المجموعة الأولى:
س1: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف في القرآن، دلّل على ذلك ، وبيّن الحكمة منه، وأثره على الصحابة رضي الله عنهم.
الدليل على ذلك :
1) روى ابن شهاب الزهري: أن عمر بن الخطاب، يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام، يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسله، اقرأ يا هشام» فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت»، ثم قال: «اقرأ يا عمر» فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه» رواه البخاري وأحمد والترمذي والنسائي وغيرهم.
2. وقال شعبة بن الحجاج: حدثنا عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت النزال بن سبرة الهلالي، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: سمعت رجلا قرأ آية وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها؛ فجئت به النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فعرفتُ في وجهه الكراهية، وقال: «كلاكما محسن، ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» رواه البخاري في صحيحه، ورواه أحمد وابن أبي شيبة والنسائي في السنن الكبرى وغيرهم.
وفي رواية عند ابن أبي شيبة أن ابن مسعود قال: (فعرفت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا الرجل هو أبي بن كعب كما جاءت الروايات بطرق أخرى في ذكر هذا الموقف الذي حدث بين عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهما .
الحكمة منه : إنما كان نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف لئلا يكون ذلك مدعاة للفتنة والتفرق بين الأمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولا تختلفوا , فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا )
ونزل القرآن على سبعة أحرف تخفيفاً للأمة حتى لا يشق عليهم حفظه ويصعب عليهم ضبطه وقد كانوا قبائل متفرقة تختلف بعض لهجاتهم عن بعض وإن كانوا كلهم عرب نزل بلسانهم , فكما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : " « يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم، حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم ». رواه أحمد ومسلم وابن حبان.
موقف الصحابة من هذا النهي : تأدبوا بذلك أشد الأدب فلم يذكر عن أحدهم أن عاب على صاحبه قرائته , كل يقرأ كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبوا مصاحفاً لهم بقرائتهم التي عارضوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته فكان لأبي بن كعب مصحفا ولعبدالله بن مسعود ولأبي موسى الأشعري ولزيد بن ثابت كلٌ يقرأ من مصحفه وفق ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك أحدهم حرفاً رغبة عنه لغيره .
وقد كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقرأ كما عُلّم، وهو أحد رواة حديث: ((اقرؤوا كما عُلّمتم)).
وعلموا تلامذتهم من التابعين هذا الأدب فالتزموا به فكان أبي العالية الرياحي أحد كبار التابعين الذين تتلمذوا على يد زيد بن ثابت وأبي بن كعب إذا قرأ عنده من يخالف قرائته لا يقول له أخطأت وإنما يقول : " أما أنا فأقرأ كذا وكذا "
قال شعيب: فذكرت ذلك لإبراهيم [النخعي]؛ فقال: (أرى صاحبك قد سمع أنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله). رواه أبو عبيد وابن جرير
س2: ما أسباب اختيار أبي بكر لزيد بن ثابت كاتباً للمصحف؟
ذكر ذلك زيد بن ثابت رضي الله عنه عندما دعاه ابي بكر وعنده عمر بن الخطاب حين اتحر القتل بالقراء في معركة اليمامة يطلب منه جمع القرآن فقال له : " إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك , وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فتتبع القرآن فاجمعه "
فذكر عدة أسباب لاختياره له :
1) أنه رجل شاب وهو مظنة قوته واجتهاده في تتبعه وجمعه وبذل وسعه .
2) أنه عاقل راشد يحسن التصرف في معاملة الرجال وتتبع وطلب ما لديهم من الرقاع والعسف وما سطروه من الأيات .
3) أنه أمين يجدر أن يحسن الظن بمثله لهذه المهمة الجليلة .
4) وأهم سبب هو اختيار النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لكتابة الوحي أعلم الناس بمثل ذلك وبغيره وعلمه بالكتابة والخط .
فكان يقول لإيمانه بثقل المهمة وشأن القرآن وتقواه : " والله لو كلفوني بنقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به "
س3: ما مصير مصحف عثمان رضي الله عنه.
1) ذكر أبي عبيد القاسم أنه رأى مصحف عثمان رضي الله عنه استخرج له من بعض خزائن الأمراء وعليه دمه , رواه أبو عمر الداني في المقنع .
2) ذكر ابن الجزري أن هذا المصحف اليوم بالمدرسة الفاضلية من القاهرة
المحروسة .
3) وذكر السمهودي أنه يحتمل أنه بالمسجد النبوي .
4) وروى عمر بن شبة في تاريخ المدينة أن آل عثمان ذكروا أن المصحف أصيب يوم مقتل عثمان .
5) وذكر وهب أنه سأل مالكاً عن مصحف عثمان قال : " ذهب "
س4: هل كان مصحف أبي بكر رضي الله عنه جامعاً للأحرف السبعة؟
القول بأن مصحف أبي بكر رضي الله عنه كان جامعاً للأحرف السبعة لم يؤثر عن من السلف ولا يصح , إذ يلزم من ذلك أن يكون قد نسخ وكتب المصحف سبع مرات وهذا لم يقل به أحد , أو أن الرسم في مصحفه يحتمل السبعة أحرف جميعها وهذا مردود أيضاً , إذ من المعلوم أن في اختلاف القراءات من التقديم والتأخير والزيادة واختلاف بعض أوجه القراءة ما لا يحتمل ذلك , وإنما كان جمعهم وفق ما يقرأون دون التحرز لحرف دون حرف فكلها كافية شافية وبأيهما كتب أجزأ لما كتب لأجله وهو حفظه وصيانته وظبطه وكانوا يعتمدون على السماع في التلقي وكل يقرأ وفق ما سمع من رسول الله وما عارضه عليه , والكتابة من أجل التحرز والحفظ فقط .
وقول مروان بن الحكم لابن عمر لما أراد أن يحرق صحف أبي بكر خشية أن يكون هناك اختلاف مع صحف عثمان رضي الله عنهما دليل على أنها لم تكتب بالأحرف السبعة إذ لم يعبر بالخشية وستكون حجته قوية في ذلك لصريح المخالفة لمطلب عثمان رضي الله عنه وإجماع الصحابة على المصحف الإمام لمصلحة الأمة وترك ما سواه .
وحرص عثمان رضي الله عنه في تتبع كتب الصحابة التي كانت من إملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والتوثق منها دليل على أن مصحف أبي بكر لم يكن مكتوباً بالأحرف السبعة وكان يكفيه أن ينسخ منها دون تكلف مشقة الجمع والتتبع .
وسبب شيوع ذلك أن المسألة عقدية برزت من قول أبي الحسن الأشعري الذي كان عنده اقوال تخالف اعتقاد مذهب أهل السنة والجماعة في ما يخص علوم القرآن من تلازم حفظ القرآن بحفظ أحرفه السبعة كلها وحكى الإجماع بأنه لا يجوز منع قراءة القرآن بالأحرف السبعة مع أن إجماع الصحابة كان خلاف ذلك وهو القراءة بالمصحف الإمام وترك ما سواه حفظاً لمصلحة الأمة , وجاء بعده تلميذه أبي بكر الباقلاني فانتصر لمذهبه وذكر أن ما ترك من القراءات إنما لعدم ضبطه ومخالفته للأحرف السبعة وعدم ثبوت تواتره وهو جاء من اعتقاده بتلازم حفظ القرآن لحفظ الأحرف السبعة وهو من نظار الاشاعرة , وجاء بعده أبو عمر الداني صاحب كتاب المقنع من أشهر الكتب في علم القراءات وهو من حيث الجملة على مذهب أهل السنة والجماعة لكنه ابتلي بتتلمذ على بعض الأشاعرة فنقل قولاً في ذلك على فرضية التسليم بأن مصحف أبي بكر كان على الأحرف السبعة ولم يجزم به ولكنه أسيئ فهمه ونقل على أنه قول صحيح ولشهرة كتابه اشتهر هذا القول وأصل المسألة عقدي .
س5: ما سبب بقاء بعض الاختلاف في القراءات بعد جمع عثمان؟
1) الاختلاف في طرق نطق بعض الحروف والكلمات , من الإمالة والإدغام والقصر والمد والإبدال والإشمام , ومثل ذلك اختلافهم في نطق ( السراط ) و ( الصراط ) وكتابتهم لها بالصاد مع أن أصل الكلمة بالسين
2) الاختلاف في الضبط , وهو قسم يتغير به المعنى وقسم لا يتغير مثل , ( بنصب وعذاب ) قرأت النون بالفتح وبالضم . ومثل قوله تعالى : ( يطهرن ) قرأت الطاء بالتخفيف وبالتشديد .
3) الاختلاف بسبب عدم النقط , مثل ( فتبينوا ) ( فتثبتوا ) إذا لم تكن الكتابة منقوطة ولا مشكلة .
4) ماختلف فيه الرسم العثماني وهي أحرف يسيرة , مثل : ( فإن الله هو الغني الحميد ) في سورة الحديد , وفي المصحف الشامي والمدني : ( فإن الله الغني الحميد )