(2) بعوث النبي صلى الله عليه وسلم لتعليم القرآن
ارتبطت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ارتباطاً وثيقاً بالتعليم، وأصله وأشرفه تعليم القرآن الكريم، وتبليغ آياته، وتفهيم معانيه، وبيان ما أنزل الله فيه من البينات والهدى؛ حتى يكون أصلاً ومنهلاً للمعارف والسلوك.
1. فبعث مصعب بن عمير العبدري القرشي إلى أهل المدينة بعد بيعة العقبة الأولى، يقرئهم القرآن ويعلّمهم شرائع الإسلام، ويدعو إلى الله، فأسلم على يديه جماعة من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: عبَّاد بن بشر، وأسيد بن الحضير، وسعد بن معاذ، وأسلم بإسلامهم أكثرُ بني عبد الأشهل من الأوس رضي الله عنهم وأرضاهم.
- قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبد الله بن المغيرة بن معيقيب، قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصعبَ بن عمير مع النفر الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى إلى المدينة يُفَقّه أهلها ويقرئهم القرآن).رواه البيهقي في دلائل النبوة.
وذكر ابن إسحاق أن مصعباً عاد إلى مكة في موسم الحج ومعه سبعون من الأنصار فبايعوا بيعة العقبة الثانية.
2. ثم بعث مصعب بن عمير وابن أمّ مكتوم بعد بيعة العقبة الثانية.
- قال شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: (أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن، ثم جاء عمار، وبلال، وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فما رأيت أهلَ المدينة فرحوا بشيء فَرَحَهم به، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء؛ فما جاء حتى قرأت: {سبح اسم ربك الأعلى} في سورٍ مثلِها). رواه البخاري في صحيحه.
3. وبعث سبعين من قراء أصحابه إلى رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، وهم قبائل من العرب، بعثهم يُمِدّونهم على بعض المشركين ويقرئونهم القرآن ويعلّمونهم الدين لما ذكروا أن فيهم إسلاماً؛ فغدروا بهم وقتلوا أكثرهم يوم بئر معونة، وأُسِرَ بعضُهم ثمّ قُتِلَ بعد؛ فوجد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجداً شديداً.
- قال حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت، عن أنس بن مالك، قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا أنِ ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار، يقال لهم: القراء، فيهم خالي حَرَام، يُقرِئِون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلَّمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فعرضوا لهم، فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا.
قال: وأتى رجلٌ حراماً - خالَ أنس - من خلفه؛ فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فُزْتُ وربِّ الكعبة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:(( إن إخوانكم قد قُتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا" )). رواه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه.
- وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدوٍّ، فأمدَّهم بسبعين من الأنصار، كنَّا نسمّيهم القراءَ في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار، ويصلّون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقَنَت شهراً يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب، على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان.
قال أنس: (فقرأنا فيهم قرآنا، ثم إنَّ ذلك رُفِعَ: [بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا]). رواه أحمد والبخاري ومسلم.
- وقال عاصم الأحول: سمعت أنسا يقول: « ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سرية ما وجد على السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة، كانوا يُدعون القرَّاء، فمكث شهراً يدعو على قَتَلَتِهم»رواه مسلم.
وكان من أولئك القراء: المنذر بن عمرو أمير السرية، وهو الملقّب بالمُعْنِق لِيَموت، وعاصم بن ثابت حميّ الدبر، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وخبيب بن عدي، وحرام وسليم ابنا ملحان خالا أنس بن مالك، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي، وخالد بن البكير، وعروة بن أسماء بن الصلت، وأوس بن معاذ بن أوس الأنصاري وهو ممن شهد بدراً، والحارث بن الصمة النجاري الأنصاري، والحارث بن النعمان العوفي الأنصاري، وسهل بن عامر النجاري الأنصاري، والحكم بن كيسان المخزومي، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي.
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير أنَّ حادثتهم كانت بعد أحد.
4. وخلَّف النبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذَ بنَ جبل على أهل مكة بعد غزوة الفتح ليعلّمهم القرآن ويفقههم في الدين.
- قال عروة بن الزبير: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف معاذ بن جبل رضي الله عنه على أهل مكة حين خرج إلى حنين، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلّم الناس القرآن، وأن يفقّهَهم في الدين، ثم صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامداً إلى المدينة، وخلَّف معاذَ بنَ جبلٍ على أهل مكة»). رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في دلائل النبوة من طريق أبي علاثة قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة، وهو من صحيفة أبي الأسود عن عروة.
ورواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمّه موسى بن عقبة.
فهذا الخبر اتفق عليه عروة بن الزبير وموسى بن عقبة وهما من ثقات أصحاب المغازي.
5. وبعث عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان النجاري الخزرجي الأنصاري إلى أهل نجران وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن.
- قال محمد بن إسحاق: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتابا وعهدا، وأمره فيه أمره فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ الحقَّ كما أمره، وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم فيه، وينهى الناس، ولا يمسَّ أحدٌ القرآن إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم ويلين لهم في الحق، ويشد عليهم في الظلم، فإنَّ الله عز وجل كره الظلم ونهى عنه...) ثمّ ذكر الكتاب بطوله، وهو في دلائل النبوة للبيهقي.
- قال ابن شهاب الزهري: (قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه على نجران، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم). رواه ابن وهب في جامعه، والنسائي في سننه.
- وقال ابن عبد البرّ في الاستيعاب: (أول مشاهده الخندق، واستعمله رسول الله صلى عليه وسلم على أهل نجران، وهم بنو الحارث بن كعب، وهو ابن سبع عشرة سنة، ليفقههم في الدين، ويعلم القرآن، ويأخذ صدقاتهم، وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد، فأسلموا، وكتب له كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات، ومات بالمدينة سنة إحدى وخمسين).
6. وبعث أبا موسى الأشعري إلى اليمن ثم أتبعه بمعاذ بن جبل يعلّمان الناس القرآن، ويقضيان بينهم، وكان مبعثه بعد غزوة تبوك.
- قال طلحة بن يحيى التيمي: أخبرني أبو بردة، عن أبي موسى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن فأمرهما أن يعلّما الناس القرآن). رواه الإمام أحمد.
- وقال شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذا إلى اليمن، فقال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» متفق عليه.
- وقال عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى، ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف، قال: واليمن مخلافان، ثم قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا»، فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا، فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس، وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟
قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه،
قال: لا أنزل حتى يقتل.
قال: إنما جيء به لذلك فانزل.
قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فقتل، ثم نزل.
فقال: يا عبد الله، كيف تقرأ القرآن؟
قال: أتفوقه تفوقا.
قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟
قال: أنام أول الليل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال حميد بن هلال، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، ثم أرسل معاذ بن جبل بعد ذلك، فلما قدم قال: أيها الناس، إني رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكم، فألقى له أبو موسى وسادة ليجلس عليها، فأتي برجل كان يهوديا فأسلم، ثم كفر، قال معاذ: «لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، ثلاث مرار، فلما قتل قعد» رواه النسائي في السنن الكبرى.
- وقال صفوان بن عمرو السكسكي: حدثني راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني، أن معاذا لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم خرج معه النبي صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: (( يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري ))
فبكى معاذ بن جبل خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي السنن الكبرى ودلائل النبوة.
قال أبو بكر البيهقي في "دلائل النبوة": (وقد مضى في هذا الكتاب ما دلَّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف معاذا على مكة عام فتحها مع عتاب ابن أسيد ليعلّم أهلها، ثم كان معه في غزوة تبوك؛ فالأشبه أنه بعثه إلى اليمن بعد ذلك).
وقال في السنن الكبرى: (وهذا في بعثته الثانية).
قوله: ( واليمن مخلافان) المخلاف بمعنى الإقليم، فإقليم الشمال من صنعاء إلى الجَند، وإقليم الجنوب زبيد وعدن والساحل ورمع وهي أرض قوم أبي موسى الأشعري.
- وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب": (قال ابن إسحاق: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين معاذ بن جبل وبين جعفر بن أبي طالب، شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى الجَنَد من اليمن، يعلّم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم اليمن على خمسة رجال: خالد بن سعيد على صنعاء، والمهاجر بن أبي أمية على كندة، وزياد بن لبيد على حضرموت، ومعاذ بن جبل على الجَنَد، وأبي موسى الأشعري على زبيد وعدن والساحل).
7. وبعث عثمان بن أبي العاص الثقفي إلى قومه بالطائف وأمّره عليهم وكان أكثرهم قرآناً.
قال ابن سعد: (كان عثمان بن أبي العاص في وفد ثقيف الذين قاموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ فأسلموا وقاضاهم على القضية، وكان عثمان من أصغرهم فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبلَهم فأسلم وأقرأه قرآنا ولزِمَ أبيَّ بن كعب؛ فكان يقرئه؛ فلمَّا أراد وفدُ ثقيفِ الانصرافَ إلى الطائف قالوا: يا رسول الله أمّر علينا؛ فأمّر عليهم عثمان بن أبي العاص الثقفي. وقال: (( إنه كيّس، وقد أخذ من القرآن صدرا ))
فقالوا: لا نغيّر أميرا أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقدم معهم الطائف؛ فكان يصلي بهم ويقرئهم القرآن).
- وقال المعتمر بن سليمان: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، يحدث عن عمه عمرو بن أويس، عن عثمان بن أبي العاص، قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف، وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة، فقلت: يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني، فوضع يده على صدري، وقال: « يا شيطان اخرج من صدر عثمان » ، فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه). رواه البيهقي في دلائل النبوة، وصححه الألباني.
- وقال عيينة بن عبد الرحمن ابن جوشن: حدثني أبي، عن عثمان بن أبي العاص قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ابن أبي العاص؟» قلت: نعم يا رسول الله.
قال: «ما جاء بك؟»
قلت: يا رسول الله، عرض لي شيء في صلواتي حتى ما أدري ما أصلي.
قال: «ذاك الشيطان ادنه» فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي، قال: فضرب صدري بيده، وتفل في فمي وقال: «اخرج عدو الله» ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال:«الحق بعملك».
قال: فقال عثمان: «فلعمري ما أحسبه خالطني بعد» رواه ابن ماجه في سننه، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، والروياني في مسنده، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة.
8. وذكر ابن سعد في الطبقات أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عباد بن بشر الأشهلي إلى بني المصطلق يأخذ صدقات أموالهم ويعلمهم شرائع الإسلام ويقرئهم القرآن؛ فأقام عندهم عشرا ثم انصرف راضيا.
وعباد بن بشر هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية، أسقطتهن من سورة كذا وكذا». والخبر في صحيح البخاري.
وفي رواية في صحيح البخاري قالت عائشة رضي الله عنها: تهجَّد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، فسمع صوت عبّاد يصلي في المسجد، فقال: «يا عائشة أصوت عبَّاد هذا؟»
قلت: نعم.
قال: «اللهم ارحم عبَّادا».
والأظهر أنّ بعثته لبني المصطلق كانت سنة عشر للهجرة؛ فإنه روي أنه كان بعد نزول قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا...}، وقد رجّح الشافعي وجماعة من أهل العلم أن نزولها كان سنة عشر للهجرة.
9: وبعث مالك بن الحويرث الليثي(ت:74هـ) ومن معه رضي الله عنهم إلى قومهم ليعلّموهم الصلاة؛ فكان مالك ممن يُعنى بتعليم الصلاة كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، ولمّا انتقل إلى البصرة كان يطوف في الأحياء يعلّمهم الصلاة.
- قال وهيب بن خالد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيما رفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: « ارجعوا فكونوا فيهم، وعلّموهم، وصلّوا؛ فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمّكم أكبركم » رواه البخاري.
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب به : « مروهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا ...».
- وقال إسماعيل بن علية: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: جاء أبو سليمان مالك بن الحويرث إلى مسجدنا، فقال: (والله إني لأصلي، وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي). رواه أحمد وأبو داود.
10: ولما علّم النبي صلى الله عليه وسلم وفد بني عبد القيس وأجابهم عما سألوه؛ قال لهم: «احفظوه وأخبروه من وراءكم» والحديث في الصحيحين من حديث شعبة عن أبي جمرة عن ابن عباس.
وبعوث النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبائل والقرى والأمصار لتعليم القرآن أكثر من ذلك، وإنما ذكرت ما تيسر لي جمعه بالبحث المتيسّر فيما وجدت فيه النصّ على تعليم القرآن من غير تقصٍّ، وفي جمع مرويات هذه البعوث وأخبارها وأحوال ما يعرض لمعلمي القرآن وأحكامها فوائد جليلة القدر أرجو أن ينشط لها من يوفّق إليها من أهل العلم.
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أبي سليمان الخطابي في كتابه "شعار الدين" وهو مفقود أنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام، ويعلّم الأنصار القرآن، ويفقههم في الدين، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك، وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة).