دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > طبقات القراء والمفسرين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 21 جمادى الأولى 1440هـ/27-01-2019م, 06:41 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

(1) تعليم القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ أصحابه ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، كما قال الله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}
وكان تعليم النبي صلى الله عليه وسلم القرآنَ لأصحابه أحسنَ التعليم وأبينه، وأعظمه بركة، وأقومَه طريقةً، وأحسنَه أثراً في قلوبهم ونفوسهم:
- فكان يتلو عليهم القرآن تلاوة بيّنة بلسان عربي مبين فيعرفون دلائل خطابه، ويتدبرون معانيه، ويتبصرون ببصائره، ويعقلون أمثاله، ويعملون ما فيه من البينات والهدى.
- وكان يقرئهم القرآن فيفرحون بما يتلقونه من فِيه صلى الله عليه وسلم، ويعظّمونه حقّ تعظيمه، ويأخذونه أحسن الأخذ، فتعيه القلوب، وتعمل به الجوارح.
- وكانوا يرون في عمل النبي صلى الله عليه وسلم في عباداته ومعاملاته أسوة حسنة ماثلة أمام أعينهم؛ فيحصل لهم من اليقين وحسن التأسي في أبواب كثيرة من الدين ما لا تحيط به العبارة.
- وكان النبي صلى الله عليه وسلم ربما فسّر لهم آيات من القرآن، وبيّن المراد بها تذكيراً وتبصيراً ليزدادوا إيمانا ويقينا، وَلِيَعُوا ما فيها من العلم والعمل، ولا سيما ما كان مما لا يُدرك بالاجتهاد من البيان الذي لا يُعلم إلا بوحي من الله تعالى، كما في الصحيحين من حديث علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا أُقعد المؤمن في قبره أتي، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} )).
- وكان يجيب على ما يسألون عنه مما يشكل عليهم، أو يسبق إلى بعض أذهانهم ما يستعظمونه؛ فيبيّن لهم ما يزول به الإشكالُ ويحصلُ به اليقين الذين تطمئنّ به القلوب.
- وكانوا مناصرين له في دعوته لأنواع من المخالفين من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين على اختلاف أحوالهم في السلم والحرب، والبعد والقرب، واختلاف مراتبهم من عظمائهم وكبرائهم إلى مواليهم وذراريهم، ويشاهدون من تنزّل الآيات في كثير من تلك الأحوال ما يرسّخ معرفة معانيها، وفهم دلائلها.
- وكانوا يرون سياسته لأمور أمّته كبيرها وصغيرها وذكرها وأنثاها على اختلاف ما يعرض لهم من أحوال الأمن والخوف والسراء والضراء واشتداد البأس، فيجدون من إرشاده إياهم لما ينفعهم، وتحذيره إياهم مما يضرّهم في دينهم ودنياهم، والحكم فيهم بما أنزل الله، ويشاهدون من تنزّل القرآن في كثير من تلك الأحوال ما له أبلغ الأثر في قلوبهم وأعمالهم، فيحصل به من أنواع البينات والهدى ما تكتمل به أبواب الدين:
- كما في حديث سفيان بن عيينة، عن فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيّن لكم» رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن حبان في صحيحه.
- وقال أبو ذر رضي الله عنه:(تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكّرنا منه علما). رواه الطبراني بهذا اللفظ، وابن حبان ولفظه: (إلا عندنا منه علم).
قال ابن حبان: (معنى "عندنا منه" يعني بأوامره ونواهيه وأخباره وأفعاله وإباحاته صلى الله عليه وسلم).
قلت: يريد العلمَ الذي له تعلّق بالأحكام الشرعية، وهذا معنى أخصّ من العلوم والمعارف الواسعة في الخلق والأمر، وفي كلا النوعين نصوص من الكتاب والسنة إلا أنّ ما له تعلّق بالعمل قد تمّ به البيان، وما لا يتعلّق به العمل قد ذكر منه ما تحصل به الكفاية في التبصر والاستدلال بالمعلوم على ما وراءه، وقد قال الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.

والمقصود أن تعليمَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم القرآنَ لأصحابه شامل لتعليم حروفه ومعانيه وهداياته، وقد حصل البيان النبوي للقرآن بطرق متنوّعة يكتمل بها البيان، وتتمّ بها النعمة.
وكان لهذا التعليم النبوي للقرآن أثر عظيم في نفوس الصحابة رضي الله عنهم وقلوبهم، فتعلّموا العلم والإيمان جميعاً، وحملوا القرآن أحسن الحمل، وعملوا به أحسن العمل، وأدوه أحسن الأداء.
وأخذ كلّ واحد منهم بحظّه من هذا الإرث النبوي العظيم، وتفاضلوا فيه، وتنوّعت أوجه عناياتهم بما جعل الله بينهم من التفاضل في القُدُرات والمَلَكَات، وما فتح لهم من أبواب فضله ورحمته، وظهر أثر هذا الإرث والتفاضل على من بعدهم.
وحصل بمجموع ما تحصّل لهم من العلم وبلّغوه ما تقوم به الحجة وتحصل به الكفاية في تبليغ الدين، واتّصال كماله.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 جمادى الأولى 1440هـ/27-01-2019م, 06:44 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

(2) بعوث النبي صلى الله عليه وسلم لتعليم القرآن
ارتبطت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ارتباطاً وثيقاً بالتعليم، وأصله وأشرفه تعليم القرآن الكريم، وتبليغ آياته، وتفهيم معانيه، وبيان ما أنزل الله فيه من البينات والهدى؛ حتى يكون أصلاً ومنهلاً للمعارف والسلوك.
1. فبعث مصعب بن عمير العبدري القرشي إلى أهل المدينة بعد بيعة العقبة الأولى، يقرئهم القرآن ويعلّمهم شرائع الإسلام، ويدعو إلى الله، فأسلم على يديه جماعة من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: عبَّاد بن بشر، وأسيد بن الحضير، وسعد بن معاذ، وأسلم بإسلامهم أكثرُ بني عبد الأشهل من الأوس رضي الله عنهم وأرضاهم.
- قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبد الله بن المغيرة بن معيقيب، قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصعبَ بن عمير مع النفر الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى إلى المدينة يُفَقّه أهلها ويقرئهم القرآن).رواه البيهقي في دلائل النبوة.
وذكر ابن إسحاق أن مصعباً عاد إلى مكة في موسم الحج ومعه سبعون من الأنصار فبايعوا بيعة العقبة الثانية.

2. ثم بعث مصعب بن عمير وابن أمّ مكتوم بعد بيعة العقبة الثانية.
- قال شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: (أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن، ثم جاء عمار، وبلال، وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فما رأيت أهلَ المدينة فرحوا بشيء فَرَحَهم به، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء؛ فما جاء حتى قرأت: {سبح اسم ربك الأعلى} في سورٍ مثلِها). رواه البخاري في صحيحه.

3. وبعث سبعين من قراء أصحابه إلى رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، وهم قبائل من العرب، بعثهم يُمِدّونهم على بعض المشركين ويقرئونهم القرآن ويعلّمونهم الدين لما ذكروا أن فيهم إسلاماً؛ فغدروا بهم وقتلوا أكثرهم يوم بئر معونة، وأُسِرَ بعضُهم ثمّ قُتِلَ بعد؛ فوجد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجداً شديداً.
- قال حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت، عن أنس بن مالك، قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا أنِ ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار، يقال لهم: القراء، فيهم خالي حَرَام، يُقرِئِون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلَّمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فعرضوا لهم، فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا.
قال: وأتى رجلٌ حراماً - خالَ أنس - من خلفه؛ فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فُزْتُ وربِّ الكعبة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:(( إن إخوانكم قد قُتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا" )). رواه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه.
- وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدوٍّ، فأمدَّهم بسبعين من الأنصار، كنَّا نسمّيهم القراءَ في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار، ويصلّون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقَنَت شهراً يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب، على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان.
قال أنس: (فقرأنا فيهم قرآنا، ثم إنَّ ذلك رُفِعَ: [بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا]). رواه أحمد والبخاري ومسلم.
- وقال عاصم الأحول: سمعت أنسا يقول: « ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سرية ما وجد على السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة، كانوا يُدعون القرَّاء، فمكث شهراً يدعو على قَتَلَتِهم»رواه مسلم.
وكان من أولئك القراء: المنذر بن عمرو أمير السرية، وهو الملقّب بالمُعْنِق لِيَموت، وعاصم بن ثابت حميّ الدبر، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وخبيب بن عدي، وحرام وسليم ابنا ملحان خالا أنس بن مالك، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي، وخالد بن البكير، وعروة بن أسماء بن الصلت، وأوس بن معاذ بن أوس الأنصاري وهو ممن شهد بدراً، والحارث بن الصمة النجاري الأنصاري، والحارث بن النعمان العوفي الأنصاري، وسهل بن عامر النجاري الأنصاري، والحكم بن كيسان المخزومي، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي.
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير أنَّ حادثتهم كانت بعد أحد.

4. وخلَّف النبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذَ بنَ جبل على أهل مكة بعد غزوة الفتح ليعلّمهم القرآن ويفقههم في الدين.
- قال عروة بن الزبير: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف معاذ بن جبل رضي الله عنه على أهل مكة حين خرج إلى حنين، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلّم الناس القرآن، وأن يفقّهَهم في الدين، ثم صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامداً إلى المدينة، وخلَّف معاذَ بنَ جبلٍ على أهل مكة»). رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في دلائل النبوة من طريق أبي علاثة قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة، وهو من صحيفة أبي الأسود عن عروة.
ورواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمّه موسى بن عقبة.
فهذا الخبر اتفق عليه عروة بن الزبير وموسى بن عقبة وهما من ثقات أصحاب المغازي.

5. وبعث عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان النجاري الخزرجي الأنصاري إلى أهل نجران وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن.
- قال محمد بن إسحاق: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتابا وعهدا، وأمره فيه أمره فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ الحقَّ كما أمره، وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم فيه، وينهى الناس، ولا يمسَّ أحدٌ القرآن إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم ويلين لهم في الحق، ويشد عليهم في الظلم، فإنَّ الله عز وجل كره الظلم ونهى عنه...) ثمّ ذكر الكتاب بطوله، وهو في دلائل النبوة للبيهقي.
- قال ابن شهاب الزهري: (قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه على نجران، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم). رواه ابن وهب في جامعه، والنسائي في سننه.
- وقال ابن عبد البرّ في الاستيعاب: (أول مشاهده الخندق، واستعمله رسول الله صلى عليه وسلم على أهل نجران، وهم بنو الحارث بن كعب، وهو ابن سبع عشرة سنة، ليفقههم في الدين، ويعلم القرآن، ويأخذ صدقاتهم، وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد، فأسلموا، وكتب له كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات، ومات بالمدينة سنة إحدى وخمسين).

6. وبعث أبا موسى الأشعري إلى اليمن ثم أتبعه بمعاذ بن جبل يعلّمان الناس القرآن، ويقضيان بينهم، وكان مبعثه بعد غزوة تبوك.
- قال طلحة بن يحيى التيمي: أخبرني أبو بردة، عن أبي موسى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن فأمرهما أن يعلّما الناس القرآن). رواه الإمام أحمد.
- وقال شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذا إلى اليمن، فقال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» متفق عليه.
- وقال عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى، ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف، قال: واليمن مخلافان، ثم قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا»، فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا، فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس، وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟
قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه،
قال: لا أنزل حتى يقتل.
قال: إنما جيء به لذلك فانزل.
قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فقتل، ثم نزل.
فقال: يا عبد الله، كيف تقرأ القرآن؟
قال: أتفوقه تفوقا.
قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟
قال: أنام أول الليل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال حميد بن هلال، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، ثم أرسل معاذ بن جبل بعد ذلك، فلما قدم قال: أيها الناس، إني رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكم، فألقى له أبو موسى وسادة ليجلس عليها، فأتي برجل كان يهوديا فأسلم، ثم كفر، قال معاذ: «لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، ثلاث مرار، فلما قتل قعد» رواه النسائي في السنن الكبرى.
- وقال صفوان بن عمرو السكسكي: حدثني راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني، أن معاذا لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم خرج معه النبي صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: (( يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري ))
فبكى معاذ بن جبل خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي السنن الكبرى ودلائل النبوة.
قال أبو بكر البيهقي في "دلائل النبوة": (وقد مضى في هذا الكتاب ما دلَّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف معاذا على مكة عام فتحها مع عتاب ابن أسيد ليعلّم أهلها، ثم كان معه في غزوة تبوك؛ فالأشبه أنه بعثه إلى اليمن بعد ذلك).
وقال في السنن الكبرى: (وهذا في بعثته الثانية).
قوله: ( واليمن مخلافان) المخلاف بمعنى الإقليم، فإقليم الشمال من صنعاء إلى الجَند، وإقليم الجنوب زبيد وعدن والساحل ورمع وهي أرض قوم أبي موسى الأشعري.
- وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب": (قال ابن إسحاق: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين معاذ بن جبل وبين جعفر بن أبي طالب، شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى الجَنَد من اليمن، يعلّم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم اليمن على خمسة رجال: خالد بن سعيد على صنعاء، والمهاجر بن أبي أمية على كندة، وزياد بن لبيد على حضرموت، ومعاذ بن جبل على الجَنَد، وأبي موسى الأشعري على زبيد وعدن والساحل).

7. وبعث عثمان بن أبي العاص الثقفي إلى قومه بالطائف وأمّره عليهم وكان أكثرهم قرآناً.
قال ابن سعد: (كان عثمان بن أبي العاص في وفد ثقيف الذين قاموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ فأسلموا وقاضاهم على القضية، وكان عثمان من أصغرهم فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبلَهم فأسلم وأقرأه قرآنا ولزِمَ أبيَّ بن كعب؛ فكان يقرئه؛ فلمَّا أراد وفدُ ثقيفِ الانصرافَ إلى الطائف قالوا: يا رسول الله أمّر علينا؛ فأمّر عليهم عثمان بن أبي العاص الثقفي. وقال: (( إنه كيّس، وقد أخذ من القرآن صدرا ))
فقالوا: لا نغيّر أميرا أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقدم معهم الطائف؛ فكان يصلي بهم ويقرئهم القرآن).
- وقال المعتمر بن سليمان: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، يحدث عن عمه عمرو بن أويس، عن عثمان بن أبي العاص، قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف، وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة، فقلت: يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني، فوضع يده على صدري، وقال: « يا شيطان اخرج من صدر عثمان » ، فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه). رواه البيهقي في دلائل النبوة، وصححه الألباني.
- وقال عيينة بن عبد الرحمن ابن جوشن: حدثني أبي، عن عثمان بن أبي العاص قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ابن أبي العاص؟» قلت: نعم يا رسول الله.
قال: «ما جاء بك؟»
قلت: يا رسول الله، عرض لي شيء في صلواتي حتى ما أدري ما أصلي.
قال: «ذاك الشيطان ادنه» فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي، قال: فضرب صدري بيده، وتفل في فمي وقال: «اخرج عدو الله» ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال:«الحق بعملك».
قال: فقال عثمان: «فلعمري ما أحسبه خالطني بعد» رواه ابن ماجه في سننه، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، والروياني في مسنده، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة.

8. وذكر ابن سعد في الطبقات أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عباد بن بشر الأشهلي إلى بني المصطلق يأخذ صدقات أموالهم ويعلمهم شرائع الإسلام ويقرئهم القرآن؛ فأقام عندهم عشرا ثم انصرف راضيا.
وعباد بن بشر هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية، أسقطتهن من سورة كذا وكذا». والخبر في صحيح البخاري.
وفي رواية في صحيح البخاري قالت عائشة رضي الله عنها: تهجَّد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، فسمع صوت عبّاد يصلي في المسجد، فقال: «يا عائشة أصوت عبَّاد هذا؟»
قلت: نعم.
قال: «اللهم ارحم عبَّادا».
والأظهر أنّ بعثته لبني المصطلق كانت سنة عشر للهجرة؛ فإنه روي أنه كان بعد نزول قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا...}، وقد رجّح الشافعي وجماعة من أهل العلم أن نزولها كان سنة عشر للهجرة.

9: وبعث مالك بن الحويرث الليثي(ت:74هـ) ومن معه رضي الله عنهم إلى قومهم ليعلّموهم الصلاة؛ فكان مالك ممن يُعنى بتعليم الصلاة كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، ولمّا انتقل إلى البصرة كان يطوف في الأحياء يعلّمهم الصلاة.
- قال وهيب بن خالد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيما رفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: « ارجعوا فكونوا فيهم، وعلّموهم، وصلّوا؛ فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمّكم أكبركم » رواه البخاري.
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب به : « مروهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا ...».

- وقال إسماعيل بن علية: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: جاء أبو سليمان مالك بن الحويرث إلى مسجدنا، فقال: (والله إني لأصلي، وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي). رواه أحمد وأبو داود.
10: ولما علّم النبي صلى الله عليه وسلم وفد بني عبد القيس وأجابهم عما سألوه؛ قال لهم: «احفظوه وأخبروه من وراءكم» والحديث في الصحيحين من حديث شعبة عن أبي جمرة عن ابن عباس.


وبعوث النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبائل والقرى والأمصار لتعليم القرآن أكثر من ذلك، وإنما ذكرت ما تيسر لي جمعه بالبحث المتيسّر فيما وجدت فيه النصّ على تعليم القرآن من غير تقصٍّ، وفي جمع مرويات هذه البعوث وأخبارها وأحوال ما يعرض لمعلمي القرآن وأحكامها فوائد جليلة القدر أرجو أن ينشط لها من يوفّق إليها من أهل العلم.
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أبي سليمان الخطابي في كتابه "شعار الدين" وهو مفقود أنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام، ويعلّم الأنصار القرآن، ويفقههم في الدين، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك، وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة).


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21 جمادى الأولى 1440هـ/27-01-2019م, 06:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

(3) أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بتعلّم القرآن والتفقه في الدين
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بتعلّم القرآن، ويحثّهم عليه، وينذرهم هجرَه والإعراض عن تلاوته وتعلّمه والعمل به، وكان يثني على المحسنين من أصحابه في أخذهم القرآن وقيامهم به ثناءً يحمل على تفضيلهم والاتّساء بهم ومنافستهم، وكان يَظهر منه صلى الله عليه وسلم من العناية بالقرآن وتعلّمه وتعليمه ما يحمل أصحابه على العناية بما اعتنى به صلى الله عليه وسلم، وقد روي في هذه الجمل أحاديث كثيرة منها:
1. حديث سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري وأحمد وأبو داوود والترمذي
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان مرفوعاً: «إنَّ أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه»
2. وحديث موسى بن علي بن رباح اللخمي وكان أميرَ مصر في خلافة أبي جعفر المنصور، قال: سمعت أبي يحدّث عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصُّفَّة، فقال: « أيّكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم، ولا قطع رحم؟ »
فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك.
قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيَعْلَمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل»رواه مسلم وأحمد وأبو داوود وفي روايتهما (فيتعلم آيتين من كتاب الله .. ).
3. وحديث بكير بن معروف الدامغاني قاضي نيسابور، عن مقاتل بن حيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه خطب الناس قائما، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر طوائف من المسلمين فأثنى عليهم ثم قال: «ما بال أقوام لا يعلّمون جيرانهم، ولا يفقهونهم، ولا يفطّنونهم، ولا يأمرونهم، ولا ينهونهم، وما لأقوام لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يتفقهون، ولا يتفطنون، والذي نفسي بيده ليعلمن جيرانهم وليفقهنهم وليفطننهم وليأمرنهم ولينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم وليتفقهن وليتفطنن أو لأعاجلنهم بالعقوبة في دار الدنيا »
ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيته...). الحديث رواه البخاري في الوحدان كما في جامع المسانيد والسنن لابن كثير، وإسحاق بن راهويه في مسنده، وابن منده.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحثُّهم على تعاهد القرآن، والقيام به في الليل، وينهاهم عن كتابة شيء من العلم غير القرآن ليتفرّغوا له، فيأخذوه بقوّة وإقبال نفس وعناية حسنة.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 جمادى الأولى 1440هـ/27-01-2019م, 06:53 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

(4) عناية الصحابة رضي الله عنهم بالقرآن وعلومه
عُني الصحابة رضي الله عنهم بعلوم القرآن مع بداية تعلّم تلاوته وتدبّره والتفقّه فيه؛ فكان الصحابة رضي الله عنهم يتلقّون القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم بحروفه وقراءاته، ويضبطون عدد الآي، ويكتبون ما يملي عليهم النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن، ويشاهدون كثيراً من أحوال النزول وأسبابه، ويعرفون فضائل القرآن وفضائل سوره وآياته، ويتعاهدون حفظه، ويتلونه حقّ تلاوته، ويؤمنون به، ويتأدّبون بآدابه، ويتدبّرون معانيه، ويعقلون أمثاله، ويتفقهّون في أحكامه، ويدرسون تفسيره، وناسخه ومنسوخه، ويتدارسونه بينهم، وهذه هي أصول علوم القرآن.
1. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: « كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن ».رواه ابن أبي شيبة وابن جرير.
2. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:« والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً طَلْقاً » رواه ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية.
3. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: « والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه» رواه البخاري في صحيحه.
4. وقال مجاهد: « لقد عرضتُ القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم أنزلت؟ وفيم كانت؟ ». رواه الدارمي وابن جرير.
5. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن:« ما رأيت أحدا أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلت، ولا فريضة من عائشة» رواه ابن سعد.
6. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أيضاً: « من أراد العلم فليثوّر القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين ». رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والطبراني.
7. وقال القاسم بن عوف الشيباني: سمعت ابن عمر، يقول:« لقد عشنا برهة من دهرنا وإنَّ أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلَّم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلَّمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالاً يُؤتَى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل ». رواه الطحاوي والحاكم والبيهقي.
8. وقال أبو عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله البجلي قال: « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلَّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا » رواه البخاري في التاريخ الكبير وابن ماجه في سننه.
9. وقال عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: « حدَّثنا من كان يُقرِئُنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات؛ فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل ». رواه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وابن سعد في الطبقات.
وأبو عبد الرحمن السلمي قرأ القرآن على عثمان وعليّ وأبيّ بن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت.
10. وذكر أبو عبد الرحمن السلمي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رأى رجلا يقصّ، قال: «علمت الناسخ والمنسوخ؟» قال: لا، قال: «هلكتَ وأهلكت» رواه ابن أبي شيبة والبيهقي.

والإنكار على هذا القاصّ الجاهلِ جَهْلَهُ بالناسخ والمنسوخ دليل على أنه من العلوم التي كان الصحابة يُعنون بتعليمها طلاب العلم من التابعين، وأن من لم يعرف الناسخ والمنسوخ فلا ينبغي له أن يتصدّر في مجالس العلم.

وهذه الآثار وأمثالها تدلّ دلالة بيّنة على عناية الصحابة رضي الله عنهم بعلوم القرآن، والتفقّه فيه وتدبّره، واستثارة علومه الكثيرة، وإقرائه وتعليمه، فعَلِمُوا وعلّموا من علوم القرآن ما لا يدركهم فيه مدرك، ولا يبلغ شأوهم فيه أحد ممن أتى بعده، ولو لم يكن من ذلك إلا مشاهدتهم لأحوال النزول، وعلمهم بكثير مما نسخت تلاوته من القرآن مما يُستعان به على التفسير، ونزول القرآن بلسانهم قبل طروء اللحن بعدهم، وجودة قرائحهم، وسعة معرفتهم بدلائل الخطاب العربي، واتسائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وتلقيهم العلم والعمل منه؛ لكان كافياً في تقدّمهم وإمامتهم في العلم والعمل.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21 جمادى الأولى 1440هـ/27-01-2019م, 06:56 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

(5) معلّمو القرآن من الصحابة رضي الله عنهم

كان من قُرّاء الصحابة مَن يُقرئ القرآنَ ويُعلّمه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وكان تعليمهم على ما تقدّم وصفه.
1: قال مسروق بن الأجدع الهمداني: ذُكر عبدُ الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو، فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود - فبدأ به -، وسالم، مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب ». متفق عليه.
2: وقال الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الله بن مسعود قال: جاء معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أقرئني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أقرئه » فأقرأته ما كان معي، ثم اختلفت أنا وهو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه معاذ، فكان معلّما من المعلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ». رواه ابن أبي شيبة.
3: وقال شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:« جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي »متفق عليه.
4: وقال أبو إسحاق السبيعي: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال:« أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، وكانا يُقرئان الناس ». رواه البخاري في صحيحه.
5: وقال بشر بن عبد الله السلمي: حدثني عبادة بن نسي، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشغل، فإذا قَدِمَ رجلٌ مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منّا يعلّمه القرآن، فدفع إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، فكان معي في البيت أعشّيه عشاءَ أهلِ البيت، فكنتُ أقرئه القرآن فانصرف انصرافةً إلى أهله، فرأى أنَّ عليه حقاً فأهدى إليَّ قوساً لم أرَ أجودَ منها عوداً ولا أحسنَ منها عطفاً؛ فأتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ فقلت: ما ترى يا رسول الله فيها؟
قال: « جمرة بين كتفيك تقلدتها - أو تعلقتها -». رواه أحمد، وأبو داوود، والطبراني في مسند الشاميين، والحاكم، والبيهقي.
6: وقال سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: « ما رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وجدَ على سريَّة ما وجد على السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة، كانوا يُدعون القُرَّاء؛ فمكث شهراً يدعو على قَتَلَتِهم ».رواه مسلم.
7: وقال الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:« أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده؛ قال أبو بكر رضي الله عنه: إنَّ عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن؛ فيذهب كثير من القرآن .. » فذكر الحديث، وهو في صحيح البخاري وغيره.

وقد اختلف أصحاب المغازي في تقدير عدد القراء الذين قُتلوا يوم اليمامة، لكنّهم اتفقوا على كثرتهم، حتى ذكر ابن كثير أنهم نحو خمسمائة، وإنما لم يشتهر ذكرهم لتقدّم وفاتهم فلم يدركهم كثير من التابعين، على أنّ بعضهم قد وردت في فضلهم أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم عن سالم مولى أبي حذيفة، وما ورد في فضل ثابت بن قيس بن شماس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في شريح بن الحضرمي:« ذاك رجل لا يتوسّد القرآن » أي لا ينام عنه.
وقد ذكرتُ في كتاب "جمع القرآن" أسماء جماعة من أولئك القراء الذين قتلوا يوم اليمامة.

وقال أبو شامة المقدسي في كتابه "المرشد الوجير": (وقد سمَّى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام أهلَ القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" له:
- فذكر من المهاجرين: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، وطلحة، وسعداً، وابن مسعود، وسالماً مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعمرو بن العاص، وأبا هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن السائب قارئ مكة.
- ومن الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبا الدرداء، وزيد بن ثابت، ومجمع بن جارية، وأنس بن مالك.
- ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة، وحفصة، وأم سلمة.
قال: وبعض ما ذكرنا أكثر في القراءة وأعلى من بعض، وإنما خصصنا بالتسمية كل من وصف بالقراءة، وحكي عنه منها شيء) ا. هـ.
وكتاب أبي عبيد في القراءات مفقود، وهؤلاء من رُوي عنهم شيء من القراءات، وأما من رويت عنهم مسائل في معاني القرآن فأكثر من ذلك بكثير، وسيأتي ذكر بعضهم في الدروس القادمة بعون الله تعالى.



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثالث, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir