المجموعة الثانية
س1: دلل على تفاضل سور القرآن؟
وردت على تفاضل سور القرآن من الكتاب والسنة أدلة منها:
- قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أومثلها}.
- وقال تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتابمنه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات}.
- وقال تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}.
- وعنأبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلىالله عليه وسلم؛ فلم أجبْه، فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي؛ فقال: ألم يقلالله: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.ثم قال لي:»لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن،قبل أن تخرج من المسجد«، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن، قال: »{الحمد لله رب العالمين} هي السبعالمثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته« رواه البخاري.
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنهقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: في مسيرٍ له فنزل ونزل رجل إلى جانبه؛ فالتفتَإليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: »ألا أخبرك بأفضلالقرآن«، قال: فتلاعليه الحمد لله رب العالمين. رواه النسائي.
- وعن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» :يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟«قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال:»يا أبا المنذر أتدري أي آية منكتاب الله معك أعظم؟« قال: قلت: {الله لا إله إلاهو الحي القيوم}قال: فضرب في صدري، وقال: »واللهليهنك العلم، أبا المنذر« رواه مسلم.
- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنهقال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت: أقرئنيسورة هود أو سورة يوسف، فقال: »يا عقبة، اقرأ بقل أعوذ برب الفلق؛فإنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله عز وجل وأبلغ عنده منها، فإن استطعت أن لا تفوتكفافعل«رواه النسائي في السنن الكبرى.
فهذه الأدلة وما في معناها تدلّ دلالة بيّنة على أنّ بعض السوروالآيات أفضل وأحبّ إلى الله من بعض، وهي وإن كانت كلّها في الذروة العليا من حسنالبيان والإحكام، مكرَّمة عن كلّ وصف نقص وضعف واختلاف؛ إلا أنها ليست على درجةواحدة في الفضل؛ فبعضها أعظم من بعض، وبعضها أحبّ إلى الله من بعض، وتلاوة بعضهاأعظم أجراً من بعض.
س2: بيّن بإيجاز فضائل ما يلي:
1:آية الكرسي.
لها فضائل وردت بها السنة فمنها:
- أنها أعظم آية في كتاب الله؛ لما ورد من حديث أبيّ بن كعب،قال: قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: (يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معكأعظم؟)قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (يا أبا المنذرأتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟( قال: قلت: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} قال: فضرب في صدري، وقال: (والله ليهنك العلم، أبا المنذر) رواه مسلم.
وفي رواية في غير صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال» :والذي نفسي بيده إنَّ لها للساناً وشفتين تقدّسَان للملك عند ساقالعرش«.
-أن من قرأها قبل النوم لا يزال عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح؛ لما جاء من حديث أبي هريرةرضي الله عنه،قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان؛فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته؛ فقلت لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى اللهعليه وسلم - فذكر الحديث -، فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزالعليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم»صدقك وهو كذوب ذاك شيطان«رواه البخاري .
- أن من قرأها دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت؛ لما روى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: (من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لميمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)
رواه النسائي وصححه الألباني.
وله ما يؤيّده من حيث المعنى؛ فإنّ قراءة آية الكرسي بإيمان دبر كلّ صلاةيلزم منها ثلاثة أمور:
الأول: محافظةصاحبها على الصلوات كلّها، ومن حافظ عليها كانت له نجاة ونوراً يوم القيامة.
والثاني: صحّة إيمانه باعتقاده ما دلّت عليه هذه الآية العظيمةالتي هي أعظم آية في القرآن. .
والثالث: كثرةالذكر؛ بتكرار هذه الآية بإيمان ويقين في مواقيت الصلوات صباحاًومساءً.
ومن صحّت له هذه المقامات الثلاث: المحافظة على الصلوات، وصحّة الإيمان، وكثرة الذكر كان من خيار عباد الله المؤمنين.
2:سورةآل عمران.
ورد في فضلها أحاديث منها:
- أنها تتقدم هي وسورة البقرة القرآنَ وأهلَه العاملين به؛ كما ورد في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبيصلى الله عليه وسلم قال»:يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذينكانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران«...الحديث.
- أنها تأتي هي وسورة البقرة كأنهما غمامتان تظلان وتحاجّان عن صاحبهما؛ لما ورد من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنهمرفوعًا: (اقرءوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهماتأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان..) الحديث. أخرجه مسلم.
ولحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه مرفوعًا: (تعلموا سورة البقرة وآل عمران، فإنهما الزهراوان، وإنهما تظلانصاحبهما يوم القيامة...) الحديث. أخرجه الدارمي.
- أنها من السور الثلاث التي ورد فيها اسم الله الأعظم؛ لحديث أبيأمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعًا:»اسم الله الأعظم الذي إذادعي به أجاب في سور ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه« رواهابن ماجه.وحسنه الألباني.
- أن من قرأها هي وسورة البقرة عظم قدره وفضله في الناس، كما قال أنس بنمالك رضي الله عنه: (كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّفينا).
وقد ورد لخواتيم آل عمران فضل وخاصية:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها - وهي خالته - قال: فاضطجعت على عرض الوسادة،»واضطجع رسول الله صلى الله عليهوسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل - أو قبلهبقليل، أو بعده بقليل - ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس، فمسح النومعن وجهه بيده، ثم قرأ العشر آيات خواتيم سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة، فتوضأمنها، فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي«رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى اللهعليه وسلم أنه قال: لقد نزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولميتفكر فيها: {إن في خلق السموات والأرض} الآية كلها
رواه ابن حبان. قيل للأوزاعي: ما غاية التفكر فيهن؟ قال: يقرؤهن وهو يعقلهن.
3:سورة النساء.
ومن فضائل سورة النساء:
- أنها من السبع الطوال التي في قول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}.قال ابن عباس: هي السبع الطوال، وهو أحد القولين المشهورين في تفسير هذه الآية، والقول الآخر أنها فاتحة الكتاب.
- وحديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلىالله عليه وسلم أنه قال: «من أخذ السبع فهو حبر»رواه أبو عبيد في فضائل القرآن.
- وعن المسور بن مخرمة أنه سمع عمر بن الخطابرضي الله عنه، يقول: »تعلموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورةالمائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإنَّ فيهنَّ الفرائض«رواه الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح.
- وقال ابن مسعود رضي الله عنه» :من قرأ آل عمران فهو غنيّ، والنساءُ مُحبِّرة« رواه أبو عبيد والدارميوقال: (محبِّرة: مزيِّنة). أي أنها زينةوجمال لصاحبها.
- وقال عبد الله بن مسعود: (إن في النساء خمس آيات، ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها، ولقدعلمت أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها:
1/ قوله عز وجل: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاكريما}.
2/ وقوله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنةيضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}.
3/وقوله: {إنالله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمنيشاء}.
4/ وقوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوكفاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابارحيما}.
5/ وقوله: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفرالله يجد الله غفورا رحيما}.
قال عبد الله: مايسرني أن لي بها الدنيا وما فيها). رواه أبو عبيد في فضائلالقرآن.
س3: اذكر ثلاثة أحاديث ضعيفة مما اشتهر في فضائلالسور التالية مع بيان سبب الحكم بضعفها:
1:سورة الفاتحة.
- حديث العلاء بن المسيّب، عن فضيل بن عمرٍو، عن علي بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنهأنّه سئل عن فاتحة الكتاب، فقال؟ ثنا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ تغيّرلونه، وردّدها ساعةً حين ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: (أنها نزلت من كنزٍ تحت العرش). رواه إسحاق بنراهويه كما في إتحاف الخيرة والديلمي في مسند الفردوس كلاهما من هذا الطريق.
