القارئ:
(والفرد النسبي وإن وافقه غيره فهو: المتابع وإن وجد متنه يشبهه فهو: الشاهد، وتتبع الطرق لذلك هو: الاعتبار)
.الشيخ:
هذا الكلام عن ثلاثة أشياء:
أحدها:المتابعات.
والثانية:الشواهد.
والثالثة:الاعتبار.
الحديث -كما مر- قد يكون فردا نسبياً، قلنا:
إن الفرد النسبي:هو الذي لا تكون الغرابة في أصل الإسناد، إذا كانت في أصل الإسناد فهذا الفرد المطلق، لكن إذا كانت فرداً نسبياً إذا ورد الحديث فرد نسبي، ووجدنا راوياً يتابع الراوي الآخر، أو يروي هذا الحديث معه، فنقول: هذه متابعة.
المتابعة معناها: أن يأتي راوٍ فيروي هذا الحديث مع الراوي الآخر، سواءً شاركه في الطبقة، أو كان دونه، أو كان فوقه في الطبقة، وهذا يتضح بالمثال.العلماء يقسمون المتابعة إلى قسمين:
متابعة تامةٌ، ومتابعةٌ قاصرةٌ.
إذا أطلقوا المتابعة يقصدون: أن يكون الحديث واحداً، يعني: متابعة تقع في إسناد حديث واحد يكون صحابيُّهُ واحداً، فإذا كان عندنا إسنادان: أحدهما يتصل بصحابي، والآخر يتصل بصحابي آخر، هذا لا يسمى متابعة، المتابعة أن يكون الراوي الصحابي واحداً أو الراوي الأعلى لابد أن يكون واحداً.
أما الشاهد:فهو الحديث الذي يرد بلفظه أو بمعناه حديثٌ آخر،
الشاهد يختلف فيه الصحابي، المتابعة الصحابي واحد، جاءنا حديثٌ عن أبي هريرة ثم وجدنا هذا الحديث عن ابن عمر فنسمي رواية ابن عمر شاهداً، ما نسميها متابعاً.
لكن إذا وجدنا حديثاً يرويه أبو هريرة، ثم وجدنا رواه عن أبي هريرة سعيد بن المسيب، وأبو صالح، وعبد الرحمن بن يعقوب الحرَقي، نقول: هذه تسمى متابعة؛ لأن الصحابي واحد، فيكون أبو صالح يتابع سعيد بن المسيب، ويتابع عبد الرحمن؛ لأن الصحابي واحد؛ فصار عندنا متابعة، وعندنا شاهد.
المتابعة يقسمونها إلى قسمين: متابعة قاصرة أو ناقصة، ومتابعة تامة.
- إن كانت المتابعة في الراوي الذي الذي ظن تفرده صارت تامة، وإن صارت فيمن فوقه فهي القاصرة.
هذه تستبين بالمثال: عندنا حديث يرويه حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن مسعود، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من كذب علي متعمداً)) هذا حديثٌ جاء له متابعة تامة، إننا نعتقد أن الذي تفرد بالحديث أو تظن أن الذي تفرد به هو حماد بن سلمة.نظرنا في الأسانيد وجدنا أن حماداً يشاركه غيره في رواية الحديث؛ فوجدنا أبا عوانة يروي الحديث عن عاصم. فنسمي رواية أبي عوانة: متابعة تامة؛ لأنه شارك حماداً في رواية الحديث عن شيخه عاصم.
فصارت المتابعة التامة معناها:أن يشارك الراوي الذي ظن تفرده بالحديث راوٍ آخر في رواية الحديث عن شيخه، وهذه تطبق على حماد بن سلمة، حماد ظننا تفرده عن عاصم، فبحثنا فوجدنا أبا عوانة يروي الحديث، عن شيخ حماد.
ثم بعد ذلك ننظر في من فوق حماد.إلى جهة النبي عليه الصلاة والسلام، الإسناد فيه فوق ودون، إذا جئت إلى حماد، إلى جهة: فوق حماد، يعني: من جهة النبي عليه الصلاة والسلام، دون حماد: إلى جهة المصنفين.
نظرنا إلى من فوق حماد، قلنا وجدنا: حماد، عن عاصم، عن زر، وجدنا مسروقاً يروي الحديث عن زر، فنسمي رواية مسروق بالنسبة لحماد: قاصرة؛ لأن حماداً ظننا تفرده، لكن ما وجدنا رواية مسروق في شيخه عاصم، وجدناها في شيخ شيخه، فإذا كانت في شيخ شيخه فمن فوقه تسمى قاصرةً، فإذا أردت أن تنسب رواية مسروق، إلى رواية حماد، يصح تقول: تابعه.
وهذه كثيراً يستعملها العلماء، يقول: رواه حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود، وتابعه مسروق، يقصدون تابعه متابعة قاصرة، أو ناقصة.تسمى: ناقصة أو قاصرة؛ لأن مسروقاً ما شارك حماداً في رواية الحديث عن شيخه، لكن شاركه في من هو فوق شيخه.الأمثلة هذه تسمى: متابعة قاصرة، فاجتمع عندنا فيه متابعتان: تامة وقاصرة.
ثم بعد ذلك نقول: هذا الحديث له شاهدٌ، الشاهد قلنا: أن يروى الحديث من طريق صحابي آخر باللفظ أو بالمعنى.
وفي هذا الحديث - عندنا عثمان رضي الله عنه روى هذا الحديث-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) هو نفس الحديث باللفظ، نرى علي بن أبي طالب رضي الله عنه يروي الحديث بالمعنى: ((لا تكذبوا علي؛ فإنه من يكذب علي يرد النار)) هذا بالمعنى.فحديث علي يسمى: شاهداً بالمعنى، وحديث عثمان يسمى شاهداً باللفظ لكن الألفاظ ليست بلزوم الحروف حرفاً حرفاً لا لكن إذا كانت الألفاظ ما تغيرت يقال: باللفظ، عثمان تقريباً نفس اللفظ إلا قليلاً غير عثمان رضي الله عنه حديثه متواتر فهذا صار شاهداً وصار هذا شاهد المتابعة التامة، المتابعة القاصرة.
فإن قال قائل: ما فائدة معرفة المتابعات والشواهد؟
الشواهد والمتابعات فائدتها ثلاثة أشياء:
- التقوية.
-والترقية.
-والترجيح.
قد لا يستفاد منها أحياناً إذا صارت واهية، العلماء يدرسونها لما فيها من الفائدة.
التقوية:لفظة عامة تشمل تقوية القوي وتقوية الضعيف،
يعني عندنا الحديث حديث صحيح، إذا رواه راوٍ واحدٍ صحيح، لكن إذا تابعه ثان، صار أقوى، إذا تابعه ثلاثة صار أقوى، كلما كثر الرواة كان أقوى للحديث، ولهذا مر معنا أن الحديث إذا كثرت طرقه يفيد العلم اليقيني.
فالحديث:إذا كان غريباً صحيحاً ليس كمثل الصحيح العزيز، العزيز أقوى؛ كلما تزيد الطرق يقوى الحديث، ولهذا يرتقي حتى يقطع به.وهذه طريقة الإمام مسلم في الصحيح، أحاديث صحيحة لكن يورد بعدها أسانيدَ كثيرةً متابعات، ليس لأجل أن الحديث ليس بصحيح، ولكن تقوية للحديث، التقوية تكون للقوي وتكون للضعيف أيضا، الضعيف والحسن يحتاج إلى تقوية.
لأن التقوية قد يتقوى ولا يرتقي، عندنا الحديث الصحيح، يتقوى، لكن ما يرتقي إلى المشهور، وما يرتقي إلى المتواتر، لكن يتقوى.
كذلك:الضعيف، العلماء يقولون: هذا الحديث بمجموع الطرق، له أصل، ليس معنى ذلك: أنه يصحح، لكن هذا تقوية لأصل الحديث، يعني: الحديث فيه نوع قوة، وإن كان ضعيفاً، لكنه أقوى من الحديث الذي ليس له أصل؛ لأن الحديث الضعيف إذا تقوى، وشد بعضه بعضاً، وإن لم يبلغ درجة الحسن، لكنه يرتفع عن حال الضعيف الذي يعتبر منكراً، أو يعتبر ساقطاً، فكثرة الطرق ترفع الحديث من كونه لا أصل له إلى كونه له أصل، كونه له أصل لا تدل على الصحة ولا الحسن، فهذه تقوية، لكن ما تلزم منها الترقية للحديث الحسن.
الفائدة الثانية:الترقية، يقصدون بها: ترقية الحديث من الضعيف إلى الحسن، أو من الحسن إلى الصحيح، مر معنا أن الحسن لغيره هو: الضعيف المنجبر إذا تعددت طرقه، هذه الطرق هي الشواهد، والمتابعات، فإذا كثرت الشواهد والمتابعات يرتقي من كونه ضعيفاً إلى كونه حسناً لغيره.
فهذا ارتقاء من مرتبة إلى مرتبة، هو تقوى لكن الوصف الأخص الارتقاء، ارتقى من درجة إلى درجة؛ لأنه -كما تقدم هو- قد يتقوى في الدرجة نفسها لكن ما يخرج عنها، مثل: الطالب يكون تقديره (جيداً)، يتقوى في جيد يتحسن حاله تقول: (جيد منخفض)، صار (جيد متوسط)؛ لكن إذا كان (جيد)، ثم صار (جيد جداً)، ارتقى عندنا هنا يتقوى، قد يتقوى في الصحيح، يتقوى في الضعيف، يتقوى في الحسن، لكن ما يرتقي.
معناه:أنه ينتقل من المرتبة الدون إلى المرتبة التي هي أعلى منها، فيرتقي من الضعيف إلى الحسن لغيره، ويرتقي من الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره.
الثالثة:الترجيح، هذا الترجيح يستفاد من الضعيف عند التعارض: إذا تعارض عندنا مثلاً ثقتان أحدهما يروي الحديث على هذا الوجه، والآخر يروي الحديث على هذا الوجه، وجاء أحد الضعفاء، أو رواية ثقة ترجح أحد الجانبين، سواءً كان ضعيفاً أو ثقة.
مثلاً إذا اختلف عندنا سفيان، وشعبة في حديث عن قتادة، وجاء راوٍ ثالث وروى الحديث مثل: سعيد بن أبي عروبة، روى الحديث عن قتادة، إما يوافق شعبة أو يوافق سفيان، نقول: الحديث [الذي ] صار فيه سعيد بن أبي عروبة هذا مرجِّح إن كان مع سفيان رجح رواية سفيان، إن كان مع شعبة رجح رواية شعبة، هذه رواية تسمى: متابعة، فدل على أن المتابعة تستعمل حتى في الترجيح، بين الروايات والأحاديث.
القارئ:
(وتتبع الطرق لذلك هو: الاعتبار).
الشيخ:
المؤلف يقول: إن عندنا ثلاثة أشياء: الشاهد والمتابع والاعتبار، هذه ليست أقساماً ثلاثة، كل واحد قسيم للآخر، لا، لكن الاعتبار هي الطريق الذي يتوصل به إلى معرفة الشاهد أو المتابع.
أنت تبحث، عن الطرق، عملك هذا يسمى الاعتبار، النتيجة [إما] شاهد، [وإما] متابع، فالاعتبار هو كما يقول المؤلف: الهيئة التي يتوصل بها إلى معرفة الشاهد أو المتابع.
فإذا بحثت، [و]ما وجدت، تقول: اعتبرت فلم أجده، [و]إذا وجدته تقول: اعتبرت فوجدت للحديث شاهداً ومتابعاً، هذا كلام المؤلف.لكن الصحيح: أن كلامه، خالف كلام العلماء، وكلامه هنا غير صحيح.
أهم شيء:أنك تعرف ما يريد هو بالاعتبار، وتعرف أنه ليس بصحيح.