وقال عبد يغوث بن وقاص الحارثي
وكان أسر يوم الكلاب كلاب تميم واليمن وأسرته تيم الرباب.
1: ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا.......وما لكما في اللوم الخير لوم ولا ليا
أي( كفى اللوم) ما أنا فيه فلا تحتاجون إلى لومي مع ما ترون من أسري وجهدي.
2: ألم تعلما أن الملامة نفعها.......قليل وما لومي أخي من شماليا
يقول: ليس (لومي أخي من شمائلي)، قال: شمالي وهو يريد شمائلي أي من أخلاقي وخلائقي.
3: فيا راكبًا إما عرضت فبلغن.......نداماي من نجران أن لا تلاقيا
قال كان الأصمعي ينشده بلا تنوين: (يا راكبًا إما عرضت فبلغن).
4: أبا كرب والأيهمين كليهما.......وقيسًا بأعلى حضر موت اليمانيا
(أبو كرب والأيهمان) من اليمن وقيس بن معدي كرب وهو أبو الاشعث بن قيس الكندي.
5: جزى الله قومي بالكلاب ملامة.......صريحهم والآخرين المواليا
(صريحهم): خالصهم ومحضهم والموالي ههنا الحلفاء ويروى: لحا الله خيلاً بالكلاب دعوتها.
6: ولو شئت نجتني من الخيل نهدة.......ترى خلفها الحو الجياد تواليا
ويروى: (لو شئت نجتني) كميت رجيلة * (ترى خلفها) إلخ، (النهدة) المرتفعة الخلق وكل ما ارتفع يقال له نهد ومنه يقال نهد ثدي الجارية إذا ارتفع وجارية ناهد و(الحو) من الخيل التي تضرب إلى خضرة والحوة الخضرة وقوله (تواليا) أي تتلوها أي تتبعها لأن فرسه خفيفة قد تقدمت الخيل، قال الأصمعي: إنما خص الحو لأنه يقال أنها أصبر الخيل وأخفها عظامًا إذا عرقت لكثرة الجري. رجيلة: شديدة، قال الحارث بن حلزة:
أنى سريت وكنت غير رجيلة.......والقوم قد قطعوا متان السجسج
7: ولكنني أحمي ذمار أبيكم.......وكان الرماح يختطفن المحاميا
(الذمار): ما يجب على الرجل حفظه من منعه جارًا وطلبه ثأرًا و(يختطفن) يذهبن ويروى: وكان العوالي يختطفن المحاميا، كذا رواه أبو عبيدة.
8: أقول وقد شدوا لساني بنسعة.......أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا
هذا مثل و(اللسان) لا يشد (بنسعة) وإنما أراد افعلوا بي خيرًا لينطلق لساني بشكركم وإنكم ما لم تفعلوا فلساني مشدود لا أقدر على مدحكم.
ويروى: (معاشر تيم أطلقوا لي لسانيا)، وكان أسر يوم الكلاب الثاني كلاب أهل اليمن وتميم وفي هذا اليوم قتل النعمان بن جساس من تيم الرباب وكان من فرسانهم عظيم الغناء في هذه الحرب فهزمت الرباب من يليهم من اليمن وهزمت اليمن بني سعد بن زيد مناة، فجاء النعمان يغيث بني سعد وكان رجلاً ثقيلاً لا تكاد تحمله دابة فأعيت به فرسه فنزل للتحول على أخرى، فطعنه رجل من القوم في عضده ففتها أي كسرها وقال: خذها مني وأنا ابن الحنظلية فقال وأبيك إني لملقى من أبناء الحنظليات فقتل النعمان وأسر مصاد بن ربيعة التيمي من تيم الرباب عبد يغوث، وكان مصاد مطعونًا في أكحله فنزفه الدم وعبد يغوث خلفه فسقط وأجهز عليه عبد يغوث ونجا.
وكان عرف أثره عصمة بن أبير السعدي فتبعه فأسره، فاشتراه بنو النعمان بن جساس منه بعد أن كاد يقع فيه الشر بين بني سعد والرباب. فأشار على بني سعد قيس بن عاصم أن يدفعوه إليهم فقال: إني أحب اللبن فباعهم عصمة إياه بثلثين من الإبل، وكعموه بنسعة مخافة أن يهجوهم وقد كانوا سمعوه ينشد شعرًا فقال: أطلقوا لي عن لساني أذم أصحابي وأنوح على نفسي فقالو: إنك شاعر ونخشى أن تهجونا، فجعل لهم أن لا يهجوهم فأطلقوا له عن لسانه، فذلك قوله: أقول (وقد شدوا لساني بنسعة).
9: أمعشر تيم قد ملكتم فأسجحوا.......فإن أخاكم لم يكن من بوائيا
(أسجحوا): سهلوا ويسروا في أمري، يقال خد أسجح وطريق أسجح إذا كان سهلاً يقول لم أقتل صاحبكم ولست به، ويقال: يا فلان بؤ بفلان أي ذهب به يقال ذلك للمقتول بمن قتل، قالت ليلى:
فإن تكن القتلى بواءً فإنكم.......فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر
ويقال (أسجحوا) تسهلوا ولا تشددوا ويقال هو أسجح الجبين واللحيين إذا كانت سبطة مستطيلة، ويقال جرت الخيل على سجحها أي جرت على طرقها و(البواء): السواء، قال أحمد: أي لم يكن أخوكم نظيرًا لي فأكون بواء له.
10: فــــــــــــــــــإن تقتلوني تقتلوا بي سيدًا.......وإن تطلقوني تحربوني بماليا
11: أحقًا عباد الله أن لست سامعًا.......نشيد الرعاء المعزبين المتاليا
(المعزب): المتنحي بإبله والمتالي التي قد نتج بعضها وبقي بعض ويقال للجميع متال الواحدة متلية.
12: وتضحك مني شيخة عبشمية.......كأن لم ترى قبلي أسيرًا يمانيًا
قال أحمد: (الأسير) المأسور نقل من مفعول إلى فعيل كما تقول مقتول وقتيل ومذبوح وذبيح المأسور المشدود أخذ من الأسرة، قال الأصمعي: إلى ههنا سمعت منن هذه القصيدة ولم أسمع بقيتها، ويروى كأن لم ترأ قبلي أسيرًا.
قال الفراء: أبقى من الهمزة خلفًا والرواية هي الأولى.
13: وظل نساء الحي حولي ركدًا = يراودن مني ما تريد نسائيا
14: وقد علمت عرسي مليكة أنني = أنا الليث معدوًا علي وعاديا
15: وقد كنت نحار الجزور ومعمل الـ = ـمطي وأمضي حيث لا حي ماضيًا
16: وأنحر للشرب الكرام مطيتي = وأصدع بين القينتين ردائيا
ويروى: وأعقر للشرب والشرب جمع شارب مثل صاحب وصحب وراكب وركب والمطية: البعير ههنا، سمي مطية لأن ظهره يمتطى ويقال سمي مطية لأنه يمطى به في السير أي يمد به.
ويروى: وأعبط للشرب، أي أنحر مطيتي من غير علة بها، يقال للرجل إذا مات فجاءة اعتبط فلان، ويقال للذبيح أعبيط أم عارضة فالعبيط الذي يذبح أو ينحر من غير علة عن صحة والعارضة أن تذبح من مرض، قال الشاعر:
مباشيم عن أكل العوارض بالضحى.......وبالصيف كساحون ترب المناهل
ومنه قول أمية بن أبي الصلت أعني من العبيط:
من لم يمت عبطة يمت هرمًا.......للموت كأس فالمرء ذائقها
وقوله (وأصدع) أي أشق و(القينة) الأمة مغنية كانت أو غير مغنية وهي ههنا مغنية، وأنشد الأصمعي:
إذا شئت غناني على ظهر قينة.......حضجر يداوى بالبرود كبير.
الحضجر: الوطب الكبير، يداوى بالبرود وهو الماء البارد ليجتمع زبده.
17: وكنت إذا ما الخيل شمصها القنا.......لبيقًا بتصريف القناة بنانيا
18: وعـــــــــــــــــــــــادية سوم الجراد وزعتها.......بكفي وقد أنحوا إلي العواليا
قوله (سوم الجراد) أي انتشاره في طلب المرعى كما قال العجاج: (سوم الجراد) السد يرتاد الخضر، (وزعتها) كففتها والوازع الكاف والمانع، و(أنحوا) الرماح أمالوها وقصدوا بها، و(العالية) من الرمح في ثلثه الأعلى ويقال دون السنان بذراع والعادية القوم يعدون والعادية: الخيل، وأنشد:
وعادية تلقي الثياب كأنما.......تزعزها تحت السمامة ريح
(فالعادية) ههنا القوم يعدون والسمامة الشخص قوله (سوم الجراد) أي تسيح كما يسيح الجراد وإذا ساح فقد سام أي يمر كما يمر الجراد ويقال خله وسومه أي ومضيه وأنحوا حرفوا إلى صدور القنا ويقال وزعه يزعه وزعًا إذا رده وكفه وأوزعه يوزعه وزاعه يزوعه زوعًا إذا صرفه.
قال النابغة:
فهاب ضمران منه حيث يوزعه.......طعن المعارك عند المجحر النجد
وضمران اسم كلب ويروى: فكان ضمران منه حيث يوزعه، ويروى النجد، فمن قال النجد جعله نعتًا للمعارك مأخوذ من النجدة ومن قال النجد جعله نعتًا للمحجر يريد العرق ورجل منجود إذا كان قد عرق من الجهد، ومنه قول أبي زبيد: ولقد كان عصرة المنجود، وقال ذو الرمة في قوله زاعه يزوعه زوعًا إذا صرفه:
وخافق الرأس مثل السيف قلت له.......زع بالزمام وجوز الليل مركوم
وأوزعه الله تقواه أي ألهمه، ومنه قول الله عز وجل: {أوزعني أن أشكر نعمتك} ويقال أنحاه إذا حرفه وأنحى عليه إذا اعتمد.
19: كأني لم أركب جوادًا ولم أقل.......لخيلي كري نفسي عن رجاليا
20: ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل.......لأيسار صدق أعظموا ضوء ناريا
(السبأ): اشتراء الخمر، يقال سبأت الخمر أسبؤها سبًأ سباءً وقال ابن هرمة: يغلو بأيدي التجار مسبؤها، و(الأيسار) الذين يضربون القداح وقد أيسرت أيسر يسرًا وأنشد:
لو ييسرون بخيل قد يسرت بها.......وكل ما يسر الأقوام مغروم
وسبيت العدو أسبيهم سبيًا قال الشاعر:
وسبية تدعو الأراقم معصر.......ورد الحمام إلى الحياض الناهل
الناهل: نعت الحمام في المعنى لأنه في المعنى صاحب الفعل كما قال لبيد:
حتى تهجر في الرواح وهاجه.......طلب المعقب حقه المظلوم
جعل المظلوم نعتًا للمعقب على المعنى في الأصل ثم قلبوه، فقالت صفية بنت الخرع التيمية ترثي النعمان بن جساس:
غابت تميم فلم تشهد فوارسها.......ولم يكونوا غداة الروع يحذونه
[شرح المفضليات: 315-320]