حكم الحديث:ضعيف؛ لانقطاع إسناده؛ فإنّ فضيلاً لم يدرك عليًّا.
- حديث أبان، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال»: فاتحة الكتاب تعدل بثلثي القرآن«. رواه عبدبن حميد مرفوعاً، ورواه الفريابي في تفسيره كما في الدر المنثور،وابن مروانالدينوري في المجالسة كلاهما موقوفاً على ابن عباس بلفظ»: فاتحة الكتاب ثلثاالقرآن«.
حكم الحديث: ضعيف؛ لضعف أبان وشهر بن حوشب، وهما متروكا الحديث.
- حديث أبي الأحوص الكوفي، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال»: رن إبليس حين أنزلتفاتحة الكتاب، وأنزلت بالمدينة«.رواه الطبراني فيالأوسط وابن الأعرابي في معجمه.
- حكم الحديث: ضعيف؛ لانقطاع سنده؛ فإن مجاهدًا لميسمع من أبي هريرة.
2: سورةالبقرة.
- حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً»: ما خيَّب الله امرأ قام في جوف الليل، فافتتحسورة البقرة وآل عمران«رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم فيالحلية من طريق ليث بن أبي سليم عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود به.
حكم الحديث: ضعيف؛ لضعف ليث.
- حديث عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح، عن معقل بن يسار، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم»: اعملوا بالقرآن، أحلوا حلالهوحرموا حرامه«.. الحديث ، وفيه»: ألا وإني أعطيت سورةالبقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتابوخواتيم البقرة من تحت العرش، والمفصل نافلة«رواه محمد بننصر المروزي في قيام الليل، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السننالكبري.
حكم الحديث: ضعيف؛ لأن عبيد الله بن أبي حميد متروك الحديث.
- حديث حكيم بن جبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم»: لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدةآي القرآن، هي آية الكرسي.«رواه عبد الرزاقوالحميدي وسعيد بن منصور والترمذي والحاكم والبيهقي في شعبالإيمان.
حكم الحديث: ضعيف؛ لأن حكيم بن جبير الأسدي متروك الحديث لسوء حفظه وغلوّه في التشيع.
وأصحّ ما روي في أن سورة البقرة سنام القرآن أثر ابنمسعود موقوفاً عليه، وقد تقدّم في صحيح فضائل السور والآيات.
س4: ما هي شروط صحّة الحديث؟
الحديث يتكون من إسناد ومتن، ولا يُحكم بصحته إلا إذا صَحَّ إسنادُهومتنُه.
فصحة الإسناد لا تتحقّق إلا بثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن يكون رجاله ممن تُقبل روايتهم؛والذين لا تُقبل روايتهم على درجتين:
الدرجة الأولى:الذين يكون سبب جرحهم ضعف ضبطهم وهم أهل صدق في الجملة فهؤلاء لا يُطّرح حديثهمجُملة، ولا يقبلون مطلقاً، بل يُعتبر حديثهم فإذا ورد من طريق أخرى أو كان له شواهدفيُحكم بصحّته لانتفاء علّة ضعف الضبط.
والدرجةالثانية:الذين لا تُقبل مرويّاتهم مطلقاً، ولا يعتبر بها، وهم متروكوالحديث، من الكذّابين، والمتّهمين بالكذب، والذين بلغوا من كثرة الخطأ والتساهل فيالرواية عن الواهين.
والأمر الثاني:أن يكون الإسناد متّصلاً غير منقطع؛ فانقطاع الإسناد موجب لضعف الحديث. .
والأمر الثالث:انتفاء العلّة القادحة في صحّة الإسناد؛كالمخالفة، والتدليس، والاضطراب.
وصحة المتن لا تتحقّق إلابأمرين:
الأمر الأول:صحّة الإسنادإليه.
والأمر الثاني:انتفاء العلّة القادحة في المتن؛ كالمخالفة،والنكارة، والاضطراب، والرواية بالمعنى المخلّ، والتصحيف والتحريف، وغيرها.
س5: بيّن درجات المرويات في فضائلالقرآن.
المرويّات تعمّ ما يُروى بالأسانيد من الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلىالله عليه وسلم والمرسلة عنه، والآثار التي تُروى عن الصحابةوالتابعين.
وهي على خمس درجات:
الدرجة الأولى:المرويّات الصحيحة لذاتها، وهيالتي ثبتت بإسناد صحيح من غير شذوذ ولا علّة قادحة في الإسناد ولا في المتن.
والدرجة الثانية:المرويات الصحيحة لغيرها، وهي التي يكون فيأسانيدها بعض الضعف الذي يُجبر بالشواهد وتعدّد الطرق، ويكون المتن سالماً منالعلّة القادحة.
فمرويات الدرجتين الأولى والثانية يحتجّبهما.
والدرجة الثالثة:المرويات الضعيفة ضعفاًمحتملاً، وهي التي يكون متنُها غيرَ منكر من جهة المعنى، وفي الإسناد ضعف قابلٌللتقوية لو وُجدت.
فمرويات الدرجة الثالثة من أهل العلم من يحتجّ بها في الفضائل والرقاقوالأخبار، ومنهم من يستأنس بها ولا يحتجّ بها، ومنهم من يذكرها لفائدة كأن يكونالمتن حسناً جامعاً، أو لينبّه على ضعفه مع شهرته.
والدرجة الرابعة:المرويات الواهية، وهي التييكون في إسنادها ضعف شديد، أو يكون متنها منكراً مخالفاً للنصوص الصحيحة والقواعدالشرعية.
ومرويات الدرجة الرابعة لا يجوز أن تذكرإلا لبيان ضعفها، والتنبيه على عللها، وقد يرويها بعض المحدّثين لفوائد عارضة أولغرض جمع الطرق ويعدّون ذكر الإسناد تبيينا لحالها، ثم يتساهل في نقلها بعضالمفسّرين والفقهاء وشرّاح الأحاديث من غير معرفة بحال رواتها، وقد يحذفون الأسانيداختصاراً.
والدرجة الخامسة:المرويّات الموضوعة، وهي التييتبيّن أنّها مكذوبة مختلقة.
وأما مرويات الدرجة الخامسة فلا تحلّ روايتها إلا على التبيين، وقد وردالوعيد الشديد في التحديث بما هو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.
س6: بيّن حال الحديث الطويل المرويّ عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه فيفضائل سور القرآن.
هو من الأحاديث الموضوعة، وهوشرّ هذه الأنواع، وهو ما كان من رواية الكذّابين، ومن أشهر الموضوعات في فضائل القرآنالحديث الطويل المكذوب على أبيّ بن كعب رضي الله عنه في فضائل القرآن سورة سورة.
فقد روي في عدة من كتب التفاسير بعدة طرق وقد رواهأبو بكر بن أبي داود السجستاني في "فضائل القرآن" له كما في الموضوعات لابن الجوزيمن طريق مخلد بن عبد الواحد عن علّي بن زيد بن جدعان وعطاء بن أبي ميمونة عن زر بنحبيش عن أبي بن كعب أنه قال: »أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجركأنّما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة، ومن قرأ آل عمران بكل آية منها أمانًا على جسرجهنّم، ومن قرأ سورة النّساء أعطي من الأجر كأنّما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة، ومنقرأ المائدة أعطي عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات بعدد كل يهوديّونصراني تنفس في الدّنيا«..
قال ابن الجوزي عنه: (وقد فرق هذا الحديثأبو إسحاق الثّعلبيّ في تفسيره فذكر عند كل سورة منها ما يخصها وتبعه أبو الحسنالواحدي في ذلك ولم أعجب منهما لأنّهما ليسا من أصحاب الحديث، وإنّما عجبت منالإمام أبي بكر بن أبي داود كيف فرقه على كتابه الّذي صنفه في فضائل القرآن وهو منأهل هذا الشّأن ويعلم أنه حديث محال ولكن شرَه جمهور المحدثين، فإنّ من عادتهمتنفيق حديثهم ولو بالبواطيل، وهذا قبيح منهم؛ فإنّه قد صحّ عن رسول الله صلّى اللّهعليه وسلّم أنه قال»: من حدث عني حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين«. قال: وهذا حديث فضائل السّور مصنوع بلا شكّ وفي إسناد الطّريق الأول بزيع)
وقال الدّارقطنيّ: متروك.
وفي الطّريق الثّاني مخلد بن عبد الواحد، قال ابن حبان: منكر الحديث جدا.
وقال الحافظ العراقي: (كلّ من أودع حديث أبيّ - المذكور - تفسيره، كالواحدي، والثعلبي والزمخشري مخطئ في ذلك؛ لكن من أبرز إسناده منهم،كالثعلبي، والواحدي فهوأبسط لعذره، إذ أحالَ ناظرَه على الكشف عن سنده، وإنكان لا يجوز له السكوت عليه من غير بيانه، وأما من لم يبرز سنده، وأورده بصيغةالجزم فخطؤه أفحش، كالزمخشري).
قال الشيخ: وقد أورده البيضاوي أيضاً فيتفسيره مفرقاً على السور من غير إسناد ولا تنبيه.
س7: عدّد دلائل معرفة خواصّ القرآن مع التمثيل بمثال واحدلكلّ دلالة.
الدلالة الأولى: دلالة نصوص الكتاب والسنة الصحيحة على تأثيربعض السور والآيات في أحوال مخصوصة
فمن ذلك:قول الله تعالى في شأن يونس عليه السلام إذ التقمه الحوت: {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمينفاستجبنا له ونجيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين}،وقال تعالى: {فلولا أنه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوميبعثون}.فتبيّن بدلالة الآيتين أثر التسبيح والتوحيد في النجاة من الغمّوالكرب، ودلّ قوله تعالى:{وكذلك ننجي المؤمنين}، علىأنّ هذا الأمر لا يختصّ بيونس عليه السلام، بل هو عامّ للمؤمنين إذا دعوا واستغاثوابالله وسبّحوه معترفين ذنوبهم.
- ومن ذلك من السنة: رقية اللديغ بسورة الفاتحة، وفيها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهفي رقيته للديغ بسورة الفاتحة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له»:ومايدريك أنها رقية«. فهذا مما يُعدّ من خواصّ سورة الفاتحة.
الدلالة الثانية: ما ثبت عن الصحابة رضي اللهعنهم.
فمن ذلك: ما رواه أبو داوود والبيهقي في الدعوات والضياءفي المختارة من طريق النضر بن محمد، قال: حدثنا عكرمة -يعني ابن عمار- قال: وحدثناأبو زميل، قال: سألت ابن عباس، فقلت: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: واللهما أتكلم به، قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله عز وجل: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسألالذين يقرءون الكتاب من قبلك} الآية ، قال: فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئافقل: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيءعليم}).
وقد حسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
الدلالة الثالثة: ما ثبت عن الصالحين من التابعينوتابعيهم.
من ذلك: ما رواه سعيد بن منصور والدارمي من طريق أبيالأحوص، عن أبي سنان الشيباني، عن المغيرة بن سبيع العجلي أنه قال:(من قرأ عند منامه آيات من البقرة لم ينسَ القرآن: أربع آياتمن {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمنالرحيم}، وآية الكرسي، والثلاث آيات منآخرها(. والمغيرة تابعي ثقة من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه، والإسنادإليه صحيح.
الدلالة الرابعة: الاجتهاد في إدراك التناسب بينالآيات والأحوال المخصوصة.
