1. فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا : يخبر ربنا عن ما أخذه على بني إسرائيل من العهود والمواثيق , وهم مع ذلك معرضين في عتو ونفور حتى رفع فوقهم الطور فقبلوا ما فيه ثم خالفوا بعد ذلك , قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا : أي قالوا : سمعنا قولك وعصينا أمرك , وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ : أي دخل حب العجل في قلوبهم وأشربها وتمكن منها ؛ بسبب كفرهم وقيل مع كفرهم , قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : وفي هذا توبيخ لهم على تلكم الأفعال القبيحة التي صدرت منهم , من كفرهم بالآيات ومخالفة الأنبياء وكفركم بخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , فبئس هذا الإيمان الذي يأمركم بالكفر .
2. حرّر القول في كل من:
أ: المراد بروح القدس.
ذكر في المراد بروح القدس أقوال :
الأول : جبريل عليه السلام . وهو قول ابن مسعود وابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وإسماعيل بن أبي خالد السدي و الضحاك والربيع وقتادة وعطية العوفي والزجاج . ذكره ابن عطية وابن كثير .
الثاني : هو الاسم الذي كان يحيي به الموتى . وهو قول ابن عباس وعبيد بن عمير . ذكره ابن عطية وابن كثير .
الثالث : هو الإنجيل كما سمي الله تعالى القرآن روحا . وهو قول ابن زيد . ذكره ابن عطية وابن كثير .
الرابع : القدس اسم من أسماء الله تعالى كالقدوس , والإضافة من إضافة الملك إلى المالك . وهو قول الربيع ومجاهد . ذكره ابن عطية .
الخامس : الطهارة . وهو قول ابن عباس .ذكره ابن عطية وابن كثير .
السادس : البركة . وهو قول السدي . ذكره ابن عطية وابن كثير .
السابع : الروح هو حفظة على الملائكة . وهو قول ابن أبي نجيح . ذكره ابن كثير .
الثامن : القدس هو الرب تبارك وتعالى . وهو قول الربيع بن أنس وكعب . ذكره ابن كثير .
التاسع : القدس هو الله تعالى, ورحه جبريل . وهو قول مجاهد والحسن .
ونقل ابن كثير عن الزمخشري أقولا في المراد بروح القدس :
الأول : الروح المقدسة كما يقول: حاتم الجود ورجل صدقٍ، ووصفها بالقدس كما قال: {وروحٌ منه} فوصفه بالاختصاص والتّقريب تكرمةٌ .
الثاني : وقيل: لأنّه لم تضمّه الأصلاب والأرحام الطّوامث .
الثالث : وقيل : بجبريل .
الرابع : وقيل: بالإنجيل، كما قال في القرآن: {روحًا من أمرنا} .
الخامس : وقيل: باسم اللّه الأعظم الذي كان يحيي الموتى بذكره .
السادس : المراد روح عيسى نفسه المقدّسة المطهّرة .
ورجح ابن عطية وابن كثير القول الأول وصححاه ؛ لتفسير ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية مع قوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين , على قلبك لتكون من المنذرين , بلسان عربي مبين ) بما قاله البخاري تعليقا : وقال ابن أبي الزّناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وضع لحسّان بن ثابتٍ منبرًا في المسجد، فكان ينافح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللّهمّ أيّد حسّان بروح القدس كما نافح عن نبيّك».
ب: معنى قوله تعالى: {فباؤوا بغضب على غضب}.
ذكر في معنى الآية أقوال :
الأول : أنهم باءوا بغضب على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم , على غضب وذلك ل :
1 – كفرهم بعيسى عليه السلام .
2 – لعبادتهم العجل .
3 – لقولهم : عزير ابن الله .
4 – بما ضيعوا من التوراة وهي معهم . وهو قول ابن عباس .
ذكر هذه الأقوال الزجاج وابن عطية وابن كثير .
الثاني : أي: بإثم استحقوا به النار، على إثم تقدم أي: استحقوا به أيضا النّار . وهو قول الزجاج .
الثالث : التأكيد وتشديد الحال عليهم لا أنه أراد غضبين معللين بقصتين . ذكره ابن عطية ولم يعزه .
الرابع : غضب اللّه عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى، ثمّ غضب عليهم بكفرهم بمحمّدٍ، وبالقرآن عليهما السّلام . وهو قول أبو العالية وعكرمة وقتادة . ذكره ابن كثير .
الخامس : أمّا الغضب الأوّل فهو حين غضب عليهم في العجل، وأمّا الغضب الثّاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم . وهو قول ابن عباس والسدي . ذكره ابن كثير .
وهذه المعاني جميعها متقاربة واليهود استحقوا غضب الله تعالى عليهم لفعلهم كل هذه الأفعال فهم قوم بهت ينقضون العهود والمواثيق ويقتلون الأنبياء ويكفرون بهم , وينسبون لله تعالى النقائص تعالى الله عن أقوالهم علوا كبيرا ؛ لذلك هم مستحقون لغضب الله عليهم .
3. بيّن ما يلي:
أ: دلالة استعمال فعل القتل في صيغة المضارع في قوله تعالى: {ففريقا كذّبتم وفريقا تقتلون}.
وذلك لأن الله تعالى أراد وصفهم في المستقبل لأنهم حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسم والسحر , وقد قال صلى الله عليه وسلم في مرض موته : (ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري ) . كما ذكره الزمخشري نقله عنه ابن كثير
ب: دليلا على حسد اليهود للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
الدليل قوله تعالى : ( ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ) .
(عامّ لجميع الطلاب)
اذكر الفوائد السلوكية التي استفدتها من قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)} البقرة.
1 – عدم التكبر والعناد لما جاء به الأنبياء من الشرع .
2 – إذا علمت أن الله يؤيد وينصر أوليائه أورث ذلك كثرة العمل لبلوغ هذا المقام .
3 – إرغام النفس وتطويعها وعدم الانسياق خلف أهوائها وشهواتها .
4 – أن أنصر ديني ونبي بالحجة والبيان ما استطعت إلى ذلك سبيلا .
5 – إذا علمت صفات اليهود وأشباههم ممن يكذب الأنبياء فينبغي علي أن أجتنب طريقتهم وأبتعد عن مسلكهم .
والله أعلم