(أو بتقديمٍ أو تأخيرٍ، فالمقلوب...)
الشيخ:
يعني: بتقديمٍ في المتن أو في الإسناد، أو بتأخيرٍ فيهما، وصار عندنا الحديث المقلوب هو: (الحديث الذي يحصل فيه تقديمٌ أو تأخيرٌ في متنه أو إسناده، سواءٌ فعله الراوي عمداً أو خطأً)، هذا المقلوب نوع من الأحاديث يقع في الإسناد والمتن.
-القلب في الإسناد تارةً يكون بقلب اسم الراوي، مثل: قلب بعضهم اسم الجراح بن منهال، قال: المنهال بن جراح، فهذا فيه قلب في الإسناد.
- وكذلك:قالوا: كعب بن مرة، قلب إلى مرة بن كعب، هذا عادةً يقع في نهاية الأسماء التي يكون فيها تشابه مع غيرها.
- كذلك:يكون بإبدال ذات الراوي، أو يقدم راوياً في الإسناد على راو آخر في الإسناد نفسه، فيجعل الراوي مروياً عنه، كأن يأتي إلى حديث مالك، عن صالح بن كيسان، صالح بن كيسان أكبر من مالك، ولكن صالح بن كيسان يروي عن مالك، فإذا رأى في الإسناد صالح بن كيسان، عن مالك قلب قال: مالك عن صالح بن كيسان، هذا خطأ قلب، جعل الراوي مروياً عنه.
وهذا يحصل إذا كان الراوي أصغر من المروي عنه، مثل: صالح بن كيسان في روايته عن مالك، أو رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك، هذان من شيوخ مالك، قد يخطئ بعض الرواة إذا رأى مالك عن صالح بن كيسان، ظن أن الإسناد فيه خطأ، فغير فقال: عن مالك، عن صالح، أو قال: مالك عن يحيى، والأصل أنه يحيى بن سعيد عن مالك، أو صالح بن كيسان عن مالك.
- أو يبدل راوٍ براوٍ، ما يقدم، ولكن يبدل أصلاً، وهذا الإبدال الذي سيأتي يتكرر في مواضع كثيرة من علوم الحديث؛ لأن أصل هذه العلوم كلها متداخلة، مثلاً عندنا: حديث رواه يعلى بن عبيد، عن الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن مقسم، عن ابن عباس في إهداء النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم مائة من الإبل فيها بعير لأبي جهل، أهدى مائة من الإبل للبيت، هذا الحديث قال العلماء: إسناده مقلوب؛ لأن الحديث رواه وكيع، عن الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.
فهنا الراوي الأول يعلى بن عبيد قلب في الإسناد؛ جعل منصور بن المعتمر مكان اثنين من الرواة: ابن أبي ليلى والحكم، وهذا قلبٌ في الإسناد، أبدل راوياً براويين، قالوا: هذا نوعٌ من القلب في الإسناد، هذا كله يسمى المقلوب في الإسناد، أو لو ركب متناً على إسناد يسمى أيضاً نوعاً من أنواع المقلوب.
مثلاً:لو جاء إلى حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) الحديث إسناده معروف، يحيى بن سعيد، عن التيمي، عن علقمة، عن عمر، لو جاء رجل فقال: هذا الإسناد عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة.
جاء راوٍ آخر حذف الإسناد كله قال: عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إنما الأعمال بالنيات)) هذا يسمى مقلوباً؛ لأن هذا المتن ليس لهذا الإسناد.
كذلك النوع الثاني، وهو مقلوب المتن، كما روى مسلم في (الصحيح): السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال: ((ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله))، فهذا فيه قلبٌ، الحديث في (صحيح البخاري): ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)).
- كذلك:مثلوا له بحديث أُنيسة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن ابن أم مكتومٍ يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلالٌ)).
هذا مقلوبٌ، والثابت في الصحيحين من حديث عائشة، وابن عمر، وأبي هريرة، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إنَّ بلالاً يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم))، هذا قلب في المتن.
القارئ:
(أو بزيادة راو فالمزيد في متصل الأسانيد)
.
الشيخ:
هذا أيضاً نوعٌ من أنواع علوم الحديث.
وهو المزيد في متصل الأسانيد. وذلك أن يكون التغيير والمخالفة بالتغيير في زيادة راوٍ في الإسناد.
المزيد في متصل الأسانيد.
أولاً:فيه زيادة، وهذه الزيادة زيادة راوٍ.
ثانياً:أن يكون المزيد عليه متصل الإسناد.
هذا النوع من أنواع علوم الحديث لا يظهر إلا بالمثال، عندنا: عبد الله بن المبارك ومبشر بن إسماعيل، رويا حديثاً عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((يا عبد الله، لا تكن كفلانٍ، كان يقوم ليله فترك قيام الليل)).
