بدأ القاضي ابن عطية تفسيره بخطبة قصيرة ، اشتملت على :
1- التعريف باسمه و كنيته
2- البدء بحمد الله و تعظيمه
3- ذكر وجه نعمة القرأن؛ به البشارة و النذارة و سبيل الصراط المستقيم،لذا كان الاعتصام به أمر واجب.
4- ختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم.
5- نصيحة لمن عزم على الخوض في بحور العلم: العزم، الأخذ من العلوم ما يكون زاد له في تخصصه، الاجتهاد، الصبر، بذل الأوقات، التخصص في علم من العلوم و العناية به،مبتدئًا بالأصول، و يبحر في فروعه، يجمع العلم و ما يتعلق به من فنون، و يلخصه، و يهتم ببان كلام العلماء و تحريره.
6- بيان سبب اختياره لعلم التفسير مجالًا له، يُبحر فيه يسبر غوره ؛ فشرف العلم من شرف مطلوبه، فموضوعه القرآن، و هو للعلوم ملك و باقي العلوم خدام له، يتبعونه و لا يتبعهم، و الاشتغال به عمل صالح: يقرب لله، يُخلص النيات، يدفع المكرهات، و السبب أنه ليس بعلم دنيوي يشدك للأرض و يوقعك في حبائل الدنيا و شراكها.
7- ختم تقديمه بدعاء فيه افتقار العبد لربه، أن يكون هذا العلم سببًا لحرمة جسده على النار.
8- وصية غالية: العلم قيد، فكتابة الفوائد و الملح التي تقابل الطالب يحفظ عليه ما يقرأ، و يثبته، و يجده عند حاجته إليه.
9- بين ابن عطية منهجه في التفسير:
أ. جمع تفسيره: علم المناظرة في التفسير، و ترتيب المعاني.
ب. سماه وجيزًا محررًا ،و وصفه بذلك، و بين سبب الوصف:
1- لا يذكر القصص إلا عند الضرورة حيث لا يتبين المعنى إلا به.
2- يثبت ما ينسب للعلماء من أقوال؛
أ. على ما نقل عن السلف، لا يعتمد الأقوال التي فيها إلحاد، و لا أقوال المتكلمين؛ ممن يفسرون بالإشارة، و علم الباطن .
ب. يحرر أٌقوال العلماء، و يُنبه إذا ما شابها مقصد من مقاصد الإلحاد، عاذرًا لهم بحسن النية و القصد.
3- يبدأ في التعليق على الآية:
أ. حسب رتبة اللفظ في الآية: حكم، لغة، معنى، قرءاة.
ب. يتتبع الألفاظ.
ت. موقفه من القراءات: يوردها جميعًا، ما عليه الجمهور و الشاذ.
ث. يجتهد في جمع محتملات الألفاظ.
ج. لا يُكثر من الكلام دون فائدة، فيجمل و يوجز العبارة.
10- ختم خطبته بدعاء الله بالقبول و عذر التقصير و الخطأ.
ثم شرع ببيان ما يرى أنه لا يسع أن يُجهل بها قبل البدء في التفسير
1- باب ما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم و عن الصحابة و عن نبهاء العلماء في فضل القرآن المجيد و صورة الاعتصام به.
ذكر القاضي بن عطية رحمة الله عليه عددًا من الآثار التي تبين فضل القرآن و أهله، و فضل الإشتغال به،و لم يسند ما ذكر، و لم يبين صحته، كما ذكر عددًا من الآيات في الاستدلالات، و مما ذكر:
أ. أنه سبب الثبات في وقت الفتن : قال صلى الله عليه و سلم ( ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).
و أنه العروة الوثقى.
ب. فضل تثوير القرآن: ال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن)).
ت. فضل تلاوته: قال صلى الله عليه وسلم: ((اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف)).
و أنه أفضل عبادة ، و أن من قرأه أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه، و أنه من أشراف الأمة، و أن من يعاني في تلاوته له أجران، و من يسهل عليه قراءته مع السفرة الكرام البررة.
ث. فضله يوم القيامة: أنه شافع مشفع يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته وأولى من محل به من عدل عنه وضيعه)).
ج. فضل تالي القرآن: قال صلى الله عليه و سلم( أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى)).
ح. فضل البيت الذي يتلى فيه: قال قوم من الأنصار لرسول الله صلى الله عليه و سلم: ألم تر يا رسول الله ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح فقال لهم: ((فلعله قرأ سورة البقرة)) فسئل ثابت بن قيس فقال: نعم قرأت سورة البقرة.
وفي هذا المعنى حديث صحيح عن أسيد بن حضير في تنزل الملائكة في الظلة لصوته بقراءة سورة البقرة.
خ. أنه أحسن الحديث، و أحسن القصص، و هو أدب الله الذي يحب أن يؤتى:قال الله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} الآية [الزمر: 23] ثم ملوا ملة أخرى فقالوا قص علينا يا رسول الله فأنزل الله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} [يوسف: 3].
د. من صفاته: أنه منادي للإيمان: قال محمد بن كعب القرظي في قول تعالى: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان} [آل عمران: 193] قال: هو القرآن ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم
ذ. أنه فضل من الله و رحمة: وقال بعض العلماء في تفسير قول تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته} [يونس: 58] .
بعد أن بين فضل القرآن و كل ما يتصل به: من تالي و بيت و حال، شرع في بيان وصايا الرسول صلى الله عليه و سلم و السلف بالقرآن، و العمل به
ر. وصايا الرسول صلى الله عليه و سلم و السلف بالقرآن: وقال عقبة بن عامر عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: ((عليكم بالقرآن)).
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ويخزن الفعل ويرفع الأشرار ويوضع الأخيار وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله قيل له فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أخذتموه: عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل.
وقال رجل لأبي الدرداء: إن إخوانا لك من أهل الكوفة يقرئونك السلام ويأمرونك أن توصيهم فقال أقرئهم السلام ومرهم فليعطوا القرآن بخزائمهم فإنه يحملهم على القصد والسهولة ويجنبهم الجور والحزونة.
وقال عليه السلام: ((اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه))
ز. حال السلف مع القرآن: روي أن أهل اليمن لما قدموا أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست القلوب.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} [الطور: 7] فأن أنة عيد منها عشرين يوما وقال الحسن بن أبي الحسن البصري إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.
س. العمل به: ان ابن مسعود رضي الله عنه يقول أنزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملا إن أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا وقد أسقط العمل به.
قال القاضي عبد الحق رضي الله عنه قال الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر: 17، 22، 23، 40].
وقال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم.
وقيل ليوسف بن أسباط: بأي شيء تدعو إذا ختمت القرآن قال: أستغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته وتذكرت ما فيه من الأعمال خشيت المقت فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح.
وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته أردت الرجوع من أوله فقال لي: اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه فاعمل به.
ذكر ابن عطية رحمة الله عليه أثر، لا يظهر منه أنه فضل للقرآن : ومرت امرأة على عيسى ابن مريم عليه السلام فقال طوبى لبطن حملك ولثديين رضعت منهما فقال عيسى: طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبع ما فيه.
2- باب فضل تفسير القرآن والكلام على لغته والنظر في إعرابه ودقائق معانيه:
1- مكانة علم الإعراب في الشرع: يرى أبن عطية أنه أصل في الشريعة، و عزى ذلك أن به تقوم معاني الشرع، و استدل بعدد من الآثار:
روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله يحب أن يعرب)).
2- خيرية من عمل بعلم التفسير: قال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال: الحكمة الفهم في القرآن، وقال قتادة: الحكمة القرآن والفقه فيه، وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
وذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال: إنه كان يعرف تفسير قول تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} [القصص: 197].
وقال الشعبي: رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها.
3- فضل من يقرأ معانيه و يعمل بها، على من يقيم حروفه دون : وقال إياس بن معاوية: مثل الذين يقرؤون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرؤوا ما في الكتاب.
وقال ابن عباس: الذي يقرأ ولا يفسر كالأعرابي الذي يهذ الشعر.
4- معنى قوله تعالى( لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهًا كثيرة) : قال الحسن: أهلكتهم العجمة يقرأ أحدهم الآية فيعيى بوجوهها حتى يفتري على الله فيها.
3- باب ما قيل في تفسير القرآن و الجرأة عليه و مراتب المفسرين:
1- تفسير الرسول صلى الله عليه و سلم للقرآن، على وجهين:
أ. الغيبيات و ما لا يعلمه إلا الله: توقيف من الله عز و جل نزل به جبريل عليه السلام.
ب. غيره من التفسير.
2- حكم التفسير بالرأي:
من تكلم دون أن يكون عنده أدوات التفسير و علومه فهو و إن أصاب فقد أخطأ.
3- موقف السلف في التفسير: من تورع و توقف عن الحديث في التفسير؛ تعظيمًا لكلام الله، كسعيد بن المسيب و عامر الشعبي، و من تحدث و أسهب في التفسير، فكان زادًا للمسلمين من بعده.
4- طبقة الصحابة من المفسرين: يأتي في مقدمتهم علي ابن أبي طالب، يتلوه عبد الله بن عباس.
فضل ابن عباس:
بن عباس أخذ عن علي رضي الله عنه و أسهب عنه، و زكى علي الأخذ عنه.
مجاهد و سعيد ابن المسيب أخذا عن عبد الله بن عباس
دعا له الرسول صلى الله عليه و سلم ( اللهم علمه التأويل)
يتلو ابن عباس: عبدالله بن مسعود، و أبي بن كعب، زيد بن ثابت، و عبد الله بن العاص.
حكم ما أخذ عن الصحابة: حسنٌ متقدم.
5- طبقة التابعين: برز منهم الحسن بن أبي الحسن، و مجاهد، سعيد بن جبير، و علقمة.
أخذ عن ابن عباس: مجاهد، عكرمة .
روى الضحاك عن ابن عباس و ان لم يأخذ عنه، فقد أخذ من ابن جبير
موقف عامر الشعبي من السدي و علي ابن أبي صالح: طعن عليهما و كان يراهما مقصرين.
6- تابع بعد طبقة التابعين حمل التفسير رجال، عدول كما ذكر ابن عطية: منهم عبد الرزاق، المفضل، علي بن أبي طلحة و البخاري، و غيرهم.
7- مكانة الطبري: تفسيره شامل، جامع، مسند.
8- طبقة المتأخرين:
الزجاج، أبو علي الفارسي؛ وصف ابن عطية كلامهما انه منخول.
النحاس و النقاش ؛ ذكر ابن عطية استدراك الناس عليهما.
مكي بن أبي طالب، تفسيره على نهج النحاس و النقاش
أبو العباس المهدوي؛ وصف ابن عطية كلامه انه متقن
يرى ابن عطية ان الجميع مجتهد مأجور، و ختم الكلام بالدعاء لهم
4- باب معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم ( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه)
ذكر ابن عطية الأقوال في المعنى و عقب على كل قول ببيانه، و بيان موقفه منه.
1- السبعة أحرف هي في الأمر الواحد، لا يختلف في حلال و لا حرام، نقله ابن شهاب في كتاب مسلم دون إسناد، عقب عليه ابن عطية: أنه قول محتمل.
2- المراد معاني كتاب الله؛ أمر و نهي و وعد و وعيد، و قصص و مجادلة و أمثال، قاله فريق من العلماء، عقب عليه ابن عطية: قول ضعيف، و بين الأسباب التي وراء ذلك :
أ. هذه الكلمات ليست أحرف.
ب. أن التوسعة في الأحكام و على المسلمين ليست في تحليل الحرام، أو تحريم الحرام، أو تبديل أمر .
3- حكى البيهقي و القاضي أبو بكر الطيب أن الاختلاف في القراءة على وجوه سبعة ؛ تتعلق بالحركات، و المعنى و الصورة، و هي كالتالي:
أ. تتغير الحركة، و لا يزول المعنى، و لا صورته، مثال( هن أطهرُ) أطهرَ.
ب. لا تتغير الصورة، و يتغير المعنى، مثل ( ربنا باعِد) باعَد.
ج. تبقى صورته، و يتغير المعنى بالإعراب( ننشرها)، ( ننشزها)
ح. تتغير صورته، و يبقى معناه( كالعهن المنفوش) ، ( كالصوف المنفوش).
د. تتغير صورته و معناه( و طلح منضود) ، و ( طلع منضود).
ر. التغيير بالتقديم و التأخير( و جاءت سكرة الموت بالحق)، ( جاءت سكرة الحق بالموت).
ز. الزيادة و النقصان( تسع و تسعون نعجة).
4- ذكر القاضي أبو بكر الطيب بالحديث: إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف نهي، و أمر و حلال و حرام و محكم و متشابه و أمثال فأحلوا حرامه و حرموا حرامه و ائتمروا و انتهوا و اعتبروا بمحكمه و آمنوا بمتشابهه).
و عقب ابن عطية عليه بأنه تفسير للأحرف السبعة، الذي هو من الجهة و الناحية و الطريقة، كقوله تعالى( و من الناس من يعبد الله على حرف).
5- سبعة أوجه من أسماء الله الحسنى، قاله القاضي الطيب، مستدلًا بحديث رُويَ عن أبي بن كعب ( يا أبي إني أقرئت القرآن على حرف أو حرفين، ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف ، ليس منها إلا شاف و كاف، إن قلت غفور رحيم سميع عليم أو عليم حكيم، و كذلك ما لم تختم عذابًا برحمة أو عذاب برحمة).
و قد ذكر ابن عطية أن هذا الحديث له شواهد، أسند لأبوهريرة و ابن مسعود مثله عن ثابت بن القاسم.
و ووجه ابن عطية هذا القول إن صح؛ انه غير القراءات التي أجيز للمسلمين القراءة بها، أنه كان مجازًا مطلقًا، و نسخ، فلا يجوز اليوم تبديل و لا تعديل.
هل معنى الحديث ينطبق على كل كلمات القرآن؟
على أقوال :
1- كل كلمة تختلف قراءتها فإنها على سبعة أوجه، و إلا بطل الحديث، زعمه قوم، و قالوا أن ما يُعرف منها ما وصل الخبر به، و ما لم يصل فلم يُعرف.
2- ظاهر الحديث يوجب أن يوجد في القرآن كلمة أو كلمتان على سبعة أوجه، فإذا حصل ذلك تم الحديث.
6- سبع لغات مختلفة، ذكره القاضي بن عطية عن الطيب الذي نسبه لقوم بلفظ زعم، و رده الطيب لِما عُرف من توافق لغات الصحابة كعمر بن الخطاب و أبي بن كعب و ابن مسعود، اختلافهم في القراءات، و قال يصح إذا كان المقصود الوجوه المختلفة في القصة الواحدة.
و أجمل القاضي الطيب قوله الأحرف السبعة : الأحرف التي نزل بها القرآن على الرسول صلى الله عليه و سلم و راجع فيها جبريل عليه السلام، قرأ بها رسول الله صلى الله عليه و سلم، و أقرأ من معه من الصحابة.
( أنزل القرآن) ؛ قد يراد بها جميع القرآن، أو معظمه، و جائز القراءة بها جميعًا، لقول الناس حرف أبي و حرف ابن مسعود، لثبوت النقل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، أن القرآن نزل على سبعة أحرف من اللغات و الإعراب و تغيير الأسماء و الصور و إن ذلك مفترق في كتاب الله ليس بموجود في حرف واحد و سورة واحدة .[/list]عقب ابن عطية على ما نقله عن الطيب، فيما معناه:
1- أن كلامه ناقض بعضه بعضًا، فهو رد القول أنها سبع لغات، ثم خلُص لقول مبني على هذا الرأي، و هو اختلاف لغات العرب.
2- قوله بأن لغة مر بن الخطاب و أبي بن كعب و ابن مسعود، لغة واحدة، فيه نظر، فلغة قريش تختلف في العبارة عن لغة الأنصار بالمدينة، اختلاف ليس شديد و لكنه نظير ما في القرآن من اختلاف.
3- و بفرض ما قرره، أن لغتهم واحدة، لما كان لمناكرتهم و اختلافهم حجة لمن يقول ( أن القرآن أنزل على سبع لغات)، فالإنكار ليس لأنها لغة غير لغته، و لكن لأنه سمع ما لا يوافق ما سمع من الرسول صلى الله عليه و سلم.
و يوجه ابن عطية قول الطيب أنه يقصد نفي أن يكون القرآن نزل بسبع لغات مختلفة لسبع قبائل، فكل قبيلة تقرأ القرآن بلغة مختلفة عن غيرها.
و أن مقصوده ، أن اللغات متداخلة، و الوجوه و الطرق المختلفة هي المرادة، من جهة اللغة مرة و من جهة الإعراب مرة و غير ذلك.
و هذا يطلق عليه اختلاف لغات، فاختلاف العبارة في اللغات يترتب عليه اختلاف الوجوه في القرآن .
و يدخل في ذلك صحة القول بعدد القبائل التي نزل القرآن مشتملًا عليها، فجعلها 7، و إلا فإن الأنحاء لا تنتهي.
4- عقب ابن عطية على قول الطيب رحمة الله عليهما بجواز القراءة بأي من وجوه القراءات، ببيان ان الأمر مشروط؛ ثبوت روايتها عن الني صلى الله عليه و سلم.
مال لقول القاضي كثير من أهل العلم: أبي عبيد و غيره.
ما هي القبائل التي كانت لغتها مشتملة عليها في القراءات:
لخص ابن عطية الكلام في ذلك، على حسب القطر و من جاور منشأ الرسول صلى الله عليه و سلم:
1- قريش
2- ثم بنو سعد( لما كان للرسول معها من حال؛ استرضاع فيها، و نشأة)
3- كنانة، هذيل، ثقيفًا، خزاعة، أسد( قربها من مكة، و خالطهم رسول الله صلى الله عليه و سلم)
4- تميم و قيس و ما انضاف إليهم وسط الجزيرة.
اختلافات القبائل اختلافات عبارات
الحكمة من الأحرف السبعة:
هذه اللغات سخرها الله لاقامة الحجة بإعجاز القرآن، فلغات هذه القبائل كانت خالصة من كل عجمة، غاي البلاغة و الفصاحة، عربيتهم نقية، فلما تحداهم الله بالقرآن قامت عليهم الحجة.
ثم فصل ابن عطية في بيان حال القبائل و لغاتها و تأثرها بغيرها من اللغات و ما شابها من تغريب.
لخص ابن عطية رأيه في الختام: أن معنى سبع أحرف، هو أن فيه عبارات سبع قبائل.
فيعبر عن المعنى مرة بكل لغة على حسب أيها أفصح و أوجز.
و استدل بقصص عن الصحابة، كمعنى فطر ؛ خلق و الذي ما عرفه ابن عباس إلا من إعرابيان يتحدثان، و مثل معنى الفتح، عرفه من لسان امرأة، و ما تبين لعمر ابن الخطاب من معنى ( يتخوف) من فتى أنها تنقص.
و غيرها من الأمثلة.
توجيه الإباحة في الحديث( فاقرأوا ما تيسر منه) :
المراد القراءة بهذه الأحرف السبعة، لا أن يبدل كل منهم ما يشاء إذا أراد أن يبدل لفظًا بلغة غير ما أقرئ به.
و استشهد ابن عطية بالجمع الثاني للقرآن: قصة حذيفة و ما رأى من تكفير المسلمين بعضهم بعضًا بسبب الاختلاف في القراءة ، و أمر عثمان للكتبة ( إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش)، فالاختلاف على أي القراءت المثبتة عن النبي صلى الله عليه و سلم، و ليس ما اختلفوا بينهم هم فيه و اجتهدوا، و هذا يعود لمعنى الإباحة التي سبق و ذكرنا.
الحكمة من الجمع: سدًا للذريعة و جمع كلمة المسلمين و تغليب للمصلحة العامة .
* مصحف ابن مسعود: موجود، لكن أجمع العلماء على عدم القراءة به، و ذلك :
1- سدًا للذريعة.
2- اشتمل مصحفه على تفسير يلحق الآيات، فيظن من يقرأه أنه من القرآن.
3- تركت ألفاظ المصحف، لا معانيه التي فيه.
اختلاف قراء الأمصار: قرأوا بما يوافق خط المصحف، كل حسب اجتهاده.
حكم الصلاة بالقراءة المشهورة و القراءة الشاذة:
الإجماع على أن يُصلى بالقراءات السبعة عن قراء الأمصار.
لا يُصلى بالشاذ من القراءات
ما يروي ابن عطية عن أبي السمال هو من البيان الذي يرفع الجهل و ليس للقراءة بها.
ما ذكره ابن عطية مجال للاختلافات و المنازعات و السبب أن القرآن لم يكن مشكولًأ و لا منقوطًا، و اكتفى بما بين اختصارًا.
5- باب ذكر جمع القرآن و شكله و نقطه
1- في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم: القرآن متفرقًا مجموع في الصدور، مكتوب على ألخاف و صف و جريد و في خزف.
2- الجمع الأول للقرآن: في عهد أبو بكر ، بنصيحة من عمر بن الخطاب بعد أن رأى موت القراء في موقعة اليمامة.
خصائص الجمع الأول:
- أمر أبو بكر زيد بن ثابت بجمعه.
- كان غير مرتب السور.
- سقطت منه آية من آخر براءة، و وجدت عند أبي خزيمة الأنصاري، كما في البخاري.
- مصحف أبو بكر ظل عنده، ثم انتقل لعمر بن الخطاب ، ثم لابنته حفصة في خلافة عثمان بن عفان.
3- الجمع الثاني: في عهد عثمان بن عفان:
- انتشرت المصاحف المختلفة: مصحف ابن مسعود، مصحف أبي ، و غيرهم في الأمصار.
- أشار حذيفة على عثمان بجمع الأمة على مصحف واحد، منعًا للفرقة و التنازع بين المسلمين( بعد غزوة أرمينية).
- كلف عثمان بجمعه : زيد بن ثابت بجمعه، مع سعيد بن العاص، عبد الرحمن بن الحارث، عبد الله بن الزبير، ذكر ذلك البخاري و الترمذي و غيرهم.
- اعتمدوا امامًا لهم مصحف أبو بكر الصديق.
- إذا اختلفوا في أمر أرجعوه للغة قريش.
- نسخ منه نسخ و أرسلت للامصار.
- أمر عثمان بحرق غيره من المصاحف.
4-الأقوال في ترتيب السور و الآيات:
1- ترتيب السور من عمل زيد و من كان معه؛ قاله القاضي الطيبي، ذكر ذلك مكي رحمه الله في تفسير.
2- ترتيب الآيات في السور و وضع البسملة من النبي صلى الله عليه و سلم، قاله مكي في تفسيره.
3- السبع الطوال و الحواميم و المفصل؛ توقيفي، كان مرتبًا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، و ما تبقى من السور هو ما رتب وقت الكتابة: يدل على ذلك ظاهر الآثار كما ذكر ابن عطية.
5-شكل المصحف و نقطه:
1- قام بذلك الحسن و يحى بن معمر، بأمر من عبد الملك بن مروان للحجاج.
( ألف يحي بن معمر كتاب في القراءات ليبين للناس ما اختلف و ما وافق الخط ، ثم تبعه ابن مجاهد)
2- أول من نقط المصحف: أبو الأسود الدؤلي ، قال بذلك الزبيدي، و أبو الفرج الذي أضاف أن زياد بن أبي سفيان أمره بذلك.
3- كان لابن سيرين مصحف، نقطه له يحي بن معمر.
4- نصر بن عاصم هو أول من نقط المصاحف، ذكره الجاحظ
الأعشار؛ أمر بذلك المأمون العباسي، و قيل الحجاج.
ذكر ابن عطية قول لقتادة وجهه أن فيه انكار على من نقط و خمس و عشر.
6- باب في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله و للغات العجم بها تعلق
ذكر ابن عطية ثلاث أقوال:
أ. أن في القرآن من كل لغة: قاله أبو عبيدة و غيره.
ب.أن القرآن ليس فيه لفظة إلا و هي عربية، ما توافق من كلمات في العربية و غيرها، هو من توافق اللفظ.، قاله الطبري، و عقب عليه ابن عطية أن هذا بعيد، فلا بد أن تكون إحدى اللغات أصل و الثاني فرع منها
ج. أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، و أن ما كان فيه مشابهة لغيره من اللغات فهو من اختلاط قديم مع العجم، و نقلها العرب و خُففت ألفاظها، و عُربت و تركت عجمتها، لتكون عربية.
7- باب مما قال العلماء في إعجاز القرآن:
1_ قولًا يعتقده من آمن و صدق:
أ- التحدي من كونه كلام الله؛ قديم، لا ينفك عن الله، فهو صفة ذات، و من له أن يأتي بمثل كلام الله، الذي له صفات الكمال و الجلال و العظمة و تمام العلم و الحكمة، فهذا ما لا يطيقه الخلق.
ب- الإعجاز بما فيه من الأخبار والأنباء الصادقة، من سنن الأولين، و قصصهم.
2- قول يقع به التحدي للمكذبين:
التحدي يقع بما يتبين له و يحسه أنه عاجز عنه، و أن البشر لا يطيقونه.
لذا فكفار قريش لم ينكروا أن القرآن جاء به محمد صلى الله عليه و سلم، و فصاحته و نظمه ليست من عند نفسه، بل من عند الله.
التحدي وقع: بنظمه، و فصاحته، و صحة معانيه، هذا ما عليه الجمهور.
- وجه الإعجاز: الكلام يأخذ صفة من يتكلم به، كلام الله الواسع العليم الحكيم، أحاط بكل شيء علمًا، أحاط بالمعاني و الألفاظ ، لذا جاء كلامه؛ واسع المعاني، دقيق الألفاظ، كل لفظ وضع بحكمة، ليدل على معنى، متسق من أول القرآن لآخره، لا تعارض، لا يضرب بعضه بعضًا، و هذا ما لا يطيقه البشر، فالبشر تصيب و تخطئ، ليس لديهم ا سعة العلم، و لا الحكمة، لذا يبطل قول من يقول أنهم كانوا يستطيعون المجئ بمثله لكن صرفوا عن ذلك.
- أدرك المشركين إعجاز القرآن، كالوليد بن المغيرة و غيره، لكن كذبوا كبرًا و حسدًا.
- معجزة كل نبي بما يشتهر في زمنه و يغلب على قومه الأهتمام به.
8- باب في الالفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله:
كثر بين المفسرين و المحدثين و الفقهاء الإيجاز في الكلام، فينسبون إلى الله عز و جل فعلًأ لم يذكر في الكلام؛ كقولهم: خاطب الله المؤمنين، شرف الله، و غيرها من الأفعال التي استعملوها، و قد ذكر بعض الأصوليين أن ذلك لا يجوز.
و يرى ابن عطية أنه إذا كان الكلام في واثبات وصف لله لم يثبت فلا يجوز، لكن إذا كان الخبر في أثناء الكلام، مراد به بيان مراد الأية أو اللفظ فذلك ليس غريبًا في لغة العرب.
لكن مع ذلك فابن عطية يتحفظ عن ذلك، و قدم الكلام فيه اعتذارًا إن حدث منه.
9- باب في تفسير أسماء القرآن و ذكر السورة و الآية:
ذكر ابن عطية ثلاث أسماء للقرآن، و بين أصلها اللغوي.
هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر
1- القرآن:
من تلا، قرأ قرآنًا، و حكى أبو زيد الأنصاري: قرءا
من التأليف: قاله قتادة، قرأ الرجل،إذا جمع و ألف ، و هو ما فسر به قتادة قوله تعالى( إن علينا جمعه و قرآنه)، أي تأليفه.
ذكر بيتًا للشعر لعمرو بن كلثوم الشاهد فيه(لم تقرأ جنينا) أي لم تجمع في بطنها ولدا.
رجح ابن عطية القول أن المعنى تلا، و استشهد ببيت شعر لحسان بن ثابت الشاهد فيه ( يقطع الليل تسبيحا وقرآنا).
2- الكتاب: من كتب، أي جمع
3- الفرقان: لأنه يفرق بين الحق و الباطل.
4- الذكر:
أ. فيه تذكير للناس بالآخرة و بالله .
ب. فيه ذكر لقصص الأولين و أنبيائهم.
ت. لأنه ذكر و شرف لمحمد صلى الله عليه و سلم و قومه و للعلماء.
السورة:
لها قراءتان:
1- بهمزة( سؤر،سؤرة) تميم كلها وغيرهم: من البقية من الشئ ، أو القطعة منه.
2- بدون همزة: قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة:
و معناه:
أ. بمعنى ( سؤر) و الهمزة سُهلت، أي البقية.
ب. بمعنى سورة البناء؛ كأن السورة قطعة ، لأن كل بناء فإنما يبنى قطعة بعد قطعة و السور قطع.
ت. بمعنى الرتبة و الرفعة العالية من المجد.
الآية:
1- في لغة العرب: علامة؛ سميت بذلك:
أ. لانها علامة على صدق من جاء بها.
ب. علامة على عجز من جاءت لهم و تحدتهم.
ت. علامة للفصل بين ما قبلها.
2- من جملة و جماعة: كما في كلام العرب: جئنا بآياتنا؛ أي بجماعتنا.
أصل كلمة آية:
1- على وزن فعلة بفتح الفاء و العين، أصلها أيية، تحركت الياء الأولى و ما قبلها مفتوح: قاله سيبويه
2- على وزن فاعلة، أصلها آيية ، حذفت الياء الأولى : قاله الكسائي و علل قوله ( مخافة أن يلتزم فيها من الإدغام ما لزم في دابة.)
3- أصلها أية على وزن فعلة بسكون العين أبدلت الياء الساكنة ألفا استثقالا للتضعيف قاله الفراء وحكاه أبو علي عن سيبويه في ترجمة {وكأين من نبي} [آل عمران: 146]
4- أصلها أيية على وزن فعلة بكسر العين: قاله بعض الكوفيين وذلك لأن الياء الأولى أبدلت ألفًا لثقل الكسر عليها وانفتاح ما قبلها.