ومن ذلك أن يرقي الراقي كلَّ حالة بمايناسبها من الآيات، وقد ورد عن جماعة من العلماء استعمال ذلك: فقد ذكر ابن القيّم رحمه الله في زاد المعاد أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يكتب علىجبهة الراعف: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيضالماء وقضي الأمر}.قال: وسمعته يقول: (كتبتها لغير واحد فبرأ) وقال: (لايجوز كتابتها بدم الراعف، كما يفعله الجهال، فإن الدم نجس، فلا يجوز أن يكتب بهكلام الله تعالى).
وهذه الرقية مبناها على التوسّل إلى الله تعالى بقدرته علىإيقاف انهمار المطر الشديد الذي جعله عذاباً على قوم نوح، وأَمْرِهِ الأرض أن تبلعَماءها حتى غاض الماء وقضى الله الأمر؛ فيتوسّل إليه تعالى أن يأمر جَسد المرعوفبإيقاف نزفه دمه، وأن يُذهب عنه ما يجد من ذلك النزف. فدلالة المناسبة ظاهرة؛فالأرض والجسد من خلق الله تعالى، ومن قدر على تلك الآية العظيمة من تصريف ماءالطوفان العظيم لا يعجزه أن يشفي المرعوف من رعافه. وهذا التوسّل إذا صدر منقلب مؤمنٍ موقنٍ متوكّلٍ على الله مفتقرٍ إليه نفع بإذن الله.
س8: بيّن خطر الغلو في باب خواصّ القرآن.
الغلو في كل شيء يصير منه شرا مستطيرا، فإنّه قد قاد الغلاة إلى فساد كبير، وضلالمبين، وانحلال من الدين، والعياذ بالله.
ومن ذلك ما ابتدعه بعض الصوفية الغلاةفي خواصّ القرآن من دعاوى وضلالات، واستعمال أشياء غير معقولة المعنىمن رسوم وأحوال، وجداولوأوفاق تبيّن للمحققين أنها من طلاسم السحر، لكنّهم موّهوا بها على أتباعهم، وسموّاالأمور بغير أسمائها، فسمّوا الشياطين الذين يتقرّبون إليهم خُدّام الآيات، وسمّواالاستغاثات الشركية عزائم، وسمّوا غرائب أسماء الشياطين أسراراً، تضليلا وتلبيسا على الناس.
وقد اعترف بذلك بعضُ مَنْمَنَّ الله عليه بالتوبة من السِّحْر من أصحاب تلك الطرق، وذكر أنه كان يعتقد أنهيكلّم الملائكة ويخاطبهم، وأنّ ما هو فيه إنما هو من الكرامات التي يُؤتاهاالأولياء والأقطاب عندهم.
وتلا قول الله تعالى: {وَيَوْم َيَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)}
ثم قال ما معناه: كانت هذه حالنا، كنا نظنّ أننا نخاطب الملائكةونتقرب إليهم ويخدموننا؛ فإذا بهم شياطين.
والمقصود أن غلاة الصوفيةقدأدخلوا على الأمّة من هذا الباب شرّا عظيماً، وبلاء وفتنة ضلّ بها طوائف من أتباعالطُّرُق والعامّة المخدوعين بضلالاتهم؛ فلبسوا الحق بالباطل، وموّهوا على الجهّالوالعامّة، وروّجوا أباطيلهم وأسحارهم باسم خواصّ القرآن، وكان منهم من يكتب الحُجبوالتمائم ويبيعها، ويزعم أنّ فيها من الخواصّ ما يدفع البلاء، ويجلب السعد، ويحفظمن العين والعدوّ، وأكلوا أموال الناس بالباطل والتمويه والتضليل.
ولكبارالصوفية مؤلفات فيما يدّعون أنّه من "خواصّ القرآن" فيها غلوّ وضلال مبين، ومنها: :
- كتاب"خواصّ القرآن الحكيم" لمحمّد بن أحمد بن سعيدالتميمي (ت: 390هـ).
- رسالة في"خواص بسم الله الرحمن الرحيم"لأحمد بن علي بن يوسف البوني (622هـ).
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليما