تقلُّبَ وجهك في السماء وكان صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه راغبا في التوجه إلى مكة حيث قبلة أبيه ابراهيم و الأنبياء قبله ؛ ولأن المشركين قد شغبوا عليه، قالوا: يدّعي أنه على دين إبراهيم ويخالفه في القبلة؟! وأهل الكتاب يعلمون أن قبلة النبي الذي سيبعث ستكون قبلة الأنبياء قبله وهي الكعبة.
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا هذه اللفظة (نولينك) تحتمل أن تكون بمعنى التولية، من الولاية والإعطاء فيحتمل أن يكون بمعنى نعطينّك قبلة تحبها وترضاها وتعجبك، والمعنى الآخر هو التوجيه وهو المراد في الآية _ والله أعلم_،
[فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ]الشطر بمعنى الناحية والجهة للشيء، الجهة شطر المسجد الحرام،
[وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ] أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
بمعنى ولوا وجوهكم في أي مكان تكونون ناحية البيت، وهذا أمر مجمع عليه أنه يجب أن يتولى الإنسان الكعبة، إلا في حالات معلومة بينتها السنة ,[ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] يعلمون أن الله تعالى سيوجهك إليها بما يجدونه في كتبهم،
لكنهم ليسوا بطلاب حق، وأنهم في غاية المكابرة، وأنهم مهما ظهر لهم من الحجج والدلائل والبراهين لن يتحولوا إلى قبلته ﷺ، ولهذا يهدّدهم تعالى بقوله: {وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون} وفيها أيضا تسلية للمؤمنين.
2: حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالقبلة في قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}.
1- قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: القبلة هنا بيت المقدس. أَيْ تَحْوِيلَهَا ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ. مال إلى هذا المعنى الزجاج.وذكره ابن عطية
2- قال ابن عباس: القبلة في الآية الكعبة. ذكره ابن عطية
عن ابن عمر قال:«بينا الناس يصلون الصّبح في مسجد قباء إذ جاء رجلٌ فقال: قد أنزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرآنٌ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. فتوجّهوا إلى الكعبة».
3- النسخ من بيت المقدس إلى الكعبة:
قال ابن كثير:
إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه. فكأن ابن كثير اختار القول الثالث _ والله أعلم_.
ب: هل كانت الصلاة إلى بيت المقدس بوحي متلوّ؟
1- قال الجمهور: بل كان أمر قبلة بيت المقدس بوحي غير متلو.
2- وقال الربيع: خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في النواحي فاختار بيت المقدس، ليستألف بها أهل الكتاب.
3- عن ابن عباس قال: أول ما نسخ من القرآن القبلة. ذكر الأقوال ابن عطية .
والصحيح أنه بوحي متلو, قال تعالى: ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [سورة البقرة:144]. والآية ظاهرة وصريحة في أن النبي ﷺ كان يتطلع إلى قبلة إبراهيم، وينتظر أمر الله أن يوجهه إلى القبلة.
وكذلك في الصحيحين عن ابن عمر أنه قال: "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسول الله ﷺ قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.
3: بيّن ما يلي:
أ: متعلّق "كما" في قوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا} الآية.
1-(كما) تصلح أن تكون جوابا لما قبلها مَعْنَاهُ وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا ، فيكون: {لعلّكم تهتدون}., {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم}, اختاره ابن كثير.
2-(كما) مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" مَعْنَاهُ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ فَاذْكُرُونِي. مال إليه الزجاج.
فاذكروني بالشكر والإخلاص كما أرسلنا فيكم.
3-وقِيلَ: هو في مَعْنى التَأْخِيرِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: "فاذْكُرُونِي".
فإن قال قائل فكيف يكون جواب {كما أرسلنا}: {فاذكروني أذكركم}, جواب ههنا إنما يصلح أن يكون جوابين ؛ لأن قوله:{فاذكروني} أمر، وقوله :{أذكركم}جزاء اذكروني,والمعنى :إن تذكروني أذكركم.. اختاره ابن عطية.
ب: كيف كان تحويل الصلاة إلى الكعبة دليلا على عناية الله بهذه الأمة. "
اختار الله عزوجل الكعبة لمحمد صلى الله عليه وسلم ليجعلهم خيار الأمم؛ وليكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لهم بالفضل , وأرسل إليهم أفضل الرسل حيث بين سبحانه فضله وشرفه ﷺ، حيث إن الله تعالى يسارع في رضاه.
ج: مناسبة قوله تعالى: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع} لما قبله.
لما أمر تعالى عباده أن يستعينوا بالصبر وأخبر أنه مع الصابرين، ثم الآية التي بعدها ذكرت من فضل الشهداء ما يقوي الصبر عليهم ويخفف المصيبة، ثم جاء بعد ذلك قوله :{ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع} من هذه الأمور التي لا تتلقى إلا بالصبر أشياء تعلم أن الدنيا دار بلاء ومحن.