هذا الآن إسناد متصل بلا إشكال، كل راوٍ سمع ممن فوقه، وصرح يحيى بن أبي كثير بالتحديث عن أبي سلمة، قال: حدثني أبو سلمة، ويحيى بن أبي كثير من الرواة المشهورين عن أبي سلمة بلا إشكال، وفي هذا الحديث بخصوصه قال: حدثني أبو سلمة، فاجتمع عندنا شيئان: صحة سماعه أصلاً من أبي سلمة، بل هو من المكثرين.
كذلك:
أنه في هذا الموضع صرح بالتحديث، والإسناد عبد الله بن المبارك يكفي معه مبشر بن إسماعيل، هذا زيادة على قوة عبد الله بن المبارك، والأوزاعي لا يسأل عنه، ويحيى بن أبي كثير، وأبو سلمة،هذا إسنادٌ متصلٌ جاءت رواية أخرى من حديث: عبد الحميد بن أبي العشرين، وغيره عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن الحكم بن عمرو بن ثوبان، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا عبد الله).
هذا الإسناد إذا قورن بالإسناد الماضي وجدنا أن فيه رجلاً مدخلاً، وهو (الحكم) هذا، (الحكم) هذا أدخل بين يحيى بن أبي كثير وأبي سلمة، الإسناد السابق.. كان يحيى بن أبي كثير يقول فيه: حدثني أبو سلمة، في هذا الإسناد يحيى بن أبي كثير، عن الحكم، عن أبي سلمة، فهذا فيه واسطة بين أبي سلمة ويحيى بن أبي كثير.هذا السند الثاني: يسمى المزيد في متصل الأسانيد، (المزيد) لأنه زاد رجلاً في الإسناد، وهو الحكم، (في متصل الأسانيد) لأن الإسناد متصل، هنا وقعت فيه مخالفةٌ، بالتغيير، التغيير.
هو زيادة راو في الإسناد.
هذا المزيد هل هو صحيح أو ضعيف؟
فيه تفصيلٌ عند العلماء، قبل هذا التفصيل نلخص شروط المزيد في متصل الأسانيد حتى يظهر:
الشرط الأول:
أن يكون الإسناد المزيد عليه متصلاً، ويكون الراوي قد صرح بالتحديث أو السماع في موضع الزيادة، بين يحيى وأبي سلمة، يحيى قال: حدثني، صرح بالتحديث في موضع الزيادة، فهنا اشترطنا أن يكون متصلاً، والراوي صرح بالتحديث في الموضع و أن يأتي إسناد آخر فيه زيادة رجل أو أكثر عما في الإسناد السابق.
المزيد في متصل الأسانيد لا يقال: أو هو الراجح دائماً، ولا يقال: هو المرجوح، هذا ينبني على المقارنة بين الرواة، إذا جاء إسنادٌ فيه راوٍ زائدٍ وإسنادٌ فيه راوٍ ناقص فيقال: نقارن بين هذا الإسناد وهذا الإسناد أيهما أقوى، فالراجح هو المحفوظ، والمرجوح هو الشاذ، فتارةً يكون المزيد في متصل الأسانيد إذا كان المزيد في متصل الأسانيد هو الراجح ينتقل عنه هذا الوصف ما نسميه المزيد في متصل الأسانيد. وإذا رجحنا الحديث الذي ما فيه زيادة، وإسناده متصلٌ يكون الذي فيه زيادة خطأ من الراوي، ويكون مرجوحاً، يعني: تكون الزيادة شاذةً، وأحياناً يقال: إن كلا الإسنادين محفوظ.
وهذا موجود في الصحيح منه كثيرٌ، لكن هذا له شروط:
الشرط الأول:أن يتساوى الإسنادان في القوة.
والثاني:أن يكون الراوي في الإسناد،الذي لم تذكر فيه هذه الزيادة، أن يكون قد سمع ممن روى عنه، وكذلك يكون ثبت سماعه ممن زيد في الإسناد الآخر.
فعلى هذا المثال السابق إذا ثبت أن يحيى بن أبي كثير له سماع عن الحكم، وثبت أن له سماع عن أبي سلمة، فنقول حينئذٍ: كلا الوجهين محفوظ، لا بد أن يكون الرواة على درجة متكافئةٍ في القوة، وإلا كان فيه راجحٌ ومرجوحٌ، فإذا تساوى في القوة فنقول: إن الإسنادين كلاهما محفوظ، لماذا؟
لأننا إذا قلنا: محفوظ يترجم هذا على أن الراوي سمع أولاً بواسطةٍ، ثم سمع بغير واسطة، وهذا موجودٌ، ليس معدوماً، عبد الله بن أحمد دائماً في مواضع في المسند يقول: حدثني أبي، عن عبد الرحمن بن مهدي، ثم سمعته أنا من عبد الرحمن بن مهدي، فهذا يدل على أنه قد يسمع بواسطة ثم يسمع بغير واسطة، هذا هو النوع المسمى بالمزيد في متصل الأسانيد.
***
القارئ:
(أو بإبداله ولا مرجح، فالمضطرب)
.
الشيخ:
يعني: إبدال راو براوٍ، فهو المضطرب، المضطرب غالباً في الإسناد، وإذا كان اضطراباً في المتن، فعادة يرجع إلى اضطرابِ الإسناد.
ولهذا الحافظ هنا جعل الاضطراب إبدال راوٍ براوٍ.
في الإسناد ولا مرجح؛ وذلك بأن تتساوى قوة الأسانيد ويُخْتَلَف على الراوي، فالراوي المختلف عليه يَنْتُج عن الاختلاف عليه عدة أسانيدٍ للحديث، لا ندري أيها أرجح، هذا الاضطراب يدل على عدم ضبط الراوي، هذا الاختلاف أنتج التغير في الإسناد.
أشهر مثال له حديث ((شيبتني هود وأخواتها))؛ لأن الأحاديث المضطربة غالبها إن لم تكن كلها.. فيها ترجيح، إلا إذا كان الراوي المختلف عليه ضعيفاً في الأصل، والراوي إذا كان ضعيفا أصلُ الحديث يكون ضعيفاً باضطرب، أو ما اضطرب، لكن يزيده الاضطراب ضعفاً، لكن هذه نادر، أن يوجد حديث مضطرب ولا مرجح له.
وأشهر مثال عند العلماء هو حديث:
((شيبتني هود وأخواتها)).
هذا الحديث إذا وقف الإنسان على أسانيده يجد ناساً يروونه عن أبي إسحاق السبيعي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبي بكر، وناساً يروونه عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن أبي بكر، أسقطوا ابن عباس، وناساً يروونه عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، عن أبي بكر، وناساً يروونه عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة، عن أبي بكر، وناساً يروونه عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ذكروا له طرقاً كثيرةً تدل على أن الحديث فيه اضطرابٌ واختلافٌ كبير، ولهذا عدوا هذا من الأحاديث المضطربة، بل هو من أشهرها إن لم يكن أشهرها.
الحديث المضطرب حديث ضعيف؛ لأنه يدل على عدم ضبط الحديث. قد تقدم أن من شروط صحة الحديث تمام الضبط، من شرط حسنه أن يكون راويه خفيف الضبط.
تمام الضبط أو خفة الضبط:
- إما أن يكون على وجه العموم.
- أو يكون مقيداً بشيءٍ معينٍ، ففي هذا الحديث حصل اختلافٌ كبيرٌ وعدم ضبط،
- يحتمل أن يكون أبو إسحاق السبيعي، على ثقته وجلالته ما ضبط هذا الحديث.
- ويحتمل أن يكون من الرواة عنه.
فالحديث المضطرب هو حديث اختلف فيه على وجهين أو أكثر، مع تساوي القوة وعدم المرجح، فيصير اضطراباً إذا وجد المرجح صار الراجح محفوظاً والمرجوح شاذاًّ، وصار الراجح محفوظاً والشاذ معلولاً.
والاضطراب نوعٌ من أنواع العلة
، لكن العلماء يفصلونه حتى تتميز الأنواع، ولهذا الحديث المضطرب يذكره العلماء في كتب علل الحديث.
***
القارئ:
قال المؤلف: (وقد يقع الإبدال عمداً امتحاناً).
الشيخ:
يعني: أن الإبدال تارة يقع قصداً تعمداً للتبديل والتغيير، فهذا لا يجوز، وتارةً يقع سهواً، وهذا إن كثر في الراوي ضعَّفه، وإن قل لم يضعِّفه، ولكنه يطعن في روايته بخصوصها، إلا إذا أبدل راوياً براوٍ، أو بَدَّلَ في الحديث ليمتحن غيره، فهذا يجوز له أن يفعل ذلك بهذا القصد، كما كان بعض العلماء يصنعه.
مثلما امتحن أهل بغداد الإمام البخاري، ومثلما امتُحِنَ العُقَيْلِي، ومثلما كان شعبة يمتحن طلابه، فإذا مثلاً جاء بإسنادٍ ووضع عليه متناً، أو أدخل إسناداً في إسنادٍ أو نحو ذلك، وقصده أن يختبره ليعرف قدرته ومعرفته بهذا العلم، فإنه يسوغ له ذلك، لكن لا يستمر معه هذا الفعل حتى يختلط الحق بالصواب، فلا بد أن يبين الخطأ من الصواب.