دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > كتاب التوحيد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 11:19 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

4 - بَابُ الدُّعَاءِ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبحَانَ اللهِ ومَا أنَا مِنَ المُشرِكِينَ}[يُوسُف:108].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: ((إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ - وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ - فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ)). أَخْرَجَاهُ.
وَلَهُمَا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: ((لأَُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ))، فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ، أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: ((أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟)).
فَقِيلَ: هُوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرِئ، كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ: ((انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالَى فِيهِ، فَوَاللهِ لأََنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ)).
(يَدُوكُونَ) أَيْ: يَخُوضُونَ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ طَرِيقُ مَنِ اتَّبَعَهُ صلى الله عليه وسلم.
الثَّانِيَةُ: التَّنْبِيهُ عَلَى الإِخْلاَصِ؛ لأَِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَوْ دَعَا إِلَى الْحَقِّ فَهُوَ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْبَصِيرَةَ مِنَ الْفَرَائِضِ.
الرَّابِعَةُ: مِنْ دَلاَئِلِ حُسْنِ التَّوْحِيدِ كَوْنُهُ تَنْزِيهًا للهِ تَعَالَى عَنِ الْمَسَبَّةِ.
الْخَامِسَةُ: أَنَّ مِنْ قُبْحِ الشِّرْكِ كَوْنَهُ مَسَبَّةً للهِ.
السَّادِسَةُ: وَهِيَ مِنْ أَهَمِّهَا: إِبْعَادُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ؛ لِئَلاَّ يَصِيرَ مِنْهُمْ وَلَوْ لَمْ يُشْرِكْ.
السَّابِعَةُ: كَوْنُ التَّوْحِيدِ أَوَّلَ وَاجِبٍ.
الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلاَةِ.
التَّاسِعَةُ: أَنَّ مَعْنَى: ((أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ)) مَعْنَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
الْعَاشِرَةُ:أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهَا أَوْ يَعْرِفُهَا، وَهُوَ لاَ يَعْمَلُ بِهَا.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: التَّنْبِيهُ عَلَى التَّعْلِيمِ بِالتَّدْرِيجِ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: الْبَدَاءةُ بِالأَهَمِّ فَالأَهَمِّ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: مَصْرَفُ الزَّكَاةِ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: كَشْفُ الْعَالِمِ الشُّبْهَةَ عَنِ الْمُتَعَلِّمِ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: النَّهْيُ عَنْ كَرَائِمِ الأَمْوَالِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: اتِّقَاءُ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: الإِخْبَارُ بِأَنَّهَا لاَ تُحْجَبُ.
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: مِنْ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ مَا جَرَى عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَسَادَاتِ الأَوْلِيَاءِ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَالْجُوعِ، وَالْوَبَاءِ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: ((لأَُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ)) إِلَخ، عَلَمٌ مِنْ أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ.
الْعِشْرُونَ: تَفْلُهُ فِي عَيْنَيْهِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلاَمِهَا أَيْضًا.
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: فَضِيلَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: فَضْلُ الصَّحَابَةِ فِي دَوكِهِم تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَشُغْلِهِمْ عَنْ بشَارَةِ الْفَتْحِ.
الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ لِحُصُولِهَا لِمَنْ لَمْ يَسْعَ لَهَا وَمَنْعِهَا عَمَّنْ سَعَى.
الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ:الأَدَبُ فِي قَوْلِهِ: ((عَلَى رِسْلِكَ)).
الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: الدَّعْوَةُ إِلَى الإِسْلاَمِ قَبْلَ الْقِتَالِ.
السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِمَنْ دُعُوا قَبْلَ ذَلِكَ وَقُوتِلُوا.
السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: الدَّعْوَةُ بِالْحِكْمَةِ لِقَوْلِهِ: ((أَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ)).
الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: الْمَعْرِفَةُ بِحَقِّ اللهِ تَعَالَى فِي الإِسْلاَمِ.
التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: ثَوَابُ مَنِ اهْتَدَى عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ.
الثَّلاَثُونَ: الْحَلِفُ عَلَى الْفُتْيَا.


  #2  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 07:26 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسيرالعزيز الحميد لفضيلة الشيخ:سليمان بن عبدالله

(1) لَمَّا بَيَّنَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ الأَمْرَ الَّذي خُلِقَتْ لهُ الخَلِيقَةُ، وفَضْلَهُ، وهوَ التَّوحيدُ، وذَكَرَ الخَوْفَ مِنْ ضِدِّهِ الَّذي هوَ الشِّرْكُ، وأَنَّهُ يُوجِبُ لصَاحِبِهِ الخُلُودَ في النَّارِ، نَبَّهَ بهَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَلَى أنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا يَظُنُّ الجُهَّالُ ويَقُولُونَ: (اعْمَلْ بالحَقِّ واتْرُكِ النَّاسَ) وَمَا يَعْنِيكَ مِن النَّاسِ، بلْ يَدْعُو إلى اللهِ:
-بالحِكْمَةِ، والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ.
-والمُجَادَلَةِ بِالَّتِي هيَ أَحْسَنُ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ شَأْنَ المُرْسَلِينَ وأَتْبَاعِهِم إلى يَوْمِ الدِّينِ، وَكَمَا جَرَى للمُصَنِّفِ وأَشْبَاهِهِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، والدِّينِ، والصَّبْرِ، واليَقِينِ.
وإِذَا أَرَادَ الدَّعْوَةَ إلى ذَلِكَ:
-فَلْيَبْدَأْ بالدَّعْوَةِ إلى التَّوحيدِ الَّذي هوَ مَعْنَى شَهَادَةِ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؛ إِذْ لاَ تَصِحُّ الأَعْمَالُ إِلاَّ بهِ فهوَ أَصْلُهَا الَّذي تُبْنَى عَلَيْهِ، وَمَتَى لمْ يُوجَدْ لَمْ يَنْفَع العَمَلُ، بلْ هوَ حَابِطٌ؛ إِذْ لاَ تَصِحُّ العِبَادَةُ مَعَ الشِّرْكِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}[التوبة:18].
ولأَِنَّ مَعْرِفَةَ مَعْنَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ هوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى العِبَادِ، فَكَانَ أوَّلَ ما يُبْدَأُ بهِ في الدَّعوَةِ.

(2) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: (يَقُولُ تَعَالَى لرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِرًا لهُ أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ أنَّ هذهِ سَبِيلُهُ؛ أيْ: طَرِيقَتُهُ وسُنَّتُهُ، وهيَ الدَّعْوَةُ إلى شَهَادَةِ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، يَدْعُو إِلَى اللهِ بِهَا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ ويَقِينٍ وبُرْهَانٍ، هوَ وَكُلُّ مَن اتَّبَعَهُ يَدْعُو إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَصِيرَةٍ وبُرْهانٍ عَقْلِيٍّ شَرْعِيٍّ).
وقَوْلُهُ: {سُبْحَانَ اللهِ} أيْ: وأُنَزِّهُ اللهَ وأُجِلُّهُ وأُعَظِّمُهُ مِنْ أنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ ونَدِيدٌ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيراً.
قُلْتُ: فَتَبَيَّنَ وَجْهُ المُطَابَقَةِ بَيْنَ الآيَةِ والتَّرْجَمَةِ.

قِيلَ:
ويَظْهَرُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قولُهُ: {وَمَنِ اتَّبَعَنِي}عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ في {أَدْعُو إِلَى اللهِ} فهوَ دَلِيلٌ عَلَى أنَّ أتْبَاعَهُ هم الدُّعاةُ إلى اللهِ تَعَالَى.

وإِنْ كَانَ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ المُنْفَصِلِ، فهوَ صَرِيحٌ في أَنَّ أَتْبَاعَهُ هم أَهْلُ البَصِيرَةِ فيما جَاءَ بِهِ دُونَ مَنْ عَدَاهُم.

والتَّحْقِيقُ أَنَّ العَطْفَ يَتَضَمَّنُ المَعْنَيَيْنِ، فَأَتْبَاعُهُ همْ أَهْلُ البَصِيرَةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى اللهِ.

وفي الآيَةِ مَسَائِلُ نَبَّهَ عَلَيْهَا المُصَنِّفُ:

منها: (التَّنْبِيهُ عَلَى الإِخْلاَصِ؛ لأَِنَّ كَثِيرًا وَلَوْ دَعَا إلى الحَقِّ فهوَ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ)

ومنها: (أَنَّ البَصِيرَةَ مِن الفَرَائِضِ)

ووَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ اتِّبَاعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واجِبٌ، وَلَيْسَ أَتْبَاعُهُ حقًّا إِلاَّ أَهْلَ البَصِيرَةِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ منهم فَلَيْسَ مِنْ أَتْبَاعِهِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ البَصِيرَةَ مِن الفَرَائِضِ.

ومنها: (أنَّ مِنْ دَلاَئِلِ حُسْنِ التَّوحِيدِ أنَّهُ تَنْزِيهٌ للهِ عزَّ وَجَلَّ عن المَسَبَّةِ)

وَمِنْها: (أَنَّ مِنْ أَقْبَحِ الشِّرْكِ كَوْنَهُ مَسَبَّةً للهِ)

ومِنْهَا: (إِبْعَادُ المُسْلِمِ عن المُشْرِكِينَ لاَ يَصِيرُ مَعَهُم وَلَوْ لَمْ يُشْرِكْ)

وكُلُّ هذهِ الثَّلاَثِ في قَوْلِهِ
: {سُبْحَانَ اللهِ} الآيَةَ.


(3)قولُهُ: (لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ) قَالَ الحَافِظُ: (كَانَ بَعَثَ معاذًا إِلَى اليَمَنِ سَنَةَ عَشْرٍ قَبْلَ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ، يَعْنِي البُخَارِيَّ، في أَوَاخِرِ المَغَازِي).
وقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ في آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ تَبُوكَ. رَوَاهُ الوَاقِدِيُّ بإسْنَادِهِ إِلَى كَعْبِ بنِ مالكٍ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ في (الطَّبَقَاتِ) عنهُ، ثُمَّ حَكَى ابنُ سَعْدٍ: أنَّهُ كانَ في رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ عَشْرٍ.
وقيلَ: بَعَثَهُ عَامَ الفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ.
واتَّفقُوا أنَّهُ لمْ يَزَلْ عَلَى اليَمَنِ إلى أَنْ قَدِمَ في عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ تَوَجَّهَ إلى الشَّامِ فَمَاتَ بِهَا.
واخْتُلِفَ هلْ كَانَ مُعَاذٌ والِيًا أَوْ قَاضِيًا، فَجَزَمَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ بالثَّانِي، والغَسَّانِيُّ بالأَوَّلِ.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أنَّهُ كَانَ وَالِيًا قَاضِيًا.
قَوْلُهُ: (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ كِتَابٍ) قَالَ القُرْطُبِيُّ: (يَعْنِي بِهِ اليَهُودَ والنَّصَارَى؛ لأَِنَّهُم كَانُوا في اليَمَنِ أَكْثَرَ مِنْ مُشْرِكِي العَرَبِ أوْ أَغْلَبَ).
وَإِنَّمَا نَبَّهَه عَلَى هَذَا؛ ليَتَهَيَّأَ لمُنَاظَرَتِهِم، ويُعِدَّ الأَدِلَّةَ لامْتِحَانِهِم؛ لأَِنَّهُم أَهْلُ عِلْمٍ سَابِقٍ، بِخِلاَفِ المُشْرِكِينَ وَعَبَدةِ الأَوْثَانِ.
وَقَالَ الحَافِظُ: (هوَ كَالتَّوْطِئَةِ للوَصِيَّةِ؛ ليَجْمَعَ هِمَّتَهُ عَلَيْهَا) ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَى كَلاَمِ القُرْطُبِيِّ.
قُلْتُ: وفيهِ: أَنَّ مُخَاطَبَةَ العَالِمِ لَيْسَتْ كمُخَاطَبَةِ الجَاهِلِ.
-والتَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي للإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ في دِينِهِ؛ لِئَلاَّ يُبْتَلَى بِمَنْ يُورِدُ عَلَيْهِ شُبْهَةً مِنْ عُلَمَاءِ المُشْرِكِينَ.
فَفِيهِ: التَّنْبِيهُ عَلَى الاحْتِرَازِ مِن الشُّبَهِ، والحِرْصُ عَلَى طَلَبِ العِلْمِ.
قولُهُ: (فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُم إِلَيْهِ شَهَادَةُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) يَجُوزُ رَفْعُ ((أَوَّلَ)) مَعَ نَصْبِ ((شَهَادَةُ)) وبالعَكْسِ.
قولُهُ: (وفي رِوَايَةٍ: ((إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ))) هذهِ الرِّوايَةُ في التَّوحيدِ مِنْ (صَحِيحِ البُخَارِيِّ).
وفي بَعْضِ الرِّواياتِ: ((فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ)).
وفي بعضِهَا: ((وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)).
وأَكْثَرُ الرِّواياتِ فيها ذِكْرُ الدَّعْوةِ إلى الشَّهَادَتَيْنِ.
وَأَشَارَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بإِيرَادِ هذهِ الرِّوايَةِ إلى التَّنْبِيهِ عَلَى مَعْنَى شَهَادَةِ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؛ إِذْ مَعْنَاهَا تَوْحِيدُ اللهِ بالعِبَادَةِ، وتَرْكُ عِبَادَةِ ما سِوَاهُ؛ فَلِذَلِكَ جَاءَ الحَدِيثُ:
-مَرَّةً بلَفْظِ ((شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)).
-وَمَرَّةً ((إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ)).
-ومرَّةً ((فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ)) وذلكَ هوَ الكُفْرُ بالطَّاغوتِ، والإِيمَانُ باللهِ الَّذي قَالَ اللهُ فيهِ: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا}[البقرة: 256].
ومَعْنَى الكُفْرِ بالطَّاغوتِ:
هوَ خَلْعُ الأنْدَادِ والآلِهَةِ الَّتي تُدْعَى مِنْ دونِ اللهِ مِن القَلْبِ، وتَرْكُ الشِّرْكِ بها رَأْسًا، وبُغْضُهُ وعَدَاوتُهُ.
ومَعْنَى الإِيمَانِ باللهِ: هوَ إِفْرَادُهُ بالعِبَادَةِ التي تَتَضَمَّنُ غَايَةَ الحُبِّ بِغَايَةِ الذُّلِّ والانْقِيَادِ لأَِمْرِهِ، وَهَذَا هوَ الإِيمَانُ باللهِ المُسْتَلْزِمُ للإِيمَانِ بالرُّسُلِ عَلَيهِم السَّلامُ، المُسْتَلْزِمُ لإخْلاَصِ العِبَادَةِ للهِ تَعَالَى، وذلكَ هوَ تَوْحيدُ اللهِ تَعَالَى ودِينُهُ الحَقُّ المُسْتَلْزِمُ للعِلْمِ النَّافعِ والعَمَلِ الصَّالِحِ:
-وهوَ حَقِيقَةُ شَهَادَةِ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
-وحَقِيقَةُ المَعْرِفَةِ باللهِ.
-وحَقِيقَةُ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ.
فَلِلَّهِ مَا أَفْقَهَ مَنْ رَوَى هذا الحديثَ بهذهِ الأَلْفَاظِ المُخْتَلِفَةِ لَفْظًا المتَّفِقَةِ مَعْنًى، فَعَرَفُوا أَنَّ المُرَادَ مِنْ شَهَادَةِ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ هوَ الإِقْرَارُ بِهَا عِلْمًا، ونُطْقًا، وعَمَلاً، خِلاَفًا لِمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الجُهَّالِ أَنَّ المُرَادَ مِنْ هذهِ الكَلِمَةِ هوَ مُجَرَّدُ النُّطْقِ بِهَا، أو الإِقْرَارُ بوُجُودِ اللهِ، أوْ مُلْكِهِ لكُلِّ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ؛ فَإِنَّ هَذَا القَدْرَ قدْ عَرَفَهُ عُبَّادُ الأَوْثَانِ وأَقَرُّوا بهِ، فَضْلاً عنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَلَوْ كَانَ كذلِكَ لَمْ يَحْتَاجُوا إلى الدَّعْوَةِ إليهِ.
وفيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أنَّ التَّوحيدَ الَّذي هوَ إِخْلاَصُ العِبَادَةِ للهِ وحدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وتَرْكُ عِبَادَةِ ما سِوَاهُ هوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ؛ فَلِهَذَا كَانَ أوَّلَ مَا دَعَتْ إليهِ الرُّسلُ عليهِم السَّلاَمُ كمَا قالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25]. وَقَالَ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36].
قَال َشَيْخُ الإِسْلاَمِ رَحِمَهُ اللهُ: (وَقَدْ عُلِمَ بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتَّفَقَتْ عليهِ الأُمَّةُ أَنَّ أَصْلَ الإِسْلاَمِ، وأوَّلَ ما يُؤْمَرُ بهِ الخَلْقُ، شَهَادَةُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فبذلكَ يَصِيرُ الكَافِرُ مُسْلِمًا، والعَدُوُّ وليًّا، والمُبَاحُ دَمُهُ ومالُهُ مَعْصُومَ الدَّمِ والمَالِ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِهِ فَقَدْ دَخَلَ في الإِيمَانِ، وإنْ قَالَهُ بِلِسَانِهِ دونَ قَلْبِهِ فهوَ في ظَاهِرِ الإِسْلاَمِ دونَ باطِنِ الإِيمَانِ).
وفيهِ: البَدَاءةُ في الدَّعْوَةِ والتَّعليمِ بالأَهَمِّ فالأَهَمِّ.
واسْتَدَلَّ بهِ مَنْ قَالَ مِن العُلَمَاءِ: إنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الإِسْلاَمِ النُّطْقُ بالتَّبَرِّي مِنْ كُلِّ دينٍ يُخَالِفُ دِينَ الإِسْلاَمِ؛ لأَِنَّ اعْتِقَادَ الشَّهَادَتَيْنِ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، وفي ذلكَ تَفْصِيلٌ.
وفيهِ: أنَّهُ لاَ يُحْكَمُ بإِسْلاَمِ الكَافِرِ إِلاَّ بالنُّطْقِ بالشَّهَادَتَيْنِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ: (فأَمَّا الشَّهَادَتَانِ إِذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بهِمَا مَعَ القُدْرَةِ فهوَ كَافِرٌ باتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ، وهوَ كَافِرٌ باطِنًا وظَاهِرًا عِنْدَ سَلَفِ الأُمَّةِ وأَئِمَّتِهَا وَجَمَاهِيرِ عُلَمَائِها).
قُلْتُ: هَذَا واللهُ أَعْلَمُ فيمَنْ لاَ يُقِرُّ بِهِمَا أوْ بإِحْدَاهُمَا، أَمَّا مَنْ كَفَّرَهُ مَعَ الإِقْرَارِ بِهِمَا ففيهِ بَحْثٌ، والظَّاهِرُ أنَّ إِسْلاَمَهُ هوَ تَوْبَتُهُ عَمَّا كُفِّرَ بهِ.
وفيهِ: أنَّ الإِنْسانَ قَدْ يَكُونُ قَارِئًا عَالِمًا وهوَ لاَ يَعْرِفُ مَعْنَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، أوْ يَعْرِفُهُ ولاَ يَعْمَلُ بهِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ المُصَنِّفُ.
وقَالَ بَعْضُهُم: (هذا الَّذي أَمَرَ بهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا، هوَ الدَّعْوَةُ قَبْلَ القتالِ الَّتي كَانَ يُوصِي بها النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَرَاءهُ).
قُلْتُ: فَعَلَى هذا؛ فيهِ اسْتِحْبَابُ الدَّعْوةِ قبلَ القِتَالِ لِمَنْ بلَغَتْهُ الدَّعوةُ، أمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ فَتَجِبُ دَعْوتُهُ.
قولُهُ: (فإنْ هم أَطَاعُوكَ لذلكَ) أيْ: شَهِدُوا وانْقَادُوا لذلِكَ.
قولُهُ: (فأَعْلِمْهُم أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِم خَمْسَ صَلَوَاتٍ) فيهِ: أنَّ الصَّلاَةَ بَعْدَ التَّوحيدِ والإِقْرَارِ بالرِّسَالَةِ أَعْظَمُ الوَاجِبَاتِ وأَحَبُّهَا.
واسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أنَّ الكفَّارَ غيرُ مُخَاطَبِينَ بالفُرُوعِ؛ حَيْثُ دَعَاهُم أوَّلاً إلى التَّوحيدِ فَقَطْ، ثُمَّ دُعُوا إلى العَمَلِ، ورَتَّبَ ذلكَ عَلَيْهَا بالفاءِ.
وأيضًا فإنَّ قولَهُ: ((فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ)) يُفْهَمُ منهُ أنَّهُم لَوْ لَمْ يُطِيعُوا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِم شَيْءٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: (وهَذَا الاسْتِدلاَلُ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ المُرَادَ: أَعْلِمْهُم بأنَّهُم مُطَالَبُونَ بالصَّلَوَاتِ وغيرِهَا في الدُّنيَا، والمُطَالَبَةُ في الدُّنيَا لا تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ ذلكَ أنْ لاَ يَكُونُوا مُخَاطَبِينَ بها، ويُزَادُ في عَذَابِهِم بِسَبَبِهَا في الآخِرَةِ، قالَ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ المُخْتَارَ أنَّ الكفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ المَأْمُورِ بِهَا والمَنْهِيِّ عَنْهَا، هَذَا قَوْلُ المُحَقِّقِينَ والأَكْثَرِينَ).
قُلْتُ: ويَدُلُّ عَلَيْهِ قولُهُ تعالَى: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}[المُدَّثِّر:43-48] الآياتِ.
وفيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الوِتْرَ لَيْسَ بِفَرْضٍ؛إذْ لوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ صَلاَةً سَادِسَةً، لاَ سِيَّمَا وهذا في آخِرِ الأَمْرِ.
قولُهُ: (فإنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ) أيْ: آمَنُوا بأَنَّ اللهَ افْتَرَضَهَا عَلَيْهِمْ، وفَعلُوهَا.
قولُهُ: (فأعْلِمْهُم أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عليهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهِم فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم):
فيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أنَّ الزَّكاةَ أَوْجَبُ الأرْكَانِ بعدَ الصَّلاةِ، وأنَّهَا تُؤخَذُ من الأغنياءِ، وتُصْرَفُ إلى الفُقَرَاءِ. وإنَّما خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفُقَرَاءَ بالذِّكْرِمَعَ أنَّهَا تُدْفَعُ إلى المُجَاهِدِ والعَامِلِ ونحْوِهِمَا وإنْ كانُوا أَغْنِياءَ؛ لأَِنَّ الفُقَراءَ -واللهُ أَعْلَمُ- همْ أَكْثَرُ مَنْ تُدْفَعُ إليهم، أوْ لأنَّ حقَّهُم آكَدُ.
وفيهِ: أَنَّ الإِمَامَ هوَ الَّذي يَتَولَّى قَبْضَ الزَّكَاةِ وصَرْفَهَا؛إمَّا بنَفْسِهِ أوْ نَائِبِهِ، فمَن امْتَنَعَ عنْ أدائِها إليهِ أُخِذَتْ منهُ قَهْرًا.
قيلَ: وفيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أنَّهُ يَكْفِي إِخْرَاجُ الزَّكاةِ في صِنْفٍ واحدٍ كمَا هوَ مَذْهَبُ مالكٍ وأحمدَ.
وعَلَى ما تَقَدَّمَ؛ لاَ يَكُونُ فيهِ دَلِيلٌ.
وفيهِ: أنَّهُ لاَ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلى غَنِيٍّ ولاَ كَافِرٍ، وأَنَّ الفَقِيرَ لا زَكَاةَ عليهِ، وأنَّ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا لاَ يُعْطَى مِن الزَّكاةِ مِنْ حيثُ إنَّهُ جَعَلَ المَأْخُوذَ منهُ غَنِيًّا وقَابَلَهُ بالفَقِيرِ.
ومَنْ مَلَكَ النِّصَابَ فالزَّكاةُ مَأْخُوذَةٌ منهُ فهوَ غَنِيٌّ، والغِنىَ مانعٌ منْ إِعْطَاءِ الزَّكاةِ إِلاَّ مَن اسْتُثْنِيَ، وأنَّ الزَّكاةَ واجِبَةٌ في مَالِ الصَّبِيِّ والمَجْنونِ، كمَا هوَ قولُ الجُمْهورِ لِعُمُومِ قولِهِ: ((مِنْ أَغْنِيَائِهِم)).


  #3  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 07:30 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع) تيسيرالعزيز الحميد لفضيلة الشيخ:سليمان بن عبدالله

قولُهُ: (فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِم) هوَ بنَصْبِ ((كَرَائِمَ)) عَلَى التَّحْذِيرِ، والكَرَائِمُ جَمْعُ كَرِيمَةٍ؛ أيْ: نَفِيسَةٍ.
قالَ صَاحِبُ (المَطَالِعِ): (وهيَ جَامِعَةُ الكَمَالِ المُمْكِنِ في حقِّها؛ منْ غَزَارَةِ لَبَنٍ، وجَمَالِ صُورَةٍ، أوْ كَثْرَةِ لَحْمٍ وَصُوفٍ)، ذَكَرَهُ النَّوويُّ.
وفيهِ: أنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى العاملِ أَخْذُ كَرَائِمِ المالِ في الزَّكاةِ،بلْ يَأْخُذُ الوَسَطَ، ويَحْرُمُ عَلَى صاحبِ المالِ إِخْراجُ شَرِّ المالِ، بلْ يُخْرِجُ الوَسَطَ.
فإنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بإِخْرَاجِ الكَرِيمَةِ جازَ.
قولُهُ: (واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ) أي: احْذَرْ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، واجْعَلْ بَيْنَكَ وبينَهَا وِقَايَةً بفِعْلِ العَدْلِ وتَرْكِ الظُّلمِ؛ لِئَلاَّ يَدْعُوَ عليكَ المَظْلُومُ.
وفيهِ: تَنْبِيهٌ عَلَى المَنْعِ مِنْ جَمِيعِ أَنْواعِ الظُّلْمِ.
والنُّكْتَةُ في ذِكْرِهِ عَقِبَ المَنْعِ مِنْ أَخْذِ الكرائمِ إشارةٌ إلى أنَّ أخْذَهَا ظُلْمٌ، ذَكَرَهُ الحافظُ.
قولُهُ: (فإنَّهُ - أي: الشَّأنَ - ليسَ بينَها وبينَ اللهِ حِجَابٌ) أيْ: لا تُحْجَبُ عن اللهِ تَعَالَى، بلْ تُرْفَعُ إليهِ فيَقْبَلُهَا وإِنْ كَانَ عَاصِيًا، كَمَا في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عندَ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا: ((دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا؛ فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ))وإسنادُهُ حَسَنٌ، قالَهُ الحافظُ.
وقالَ أَبُو بَكْرِ بنُ الْعَرَبِيِّ: (هذا وإنْ كانَ مُطْلقًا، فهوَ مُقَيَّدٌ بالحَدِيثِ الآخَرِ أنَّ الدَّاعِيَ عَلَى ثَلاَثِ مَرَاتِبَ:
-إمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لهُ ما طَلَبَ.
-وإمَّا أنْ يُدَّخَرَ لهُ أَفْضَلُ منهُ.
-وإمَّا أنْ يُدْفَعَ عنهُ مِن السُّوءِ مِثْلُهُ.
وهذا كمَا قَيَّدَ مُطْلَقَ قولِهِ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}[النمل:62] بقولِهِ تعالى: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}[الأنعام:41]).
وفي الحديثِ أيضًا: قَبُولُ خَبَرِ الوَاحِدِ العَدْلِ، ووُجُوبُ العَمَلِ بهِ،وأَنَّ الإمامَ يَبْعَثُ العُمَّالَ لجِبَايَةِ الزَّكاةِ، وأنَّهُ يَعِظُ عُمَّالَهُ ووُلاَتَهُ، ويأمُرُهُم بتَقْوَى اللهِ، ويُعَلِّمُهُم ما يَحْتَاجُونَ إليهِ، ويَنْهَاهُم عن الظُّلمِ، ويُعَرِّفُهُم قُبْحَ عَاقِبَتِهِ،(والتَّنْبِيهُ عَلَى التَّعليمِ بالتَّدْرِيجِ) ذكَرَهُ المصنِّفُ.
واعْلَمْ أنَّهُ لمْ يَذكُرْ في هذا الحديثِ ونحوِهِ الصَّومَ والحَجَّ،معَ أنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ كانَ في آخِرِ الأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَأَشْكَلَ ذلكَ عَلَى كَثِيرٍ مِن العُلَمَاءِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ: (أَجَابَ بَعْضُ النَّاسِ أنَّ الرُّواةَ اخْتَصَرَ بعضُهُم الحَدِيثَ، ولَيْسَ الأَمْرُ كذلِكَ، فإنَّ هذا طَعْنٌ في الرُّوَاةِ؛ لأَِنَّ هَذَا إنَّما يَقَعُ في الحَدِيثِ الوَاحِدِ مِثْلَ حديثِ عبدِ القَيْسِ حيثُ ذكَرَ بعضُهُم الصِّيامَ وبعضُهُم لمْ يذكُرْهُ.
فأمَّا الحديثانِ المُنْفَصِلانِ، فليسَ الأمرُ فيهما كذلِكَ، ولكنْ عنْ هذا جوابانِ:
أحدُهُما: أنَّ ذلكَ بحَسَبِ نُزُولِ الفَرَائِضِ، وأوَّلُ ما فَرَضَ اللهُ الشَّهادَتَانِ ثُمَّ الصَّلاةُ، فإنَّهُ أَمَرَ بالصَّلاةِ في أوَّلِ أوقاتِ الوَحْيِ؛ ولهذا لَمْ يَذْكُرْ وجوبَ الحَجِّ في عَامَّةِ الأحاديثِ، إنَّما جاءَ في الأحاديثِ المُتَأخِّرَةِ.
قُلْتُ: وهذا من الأحاديثِ المُتَأخِّرةِ، ولمْ يَذْكُرْ فيها الجَوَابَ.

الثَّاني: أنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ في كلِّ مَقَامٍ ما يُنَاسِبُهُ، فيَذْكُرُ تارةً الفَرَائِضَ التي يُقاتَلُ عليها كالصَّلاَةِ والزَّكاةِ، ويَذْكُرُ تارةً الصَّلاةَ والصِّيامَ إنْ لمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، ويَذْكُرُ تارةً الصَّلاةَ والزَّكاةَ والصِّيامَ.فإمَّا أَنْ يَكُونَ قبلَ فَرْضِ الحَجِّ كمَا في حديثِ عبدِ القيسِ ونحوِهِ، وإمَّا أنْ يكونَ المُخَاطَبُ بذلكَ لا حَجَّ عليهِ.
وأمَّا الصَّلاةُ والزَّكاةُ، فلَهُمَا شَأْنٌ ليسَ لسائرِ الفرائضِ؛ ولهذا ذَكَرَ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ الِقتَالَ عليهما؛ لأنَّهُمَا عِبَادَتَانِ ظاهرتانِ، بخلافِ الصَّومِ فإنَّهُ أمرٌ باطنٌ، وهوَ ما ائْتَمَنَ عليهِ النَّاسَ، فهوَ منْ جِنْسِ الوُضُوءِ والاغْتِسَالِ من الجَنَابَةِ ونحوِ ذلكَ مِمَّا يُؤْتَمَنُ عليهِ العَبْدُ؛ فإنَّ الإنسانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لاَ يَنْوِيَ الصَّوْمَ وأَنْ يَأْكُلَ سِرًّا، كمَا يُمْكِنُهُ أن يَكْتُمَ حَدَثَهُ وجَنَابَتَهُ، بخلافِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ في الإِعْلاَمِ الأعمالَ الظَّاهِرَةَ التي يُقَاتَلُ النَّاسُ عليها، ويَصِيرُونَ مسلمينَ بفعلِهَا؛ فلهذا علَّقَ ذلكَ بالصَّلاةِ والزَّكاةِ دونَ الصِّيامِ، وإنْ كَانَ وَاجِبًا كمَا في آيَتَيْ (بَرَاءةٌ)؛ فإنَّ (بَرَاءةٌ) نَزَلَتْ بعدَ فَرْضِ الصِّيامِ باتِّفَاقِ النَّاسِ.
وكذلِكَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ إلى اليمنِ لمْ يَذْكُرْ في حَدِيثِهِ الصِّيامَ؛ لأِنَّهُ تَبَعٌ وهوَ باطِنٌ، ولا ذَكَرَ الحَجَّ؛ لأَِنَّ وجوبَهُ خاصٌّ ليسَ بعامٍّ، وهوَ لا يَجِبُ في العُمْرِ إِلاَّ مَرَّةً واحِدَةً) انْتَهَى مُلَخَّصًا بِمَعْنَاهُ.
قولُهُ: (أَخْرَجَاهُ) أيْ: أَخْرَجَهُ البُخاريُّ ومسلمٌ في (الصَّحيحيْنِ) وأخرجَهُ أيضًا أحمدُ وأبو داودَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابنُ ماجَهْ.

(4) قالَ شيخُ الإسلامِ: (هذا الحديثُ أَصَحُّ ما رُوِيَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِن الفَضَائِلِ، أَخْرَجاهُ في (الصَّحيحَيْنِ) منْ غيرِ وجْهٍ).
قولُهُ: (عنْ سَهْلٍ) هوَ سهلُ بنُ سعدِ بنِ مالكِ بنِ خالدٍ الأنصاريُّ الخَزْرَجِيُّ السَّاعديُّ أبو العبَّاسِ، صحابيٌّ شهيرٌ، وأبوهُ صحابيٌّ أيضًا. ماتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وثَمَانِينَ وقدْ جَاوَزَ المِائَةَ.
قولُهُ: (قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ) أيْ: في غَزْوَةِ خَيْبَرَ.
في (الصَّحيحَيْنِ)، واللَّفْظُ لمسلمٍ: عنْ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ قالَ: (كانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ تَخَلَّفَ عَن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ، وَكانَ رَمِدًا، فَقالَ: أَنَا تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلَمَّا كانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَبَاحِهَا قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((لأَُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ - أَوْ لَيَأْخُذَنَّ بِالرَّايَةِ - غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ))، أَوْ قالَ: ((يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ)).
فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقالُوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ).
وهذا يُبَيِّنُ أنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لمْ يَشْهَدْ أوَّلَ خَيْبَرَ، وأنَّهُ عليهِ السَّلامُ قالَ هذهِ المَقَالةَ مَسَاءَ اللَّيْلَةِ التي فَتَحَهَا اللهُ في صَبَاحِهَا.
قولُهُ: (لأَُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ) قالَ الحافظُ في روايَةِ بُرَيْدةَ: ((إِنِّي دَافِعٌ اللِّوَاءَ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ))والرَّايَةُ: بمعنى اللِّوَاءِ، وهوَ: العَلَمُ الَّذي يُحْمَلُ في الحَرْبِ، يُعْرَفُ بهِ مَوْضِعُ صَاحِبِ الجَيْشِ، وقدْ يَحْمِلُهُ أَمِيرُ الجَيْشِ، وَقَد يَدْفَعُهُ لمُقَدَّمِ العَسْكَرِ.
وقدْ صرَّحَ جماعةٌ منْ أهلِ اللُّغةِ بتَرَادُفِهما، لكنْ رَوَى أحمدُ والتِّرْمِذيُّ منْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ: (كانَتْ رايَةُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ، ولِوَاؤُهُ أَبْيَضَ).
ومِثْلُهُ عندَ الطَّبَرانيِّ عنْ بُرَيْدَةَ، وعندَ ابنِ عَدِيٍّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، وزَادَ: (مَكْتُوبٌ فيهِ: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللهُ، مُحَمَّدٌ رسولُ اللهِ).
وهوَ ظَاهِرٌ في التَّغَايُرِ، فلَعَلَّ التَّفْرِقَةَ بينَهما عُرْفيَّةٌ.
قولُهُ: (يُحِبُّ اللهَ ورسُولَهُ، ويُحِبُّهُ اللهُ ورسُولُهُ) فيهِ فضيلةٌ عظيمةٌ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ لهُ بذلكَ، ولكنْ لَيْسَ هذا مِنْ خَصَائِصِهِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: (ليسَ هذا الوَصْفُ مُخْتَصًّا بعلِيٍّ ولا بالأَئِمَّةِ؛ فإنَّ اللهَ ورَسُولَهُ يُحِبُّ كلَّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ يُحِبُّ اللهَ ورسُولَهُ.لكنَّ هذا الحديثَ مِنْ أَحْسَنِ ما يُحْتَجُّ بهِ عَلَى النَّواصِبِ الَّذينَ يَتَبَرَّءُونَ منهُ ولا يَتَوَلَّوْنَهُ، بلْ لقدْ يُكَفِّرونَهُ أوْ يُفَسِّقُونَهُ، كالخَوَارِجِ.لكنَّ هذا الاحْتِجَاجَ لا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ الرَّافِضَةِ الَّذينَ يَجْعَلُونَ النُّصُوصَ الدَّالَّةَ عَلَى فَضَائِلِ الصَّحابةِ كانَتْ قبلَ رِدَّتِهِم؛ فإنَّ الخَوَارِجَ تَقُولُ في عَلِيٍّ مِثْلَ ذلكَ. لكنَّ هذا باطِلٌ؛ فإنَّ اللهَ ورَسُولَهُ لا يُطْلِقُ مثلَ هذا المَدْحِ عَلَى مَنْ يُعْلَمُ أنَّهُ يَمُوتُ كافرًا.وفيهِ: إثباتُ صِفَةِ المَحَبَّةِ للهِ.وفيهِ: إِشَارَةٌ إلى أنَّ عَلِيًّا تَامُّ الاتِّباعِ لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى أَحَبَّهُ اللهُ؛ ولهذا كانَتْ محبَّتُهُ عَلاَمَةَ الإيمانِ، وبُغْضُهُ علامةَ النِّفاقِ) ذكَرَهُ الحافظُ بِمَعْنَاهُ.
قولُهُ: (يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ) صَرِيحٌ في البِشَارَةِ بحُصُولِ الفَتْحِ عَلَى يَدَيْهِ، فَكَانَ الأمرُ كذلِكَ، ففيهِ دَلِيلٌ عَلَى شَهَادَةِ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
قولُهُ: (فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ ليلتَهُم) هوَ بنَصْبِ (لَيْلَتَهُمْ) عَلَى الظَّرفيَّةِ.و(يَدُوكُونَ) قالَ المصنِّفُ: يخوضُونَ.
والمُرَادُ أنَّهُم باتُوا تلكَ الليلةَ في خَوْضٍ واختلافٍ فيمَنْ يَدْفَعُهَا إليهِ.
وفيهِ: حِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى الخَيْرِ ومَزِيدُ اهْتِمَامِهِم بهِ،وذلكَ يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ مَرَاتبِهِم في العِلْمِ والإيمانِ.
قولُهُ: (أيُّهُم يُعْطَاهَا) فهوَ بِرَفْعِ (أَيُّ) عَلَى البِنَاءِ.
قولُهُ: (فلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهم يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا) وفي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عندَ مسلمٍ: أنَّ عُمَرَ قالَ: (ما أَحْبَبْتُ الإمارةَ إِلاَّ يَوْمَئذٍ).
فإنْ قُلْتَ: إنْ كانَتْ هذهِ الفَضِيلَةُ لعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ليْسَتْ مِنْ خَصَائِصِهِ؛ فَلِمَاذَا تَمَنَّى بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يَكُونَ لهُ ذلكَ؟
قيلَ: الجَوَابُ كَمَا قالَ شيخُ الإسلامِ: (إِنَّ في ذلكَ شَهَادَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَلِيٍّ بإيمانِهِ باطِنًا وظَاهِرًا، وإِثْبَاتًا لمُوَالاَتِهِ للهِ ورسُولِهِ، ووجُوبِ مُوَالاَةِ المُؤْمِنينَ لَهُ.وإذا شَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمُعَيَّنٍ بِشَهَادَةٍ أوْ دَعَا لهُ بدعاءٍ أَحَبَّ كثيرٌ مِن النَّاسِ أنْ يَكُونَ لهُ مِثْلُ تلكَ الشَّهَادَةِ، ومثلُ ذلكَ الدُّعاءِ، وإنْ كانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدُ بِذَلِكَ لِخَلْقٍ كَثِيرٍ ويَدْعُو بهِ لخَلْقٍ كَثِيرٍ، وَكَانَ تَعْيينُهُ لذلكَ المُعَيَّنِ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ ومَنَاقِبِهِ، وهذا كالشَّهَادَةِ بالجنَّةِ لثَابِتِ بنِ قَيْسٍ وعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ وغَيْرِهِما، وإنْ كانَ قدْ شَهِدَ بالجنَّةِ لآخَرِينَ، والشَّهَادَةِ بمَحَبَّةِ اللهِ ورَسُولِهِ للَّذي ضُرِبَ في الخَمْرِ).
قُلْتُ: وفي هَذِهِ الجُمْلَةِ أيضًا حِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى الخَيْرِ.
قولُهُ: (فَقَالَ: ((أينَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ؟))) قَالَ بَعْضُهُم: كَأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَبْعَدَ غَيْبَتَهُ عنْ حَضْرَتِهِ في مثلِ ذلكَ الموطنِ، لا سِيَّمَا وقدْ قالَ: ((لأَُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ)) إلى آخرِهِ.
وقدْ حَضَرَ النَّاسُ وكلُّهم طَمِعَ بأنْ يكونَ هوَ الَّذي يَفُوزُ بذلكَ الوَعْدِ.
وفيهِ: سُؤَالُ الإِمَامِ عنْ رَعِيَّتِهِ، وتَفَقُّدُهُ أَحْوَالَهُم، وسُؤَالُهُ عنهم في مَجَامِعِ الخَيْرِ.
قولُهُ: (فَقِيلَ لَهُ: هوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ) أيْ: من الرَّمَدِ كمَا في (صَحِيحِ مسلمٍ) عنْ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ فقالَ: ((ادْعُوا لِي عَلِيًّا)) فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ.
قولُهُ: (قالَ: فأَرْسِلُوا إليهِ) بهمزةِ قَطْعٍ، أَمْرٌ من الإِرْسَالِ، أَمَرَهُمْ بأنْ يُرْسِلُوا إليهِ فَيَدْعُوَهُ لهُ.
ولمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ عنْ أبيهِ قالَ: (فَأَرْسَلَنِي إلى عَلِيٍّ، فَجِئْتُ بهِ أَقُودُهُ أَرْمَدَ، فبَصَقَ في عَيْنَيْهِ فبَرَأَ).
قولُهُ: (فبَصَقَ) بفَتْحِ الصَّادِ؛ أيْ: تَفَلَ.
(ودَعَا لهُ فبَرَأَ) وهوَ بفتحِ الرَّاءِ والهمزةِ، بِوَزْنِ ضَرَبَ، ويَجُوزُ الكَسْرُ بوَزْنِ عَلِمَ؛ أيْ: عُوفِيَ في الحَالِ عَافِيَةً كَامِلَةً، كَأَنْ لمْ يَكُنْ بهِ وَجَعٌ منْ رَمَدٍ ولا ضَعْفِ بَصَرٍ أَصْلاً.
وعندَ الطَّبرانيِّ مِنْ حديثِ عليٍّ: (فما رمِدْتُ ولاَ صُدِعْتُ منذُ دَفَعَ إليَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ).
وفيهِ: دَلِيلٌ عَلَى الشَّهادتيْنِ.
قولُهُ: (فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ)
قالَ المصنِّفُ: فيهِ الإيمانُ بالقَدَرِ لحُصُولِهَا لِمَنْ لمْ يَسْعَ، ومَنْعِهَا عَمَّنْ سَعَى، وفيهِ التَّوكُّلُ عَلَى اللهِ، والإقْبَالُ بالقَلْبِ إليهِ، وعَدَمُ الالْتِفَاتِ إلى الأَسْبَابِ، وأَنَّ فِعْلَها لاَ يُنَافِي التَّوكُّلَ.
قولُهُ: (وقالَ: ((انفُذْ عَلَى رِسْلِكَ))) أمَّا ((انفُذْ)) فهوَ بِضَمِّ الفاءِ؛ أي: امْضِ لوَجْهِكَ.و((رِسْلِكَ)) بِكَسْرِ الرَّاءِ وسُكُونِ السِّينِ؛ أيْ: عَلَى رِفْقِكَ وَلِينِكَ مِنْ غَيْرِ عَجَلَةٍ، يُقَالُ لمَنْ يَعْمَلُ الشَّيْءَ بِرِفْقٍ.
وساحَتُهم: فِنَاءُ أَرْضِهِم، وهوَ حَوَالَيْهَا.
وفيهِ: الأَدَبُ عندَ القِتَالِ،وتَرْكُ الطَّيْشِ والأَصْوَاتِ المُزْعِجَةِ التي لاَ حَاجَةَ إليها.
وفيهِ: أَمْرُ الإِمَامِ عُمَّالَهُ بالرِّفْقِ واللِّينِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ ولا انْتِقَاضِ عَزِيمَةٍ،كمَا يُشيرُ إِلَيْهِ قولُهُ: ((حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ)).
قولُهُ: (ثُمَّ ادْعُهُم إِلَى الإِسْلاَمِ) أي: الَّذي هوَ مَعْنَى شَهَادَةِ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
ومِنْ هذا الوَجْهِ طَابَقَ الحديثُ التَّرْجَمَةَ.
وفي حديثِ أبي هريرةَ عندَ مسلمٍ: (فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ وَقالَ: ((امْشِ وَلاَ تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ))، فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ، فَصَرَخَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟
فَقالَ: ((قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ؛ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ)).
وفيهِ: أنَّ الدَّعْوةَ إلى شَهَادَةِ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، المُرَادُ بِهَا الدَّعْوَةُ إلى الإِخْلاَصِ بهَا وتَرْكِ الشِّرْكِ، وإِلاَّ فاليَهودُ يَقُولُونَهَا، ولمْ يُفَرِّق النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدَّعْوَةِ إليها بينَهُم وبينَ مَنْ لاَ يقولُهَا مِنْ مُشْرِكِي العَرَبِ، فعُلِمَ أَنَّ المُرَادَ منْ هذهِ الكَلِمَةِ هوَ اللَّفْظُ بهَا، واعْتِقَادُ مَعْنَاهَا، والعَمَلُ بهِ، وذلكَ هوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمرانَ:64]، وقولِهِ: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلاَ أُشْرِكَ بهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ}[الرعد:36]، وذلكَ هوَ معنَى قولِهِ: ((ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ)) الَّذي هوَ الاسْتِسلاَمُ للهِ تَعَالَى، والانْقِيَادُ لهُ بفِعْلِ التَّوْحيدِ وتَرْكِ الشِّرْكِ.
وفيهِ: مَشْرُوعيَّةُ الدَّعوةِ قبلَ القتالِ، لكنْ إنْ كانُوا قدْ بَلَغَتْهُم الدَّعوةُ جازَ قِتَالُهُم ابتداءً؛لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أغارَ عَلَى بني المُصْطَلِقِ وهمْ غَارُّونَ.
وتُسْتَحَبُّ دَعْوتُهُم؛ لهذا الحَدِيثِ وما في مَعْنَاهُ، وإنْ كانُوا لمْ تَبْلُغْهُمْ وجبَتْ دَعْوَتُهُمْ.
وقولُهُ: (وأَخْبِرْهُم بما يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالَى فيهِم) أيْ: في الإِسْلاَمِ؛ أيْ: إِذَا أَجَابُوا إلى الإسلامِ فَأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهِم مِنْ حُقُوقِهِ التي لاَ بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا، كالصَّلاةِ والزَّكاةِ، وهذا كقولِهِ في حديثِ أبي هريرةَ: ((فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا)).
وقدْ فسَّرَهُ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ لعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما لَمَّا قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ الَّذينَ يَشْهدُونَ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
فَقَالَ لهُ عُمَرُ: (كيفَ نُقَاتِلُ النَّاسَ وقدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا))؟
قالَ أبو بكرٍ: فإنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المالِ، واللهِ لوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَها إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقَاتَلْتُهُم عَلَى مَنْعِهَا).
وحَاصِلُهُ أنَّهُم إِذَا أَجَابُوا إِلَى الإِسْلاَمِ الَّذي هوَ التَّوحيدُ فأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عَلَيْهِم بعدَ ذلكَ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالَى في الإِسْلاَمِ مِن الصَّلاَةِ والزَّكَاةِ والصِّيامِ والحَجِّ وغيرِ ذلكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ الظَّاهِرَةِ وحُقُوقِهِ، فإنْ أَجَابُوا إلى ذَلِكَ فَقَدْ أَجَابُوا إِلَى الإِسْلاَمِ حَقًّا، وإِن امْتَنَعُوا عنْ شَيْءٍ منْ ذلكَ فالقِتَالُ باقٍ بحالِهِ إجماعًا.
فدَلَّ عَلَى أنَّ النُّطْقَ بكَلِمَتَي الشَّهَادَةِ دَلِيلُ العِصْمَةِ، لاَ أنَّهُ عِصْمَةٌ،أوْ يُقالُ: هوَ العِصْمَةُ لكنْ بِشَرْطِ العَمَلِ، يَدُلُّ عَلَى ذلكَ قولُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا}[النساء:94] الآيَةَ.
ولوْ كانَ النُّطْقُ بالشَّهادتيْنِ عاصِمًا لمْ يكُنْ لِلتَّثَبُّتِ مَعْنًى.
يَدُلُّ عَلَى ذلكَ قولُهُ تعالَى: {فَإِنْ تَابُوا} أيْ: عن الشِّرْكِ وفَعَلُوا التَّوْحيدَ، {وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[التوبة:5] فدَلَّ عَلَى أنَّ القِتَالَ يَكُونُ عَلَى هذهِ الأُمُورِ.
وفيهِ: أَنَّ للهِ تَعَالَى حُقُوقًا في الإِسْلاَمِ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا لم يَكُنْ مُسْلِمًا،كَإِخْلاَصِ العِبَادَةِ لهُ والكُفْرِ بما يُعْبَدُ مِنْ دونِهِ.
وفيهِ: بَعْثُ الإمامِ الدُّعاةَ إلى اللهِ،كمَا كانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ يَفْعَلُونَ.
وفيهِ: تَعْلِيمُ الإمامِ أُمَرَاءَهُ وعُمَّالَهُ ما يَحْتَاجُونَ إليهِ.
قولُهُ: (فواللهِ لأََنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً واحِدًا خَيْرٌ لكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) (أنْ) هيَ المَصْدَريَّةُ، واللاَّمُ قبلَهَا مَفْتُوحَةٌ؛ لأَنَّهَا لامُ القَسَمِ، و(أنْ) ومَدْخُولُهَا مَسْبُوكٌ بمصدرٍ مرفوعٍ عَلَى أنَّهُ مبتدأٌ، خبرُهُ (خيرٌ).
و(حُمْرِ) بِضَمِّ المُهْمَلَةِ وسُكُونِ المِيمِ.
و(النَّعَمِ) بِفَتْحِ النُّونِ والعَيْنِ المُهْمَلَةِ؛ أيْ: خَيْرٌ لَكَ مِن الإِبِلِ الحُمْرِ، وهيَ أَنْفَسُ أَمْوالِ العَرَبِ، يَضْرِبُونَ بها المَثَلَ في نَفَاسَةِ الشَّيْءِ.
قيلَ: المُرَادُ: خَيْرٌ مِنْ أنْ تَكُونَ لكَ فتَتَصَدَّقَ بِهَا.
وَقِيل: تَقْتَنِيهَا وتَمْلِكُهَا.
قُلْتُ: هذا هوَ الأَظْهرُ، والأوَّلُ لا دَلِيلَ عليهِ، أيْ أنَّكُم تُحِبُّونَ مَتَاعَ الدُّنيَا، وهذا خيرٌ منهُ.
قالَ النَّوويُّ: (وتَشْبِيهُ أُمُورِ الآخِرَةِ بأُمُورِ الدُّنيا إنَّما هوَ للتَّقْرِيبِ إلى الأَفْهَامِ، وإِلاَّ فَذَرَّةٌ مِن الآخِرَةِ خَيْرٌ مِن الأَرْضِ بِأَسْرِهَا وأَمْثَالِهَا مَعَهَا).
وفيهِ: فَضِيلَةُ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ، وَفَضِيلَةُ مَن اهْتَدَى عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ واحِدٌ، وجَوازُ الحَلِفِ عَلَى الفُتْيَا والقَضَاءِ والخَبَرِ، والحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلاَفٍ.


  #4  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 07:34 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي فتح المجيد لفضيلة الشيخ:عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ

(1) قال المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ تعالَى: (بَابُ الدُّعَاءِ إِلى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ).
لمَّا ذَكَرَ المصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى التوحيدَ وفَضْلَهُ، وما يُوجِبُ الخوفَ مِنْ ضِدِّهِ، نبَّهَ بهذهِ الترْجَمَةِ على أَنَّهُ لا يَنْبَغِي لمَنْ عَرَفَ ذلكَ أنْ يَقْتَصِرَ على نَفْسِهِ، بَل يَجِبُ عليهِ أنْ يَدْعُوَ إلى اللهِ تعالى بالحِكْمَةِ والموعِظَةِ الحسَنَةِ، كمَا هوَ سبيلُ المُرْسَلِينَ وأتباعِهم، كما قالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ لمَّا تَلا هذه الآيةَ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فُصِّلَتْ:33] فقالَ: (هذا حَبيبُ اللهِ، هذا وليُّ اللهِ، هذا صَفْوَةُ اللهِ، هذا خِيَرَةُ اللهِ، هذا أَحَبُّ أهلِ الأرضِ إلى اللهِ، أجَابَ اللهَ في دَعْوَتِهِ، ودعا الناسَ إلى ما أجَابَ اللهَ فيهِ مِنْ دَعْوَتِهِ، وعَمِلَ صالِحًا في إجابتِهِ، وقالَ: إنَّني من المسلمينَ، هذا خَلِيفَةُ اللهِ).
قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (وقولِ اللهِ تعالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ}[يوسف:108]).
- قالَ أبو جَعْفَرِ بنُ جَرِيرٍ:(يقولُ تعالى ذِكْرُهُ لنبيِّهِ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ} يا محمَّدُ: {هَذِهِ}الدعوةُ التي أَدْعُو إليها، والطريقَةُ التي أنا عليها؛ من الدعاءِ إلى توحيدِ اللهِ، وإخلاصِ العبادَةِ لهُ دُونَ الآلِهَةِ والأوْثَانِ، والانتهاءِ إلى طاعَتِهِ وتَرْكِ معْصِيَتِهِ {سَبِيلِي} طَرِيقَتِي ودَعْوَتي.
{أَدْعُو إِلى اللهِ} تعالى وحدَهُ لا شريكَ لَهُ {عَلَى بَصِيرَةٍ} بذلكَ ويقينِ عِلْمٍ مِنِّي بِهِ،{أَنَا}ويَدْعُو إليهِ على بَصِيرَةٍ أيضًا من اتَّبَعَنِي وَصَدَّقَنِي وآمَنَ بي، {وَسُبْحَانَ اللهِ} يقولُ لهُ تعالى ذِكْرُهُ: وقُلْ تَنْـزِيهًا للهِ تعالى وتعظيمًا لهُ مِنْ أنْ يكونَ لهُ شَريكٌ في مُلْكِهِ أوْ مَعْبُودٌ سِواهُ في سُلْطَانِهِ،
{وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} يقولُ: وأنا بريءٌ مِنْ أهلِ الشركِ بهِ، لَسْتُ مِنهم ولا هُمْ مِنِّي) انْتَهَى.
قالَ في (شَرْحِ المَنَازِلِ): (يُريدُ أنْ تَصِلَ باسْتِدْلالِكَ إلى أعْلَى دَرَجَاتِ العِلْمِ؛ وهيَ البَصِيرَةُ التي يَكونُ نِسبةُ المعلومِ فيها إلى القَلْبِ كنِسْبَةِ المَرْئِيِّ إلى البَصَرِ، وهذهِ هيَ الخَصِيصَةُ التي اخْتُصَّ بها الصحابةُ عنْ سائِرِ الأمَّةِ، وهيَ أعْلَى درجاتِ العلماءِ).
قالَ تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}؛ أيْ: أنَا وأَتْبَاعِي عَلَى بَصِيَرةٍ.
وقِيلَ: {ومَنِ اتَّبَعَنِي} عطْفٌ على المَرْفُوعِ في {أَدْعُو}؛ أيْ: أَنَا أَدْعُو إلى اللهِ على بَصِيرةٍ، ومَن اتَّبَعَنِي كذلكَ يَدْعُو إلى اللهِ تعالى على بَصِيرَةٍ.
وعلى القَوْلَيْنِ؛ فالآيَةُ تَدُلُّ على أنَّ أتْبَاعَهُ هُمْ أهْلُ البصائِرِ الدَّاعُونَ إلى اللهِ تعالى، ومَنْ ليسَ مِنهم فليسَ مِنْ أتْبَاعِهِ على الحقيقةِ والموافَقَةِ، وإنْ كانَ مِنْ أتباعِهِ على الانْتِسابِ والدَّعْوَى.
قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: (فيهِ مَسَائِلُ:
منها: التَّنْبِيهُ على الإِخلاصِ؛لأنَّ كَثِيرًا مِن الناسِ لوْ دَعا إلى الحقِّ فهوَ يَدْعُو إلى نفْسِهِ.
ومنها: أنَّ البَصيرَةَ من الفرائِضِ.
ومنها: أنَّ مِنْ دلائِلِ حُسْنِ التوحيدِ أَنَّهُ تَنْـزِيهٌ للهِ تعالى عن المَسَبَّةِ.
ومنها: أنَّ مِنْ قُبْحِ الشِّرْكِ كونَهُ مَسَبَّةً للهِ تعالى.
ومنها: إِبْعَادُ المسلمِ عن المشركينَ؛ لا يَصِيرُ منهم ولوْ لمْ يُشْرِكْ) انتهى.
وقالَ العلاَّمةُ ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في معنى قولِهِ تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل:125](ذَكَرَ سبْحَانَهُ مَراتِبَ الدعوةِ وجَعَلَها ثلاثةَ أقْسَامٍ بحَسَبِ حالِ المَدْعُوِّ؛ فإنَّهُ:
-إمَّا أنْ يكونَ طالبًا للحقِّ مُحِبًّا لهُ، مُؤْثِرًا لهُ على غيْرِهِ إذا عرَفَهُ، فهذا يُدْعَى بِالْحِكْمَةِ، ولا يَحْتَاجُ إلى مَوْعِظَةٍ وجِدَالٍ.
-وإمَّا أنْ يكونَ مُشْتَغِلاً بِضِدِّ الحقِّ، لكنْ لوْ عَرَفَهُ آثَرَهُ واتَّبَعَهُ، فهذا يَحْتَاجُ إلى الموْعِظَةِ بالترغيبِ والترهيبِ.
-وإمَّا أنْ يكونَ مُعَانِدًا مُعَارِضًا، فهذا يُجَادَلُ بالَّتي هيَ أحْسَنُ، فإنْ رَجَعَ وإلاَّ انْتُقِلَ معهُ إلى الجَلاَّدِ إنْ أَمْكَنَ) انْتَهَى.
وقَالَ أَيْضًا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (والفَرْقُ بَيْنَ حُبِّ الإمامَةِ والدَّعْوَةِ إلى اللهِ وحُبِّ الرِّيَاسَةِ: هو الفَرْقُ بينَ تَعْظيمِ أَمْرِ اللهِ والنُّصْحِ له، وتَعْظيمِ النَّفْسِ والسعْيِ في حَظِّهَا.فإنَّ الناصِحَ للهِ المُحِبَّ لَه، يُحِبُّ أن يُطاعَ رَبُّه فَلا يُعْصَى، وأنْ تَكونَ كَلِمَتُهُ هي العُليا، وأن يكونَ الدِّينُ كلُّه للهِ، وأن يكونَ العِبادُ مُمْتَثِلِينَ أَوَامِرَه مُجْتَنِبِينَ نَوَاهِيَه.فقد نَاصَحَ اللهُ في عُبُودِيَّتِهِ، ونَاصَحَ خَلْقَه في الدعوةِ إلى اللهِ، فهو يُحِبُّ الإمامَةَ في الدينِ. بل يَسْأَلُ رَبَّهُ أن يَجْعَلَه للمُتَّقِين إِمَامًا يَقْتَدِي بِهِ المُقْتَدُون، كما اقْتَدَى هو بالمُتَّقِين.
فإذا أَحَبَّ هذا العَبْدُ الدَّاعِي إلى اللهِ أن يكونَ في أَعْيُنِ الناسِ جليلاً، وفي قلوبِهِم مَهِيبًا، وإليهم حَبِيبًا، وأن يكونَ فيهم مُطاعًا؛ لكي يَأْتَمُّوا بِهِ، ويَقْتَفُوا أَثَرَ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ على يَدَيْه، لم يَضُرَّه ذلك، بل يُحْمَدُ عليه؛ لأنه داعٍ إلى اللهِ، يُحِبُّ أن يُطَاعَ ويُعْبَدَ ويُوَحَّدَ.فهو يُحِبُّ ما يكونُ عَوْنًا على ذلك، مُوصِلاً إليه.
ولهذا ذَكَرَ اللهُ سبحانَه عِبَادَه الذين اخْتَصَّهم لنفسِهِ، وأثْنَى عليهم في تَنْزِيلِهِ وأحسْنَ جزاءَهُم يومَ لقائِهِ، فذَكَّرَهم بأحسَنِ أعمالِهِم وأوصافِهِم، ثم قالَ: {والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[سورةُ الفُرْقَانِ:74].
فسَأَلوه أن يُقِرَّ أعينَهُم بطاعَةِ أزواجِهِم وذُرِّيَّاتِهِم له سبحانَه، وأن يُسِرَّ قُلُوبَهُم باتِّبَاعِ المُتَّقِينَ لَهم على طاعتِهِ وعبودِيَّتِهِ.فإنَّ الإمامَ والمُؤْتَمَّ مُتَعَاونان على طاعتِهِ، وإنما سأَلوه ما يُعَاوِنُون به المُتَّقِين على مَرْضَاتِهِ وطاعتِهِ، وهو دَعْوَتُهُم إلى اللهِ بالإمامَةِ في الدينِ، التي أساسُها الصبْرُ واليقينُ، قالَ تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السَّجْدَة:24]فسُؤالُهُم: أنْ يَجْعَلَهم أَئِمَّةً للمُتَّقِين هو سؤالُ أن يهدِيَهم ويُوَفِّقَهُم ويَمُنَّ عليهم بالعُلُومِ النافِعَةِ، والأعمالِ الصالِحَةِ ظاهِرًا وبَاطِنًا، التي لا تَتِمُّ الإمامةُ إلا بها.وتَأَمَّلْ كيف نَسَبَهم في هذه الآياتِ إلى اسْمِ الرحمنِ جلَّ جَلالُهُ؛ لِيَعْلَمَ خَلْقُهُ أن هذا إِنَّما نَالُوه بفضْلِهِ ورَحْمَتِهِ، ومَحْضِ جُودِهِ ومِنَّتِهِ.وتَأَمَّلْ كيفَ جَعَلَ جزاءَهم في هذه الصُّورَةِ: الغُرَفَ، وهي المنازِلُ العالِيَةُ في الجنَّةِ.وهذا لِمَّا كانَت الإمامةُ في الدينِ مِن الرُّتَبِ العالِيَةِ، بل مِن أعلى مَرَاتِبَ يُعْطَاها العبدُ في الدنيا كان جزاؤُه عليها الغُرَفَ العالِيَةَ في الجنةِ.وهذا بخلافِ طَلَبِ الرِّيَاسَةِ؛ فإن طالِبِيها يَسْعَوْنَ في تَحْصِيلِها؛ لينالوا بها أَغْرَاضَهم؛ مِن العُلُوِّ في الأرضِ، وتَعَبُّدِ القلوبِ لهم، وميلِهَا إليهم، ومُسَاعَدَتِهِم لهم على جميعِ أغراضِهِم، معَ كونِهم عالِين عليهم قَاهِرين لَهم.
فتَرَتَّبَ على هذا الطَّلَبِ مِن المفاسِدِ ما لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ: من البَغْيِ والحَسَدِ، والطُّغْيَانِ والحِقْدِ، والظُّلْمِ، والحَمِيَّةِ للنفسِ دونَ حقِّ اللهِ، وتَعْظِيمِ مَن حَقَّرَ اللهُ، واحْتِقَارِ مَن أَكْرَمَه اللهُ.ولا تَتِمُّ الرِّيَاسَةُ الدنيويَّةُ إلا بذلك، ولا تُنَالُ إلا بأَضْعَافِهِ من المفاسِدِ، والرُّؤَسَاءُ في عَمًى عن هذا.فإذا كُشِفَ الغِطَاءُ تَبَيَّنَ لهم فَسَادُ ما كانوا عليه، ولا سيَّما إذا حُشِرُوا في صِفَةِ الذَّرِّ، يَطَؤُهم أهلُ المَوْقِفِ بأَرْجُلِهِم؛ إِهَانَةً لهم وتَحْقِيرًا وتَصْغِيرًا، كما صَغَّرُوا أَمْرَ اللهِ، وحَقَّرُوا عِبَادَه). انْتَهَى كلامُهُ رَحِمَه اللهُ تعالَى.

(2) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ تعالَى: (عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمـَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلى اليَمَنِ قَالَ له: ((إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعوهُمْ إِليْهِ شَهادةُ أنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ)).
وَفي رِوايَةٍ: ((إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْترَضَ علَيْهِم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ)) أخْرَجَاهُ) قالَ الحافِظُ: (كانَ بَعْثُ مُعَاذٍ إلى اليَمَنِ سنَةَ عَشْرٍ، قَبْلَ حَجِّ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما ذكَرَهُ المصنِّفُ -يعنِي البخاريَّ- في أواخِرِ(المَغَازِي).
وقيلَ:كانَ ذلكَ في آخِرِ سنَةِ تِسْعٍ عندَ مُنْصَرَفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ، رواهُ الواقِدِيُّ بإسنادِهِ إلى كَعْبِ بنِ مالِكٍ.
وأخْرَجَهُ ابنُ سَعْدٍ في الطبقاتِ عنهُ، واتَّفَقُوا أَنَّهُ لمْ يَزَلْ على اليَمَنِ إلى أنْ قَدِمَ في خِلاَفَةِ أبي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثمَّ تَوَجَّهَ إلى الشامِ فماتَ بها.
قالَ شيخُ الإسلامِ: (ومنْ فضائِلِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ أَنَّهُ بَعَثَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليَمَنِ مُبَلِّغًا عَنْهُ، وَمُفَقِّهًا وَمُعَلِّمًا وَحَاكِمًا).
قولُهُ: (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الكِتابِ) قالَ القُرْطُبِيُّ: (يعني بهِ اليهودَ والنَّصَارَى؛ لأَنَّهُم كانوا في اليَمَنِ أكْثَرَ مِنْ مُشْرِكِي العرَبِ أوْ أغْلَبَ، وإنَّما نَبَّهَ على هذا لِيَتَهَيَّأَ لمُنَاظَرَتِهم).
وقالَ الحافظُ: (هوَ كالتَّوْطِئَةِ للوَصِيَّةِ لِيَجْمَعَ هِمَّتَهُ عليها).
قولُهُ: (فَلْيَكُنْ أَوَّلَ ما تَدْعوهُمْ إِليْهِ شَهادةُ أنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ) شِهَادَةُ رُفِعَ عَلَى أَنَّهُ اسمُ (يَكُنْ) مُؤَخَّرٌ.

و (أَوَّلَ) خَبَرُها مُقَدَّمٌ، ويَجُوزُ العكسُ.
قولُهُ: (وَفي رِوايَةٍ:((إلى أنْ يُوَحِّدُوا اللهَ))) هذهِ الروايَةُ ثابِتَةٌ في كتابِ التوحيدِ منْ (صحيحِ البخاريِّ).
وأشارَ المصنِّفُ بذكْرِ هذهِ الروايَةِ إلى التنبيهِ على معْنَى (شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فإنَّ معناها توحيدُ اللهِ تعالى بالعبادَةِ ونَفْيُ عبادةِ ما سِوَاهُ.
وفي روايَةٍ: (فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ) وذلكَ هوَ الكُفْرُ بالطَّاغُوتِ والإيمانُ باللهِ، كما قالَ تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا}[البقرة:256]
والعُرْوَةُ الْوُثْقَى: هيَ (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) وفي روايَةٍ للبخاريِّ: فقالَ: ((ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ)).
قُلْتُ:لا بُدَّ في شَهَادةِ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ مِنْ سَبْعَةِ شُروطٍ، لا تَنْفَعُ قائِلَها إلاَّ باجْتِمَاعِها:
أحدُها: العِلْمُ المُنافي للجَهْلِ.
الثاني: اليقينُ المُنافي للشكِّ.
الثالثُ: القَبُولُ المنافي للردِّ.
الرابعُ: الانْقِيادُ المنافي للتَّرْكِ.
الخامسُ: الإخلاصُ المنافي للشِّرْكِ.
السادسُ: الصِّدْقُ المنافي للْكَذِبِ.
السابعُ: المحبَّةُ المنافِيَةُ لعَدَمِهَا.
وفيهِ: دليلٌ على أنَّ التوحيدَ -الذي هوَ إخلاصُ العبادَةِ للهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وتَرْكُ عبادَةِ ما سِواهُ- هوَ أوَّلُ واجِبٍ.
ولهذا كانَ أوَّلَ ما دَعَتْ إليهِ الرُّسُلُ عليهم السلامُ {أَنِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} وقولُ نوحٍ: {أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ}
وفيهِ:معنى (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) مُطَابَقَةً.
قالَ العَلاَّمَةُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالَى: (ولهذا خَاطَبَ الرُّسُلُ أُمَمَهُم، مُخَاطَبَةَ مَن لا شَكَّ عندَه في اللهِ، وإنما دَعَوْهم إلى عِبادَةِ اللهِ وحدَه، لا إلى الإقْرَارِ بِهِ؛ فقالَتْ لهم:{أَفِي اللهْ شَكٌّ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[إبراهيم:10] فوجُودُه سُبحانَهُ ورُبُوبِيَّتُه وقُدْرَتُه، أَظْهَرُ مِن كلِّ شَيءٍ على الإطلاقِ.
فهو أظْهَرُ للبصَائِرِ من الشمسِ للأبصارِ، وأَبْيَنُ للعُقُولِ مِن كلِّ ما تَعْقِلُهُ وتُقِرُّ بوُجُودِهِ.فما يُنْكِرُهُ إلا مُكَابِرٌ بلسانِهِ، وقلْبِهِ وعقلِهِ وفِطْرَتِهِ، وكلُّها تُكَذِّبُهُ، قالَ تعالى:{اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍِ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَِجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}[الرَّعْد:2]إلى آخِرِ الآياتِ).
قالَ شيخُ الإسلامِ: (وقدْ عُلِمَ بالاضْطِرارِ منْ دينِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتَّفَقَتْ عليهِ الأمَّةُ، أنَّ أصلَ الإسلامِ وأوَّلَ ما يُؤْمَرُ بهِ الخَلْقُ شهادةُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ.فبذلكَ يصيرُ الكافِرُ مُسْلِمًا، والعدُوُّ وَلِيًّا، والمُبَاحُ دَمُهُ ومالُهُ معصومَ الدَمِ والمالِ. ثُمَّ إنْ كانَ ذلكَ مِنْ قَلْبِهِ فقدْ دَخَلَ في الإيمانِ، وإنْ قالَهُ بلسانِهِ دونَ قلبِهِ فهوَ في ظاهِرِ الإسلامِ دونَ باطِنِ الإيمانِ.
قالَ: وأمَّا إذا لمْ يَتَكَلَّمْ بها معَ القُدْرَةِ فهوَ كافِرٌ باتِّفاقِ المسلمينَ بَاطِنًا وظاهِرًا، عندَ سَلَفِ الأمَّةِ وأَئِمَّتِهَا وجمَاهِيرِ العلماءِ) انتهى.


  #5  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 07:39 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع) فتح المجيد لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ

قَالَ المُصَنِّفُ رحِمَهُ اللهُ تعالَى: (وفيهِ: أنَّ الإنسانَ قدْ يكونُ عالِمًا وهوَ لا يَعْرِفُ معنى لا إلهَ إلاَّ اللهُ، أوْ يَعْرِفُهُ ولا يَعْمَلُ بهِ).
قُلْتُ: فَمَا أكثرَ هؤلاءِ، لا كثَّرَهُم اللهُ تعالى.
قولُهُ: (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ) أيْ: شَهِدُوا وانْقَادُوا لذلكَ (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ) فيهِ: أنَّ الصلاةَ أعْظَمُ واجِبٍ بعدَ الشهادتيْنِ.
- قالَ النَّوَوِيُّ مَا معناهُ: (إنَّه يَدُلُّ على أنَّ المُطَالَبَةَ بالفَرَائِضِ في الدنيا لا يَكونُ إلا بعدَ الإسلامِ، ولا يَلْزَمُ مِنْ ذلكَ أنْ لا يَكُونُوا مُخَاطَبِينَ بها؛ ويُزَادُ في عذَابِهم بِسَبَبِها في الآخِرَةِ.والصحيحُ أنَّ الكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بفروعِ الشريعةِ المأمورِ بهِ والمنهيِّ عنهُ. وهذا قولُ الأكثرينَ) انتهى.
قولُهُ: (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ):
فيهِ: دليلٌ على أنَّ الزكاةَ أَوْجَبُ الأركانِ بعدَ الصلاةِ، وأنَّها تُؤْخَذُ من الأغنياءِ وتُصْرَفُ على الفقراءِ، وإنَّما خَصَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفقراءَ؛ لأنَّ حقَّهم في الزكاةِ آكَدُ مِنْ حَقِّ بَقِيَّةِ الأصنافِ الثمَانِيَةِ.
وفيهِ: أنَّ الإمامَ هوَ الذي يَتَوَلَّى قَبْضَ الزكاةِ وصَرْفَهَا؛ إمَّا بنفسِهِ أوْ نائبِهِ. فمَن امْتَنَعَ مِنْ أَدائِها أُخِذَتْ قَهْرًا منهُ.
وفي الحديثِ دليلٌ على أَنَّهُ يَكْفِي إخراجُ الزكاةِ في صِنْفٍ واحِدٍ، كما هوَ مَذْهَبُ الإمامِ مالِكٍِ وأحمدَ.
وفيهِ: أَنَّهُ لا يجوزُ دَفْعُها إلى غَنِيٍّ ولا إلى كافِرٍ غَيرَ المُؤَلَّفِ، وأنَّ الزكاةَ واجِبَةٌ في مالِ الصبيِّ والمجنونِ، كما هوَ قولُ الجمهورِ؛ لعمومِ الحديثِ. قُلْتُ: والفقيرُ إذا أُفْرِدَ في اللفظِ تَنَاوَلَ المسكينَ، وبالعكسِ كنظائِرِهِ، قَرَّرَهُ شيخُ الإسلامِ.
قولُهُ: (إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ) بنَصْبِ ((كَرَائِمَ)) على التحذيرِ، جمْعُ كَرِيمَةٍ.
قالَ صاحِبُ (المطالِعِ): هيَ الجامِعَةُ للكمالِ المُمْكِنِ في حقِّها؛ مِنْ غَزَارَةِ لَبَنٍ، وجمالِ صورةٍ، وكَثْرَةِ لَحْمٍ وصُوفٍ، ذكرَهُ النوويُّ.
قُلْتُ: وهيَ خِيارُ المالِ وأنْفَسُهُ وأكثرُهُ ثمنًا.
وفيهِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ على العامِلِ في الزكاةِ أخَذُ كرائِمِ المالِ، ويَحْرُمُ على صاحِبِ المالِ إخراجُ شِرارِ المالِ، بلْ يُخْرِجُ الوَسَطَ، فإنْ طابَتْ نَفْسُهُ بالكريمةِ جَازَ.
قولُهُ: (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ) أي: اجْعَلْ بينَكَ وبينَها وِقَايَةً بالعَدْلِ وتَرْكِ الظُّلْمِ، وهذانِ الأمرانِ يَقِيَانِ مَنْ رُزِقَهُما منْ جميعِ الشرورِ دُنْيا وأُخْرَى.
وفيهِ: تنبيهٌ على التحذيرِ منْ جميعِ أنواعِ الظلْمِ.
قولُهُ: (فَإِنَّهُ) أي: الشأنَ، ((لَيْسَ بَينَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ)) هذهِ الجُملةُ مُفَسِّرَةٌ لضميرِ الشأنِ؛ أيْ: فإنَّها لا تُحْجَبُ عن اللهِ تعالى فَيَقْبَلَهَا.
وفي الحديثِ أيضًا:
قَبُولُ خَبَرِ الواحدِ العدلِ، ووجوبُ العَمَلِ بهِ، وبَعْثُ الإمامِ العُمَّالَ لجِبَايَةِ الزكاةِ، وأَنَّهُ يَعِظُ عُمَّالَهُ ووُلاَتَهُ، ويأْمُرُهم بتَقْوَى اللهِ تعالى، ويُعَلِّمُهم، ويَنْهَاهم عن الظُّلْمِ، ويُعَرِّفُهم سوءَ عاقِبَتِهِ، والتنبيهُ على التعليمِ بالتدريجِ، قَالَهُ المُصَنِّفُ.
قُلْتُ: ويُبْدَأُ بالأهمِّ فالأهمِّ.
واعْلَمْ أَنَّهُ لمْ يَذْكُرْ في الحديثِ الصومَ والحَجَّ، فَأَشْكَلَ ذلكَ على كثيرٍ من العلماءِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: (أجابَ بعضُ الناسِ: أنَّ بعضَ الرواةِ اخْتَصَرَ الحديثَ، وليسَ كذلكَ، فَإِنَّ هذا طَعْنٌ في الرواةِ؛ لأنَّ ذلكَ إنَّما يقَعُ في الحديثِ الواحِدِ، مثلَ حديثِ وَفْد عبدِ الْقَيْسِ حيثُ ذَكَرَ بعضُهم الصيامَ وبعضُهم لمْ يَذْكُرْهُ، فأمَّا الحديثانِ المنفَصِلانِ فليسَ الأمرُ فيهما كذلكَ.
ولكنْ عنْ هذا جوابانِ:
أحدُهما: أنَّ ذلكَ بحَسَبِ نُزولِ الفرائضِ، وأوَّلُ ما فَرَضَ اللهُ الشهادتانِ ثمَّ الصلاةُ، فإنَّهُ أَمَرَ بالصلاةِ في أوَّلِ أوقاتِ الوَحْيِ؛ ولهذا لمْ يَذْكُرْ وجوبَ الحَجِّ كعامَّةِ الأحاديثِ، إنَّما جاءَ في الأحاديثِ المُتَأَخِّرَةِ).
قلتُ: وهذا من الأحادِيثِ المُتَأَخِّرَةِ، ولم يُذْكَرْ فيهَا.
الجوابُ الثاني: أَنَّهُ كانَ يَذْكُرُ في كلِّ مَقَامٍ ما يُنَاسِبُهُ، فيذْكُرُ تارَةًَ الفرائِضَ التي يُقاتَلُ عليها؛ كالصلاةِ والزكاةِ، ويَذْكُرُ تارَةً الصلاةَ والصيامَ لِمَنْ لمْ يَكُنْ عليهِ زكاةٌ، ويَذْكُرُ تارَةً الصلاةَ والزكاةَ والصومَ.
- فإمَّا أنْ يكونَ قبلَ فرْضِ الحجِّ، وإمَّا أنْ يكونَ المُخَاطَبُ بذلكَ لا حَجَّ عليهِ.
- وأمَّا الصلاةُ والزكاةُ فَلَهُمَا شأنٌ ليسَ لسائِرِ الفرائِضِ؛ ولهذا ذَكَرَ تعالى في كتابِهِ القتالَ عليهما؛ لأَنَّهُما عبادتانِ ظاهِرتانِ، بخلافِ الصومِ؛ فإنَّهُ أَمْرٌ باطِنٌ مِنْ جِنْسِ الوضوءِ والاغْتِسَالِ من الجَنَابَةِ، ونحوِ ذلكَ ممَّا يُؤْتَمَنُ عليهِ العبدُ؛ فإنَّ الإنسانَ يُمْكِنُهُ أنْ لا يَنْوِيَ الصومَ وأنْ يَأْكُلَ سِرًّا، كمَا يُمْكِنُهُ أنْ يَكْتُمَ حَدَثَهُ وَجَنَابَتَهُ.
وهوَ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ يَذْكُرُ في الأعمالِ الظاهِرَةِ التي يُقاتَلُ الناسُ عليها ويَصِيرونَ مسلمينَ بفعْلِها؛ فلهذا علَّقَ ذلكَ بالصلاةِ والزكاةِ دونَ الصومِ.
وإنْ كانَ واجِبًا كما في آيَتَيْ (بَرَاءةٌ)؛ فَإِنَّ (بَرَاءةٌ) نَزَلَتْ بَعْدَ فَرْضِ الصيامِ باتِّفَاقِ الناسِ.
وكذلكَ لمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلى اليَمَنِ لمْ يَذْكُرْ في حديثِهِ الصومَ؛ لأَنَّهُ تَبَعٌ وهوَ باطِنٌ، ولا ذَكَرَ الحَجَّ؛ لأنَّ وُجُوبَهُ خاصٌّ ليسَ بعامٍّ، ولا يَجِبُ في العُمُرِ إلاَّ مَرَّةً) انْتَهَى بمعناهُ.
قولُهُ: (أَخْرَجَاهُ) أي: البُخَارِيُّ ومسلمٌ.
وأخْرَجَهُ أيضًا أحمدُ وأبو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَةَ.

(3) قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (وَلَهُمَا عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: ((لأَُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ))، فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ، أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: ((أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟))، فَقِيلَ:هُوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ في عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ: ((انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالى فِيهِ، فَوَاللهِ لأََنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ)).
(يَدُوكُونَ) أيْ: (يَخُوضُونَ) .
قولُهُ: (عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ) أي: ابنِ مالِكِ بنِ خالِدٍ الأنْصَارِيِّ الخَزْرَجِيِّ السَّاعِدِيِّ أبي العبَّاسِ، صَحَابِيٍّ شَهِيرٍ، وأَبُوهُ صَحَابِيٌّ أيضًا، ماتَ سنَةَ ثَمَانٍ وثَمَانينَ وقدْ جَاوَزَ المِائَةَ.
قولُهُ: (قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ) أي: في غَزْوَةِ خَيْبَرَ.
وفي (الصحيحيْنِ): عنْ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ قالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ تَخَلَّفَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خَيْبَرَ، وَكَانَ أَرْمَدَ، فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَخَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في صَبَاحِهَا، قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لأَُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ - أَوْ: لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ - غَدًا رَجُلاً يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ -أَوْ قَالَ: يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ- يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ))، فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ.
قولُهُ: (لأَُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ)
قالَ الحافِظُ: في رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ: ((إِنِّي دَافِعٌ اللِّوَاءَ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ)).
وقدْ صَرَّحَ جماعةٌ مِنْ أهلِ اللُّغَةِ بترادُفِهما.
لكنْ رَوَى أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ: (كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ).
ومثلُهُ: عندَ الطَّبَرَانِيِّ عنْ بُرَيْدَةَ.
وعندَ ابنِ عَدِيٍّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، وزَادَ: (مَكْتُوبٌ فِيهِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ).
قولُهُ: (يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ) فيهِ: فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ.
- قالَ شيخُ الإسلامِ: (ليسَ هذا الوصفُ مُخْتَصًّا بعلِيٍّ ولا بالأئِمَّةِ؛ فإنَّ اللهَ ورسولَهُ يُحِبُّ كلَّ مؤمِنٍ تقيٍّ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، لكنَّ هذا الحديثَ مِنْ أحْسَنِ مَا يُحْتَجُّ بهِ على النَّوَاصِبِ الذينَ لا يَتَوَلَّوْنَهُ، أوْ يُكَفِّرُونَهُ، أوْ يُفَسِّقُونَهُ؛ كالخَوَارِجِ.
لكنَّ هذا الاحْتِجَاجَ لا يَتِمُّ على قولِ الرَّافِضَةِ الذينَ يَجْعَلُونَ النصوصَ الدَّالَّةَ على فضَائِلِ الصَّحَابَةِ كانَتْ قبلَ رِدَّتِهم؛ فإنَّ الخوارِجَ تقولُ في عَلِيٍّ مثلَ ذلكَ.
لكنَّ هذا باطِلٌ؛ فإنَّ اللهَ تعالى ورسولَهُ لا يُطْلِقُ مِثْلَ هذا المَدْحِ على مَنْ يَعْلَمُ اللهُ أنَّهُ يَمُوتُ كافِرًا).
وفيهِ: إثباتُ صفَةِ المَحَبَّةِ للهِ، خِلافًا للجَهْمِيَّةِ.
قولُهُ: (يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ) صَريحٌ في البِشَارَةِ بحُصُولِ الفَتْحِ، فهوَ عَلَمٌ مِنْ أعلامِ النُّبُوَّةِ.
قولُهُ: (فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ) بنَصْبِ (لَيْلَتَهُمْ).
و(يَدُوكُونَ) قَالَ المُصَنِّفُ: يَخُوضُونَ؛ أيْ: فِيمَنْ يَدْفَعُها إليهِ.
وفيهِ: حِرْصُ الصَّحَابَةِ على الخَيْرِ واهْتِمَامُهم بِهِ،وعُلُوُّ مَراتِبِهِم في العِلْمِ والإيمانِ.
قولُهُ: (أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا) هوَ برَفْعِ (أَيُّ) على البناءِ؛ لإضافَتِها وحَذْفِ صَدْرِ صِلَتِهَا.
قولُهُ: (فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا) وفي روايَةِ أبي هُرَيْرَةَ عندَ مُسلمٍ أنَّ عُمَرَ قالَ: (مَا أَحْبَبْتُ الإِمَارَةَ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ).
-قالَ شيخُ الإسلامِ: (إنَّ في ذلكَ شهادةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ بإيمانِهِ باطِنًا وظاهِرًا، وإثْبَاتًا لمُوالاَتِهِ للهِ تعالى ورسولِهِ، ووجوبِ موالاةِ المؤمنينَ لَهُ.وإذا شَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَيَّنٍ بشَهَادَةٍ، أوْ دَعَا لهُ، أَحَبَّ كثيرٌ مِن الناسِ أنْ يكونَ لَهُ مِثْلُ تلكَ الشَّهَادَةِ ومثلُ ذلكَ الدُّعَاءِ، وإنْ كانَ النبيُّ يَشْهَدُ بذلكَ لخلْقٍ كثيرٍ ويَدْعُو لخَلْقٍ كثيرٍ. وهذا كالشَّهَادَةِ بالجنَّةِ لثابِتِ بنِ قَيْسٍ وعبدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وإنْ كانَ قد شَهِدَ بالجنَّةِ لآخَرِينَ، والشهَادَةِ بمحبَّةِ اللهِ ورسولِهِ للَّذِي ضُرِبَ في الخَمْرِ).
قولُهُ: (فَقَالَ: ((أَيْنَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ؟))) فيهِ: سؤالُ الإمامِ عنْ رَعِيَّتِهِ وتَفَقُّدُ أحوالِهِم.
قولُهُ: (فَقِيلَ: هُوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ) أيْ: مِن الرَّمَدِ، كمَا في (صحيحِ مسلمٍ) عنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ فقالَ:((ادْعُوا لِي عَلِيًّا))فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ) الحديثَ.
وفي نُسْخَةٍ صحيحةٍ بخَطِّ المصنِّفِ: (فَقِيلَ: هُوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأُرْسِلَ إِليْهِ) مَبنيٌّ للفاعِلِ، وهوَ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ في الفعلِ راجِعٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مَبْنِيًّا لِمَا لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.
ولمسلمٍ منْ طريقِ إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، عنْ أبيهِ قالَ: (فَأَرْسَلَني إِلى عَلِيٍّ، فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ أَرْمَدَ).
قولُهُ: (فَبَصَقَ) بفَتْحِ الصادِ؛ أيْ: تَفَلَ.
قولُهُ: (وَدَعا لَهُ، فَبَرَأَ) هوَ بفتحِ الراءِ والهَمْزَةِ؛ أيْ: عُوفِيَ في الحالِ عافيَةً كامِلَةً، كأنْ لمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ مِنْ رَمَدٍ ولا ضَعْفِ بَصَرٍ.
وعندَ الطَّبَرانِيِّ مِنْ حديثِ عليٍّ: (فَمَا رَمَدْتُ وَلا صُدِّعْتُ مُنْذُ دَفَعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ الرَّايَةَ).
وفيهِ: دليلٌ على الشهادتَيْنِ.
قولُهُ: (فَأَعْطاهُ الرَّايَةَ)
قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ تعالى: (فيهِ: الإيمانُ بالقَدَرِ؛ لحصولِها لِمَنْ لَمْ يَسْعَ، وَمنْعِها عَمَّنْ سَعَى.
وفيهِ: أنَّ فِعْلَ الأسبابِ المُبَاحَةِ أو الواجِبَةِ أو المُسْتَحَبَّةِ لا يُنَافِي التَّوَكُّلَ).
قولُهُ: (وقالَ: ((انفُذْ عَلَى رِسْلِكَ)) ) بضمِّ الفاءِ؛ أي: امْضِ، و((رِسْلِكَ)) بكَسْرِ الراءِ وسكونِ السِّينِ؛ أيْ: على رِفْقِكَ مِنْ غيرِ عَجَلَةٍ، و((ساحَتِهِم)) فِنَاءِ أرْضِهِم، وهوَ ما حَوْلَهَا.

وفيهِ: الأدبُ عندَ القِتَالِ، وتَرْكُ العَجَلَةِ والطَّيْشِ والأصواتِ التي لا حَاجَةَ إليها.
وفيهِ: أمْرُ الإمامِ عُمَّالَهُ بالرِّفْقِ منْ غيرِ ضَعْفٍ ولا انْتِقَاضِ عَزِيمَةٍ، كما يُشِيرُ إليهِ قولُهُ: ((حتى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِم)).
قولُه: (ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلى الإِسْلاَمِ) أي: الَّذِي هوَ معنى شَهَادَةِ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ.
وإنْ شِئْتَ قُلْتَ: الإسلامُ: شَهَادَةُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ محمدًا عبْدُهُ ورسُولُهُ، ومَا اقْتَضَتْهُ الشهادتانِ مِنْ إخلاصِ العبادةِ للهِ وَحْدَهُ، وإخلاصِ الطاعَةِ له ولرسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومِنْ هنا طَابَقَ الحديثُ التَّرْجَمَةَ، كَمَا قالَ تعالى لنبيِّهِ ورسولِهِ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عِمْرَانَ:64].
قالَ شيخُ الإسلامِ رحِمَهُ اللهُ:(والإسلامُ هوَ: الاسْتِسْلامُ للهِ، وهوَ الخُضُوعُ لهُ، والعُبُودِيَّةُ لهُ.كذا قالَ أهلُ اللُّغَةِ).
وقالَ رحِمَهُ اللهُ تعالى: (ودينُ الإسلامِ الذي ارْتَضَاهُ اللهُ وبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، هوَ الاسْتِسْلامُ لهُ وحْدَهُ، فأصْلُهُ في القَلْبِ، والخُضُوعُ لهُ وحْدَهُ بعبادَتِهِ وحْدَهُ دونَ مَا سِواهُ. فَمَنْ عبَدَهُ وعبَدَ معهُ إلهًا آخَرَ لمْ يَكُنْ مُسْلِمًا. ومَن اسْتَكْبَرَ عنْ عبادَتِهِ لمْ يَكُنْ مُسْلِمًا. وفي الأصْلِ: هوَ مِنْ بابِ العَمَلِ؛ عَمَلِ القَلْبِ والجوارِحِ.
- وأمَّا الإيمانُ: فأصْلُهُ تصديقُ القَلْبِ وإقْرارُهُ ومَعْرِفَتُهُ، فهوَ منْ بابِ قولِ القَلْبِ المُتَضَمِّنِ عَمَلَ القَلْبِ) انْتَهَى.
فتبيَّنَ أنَّ أصْلَ الإسلامِ هوَ التوحيدُ ونفيُ الشِّرْكِ في العبادةِ، وهوَ دَعْوةُ جميعِ المُرْسَلِينَ، وهوَ الاسْتِسْلامُ للهِ تعالى بالتوحيدِ، والانْقِيادُ لهُ بالطَّاعَةِ فيما أمَرَهم بهِ على أَلْسُنِ رُسُلِهِ، كمَا قالَ تعالى عن أوَّلِ رسولٍ أرْسَلَهُ: {أَنِ اعبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ}[نوح: 3].
وفيهِ: مَشْرُوعِيَّةُ الدَّعْوَةِ قَبْلَ القِتَالِ، لكنْ إنْ كانُوا قدْ بَلَغَتْهم الدعوةُ جَازَ قِتَالُهم ابْتِدَاءً؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أغَارَ على بَنِي المُصْطَلِقِ وهمْ غَارُونَ، وإنْ كانُوا لمْ تَبْلُغْهم الدعوةُ وَجَبَتْ دَعْوَتُهم.
قولُهُ: (وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالى فِيهِ) أيْ: الإسلامِ. إذا أجابُوكَ إليهِ فأخْبِرْهُم بما يَجِبُ مِنْ حقوقِهِ التي لا بُدَّ لهم مِنْ فِعْلِها، كالصلواتِ والزَّكَاةِ، كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا)).
ولَمَّا قالَ عُمَرُ لأبي بَكْرٍ في قِتَالِهِ مَانِعِي الزَّكَاةِ: (كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأَمْوالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا)).
قالَ أبو بَكْرٍ: (فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤدُّونَها إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتَلْتُهُمْ عَلى مَنْعِها).
وفيهِ: بَعْثُ الإمامِ الدُّعَاةَ إلى اللهِ تعالى،كما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخُلَفَاؤُهُ الراشِدونَ يَفْعَلُونَ، كما في المُسْنَدِ عَن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ في خُطْبَتِهِ: (أَلاَ إنِّي واللهِ مَا أُرْسِلُ عُمَّالِي إليكُم ليَضْرِبُوا أَبْشَارَكم، ولا ليَأْخُذُوا أموالَكم، ولكنْ أُرْسِلُهم إليكم ليُعَلِّمُوكم دينَكم وسُنَنَكم).
قولُهُ: (فَوَاللهِ لأََنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) (أَنْ) مَصْدَرِيَّةٌ، واللامُ قبلَها مفتوحَةٌ؛ لأنَّها لامُ القَسَمِ، وأنْ والفعْلُ بعدَها في تأويلِ مَصْدَرٍ، رُفِعَ على الابْتِدَاءِ، والخَبَرُ (خَيْرٌ).
و(حُمْرِ) بضَمِّ المُهْمَلَةِ وسكونِ الميمِ، جَمْعُ أَحْمَرَ.
و(النَّعَمِ) بفتحِ النونِ والعينِ المُهْمَلَةِ؛ أيْ: خيْرٌ لكَ مِن الإِبِلِ الحُمْرِ، وهيَ أنْفَسُ أموالِ العَرَبِ.
-قالَ النَّوَوِيُّ: (وتشبيهُ أُمورِ الآخِرَةِ بأُمورِ الدنيا إنَّما هوَ للتقريبِ إلى الأفْهَامِ، وإلاَّ فَذَرَّةٌ مِن الآخِرَةِ خَيْرٌ مِن الأرْضِ بأَسْرِها وأمثالِها مَعَهَا).
وفيهِ: فَضِيلَةُ مَن اهْتَدَى على يَدَيْهِ رَجُلٌ واحِدٌ، وجوازُ الحَلِفِ على الخَبَرِ والفُتْيَا ولوْ لمْ يُسْتَحْلَفْ.


  #6  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 07:40 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي القول السديد لفضيلة الشيخ : عبدالرحمن السعدي

(1) وهذا الترتيبُ الذي صنَعَه المؤلفُ في هذِه الأبوابِ في غايةِ المناسبةِ، فإنه ذكَرَ في الأبوابِ السابقةِ:
-وجوبَ التوحيدِ وفضلَه، والحثَّ عليهِ وعلى تكميلِه والتحقُّقِ به ظاهرًا وباطنًا، والخوفَ من ضِدِّه، وبذلك يُكْمِلُ العبدُ نفسَه.
ثُمَّ ذكَرَ في هذا البابِ: تَكْميلَه لغَيْرِه بالدَّعوةِ إلى شهادةِ (أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ) فإنَّه لاَ يَتِمُّ التوحيدُ حَتَّى يُكمِلَ العبدُ جميعَ مراتبِه ثُمَّ يَسْعَى في تَكْميلِ غَيْرِه، وهذا هو طريقُ جميعِ الأنبياءِ، فإنهم أولُ ما يدعون قومَهم إلى عبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ لَهُ، وهي طريقةُ سيِّدِهم وإمامِهِم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه قامَ بهذِه الدعوةِ أعظمَ قيامٍ، ودَعا إلى سبيلِ ربِّه بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، والمجادلةِ بالتي هي أحسنُ، لم يَفْتُرْ ولم يَضْعُفْ حتى أقامَ اللهُ به الدينَ وهدَى به الخلقَ العظيمَ، ووصَلَ دينُه ببركةِ دعْوتِه إلى مشارقِ الأرضِ ومغاربِها.
وكانَ يدعو بنفْسِه، ويأمرُ رسلَه وأتباعَه أنْ يَدْعُوا إلى اللهِ، وإلى تَوْحيدِه قبلَ كلِّ شيءٍ؛ لأنَّ جَمِيعَ الأعمالِ متوقِّفَةٌ في صِحَّتِها وقَبُولِها على التوحيدِ.
فكما أن على العبدِ أنْ يقومَ بتوحيدِ اللهِ، فعَلَيهِ أنْ يَدْعُوَ العبادَ إلى اللهِ بالتي هي أحسنُ،وكلُّ مَن اهتدَى على يَدَيْه فله مثلُ أجُورِهم مِن غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِن أجُورِهم شيءٌ.
وإذا كانت الدعوةُ إلى اللهِ وإلى شهادةِ أنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ فرضًا على كلِّ أحَدٍ، كانَ الواجبُ على كلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِ مَقْدُورِه.
فعلى العالِمِ من بيانِ ذلك والدعوةِ والإِرشادِ والهدايةِ أعظمُ مما على غيرِه مِمَّن لَيْسَ بعالِمٍ، وعلى القادرِ ببدنِه ويدِه أو مالِه أو جاهِه وقولِه أعظمُ مما على مَن ليستْ له تلك القدرةُ، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ورَحِمَ اللهُ مَن أعانَ على الدِّينِ ولو بشطرِ كلمةٍ، وإنَّما الهلاكُ في تركِ ما يقدِرُ عليه العبدُ من الدعوةِ إلى هذا الدينِ.


  #7  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 07:41 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تهذيب القول المفيد لفضيلة الشيخ:صالح بن عبدالله العصيمي

(1) هذا الترتيبُ الذي ذكرهُ المؤلِّفُ مِن أحسنِ ما يكونُ؛ لأنه لما ذَكَر توحيدَ الإنسانِ بنفسِه ذكَر أنه لا يتِمُّ الإيمانُ إلا إذا دعا إلى التوحيدِ، قالَ تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}.

فلا بدَّ معَ التوحيدِ من الدعوةِ إليه، وإلا كانَ ناقِصاً، ولا ريبَ أنَّ هذا الذي سلَكَ هذا السبيلَ لم يسْلُكْهُ إلا وهو يرَى أنه أفضلُ سبيلٍ، وإذا كانَ صادقاً في اعتقادهِ، فلا بدَّ أن يكونَ داعياً إليه، والدعاءُ إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ مِن تمامِ التوحيدِ، ولا يتِمُّ التوحيدُ إلا بهِ.

(2) قولُه: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي} المشارُ إليه ما جاء به النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مِن الشرعِ عبادةً ودعوةً إلى اللهِ، و{سَبيلِي} طَريقي.
(3) قولُه: {أَدْعُو} حالٌ من الياءِ في قولِه: {سَبِيلِي} أو يُحْتَمَلُ أن تكونَ استئنافاً لبيانِ تلك السبيلِ.
وقولُه:{أَدْعُو إِلَى اللهِ} لأن الدُّعَاةَ ينقَسِمُون إلى قسمينِ:
أحدهما: داعٍ إلى اللهِ.
والآخر: داعٍ إلى غيرِه.
فالداعي إلى اللهِ -تعالى-: هو المُخْلِصُ الذي يُريدُ أن يُوصِلَ الناسَ إلى اللهِ تعالى.
والدَّاعي إلى غيرِهِ: قد يكونُ داعياً إلى نفسِه، يَدْعُو إلى الحقِّ لأجلِ أنْ يُعظَّمَ بينَ الناسِ ويُحترمَ، ولهذا تجِدُه يَغْضَبُ إذا لم يفعَلِ الناسُ ما أمَرَ به، ولا يغضَبُ إذا ارتَكبوا نهياً أعظمَ مِنْه، لكنْ لم يَدْعُ إلى ترْكهِ.
وقدْ يكونُ داعياً إلى منْ يُعظمه.

(4) قولُه: {عَلَى بَصِيرَةٍ} أي: علمٍ، فتضَمَّنَت هذه الدعوةُ الإخلاصَ والعلمَ؛ لأنّ أكثرَ ما يُفْسِدُ الدعوةَ عَدَمُ الإخلاصِ، أو عدمُ العلمِ، وليس المقصودُ هنا بالعلمِ في قولِه: {عَلَى بَصِيرَةٍ} العلمَ بالشرعِ فقط، بل يَشْمَلُ:
-العلمَ بالشرعِ.
-والعلمَ بحالِ المدعوِّ.
-والعلمَ بالسبيلِ المُوصِلِ إلى المقصودِ.
فيكونُ بصيراً بحكمِ الشرعِ، وبصيراً بحالِ المدعوِّ، وبصيراً بالطريقِ الموصلةِ لتحقيقِ الدعوةِ، ولهذا قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-
لمعاذٍ: ((إنَّكَ تَأتي قَوْماً مِنْ أهلِ الكِتابِ)).
وقولُه: {أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} ذكَروا فيها قولين:
الأولُ:{أنا}مبتدأٌ، وخبرُها{على بَصِيرَةٍ} و{مَن اتَّبَعَنِي} معطوفةٌ على {أنا} أي: أنا ومَن اتَّبَعَني على بصيرةٍ، أي: في عِبادتي، ودَعْوَتي.
الثاني: {أنا}توكيدٌ للضميرِ المستترِ في قوله: {أَدْعُو} أي: أدعو أنا إلى اللهِ ومَن اتَّبعَني يدْعُو أيضاً، أي: قُل هذه سبيلي أَدْعُو إلى اللهِ، ويَدْعُو مَن اتَّبَعني، وكلانا عَلى بصيرةٍ.
قولُه: {وَسُبْحَانَ اللهِ} أي: وسُبحانَ اللهِ أنْ أكونَ أدْعُو على غيرِ بصيرةٍ.
قولُه: {وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} محلُّها مما قبلَها في المعنى توكيدٌ؛ لأن التوحيدَ معناه نفيُ الشِّركِ.

(5) قولُه: (بعَث) أيْ: أرسَلَه، وبعَثَه على صفةِ المُعَلِّمِ، والحاكمِ، والداعي، وكان ذلكَ في ربيعٍ الأولِ سنةَ عشرٍ من الهجرةِ، هذا هو المشهورُ، بعَثَه هو وأبا موسى الأشعريَّ، رضِيَ اللهُ عنهما، فبعثَ معاذاً إلى صَنْعاءَ، وما حولَها، وأبا موسى إلى عَدْنٍ وما حولَها وأمَرَهما: أنِ اجتَمِعا وتَطَاوَعَا، ولا تَفْتَرِقا، ويَسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبشِّرا ولا تُنَفِّرا.

(6) قولُه: (إنَّكَ تَأتي قَوْماً مِنْ أهلِ الكِتابِ) قال ذلك مُرْشِداً له، وهذا دليلٌ على معرفتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بأحوالِ الناسِ، وما يَعْلَمُه من أحوالِهم، فلَه طريقان:
أحدهما: الوحيُ.
والآخر: العلمُ والتَّجْرِبَةُ.
وقولُه: (مِن) بيانيَّةٌ، والمرادُ بالكتابِ: التوراةُ والإنجيلُ، فيكونُ المرادُ اليهودَ والنصارى، وهُم أكثرُ أهلِ اليَمنِ في ذلك الوقتِ، وإن كانَ في اليمنِ مشركون، لكنَّ الأكثرَ اليهودُ والنصارى، ولهذا اعْتَمدَ الأكثرَ. وأخْبرَه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بذلك لأمرينِ:
الأولُ: أنْ يكونَ بصيراً بأحوالِ مَن يَدْعُو.
الثاني: أنْ يكونَ مُسْتَعِدّاً لهم؛ لأنهم أهلُ كتابٍ، وعندَهم علمٌ.

(7) قولُه: (فلْيَكُنْ) الفاءُ للاستئنافِ، أو عاطفةٌ، واللامُ للأمرِ، و(أولُ) اسمُ (يكن) وخبرُها (شهادةَ)
وقيل: العكسُ، يعني (أولَ) خبرٌ و(شهادةُ) اسمُ (يَكُنْ) مؤخَّراً.
والظاهرُ أنه يريدُ أن يُبَيِّنَ أنَّ أولَ ما يكونُ الشهادةُ، وإذا كان كذلك يكونُ (أولُ) مَرفوعاً على أنه اسمُ يكن، أي: أولُ ما تدْعُوهم إليهِ شهادةُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ.
وقولُه: (شهادةَ) الشهادةُ هنا مِن العلمِ، قالَ تعالى: {إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}فالشهادةُ هنا العلمُ والنُّطقُ باللسانِ؛ لأنَّ الشاهدَ مُخْبِرٌ عن علمٍ، وهذا المقامُ لا يَكْفِي فيه مجردُ الإخبارِ، بل لا بدَّ من علمٍ وإخبارٍ وقبولٍ وإقرارٍ وإذعانٍ، أي: انقيادٍ.
فلو اعتَقَدَ بقلبِهِ، ولم يقلْ بلسانِه أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، فقد قالَ شيخُ الإسلامِ: (إنه ليس بمسلمٍ بالإجماعِ حتَّى ينطِقَ بها؛ لأنَّ كلمَةَ(أشهدُ)تدلُّ على الإخبارِ، والإخبارُ متضمِّنٌ للنطقِ، فلا بدَّ من النطقِ، فالنيَّةُ فقط لا تُجْزِئُ، ولا تنفعُه عندَ اللهِ حتى ينطقَ، والنبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قال لعمِّه أبي طالبٍ: ((قُلْ)) ولم يقلْ: اعْتَقِدْ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ.

(8) قولُه: (لأُعْطِيَنَّ) هذه جملةُ مُؤَكَّدةٌ بثلاثِ مُؤَكِّدَاتٍ:
-القَسَمُ المقدَّرُ.
-واللامُ.
-والنونُ.
والتقديرُ: (واللهِ لأُعْطِينَّ).
قولُه: (الرايةَ) هي العَلَمَ، وسُمِّيَ رايةً لأنَّه يُرَى، وهو ما يتَّخِذُه أميرُ الجيشِ للعَلامَةِ على مَكَانِه.

(9) قولُه: (يُحِبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبُّه اللهُ ورسولُهُ) أثبتَ المحبَّةَ للهِ مِن الجانبيْن، أيْ: أنَّ اللهَ -تعالى- يُحِبُّ ويُحَبُّ، وقد أنكَرَ هذا أهلُ التعطيلِ.
وقالوا: المرادُ بمحبَّةِ اللهِ للعبدِ: إثابَتُه أو إرادةُ إثابَتِه.
- والمرادُ بمحبَّةِ العبدِ للهِ: محبَّةُ ثوابِه. وهذا تحريفٌ للكلامِ عن ظاهرِه، مخالِفٌ لإجماعِ السلَفِ من الصحابةِ والتابعين وأئمَّةِ الهُدَى من بعدِهِم، ومحبَّةُ اللهِ -تعالى- ثابِتَةٌ له حَقيقَةً، وهي مِن صِفَاتِهِ الفعليةِ، وكلُّ شيءٍ مِن صفاتِ اللهِ يكونُ له سببٌ فهو من الصفاتِ الفعليةِ، والمحبةُ لها سبَبٌ، فقد يُبغِضُ اللهُ إنساناً في وقتٍ ويحبُّه في وقتٍ لسببٍ مِن الأسبابِ.

(10) قولُه: (عَلَى يَدَيْهِ) أي: يَفْتَحُ اللهُ خَيْبَرَ على يدَيْه، وفي ذلك بِشارةٌ بالنصرِ.
(11) قولُه: (يَدُوكون) أي: يَخُوضُون، وجملةُ يدوكون خبرُ باتَ.
(12) قولُه: (غَدَوْا عَلى رسولِ اللهِ) أيْ: ذهبوا إليه في الغُدْوَةِ مُبَكِّرين، كلُّهم يَرْجُو أن يُعطاهَا لينالَ محبةَ اللهِ ورسولِه.
(13) قولُه: (فقالَ: ((أين عليٌّ؟)) ) القائلُ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
(14) قولُه: (يَشتَكي عَيْنَيْهِ) أيْ: يتألَّمُ منهما، ولكنَّه يَشْتَكِي إلى اللهِ؛ لأنَّ عَيْنَيْهِ مريضةٌ.
(15) وقولُه: (فأرْسَلوا إليه) بأمرِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
(16) قولُه: (فأُتي بِه) كأنَّه -رضيَ اللهُ عنه- قد عُمِّمَ على عينيهِ؛ لأنَّ قولَه: (أُتِي به) أي: يُقادُ.

(17) وقولُه: (كأنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ) أي: ليس بهما أثرُ حُمْرةٍ، ولا غيرِها.
قولُه: (فبرَأَ) هذا مِن آياتِ اللهِ الدالةِ على قدرتِهِ وصِدْقِ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وهذا من مناقِبِ أميرِ المؤمنين عليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضِيَ اللهُ عنه- أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه، ويُحِبُّهُ اللهُ ورسولُهُ لتخصيصِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- له ذلك مِن بينِ سائرِ الصحابةِ.

(18) قولُه: ((انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ)) أي: مَهْلِك، مأخوذٌ مِن رِسْلِ الناقةِ أي: حليبِها، يُحْلَبُ شيئاً فشيئاً، والمعنى: امْشِ هُوَيْنَى هُوَيْنَى؛ لأن المقامَ خطيرٌ، فهوَ يَخْشَى مِن كَمِينٍ، لأنَّ اليهودُ خُبثاءُ أهلُ غدرٍ.

(19) قولُه: (حتى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِم) أيْ: ما يَقْرُبُ منهم، وما حولَهم، والنبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يقولُ: ((إنّا إِذا نَزَلْنا بِساحَةِ قَوْمٍ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِين)).

(20) قولُه: (ثمّ ادْعُهُمْ إِلى الإسْلامِ) أي: أهلَ خَيْبَرَ.
قال في (تيسير العزيز الحميد) ص127، فيما ينقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني رحمه الله: (وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، واتفقت عليه الأمّة: أن أصل الإسلام، وأول ما يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فبذلك يصير الكافر مسلماً والعدو ولياً، والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال، ثم إن كان ذلك من قلبه فقد دخل في الإيمان، وإن قاله بلسانه دون قلبه فهو في ظاهر الإسلام دون باطن الإيمان، وفيه البداءة في الدعوة والتعليم بالأهم فالأهم)

(21) قولُه: (وأَخْبِرْهُمْ بِما يَجِبُ عليهِم) أي: فلا تَكْفِي الدعوةُ إلى الإسلامِ فقط، بل يُخْبِرُهُم بما يَجِبُ عليهم فيه، حتى يَقْتَنِعوا بهِ، ويَلْتَزِمُوا.
وهذه المسألةُ يَتَردَّدُ الإنسانُ فيها: هل يُخْبِرُهم بما يَجِبُ عليهم من حقِّ اللهِ في الإسلامِ قبلَ أن يُسْلِمُوا أو بعدَه؟وإذا نَظَرْنا إلى ظاهرِ حديثِ معاذٍ وحديثِ سهلٍ هذا فإننا نقولُ: الأَوْلَى أنْ تَدْعُوَه للإسلامِ، وإذا أسْلَمَ تُخْبِرُهُ.
وإذا نَظَرْنَا إلى واقعِ الناسِ الآنَ وأنَّهم لا يُسْلِمُون عن اقْتِنَاعٍ، فقد يُسْلِمُ وإذا أخْبَرْتَه ربما يَرْجِعُ، قلنا: يُخْبَرونَ أولاً بما يَجِبُ عليهم مِن حقِّ اللهِ فيه؛ لئلاَّ يرْتَدُّوا عن الإسلامِ بعدَ إخبارِهِم بما يَجِبُ عليهم، وحينئذٍ يجِبُ قَتْلُهُم؛ لأنهم مُرْتَدُّون، ويَحْتَمِلُ أنْ يقالَ: تُتْرَكُ هذه المسألةُ للواقعِ وما تَقْتَضِيه المصلَحَةُ من تقديمِ هذا أو هذا.

(22) قولُه: (لأنْ يَهْدِيَ اللهُ) اللامُ واقِعَةٌ في جوابِ القَسَمِ.
قولُه: (خيرٌ لَكَ) (أنْ) وما دخَلَت عليه في تأويلِ مصدرٍ مبتدأٌ، و(خير) خبرٌ، ونظيرُها قولُه -تعالى-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}.

(23) قولُه: (حُمْرِ النَّعَمِ) بتسكينِ الميمِ جمعُ أحْمَرَ، وبالضَّمِّ جمعُ حِمَارٍ، والمرادُ الأوَّلُ.
وحُمْرُ النَّعَمِ هي الإبلُ الحمراءُ، وذكَرَها؛ لأنَّها مَرغُوبَةٌ عندَ العربِ، وهي أحسنُ، وأَنْفَسُ ما يكونُ مِن الإبلِ عندَهم.
وقولُه: (لأَنْ يهديَ اللهُ بِكَ) ولم يقُلْ: لأنْ تَهْدِيَ؛ لأنَّ الذي يَهْدِي هو اللهُ.
والمرادُ بالهدايةِ هنا: هدايةُ التوفيقِ والدَّلالةِ.
وهل المرادُ الهدايةُ مِن الكفرِ إلى الإسلامِ، أم يَعُمُّ كل هدايةٍ؟
نقولُ: هو موجَّهٌ إلى قومٍ يدْعُوهم إلى الإسلامِ، وهل نقولُ: إنَّ القرينةَ الحاليةَ تَقْتَضِي التَّخصيصَ، وأنَّ مَن اهْتَدَى على يَدَيْه رجلٌ في مسألةٍ فرعيَّةٍ مِن مسائِلِ الدِّينِ لا يَحْصُلُ له هذا الثوابُ بقرينةِ المقامِ؛ لأنَّ عليّاً موجَّهٌ إلى قومٍ كُفَّارٍ يدْعُوهم إلى الإسلامِ، واللهُ أعلَمُ.

(24) فيه مسائِلُ:
الأولى: (أنَّ الدعْوَةَ إلى اللهِ طريقُ مَن اتَّبَعه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ)
وتُؤخذُ مِن قولِه تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}.
والأشملُ من ذلك، والأبلغُ في مطابقةِ الآيةِ أن يقالَ: إنَّ الدعوةَ إلى اللهِ طريقُ الرُّسُلِ وأتْبَاعِهِم.

(25) الثانيةُ: (التنبيهُ على الإخلاصِ) وتُؤخَذُ من قولِه: {أَدْعُو إلى اللهِ} ولهذا قالَ: (لأنَّ كثيراً مِن الناسِ لو دَعا إلى الحقِّ فهو يدْعُو إلى نفْسِهِ) فالذي يدْعُو إلى اللهِ هو الذي لا يريدُ إلا أنْ يقومَ دينُ اللهِ، والذي يدْعو إلى نفسِهِ هو الذي يريدُ أنْ يكونَ قولُه هو المقبولَ حقّاً كان أم باطلاً.

(26) الثالثةُ: (أنَّ البصيرةَ مِن الفرائِضِ)
وتُؤْخَذُ مِن قولِه تعالى: {أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}
ووجهُ كونِ البصيرةِ من الفرائِضِ؛لأنه لا بدَّ للداعيةِ من العلمِ بما يدعو إليه، والدعوةُ فريضَةٌ، فيكونُ العلمُ بذلك فريضةً.

(27) الرابعةُ: (مِن دلائلِ حُسْنِ التوحيدِ كونُه تَنْزيهًا للهِ - تعالى - عن المسَبَّةِ) وتُؤخَذُ مِن قولِه تعالى: {وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
فسُبحانَ اللهِ دليلٌ على أنَّه واحِدٌ لكمالِهِ، ومعنى عن المسبَّةِ أي: وعَن مماثلةِ الخالِقِ للمخلوقِ؛ إذ تَمْثيلُ الكاملِ بالناقصِ يَجْعَلُه ناقِصاً.

(28) الخامسةُ: (أنَّ مِن قُبحِ الشِّركِ كونَه مسبَّةً للهِ)
وتؤخذُ من قولِه تعالى: {وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بعدَ قولِه: {وَسُبْحَانَ اللهِ}.

(29) السادسةُ: (وهي من أَهَمِّها: إبعادُ المسلمِ عن المشركين؛ لئلا يصيرَ منهم ولو لم يشرِكْ) لقولِه تعالى: {وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
ولم يقُلْ: (وَمَا أنا مُشْرِكٌ) لأنه إذا كان بينَهم، ولو لم يكنْ مُشرِكاً، فهو في ظاهِرِهِ منهم، ولهذا لما قالَ اللهُ للملائكَةِ: {اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} توجَّهَ الخِطَابُ له ولَهُم؛ مع كونه ليس منهم.

(30) السابعةُ: (كونُ التوحيدِ أوَّلَ واجِبٍ) تُؤْخَذُ من قولِه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((فَلْيَكُنْ أولَ ما تَدْعُوهُم إليهِ شَهادةُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ)).
وفي روايةٍ: ((أَنْ يُوحِّدُوا اللهَ)).
وقد قالَ بعضُ العلماءِ: (أولُ واجبٍ هوَ النظرُ، لكنَّ الصوابَ أنَّ أوَّلَ واجبٍ هو التوحيدُ؛ لأنَّ مَعْرِفَةَ الخالِقِ دلَّت عليها الفِطْرَةُ).

(31) الثامنةُ: (أنه يُبدأُ به قبلَ كلِّ شيءٍ) تُؤْخَذُ من قولِه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((ادْعُهُمْ إِلى الإسْلامِ، وأَخْبِرْهُمْ بِما يَجِبُ عليهِم منْ حَقِّ اللهِ تعالى فيهِ)).

(32) التاسعةُ: (أنَّ معنى:((أنْ يُوَحِّدوا اللهَ)) معنى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلااللهُ)
تُؤْخَذُ مما جاء في الروايتين ففي روايةٍ:((شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ)) وفي الروايةٍ الأخرى: ((أنْ يُوَحِّدُوا اللهَ)).

(33) العاشرةُ: (أنَّ الإنسانَ قد يكونُ مِن أهلِ الكتابِ وهو لا يَعْرِفُها، أو يَعْرِفُها ولا يَعْمَلُ بِهَا) ومرادُه بقولِه: (لا يعْرِفُها، أو يَعْرِفُها) شهادةُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وتُؤخَذُ من قولِه: ((فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعوهُم إليْهِ شهادةُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ)) إذْ لو كانوا يعرفونَ: (لا إلهَ إلا اللهُ) ويعمَلون بها، ما احْتَاجُوا إلى الدعوةِ إليْها.

(34) الحاديةَ عشرةَ: (التنبيهُ على التعليمِ بالتدريجِ) تُؤْخَذُ من قولِه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لمعاذٍ: ((ادعُهُم إلى أنْ يوحِّدوا اللهَ، فإنْ هُم أطاعوكَ لذلك، فأعلِمْهُم أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عليهم..)) الحديثَ.

(35) الثانيةَ عشرةَ: (البداءةُ بالأهمِّ فالأهمِّ) تؤخذُ مِن أمْرِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- معاذاً بالتوحيدِ ليَدْعُوَ إليه أوَّلاً ثمَّ الصلاةِ، ثم الزكاةِ.
(36) الثالثةَ عشرةَ: (مَصْرِفُ الزَّكَاةِ) تُؤْخَذُ مِن قَولِه: ((فتُرَدُّ على فُقَرائِهِم)).

(37) الرابعةَ عشرةَ: (كَشْفُ العالِمِ الشُّبْهَةَ عن المتعلِّمِ) المرادُ بالشبهةِ هنا: شبهةُ العلْمِ، أي: يكونُ عندَه جهلٌ، تؤْخَذُ مِن قولِه: ((إنَّ الله افْتَرَضَ عليهِمْ صَدَقةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهم فتُردُّ عَلى فُقَرائِهم)). فبيَّنَ أنَّ هذِه الصَّدقةَ تُؤْخَذُ مِن الأغنياءِ، وأنَّ مَصْرِفَها الفقراءُ.

(38) الخامسةَ عشْرَةَ: (النهيُ عن كَرائِمِ الأموالِ) تُؤْخَذُ من قولِه:((فإيَّاكَ وكرائِمَ أموالِهِم)) إذْ إيَّاكَ تُفِيدُ التحذيرَ، والتحذيرُ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ، وإيَّاكَ تحذيرٌ.
(39) السادسةَ عشرةَ: (اتقاءُ دعوةِ المظلومِ) تُؤخَذُ من قولِه: ((واتَّقِ دَعْوَةَ المظلومِ)).

(40) السابعةَ عشرةَ: (الإِخْبَارُ بأنَّها لا تُحجبُ) تُؤْخَذُ من قولِه: ((فإنهُ لَيْسَ بيْنَها وبينَ اللهِ حِجابٌ)). فقَرَنَ الترغيبَ أو الترهيبَ بالأحكامِ،ممَّا يحثُّ النفسَ إنْ كانَ ترغيباً، ويُبْعِدُها ويَزْجُرُها إن كانَ ترهيباً، لقولِه: ((اتَّقِ دَعْوةَ المظلومِ)) فالنفسُ قد لا تَتَّقِي لكن إذا قيلَ: ليسَ بيْنَها وبينَ اللهِ حِجَابٌ خَافَت ونَفَرَت مِن ذلك.

(41) الثامنةَ عشرةَ: (من أدلَّةِ التوحيدِ ما جَرَى على سيدِ المرْسَلين وساداتِ الأولياءِ مِن المشقَّةِ والجوعِ والوباءِ)الظاهِرُ: أنَّ المؤلِّفَ -رحِمَه اللهُ- يُريدُ الإشارةَ إلى قصَّةِ خَيْبَرَ؛ إذْ وقَعَ فيها في عَهْدِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- جوعٌ عظيمٌ، حتى إنَّهم أكَلوا الحميرَ والثُّومَ.وأمَّا الوباءُ: فهو ما وقَعَ في عهدِ عليٍّ رضيَ اللهُ عنه.وأمَّا المشقَّةُ: فظاهِرَةٌ.ووجهُ كونِ ذلك من أدلَّة التوحيدِ:
أنَّ الصبرَ والتحمُّلَ في مثلِ هذه الأمورِ يدلُّ على إخلاصِ الإنسانِ في توحيدِه، وأنَّ قَصْدَه اللهُ، ولذلكَ صبَرَ على البلاءِ.

(42) التاسعةَ عشرةَ: (قولُه: ((لأُعْطِيَنَّ الرَّايةَ))عَلَمٌ مِن أعلامِ النبوَّةِ)
لأنَّ هذا حصَلَ، فعليُّ بنُ أبي طالِبٍ يُحِبُّ اللهَ ورسولَهُ، ويحبُّهُ اللهُ ورسولُهُ.

(43) العشرون: (تَفْلُه في عينَيْهِ عَلَمٌ مِن أعلامِها أيضاً) لأنَّه بَصَقَ في عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ كأنْ لم يكُن بِهِ وَجَعٌ.
(44) الحاديةُ والعشرون: (فَضِيلةُ عليّ بنِ أبي طالِبٍ (رضِيَ اللهُ عنه) وهذا ظاهِرٌ؛ لأنَّه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبُّه اللهُ ورسولُهُ.
(45) الثانيةُ والعشرون: (فَضْلُ الصحابَةِ في دَوْكِهِم تلكَ الليلةَ، وشُغْلِهِم عن بِشارةِ الفتحِ)
لأنهم انْشَغَلُوا عن بشارةِ الفتحِ بالتِمَاسِهِم مَعْرِفَةَ مَن يُحِبُّ اللهَ ورسولَه، ويُحبُّه اللهُ ورسولُهُ.

(46) الثالثةُ والعشرون: (الإيمانُ بالقدَرِ لحصولِهَا لِمَن لَم يَسْعَ لها ومَنْعِهَا عمَّن سعى) لأنَّ الصحابَةَ غَدَوْا على رسولِ اللهِ مُبَكِّرين، كلُّهم يَرْجُو أنْ يُعطَاهَا ولم يُعْطَوْهَا، وعليُّ بنُ أبي طالِبٍ مريضٌ ولم يسعَ لها، ومع ذلك أُعطِيَ الرَّايةَ.

(47) الرابعةُ والعشرون: (الأدبُ في قولِه: ((على رِسْلِكَ))) ووجهُه: أنَّه أَمَرَهُ بالتَّمَهُّلِ وعدَمِ التَّسَرُّعِ.
(48) الخامسةُ والعشرون: (الدعوةُ إلى الإسلامِ قبلَ القتالِ) لقولِه: ((حتى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِم، ثمّ ادْعُهُمْ إِلى الإسْلامِ)).
(49) السادسةُ والعشرون: (أنه مشروعٌ لِمن دُعُوا قبلَ ذلك وقُوتِلوا).

(50) السابعةُ والعشرون: (الدعوةُ بالحكمةِ) تُؤْخَذُ من قولِه: ((أخبِرْهُم بما يجبُ عليهِم مِن حقِّ اللهِ - تعالى - فيه)) لأن مِن الحكمةِ أن تَتِمَّ الدعوةُ، وذلك بأن تأمرَهُ بالإسلامِ أولاً، ثم تُخْبِرَه بما يجبُ عليه مِن حقِّ اللهِ، ولا يكفي أنْ تأمُرَه بالإسلامِ؛ لأنَّه قد يُطَبِّقُ هذا الإسلامَ الذي أمَرْتَه به، وقد لا يُطَبِّقُه، بل لا بُدّ من تَعَاهُدِهِ حَتَّى لا يَرْجِعَ إلى الكفْرِ.

(51) الثامنةُ والعشرون: (المعرفةُ بحقِّ اللهِ - تعالى - في الإسلامِ) تُؤْخَذُ مِن قولِه: ((وأَخْبِرْهُمْ بِما يَجِبُ عليهِم منْ حَقِّ اللهِ تعالى فيهِ)).
(52) التاسعةُ والعشرون: (ثوابُ مَن اهْتَدَى على يديه رجلٌ واحدٌ) لقولِه: ((لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً واحداً خيرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ))أي: خيرٌ لك من كلِّ ما يُسْتَحْسَنُ في الدنيا، وليس المعْنَى كما قالَ بعضُهم: خيرٌ لك مِن أنْ تَتَصَدَّقَ بنِعَمٍ حُمْرٍ.

(53) الثلاثون: (الحلفُ على الفُتْيا) لقولِه: ((فَواللهِ لأنْ يَهْدِيَ اللهُ.. إلخ)) فأَقْسَمَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وهو لم يُسْتَقْسَمْ.
والفائِدةُ: هي حَثُّه على أنْ يَهْدِيَ اللهُ بِهِ والتوكيدُ عليه،ولكنْ لا يَنْبَغِي الحلِفُ على الفُتْيا إلا لمصْلَحَةٍ وفائِدةٍ؛ لأنه قد يَفْهَمُ السامِعُ أنَّ المُفْتِيَ لم يحلِفْ إلا لشكٍّ عندَه.
والإمامُ أحمدُ -رحِمَه اللهُ- أحياناً يقولُ في إجابَتِهِ: (إي واللهِ).


  #8  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 07:42 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح فضيلة الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فأسأل الله- جل وعلا- لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يستعملنا فيما يحب ويرضى، وأن يجعل العلم حجة لنا لا حجة علينا.
هذا وإنّ من المهمّات في مسير طالب العلم: أن يعتني بحفظ العلم المنتخب، وأعني بحفظ العلم المنتخب:الذي يتصيده من الكتب؛ أو مما سمعه من العلماء، أو المشايخ، أو طلبة العلم؛ ذلك أن تعليم العلم يكون معه فوائد قد لا يجدها الأكثرون في الكتب؛ ولهذا لابد من التقييد، والتقييد يكون في دفتر خاص.
وقلما تجد أحداً من أهل العلم؛ إلا وكان له في سِنِيِّ الطلب دفتر خاص، أوراق مجموعة يكتب فيها ما ينتخبه من المهمات مما يقرأ، أو مما يسمعه من الشيوخ؛ لأنك إذا كنت تقرأ ستجد أشياء كثيرة ليست ملفتة للنظر، ولست بحاجة إليها في فترتك التي تعيشها، وتارة تجد أشياء مهمة، كذلك فيما تسمعه من العلماء، أو من المعلمين، فإن ثمة أشياء مهمة، وثمة أشياء من قبيل الوصف.
الوصف يمكن أن يُدْرَك بمراجعة بعض المراجع القريبة ونحو ذلك:
-أما ما كان من قبيل التعاريف.
-أو التقاسيم.
-أو التصوير.
-أو ذكر الخلاف.
-أو ذكر الراجح.
-أو ذكر الدليل.
-أو ذكر وجه الاستدلال: فهذا لابد من تقييده .
إذًا: فكان من اللوازم لك أن تتخذ لك كراسة خاصة تكتب فيها الفوائد.
-والفوائد هذه: إما أن تكون مقروءة، أو مسموعة، والذي أريد أن تكتبه في هذا المنتخب أو الكراسة: أن تعتني فيه بكتابة التعاريف أو الضوابط؛ لأن العلم نصفه في التعاريف والضوابط، وأن تعتني فيها بذكر القيود، إذا سمعت قيداً في مسألة فإن القيد أهميته كأهمية أصل المسألة؛ لأنه بدون فهم القيد يكون تصور أصل المسألة غير جيد، بل قد يكون خطأً فَـتُنْزِلها في غير منـزلتها.
-أو التقاسيم، تجد في بعض كتب أهل العلم مثلاً قولاً بأن هذه المسألة تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أو هذه الصورة لها ثلاث حالات، لها خمس حالات، لها حالتان وكل حالة تنقسم إلى حالتين، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (العلم إدراكه في إدراك تقاسيم) فذهنك من الحسن؛ بل من المتأكد أن تعوده على ضبط التعاريف، ضبط القيود، على إدراك التقسيمات، إذا رأيت في كلام بعض أهل العلم أن هذه تنقسم إلى كذا وكذا، فمن المهم أن تسجل ذلك، وأن تدرسه وأن تتحفظه؛ لأن في التقسيمات ما يجلو المسألة، وبدون التقاسيم تدخل بعض الصور في بعض، وتدخل بعض المسائل في بعض، أما إذا قُسِّمَت فإن في التقسيم ما يوضِح أصل المسألة لأن لكل حالة قسماً.
أيضاً من المهمات لك في مسيرك في طلب العلم فيما تقيده: أن يكون لك تقييم بعد كل فترة من الزمن فيما كتبته في تلك الكراسة أو الكراسات، ستجد أنك مثلاً: بعد مضي سنة من طلبك للعلم، تجد أنك تستغرب ما كتبته في تلك السنة بعد مدة،لماذا؟
لأنك أول ما كتبت كانت المسائل جديدة عليك، فكتبت لتحفظ، وبعد أن حفظت ودرست وكررت ما كتبته في هذه الكراسة صارت واضحة وضوح اسمك لديك، وبالتالي فإن المعلومات تزيد، وكلما ازدادت المعلومات بحفظ ما سبق، يكون السابق واضحاً لديك، لست محتاجاً لعناء في تناوله من العقل أو الذهن؛ لأنه صار محفوظاً متصوراً بقيوده وبضوابطه.
إذاً: من المهم أنْ ترتب نفسك؛ في أنْ تنتخب مما تقرأ أو مما تسمع أشياء مهمة تتعلق بما ذكرنا: إما بالتعاريف، وإما بالضوابط، أو بالقيود، أو بالتقاسيم، أو بالدليل، أو بوجه الاستدلال، وهذا يشمل جميع العلوم، سواء من ذلك العلوم الصناعية يعني: علوم الآلة؛ أو العلوم الأصلية التي هي المقصودة، حبذا لو تبدأ بهذا من اليوم، فتجعل لك منتخباً تنتخب فيه الفوائد، ثم تتحفظها، ثم بعد مدة سترى أنها صارت سهلة ميسورة، فتنتقل إلى غيرها، فيجتمع العلم بعد مدة، أسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم ممن يسر عليه العلم، ويسر عليه العمل.
باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
هذا الباب هو: (باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله) باب الدعوة إلى التوحيد.
-وقد ذكر في الباب قبله: الخوف من الشرك.
-وقبله ذكر فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، و(باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب) ولما ذكر بعده (باب الخوف من الشرك) اجتمعت معالم حقيقة التوحيد في النفس - في نفس الموحد - فهل من اجتمعت حقيقة التوحيد في قلبه؛ بأن عرف فضله، وعرف معناه، وخاف من الشرك، ومعنى ذلك أنه استقام على التوحيد وهرب من ضده، هل يبقى مقتصراً على نفسه؟
أم إنه لا تتم حقيقة التوحيد في القلب؛ إلا بأن يدعو إلى حق الله الأعظم، ألا وهو إفراده -جل وعلا- بالعبادة، وبما يستحقه سبحانه وتعالى من نعوت الجلال، وأوصاف الجمال.بوب الشيخ -رحمه الله- هذا الباب ليدل على أن من تمام الخوف من الشرك، ومن تمام التوحيد: أن يدعو المرء إلى التوحيد، فإنه لا يتم في القلب حتى تدعو إليه.
وهذه حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله؛لأن الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله عُلِمَتْ حيث شهد العبد المسلم لله بالوحدانية، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وشهادته معناها: اعتقاده، ونطقه، وإخباره الغير بما دلت عليه، فلا بد إذن في حقيقة الشهادة وفي تمامها من أن يكون المكلف الموحد داعياً إلى التوحيد، لهذا ناسب أن يذكر هذا الباب بعد الأبواب قبله.ثم له مناسبة أخرى لطيفة، وهي: أن ما بعد هذا الباب هو تفسير للتوحيد، وبيان أفراده، وتفسير للشرك، وبيان أفراده؛ فيكون إذاً الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، الدعوة إلى التوحيد: دعوة إلى تفاصيل ذلك، وهذا من المهمات؛ لأن كثيرين من المنتسبين للعلم من أهل الأمصار، يسلمون بالدعوة إلى التوحيد إجمالاً، ولكن إذا أتى التفصيل في بيان مسائل التوحيد، أو جاء التفصيل لبيان أفراد الشرك؛ فإنهم يخالفون في ذلك، وتغلبهم نفوسهم في مواجهة الناس في حقائق أفراد التوحيد، وأفراد الشرك.
إذاً: فالذي تميزت به هذه الدعوة - دعوة الإمام المصلح رحمه الله- أن الدعوة فيها إلى شهادة أن لا إله إلا الله دعوة تفصيلية ليست إجمالية، أما الإجمال فيدعوا إليه كثيرون، نهتم بالتوحيد ونبرأ من الشرك؛ لكن لا يذكرون تفاصيل ذلك، والذي ذكره الإمام -رحمه الله- في بعض رسائله، أنه لما عرض هذا الأمر -يعني الدعوة إلى التوحيد- عرضه على علماء الأمصار، قال: (وافقوني على ما قلت؛ وخالفوني في مسألتين: في مسألة التكفير، وفي مسألة القتال). وهاتان المسألتان سبب المخالفة - مخالفة أولئك العلماء فيها -: أنهما فرعان ومتفرعتان عن البيان والدعوة إلى أفراد التوحيد؛ والنهي عن أفراد الشرك.
إذاً: الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، هو:
-الدعاء إلى ما دلت عليه من التوحيد.
-والدعاء إلى ما دلت عليه من نفي الشريك في العبادة، وفي الربوبية، وفي الأسماء والصفات عن الله جل وعلا. وهذه الدعوة دعوة تفصيلية لا إجمالية،ولهذا فصل الإمام -رحمه الله- في هذا الكتاب أنواع التوحيد، وأفراد توحيد العبادة؛ وفصّل الشرك الأكبر، والأصغر، وبين أفراداً من ذا وذاك يأتي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله في الباب الذي بعده؛ لأنه (باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله).قال رحمه الله: (وقول الله تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}) هذه الآية من آخر سورة يوسف هي في الدعوة إلى الله، وسورة يوسف -كما هو معلوم مِن تأملها- هي في الدعوة إلى الله، من أولها إلى آخرها موضوعها: الدعوة، لهذا جاء في آخرها قواعد مهمة في حال الدعاة إلى الله، وحال الرسل الذين دعوا إلى الله، وما خالف به الأكثرون الرسل، واستيئاس الرسل من نصرهم، ونحوِ ذلك من أحوال الدعاة إلى الله، في آخر تلك السورة قال الله -جل وعلا- لنبيه: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}، {هَـذِهِ سَبِيلِي} أنني أدعو إلى الله، فمهمة الرسل هي الدعوة إلى الله جل وعلا {هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} وأحسن الأقوال: قول من دعا إلى الله، وأحسن الأعمال عمل من دعا إلى الله جل وعلا
ولهذا قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال الحسن البصري -رحمه الله - في تفسير هذه الآية ما معناه : (هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله من خلقه، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، هذا خليل الله، هذا حبيب الله).
وهذا أمر عظيم في أن الداعي إلى الله هو أحسن أهل الأقوال قولاً {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}
-قال -جل وعلا- هنا: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} قوله: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} هذا موطن الشاهد، فإنه دعاء إلى الله -جل وعلا- لا إلى غيره، وهذه فيها فائدتان:
الأولى: أن الدعوة إلى الله دعوة إلى توحيده، دعوة إلى دينه؛ كما سيأتي تفسير هذه الكلمة في الحديثين بعدها، حديث ابن عباس في إرسال معاذ إلى اليمن، وحديث سهل بن سعد-رضي الله عنه- في إعطاء عليٍّ الراية .
- قال جل وعلا: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ}، الفائدة الأولى: أن الدعوة إلى التوحيد.
الثانية: أن في قوله:{أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} التنبيه على الإخلاص، وهذا يحتاجه من أراد الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، والدعاء إلى الإسلام، يعني: الدعوة إلى الإسلام، يحتاج أن يكون مخلصاً في ذلك، ولهذا قال الشيخ -رحمه الله- في مسائل هذا الباب: في قوله: {إِلَى اللَّهِ} التنبيه على الإخلاص؛ لأن كثيرين وإن دعوا إلى الحق فإنما يدعون إلى أنفسهم، أو نحو ذلك.
قال: {عَلَى بَصِيرَةٍ} البصيرة هي: العلم، البصيرة للقلب كالبصر للعين يبصر بها المعلومات والحقائق، فكما أنك بالعين تبصر الأجرام والذوات، فالمعلومات تبصر بالبصيرة؛ بصيرة القلب والعقل، يعني: أنه دعا على علم، وعلى يقين، وعلى معرفة، لم يدع إلى الله على جهالة.
-قال: {أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يعني: أدعو أنا إلى الله ومن اتبعني ممن أجاب دعوتي، فإنهم يدعون إلى الله أيضاً على بصيرة، وهذا أيضاً من مناسبة إيراد الآية تحت هذا الباب؛ لأن من اتبع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعون إلى الله.
فإذاً: المتبعون للرسول -عليه الصلاة والسلام- الموحدون، لابد لهم من الدعوة إلى الله، بل هذه صفتهم التي أمر الله نبيه أن يخبر عن صفته وعن صفتهم، قال: {قل} يعني: يا محمد{هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فهذه إذاً خصلة أتباع الأنبياء: أنهم لم يخافوا من الشرك فحسب، ولم يعلموا التوحيد ويعملوا به فحسب، بل أنهم دعوا إلى ذلك، وهذا أمر حتمي؛ لأن من عرف عظم حق الله -جل وعلا- فإنه:
- يغار على حق الرب سبحانه وتعالى.
- يغار على حق مولاه.
- يغار على حق من أحبّه فوق كل محبوب: أن يكون توجه الخلق إلى غيره بنوع من أنواع التوجهات، فلابد إذاً أن يدعو إلى أصل الدين، وأصل الملة الذي اجتمعت عليه الأنبياء والمرسلون، ألا وهو توحيده -جل وعلا- في:
- عبادته.
- وفي ربوبيته.
- وفي أسمائه وصفاته جل وعلا وعز سبحانه.
ثم ساق الإمام -رحمه الله- حديث ابْنِ عَبَّاس أنه قال: لما بعث النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مُعَاذاً إِلى اليَمَنِ قَالَ لَهُ: ((إنَّكَ تَأتي قَوْماً مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِليْهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَفي رِوَايَةٍ- إِلى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ)) هذا موطن الشاهد، وهو أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر معاذاً إذا دعا أن يكون أول الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وفسَّرتها الرواية الأخرى بالبخاري في كتاب التوحيد من (صحيحه) قال: ((إِلى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ)) فشهادة أن لا إله إلا الله، الدعوة إليها مأمور بها، وهي الدعوة إلى التوحيد، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر معاذاً أن يدعو أهل اليمن وهم من أهل الكتاب، يعني من أهل الكتاب الذي هو التوراة والإنجيل، بعضهم يهود وبعضهم نصارى، أما المشركون فهم فيهم قليل، بل أكثرهم على أحد اتباع المِلّتين، قال العلماء في قوله -عليه الصلاة والسلام- له : ((إنَّكَ تَأتي قَوْماً أَهْلَ كِتَاب)) فيه توطين، وفيه توطئة للنفس أن يهيأ نفسه لمناظرتهم.
ومعاذ بن جبل من العلماء بدين الإسلام، ومن علماء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فقال له -عليه الصلاة والسلام- ذلك ليهييء نفسه لمناظرتهم ولدعوتهم، ثم أمره أن يكون أول الدعوة إلى أن يوحدوا الله جل وعلا.
في قوله هنا: ((فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِليْهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)) هذه تقرأ على وجهين:
الأول: ((فَلْيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إِليْهِ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)) فتكون ((أَوَّلُ)) اسم ((يَكُنْ)) وتكون ((شَهَادَةَ)) هي الخبر.
وهذا من جهة المعنى معناه: أنه أخبره عن الأوليّة، فابتدأ بالأولية ثم أخبره بذلك الأول.
والضبط الثاني أو القراءة الثانية: أن تقرأ هكذا ((فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِليْهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)) فيكون ((أولَ)) خبر ((يكن)) مقدّم، و ((شهادةُ))اسم ((يكن)) مؤخر مرفوع، وهذا معناه: الإخبار عن الشهادة بأنها أول ما يدعى إليه، وهذان الوجهان جائزان، والمشهور هو الوجه الثاني هذا؛ بجعل ((أول)) منصوبة؛ وذلك لأن مقام ذكر الشهادة والابتداء بها هو الأعظم وهو المقصود، ليلتفت السامع والمتلقي -وهو معاذ- إلى ما يراد أن يخبر عنه من جهة الشهادة.
فإذاً: موطن الشاهد من هذا الحديث، ومناسبة إيراد هذا الحديث في الباب: هو ذكر أن أول ما يدعى إليه هو التوحيد، وهو شهادة أن لا إله إلا الله.
ثم ساق أيضاً حديث سهل بن سعد الذي في (الصحيحين):(أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: ((لأُعْطِيَنَّ الرَّايةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ)) فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُم)
(بات): البيتوتة هي المكث في الليل، معه نوم أو ليس معه نوم.
(بَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُم) يعني: يخوضون في تلك الليلة، باتوا: يعني ظلوا ليلاً يتحدثون من دون نوم؛ لشدة هذا الفضل الذي ذكره عليه الصلاة والسلام .
قال: (فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلُّهُم يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: ((أَيْنَ عَلِيُّ بنُ أَبي طَالِبٍ؟)) فَقِيلَ: هُوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ في عَيْنَيْهِ، ثم (دَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ) فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ: ((انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِم، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلى الإِسْلاَمِ))) هذا موطن الشاهد والمناسبة لإيراد هذا الحديث في الباب.
-قال: ((ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِم مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالى فِيهِ))الدعوة إلى الإسلام: هي الدعوة إلى التوحيد؛ لأن أعظم أركان الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وضمَّ إليها -عليه الصلاة والسلام- أن يدعوهم أيضاً إلى حق الله فيه، يعني: إلى ما يجب عليهم من حق الله فيه.
- قال: ((وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِم مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ)) يعني: في الإسلام من جهة التوحيد، ومن جهة الفرائض واجتناب المحرمات، ولهذا كانت الدعوة إلى الإسلام يجب أن تكون في أصله، وهو التوحيد وبيان معنى الشهادتين، ثم بيان المحرمات والواجبات؛ لأن أصل الأصول هو المقدّم؛ فهو أول واجب.
لاحظ أن الآية آية سورة يوسف فيها بيان أن كل الصحابة دعاة إلى الله جل وعلا، دعاة إلى التوحيد، وحديث معاذ: فيه أن معاذاً كان من الدعاة إلى الله، وفُصِّل فيه نوع تلك الدعوة إلى الله جل وعلا.
وكذلك حديث سهل بن سعد الذي فيه قصة علي: فيه الدعوة إلى الإسلام؛ فيكون هذان الحديثان كالتفصيل لقوله في الآية: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فالدعوة على بصيرة: هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، إلى أن يوحدُّوا الله، الدعوة إلى الإسلام وما يجب على العباد من حق الله فيه.


  #9  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 07:44 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي العناصر

مناسبة باب (الدعاء إلى شهادة ألا إله إلا الله) لما قبله
بيان سبب الدعوة إلى التوحيد
معنى قوله -تعالى-: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة) ومناسبتها للباب
- التنبيه على الإخلاص وفرضية البصيرة في قوله: (أدعو إلى الله على بصيرة)
- أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى: (أنا ومن اتبعني)
- أهم ما ميّز دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن غيرها من الدعوات
تفسير قوله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله) الآية
شرح حديث ابن عباس في بعث معاذ بن جبل إلى اليمن
- تخريج حديث معاذ
- ترجمة معاذ بن جبل -رضي الله عنه-
- ما يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب)
- من هم أهل الكتاب؟ ولم نبه النبي معاذاً إلى أنه سيأتيهم؟
مسائل في التوحيد والكفر
- الروايات في قوله: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) ومعناها
- شروط (لا إله إلا الله)
- الحكمة في ذكر المصنف لرواية (إلى أن يوحدوا الله)
- في قوله: (فليكن أول ما تدعوهم إليه ..) دليل على أن التوحيد هو أول واجب
- معنى الكفر بالطاغوت، وتوحيد الله عز وجل
- متى يحكم بإسلام الكافر؟
مسائل في الصلاة
- هل نطق الكافر بالشهادتين عصمة أو دليل للعصمة
- الصلاة أعظم الواجبات بعد التوحيد
- حكم الوتر
- معنى قوله: (فإن هم أطاعوا لك بذلك)
مسائل في الزكاة
- لم خص النبي الفقراء بالذكر في قوله: (فترد على فقرائهم) مع أنها تدفع إليهم وإلى غيرهم؟
- الفرق بين الفقير والمسكين
- حد الغني
- حكم الزكاة في مال الصبي والمجنون
- حكم إعطاء الزكاة للغني وأخذها من الفقير
- حكم إخراج الزكاة إلى صنف واحد
- الإمام يتولى صرف الزكاة
مسألة: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟
الحكمة في ذكر الصلاة والزكاة دون الصوم والحج مع أن بعث معاذ كان متأخراً
- معنى قوله: (فإياك وكرائم أموالهم)
دعوة المظلوم
- معنى (اتق دعوة المظلوم)
- الحكمة في ذكر التحذير من دعوة المظلوم عقب التحذير من أخذ كرائم الأموال
- إجابة دعوة المظلوم العاصي
- مراتب إجابة الداعي
- جملة مما يستفاد من حديث معاذ رضي الله عنه
شرح حديث سهل بن سعد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (لأعطين الراية غداً..)
- منزلة حديث سهل بن سعد (لأعطين الراية غداً..)
- ترجمة سهل بن سعد
- ذكر لفظ مسلم لحديث (لأعطين الراية غداً..)
- مناسبة الحديث للباب
- بيان معنى (الراية) في قوله -صلى الله عليه وسلم- (لأعطين الراية)
- الفرق بين (الراية) و(اللواء)
- في قوله: (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) دليل على فضيلة علي، ورد على النواصب
- هل هذه الفضيلة خاصة بعلي رضي الله عنه
- بشارة النبي بفتح خيبر قبل حصوله
- معنى (يدوكون) في قوله: (فبات الناس يدوكون ليلتهم)
- لماذا تمنى بعض الصحابة أن تكون الراية له؟
- ما يدل عليه قوله: (أين علي بن أبي طالب؟)
- هل شهد علي خيبر
- المراد بقول الصحابة: ( يشتكي عينيه)
- معنى قوله: (فأرسلوا إليه؛ فبصق)
- أثر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بالبرء
- ما يستفاد من قوله: (فأعطاه الراية)
- الأمر بالدعوة قبل القتال
- معنى قوله: (انفذ على رسلك حتى تنزل ساحتهم)
- المراد بالدعوة إلى الإسلام
- المراد بحق الله في قوله: (بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيهم)
- معنى قوله: (لأن يهدي الله... خير لك من حمر النعم)
جملة من فوائد الحديث
- بيان جواز الحلف على الفتيا والقضاء والخبر، وفائدته
- بيان جواز الحلف من غير استحلاف
- الحكمة من تشبيه أمور الآخرة بأمور الدنيا
مسائل الباب
فائدة في حث طالب العلم على تقييد الفوائد المنتخبة من أقوال العلماء كالتعاريف والضوابط والتقاسيم وغيرها.


  #10  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 07:45 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الأسئلة

الأسئلة
س 1: ما مناسبة باب (الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله) لما قبله من الأبواب؟
س 2: تحدث باختصار عن فضل الدعوة إلى الله، وأهميتها.
س 3: هل عدم استجابة الناس للداعية دليل على عدم إخلاصه؟
س 4: بين معنى البصيرة في قوله تعالى: {أدعو إلى الله على بصيرة}.
س 5: هل يدخل في البصيرة: العلم بحال المدعو وطرق دعوته؟ استدل لما تقول.
س 6: بين أوجه الإعراب المحتملة في قوله: {أنا ومن اتبعني}.
س 7: ما معنى الشهادة؟ وهل هي متضمنة للنطق؟
س 8: ما هي الراية في قوله: ((لأعطين الراية))؟
س 9: اذكر تأويل المؤولة لصفة (المحبة) وكيف ترد عليهم؟
س 10: ما معنى (يدوكون) في قول الراوي: ((فبات الناس يدوكون ليلتهم)؟
س 11: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((انفذ على رسلك))؟
س 12: ما المراد بحمر النعم؟ وما ضبطها؟
س 13: هل قوله: ((لأن يهدي الله بك رجلا)) يعم كل هداية، أو هو خاص بالهداية من الكفر؟
س 14: في الباب دليل على كون التوحيد أول واجب، بين ذلك.
س 15: بين حكم الحلف على الفتيا، والحلف من غير استحلاف، مع الاستدلال.
س 16: ما الذي ينبغي على الداعية البداءة به في الدعوة؟
س 17: ما حكم الدعوة قبل القتال؟
س 18: في حديث معاذ دليل على أن الوتر ليس بواجب، وضح ذلك.
س 19: من الذي يتولى جمع الزكوات؟
س 20: الظلم مرتعه وخيم، والظلم ظلمات يوم القيامة، فتحدث بإيجاز عن خطر الظلم، ودعوة المظلوم.
س 21: لِمَ لَمْ يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ الصوم والحج مع تأخر إرسال معاذ إلى اليمن؟
س 22: ما الفرق بين الراية واللواء؟ دلل لما تقول.
س 23: ما أهم ما يميز دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن غيرها من الدعوات؟
س 24: تحدث عن أهمية تقييد العلم، والفوائد المنتخبة من أقوال أهل العلم.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الدعاء, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir