بــابُ التحـذيـــراتِ:
(وإنْ تَلاَقَيا) أي الضادُ والظاءُ (البيانُ) أي فالبيانُ لكُلٍّ منهما لأحدِهِمَا مِن الآخرِ كما قالَه زكريَّا؛ لأنَّ المرادَ بيانُ مَخْرَجِ كُلٍّ منهما وصفتِهِمَا لا انفصالَ أحدِهما عن الآخرِ عندَ نُطْقِهِمَا كما يوهِمُ كَلاَمُه، حيثُ عَلَّلَ أيضًا بقولِه لئلاَّ؛ يختلطَ أحدُهما بالآخرِ فتبطلَ صلاتُه (لازِمُ) أي على القارىءِ، ولا يحتاجُ إلى تقديرٍ: فقل البيانَ، كما قالَه زكريَّا، بل الفاءُ مُقَدَّرَةٌ بِناءً على حذفِها ضرورةً كما في قولِه: مَن يَفْعَل الحسناتِ اللهُ يَشْكُرُهَا" أي: فاللهُ يُجَازِي بها. والمعنى إلزامُ بيانِ مَخْرَجِهما وصفتِهما لِيَمْتَازَ كُلٌّ منهما، ولا يجوزُ الإدغامُ لِبُعْدِ مَخْرَجِهما، قالَ خالدٌ: سواءٌ بينهما فاصلٌ أو لا، ولعلَّه أرادَ الفرقَ بينَ المثالينِ في قولِه: { أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } { يَعَضُّ الظَّالمُ } فإنَّ المثالَ الثانيَ بحسبِ الأصلِ بينهما فصلٌ، وهو لامُ التعريفِ، إلا أنَّهُ لمَّا أُدْغِمَ وصارَ ضادًا مشدَّدَةً فيصدُقُ عليه التلاقي بينهما حقيقةً في اللفظِ حالَ الوصلِ، وحكمًا في الأصلِ نظرًا إلى الفصلِ، ومثلُ المثالِ الثاني (يعضُّ الظَّالمُ) قالَ اليَمَنيُّ: فلو قرأَ بالإدغامِ تَفْسُدُ الصلاةُ، يعني في (أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) وقالَ ابنُ المصنِّفِ وتبعَه الروميُّ: وَلْيَحْتَرِزْ من عدمِ بيانِهما؛ فإنه لو أبدلَ ضادًا بظاءٍ أو بالعكسِ بَطَلَتْ صلاتُه لفسادِ المعنى، وقالَ بَحْرَقٌ: فلو أبدلَ ضادًا بظاءٍ عامدًا بَطَلَتْ صلاتُه على الأصحِّ لفسادِ المعنى، وقالَ المصريُّ: فلو أبدلَ ضادًا بظاءٍ في الفاتحةِ لم تصحَّ قراءتُه بتلكَ الكلمةِ.
أقولُ: وفيه خلافٌ طويلُ الذيلِ في هذا المبنى، وخلاصةُ المَرامِ ما ذكرَه ابنُ الهُمَامِ: مِن أنَّ الفصلَ إنْ كانَ بلا مَشَقَّةٍ كالطاءِ معَ الصادِ فقرأَ الطالحاتِ مكانَ الصالحاتِ تَفْسُدُ، وإنْ كانَ بِمَشَقَّةٍ كالظاءِ معَ الضادِ والصادِ معَ السينِ والطاءِ معَ التاءِ قيلَ تفسدُ , وأكثرُهم لا تفسدُ. ا هـ. وذكرَ صاحبُ (المُنْيَةِ) أنَّهُ إذا قرأَ الظاءَ مكانَ الضادِ المُعْجَمتينِ، أو على القلبِ، فَتَفْسُدُ صلاتُه، وعليه أكثرُ الأئمَّةِ، وروَى عنه مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ لاتَفْسُدُ؛ لأنَّ العجمَ لا يُمَيِّزُونَ بينَ هذه الأحرفِ، وكانَ القاضي الإمامُ الشهيدُ يقولُ: الأحسنُ فيه أنْ يقالَ: إن جرَى على لسانِه ولم يكنْ مُمَيِّزًا وكانَ في زعمِه أنَّهُ أدَّى الكلمةَ على وجهِها لا تَفْسُدُ صلاتُه، وكذا (رُوِيَ عن مُحَمَّدِ بنِ مقاتلٍ).
وعن الشيخِ الإمامِ إسماعيلَ الزاهدِ قالَ الشارحُ: وهذا معنى ما ذُكِرَ في فتاوى الحُجَّةِ أنَّهُ يُفْتَى في حقِّ الفقهاءِ بإعادةِ الصلاةِ، وفي حقِّ العوامِّ بالجوازِ. أقولُ: هذا تفصيلٌ حسنٌ في هذا البابِ واللهُ أعلمُ بالصوابِ، وفي فتاوى قاضِيخانَ: إنْ قرأَ { غيرِ المَغْضُوبِ} بالظاءِ أو بالذالِ تَفْسُدُ صلاتُه { ولا الضَّالِّينَ } بالظاءِ المُعْجَمةِ أو الدالِ المُهْمَلَةِ لا تَفْسُدُ، ولو بالذالِ المُعْجَمةِ تَفْسُدُ "واضطرَّ "معَ "وَعَظْتَ " معَ " أَفَضْتُم " بالإشباعِ، ونحوَه {خُضْتُم} أي بيانُ الضادِ والظاءِ لازمٌ إذا وَقَعَا قبلَ طاءٍ أو تاءٍ، خوفًا مِن إدغامِهما حيثُ لا يجوزُ، لاختلافِ مَخَارِجِهما، وأمَّا قولُ زكريَّا ويلزمُ بيانُ الضادِ مِن الطاءِ في قولِه "واضْطُرَّ" معَ بيانِ الطاءِ مِن التاءِ إلخ فليسَ في مَحَلِّهِ، إذ لا اشتباهَ بينَ الضادِ والطاءِ المُهْمَلَةِ، ولا بينَ الظاءِ المُشَالَةِ والتاءِ الفوقيَّةِ حتى يَسْلُكَ في مسلكِ ما سبقَ مِن التمييزِ والبيانِ بينَ الضادِ والظاءِ المُعْجَمتينِ، وقد أصابَ الشيخُ خالدٌ حيثُ قالَ: هنا رجَعَ الناظمُ إلى ما كانَ بصددِه مِن الأحكامِ المُتَعَلِّقَةِ بالتجويدِ (وَصَفِّ) أمرٌ من التصفيَّةِ أي: خَلِّصْ (ها) بالقصرِ ضرورةٌ "جِبَاهُهُم" بالضمِّ حكايةً (عَلَيْهِم) بالإشباعِ، ونحوِه "إليهم" والمعنى بينَ الهاءِ مِن أختِها ومن الياءِ بيانُهما وتمييزُ شأنِهما؛ لأنَّ الهاءَ حرفٌ خفيٌّ فينبغي الحرصُ على بيانِه , وكذلكَ الحكمُ في نحوِ: { اهْدِنَا } و {إلهكم}.