القارئ:
(وزيادة راويهما مقبولة، ما لم تقع منافية لمن هو أوثق).
الشيخ:
هذا شروعٌ في بيان نوع من أنواع علوم الحديث، وهو الذي يطلق عليه: (زيادة الثقة) ، إذا أطلق العلماء (زيادة الثقة) ؛ فإن هذه اللفظة تعني ثلاثة أشياء:
أولا:أن هناك زيادة،
هذه الزيادة قد تكون زيادة لفظ في متن الحديث يؤثر في المعنى، أو زيادةً في إسناد الحديث، كأن يرويه راوٍ عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي آخر ويقول: عن عطاء، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأبو سعيد هنا: زيادة، هذه الزيادة في الإسناد، فصار في زيادة الثقةً أن يكون هناك زيادة؛ إما في المتن، أو في الإسناد.
الثاني:أن يكون الزائد ثقةً
، فالإضافة هنا من الإضافة إلى الفاعل؛ فصار الزائد ثقة؛ فإذا كان الزائد ضعيفاً فلا يدخل في هذا المبحث، إنما يدخل في مبحث المنكر أو غيره.
المراد بالثقة هنا:
-ليس هو العدل التام الضبط فقط، وإنما يراد ما هو أعم من ذلك، - هو الراوي الذي يصلح أن يكون حديثه حسناً، أو يكون حديثه صحيحا.
ولهذا المؤلف ما قال: (وزيادة الثقة) قال: وزيادة راويهما، أي: راوي الحديث الصحيح، أو راوي الحديث الحسن.
الحديث الصحيح: راويه عدل تام الضبط.
وراوي الحديث الحسن:عدلٌ خفيف الضبط.
الثالث:في زيادة الثقة.
إذا قلنا: زيادة الثقة، صار عندنا (زيادة) و(زائد)، يبقى بعد ذلك: المزيد عليه، هذا المزيد عليه يكون مماثلاً للزائد، أو نقول: هذا المزيد عليه لا بد أن يكون ثقةً؛ لأنه لو كان ضعيفاً ما نسمي رواية الثقة زيادة، نقول: الضعيف قصر، الضعيف نقص من الحديث؛ لأن الأصل أن الثقة ضابط.
فإذا صار عندنا مثلاً راوٍ ضعيف يروي حديثاً مرسلاً، وراوٍ ثقة يروي هذا الحديث موصولاً، ما نسمي رواية الثقة الموصولة زيادة ثقة؛ لأن الثقة أصلاً ما زاد على الضعيف، أصل الرواية لرواية الثقة؛ لأنه الأصل أن حديثه لم يخطئ فيه، ونقول: الذي أخطأ هو الضعيف؛ لأنه هو الذي خالف الثقة.
إذاً الزيادة لا تكون إلا على رواية ثقة، أما إذا كانت على ضعيفٍ، فهذه لا تسمى زيادة ثقة
إذاً صار في زيادة الثقة:
- لا بد أن يكون الزائد ثقة.
والثاني:لا بد أن يكون المزيد عليه ثقة.
والثالث:لا بد أن تكون هناك زيادة في الحديث في متنه.
- وأن تكون هذه الزيادة لها أثر في الأحكام وفي المعاني.
- وأن تكون الزيادة في الإسناد، وهذه يأتي إن شاء الله بيانها عن قريبٍ، إذا كان الحديث كذا فهذا يسمى: زيادة الثقة.
المؤلف يقول: (وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية) يعني: أن الحديث إذا وجدناه يرويه ثقتان أو أكثر، وعند أحدهما زيادة ليست عند الآخر؛ فالأصل أن نقبل هذه الزيادة، إلا إذا وقعت منافية؛ لأنها إذا وقعت منافية يكون هناك اختلاف، وهذا إن شاء الله يظهر بعد قليل.زيادة الثقة ليس معناها:أن يرد في الحديث ما لم يرد في الحديث الآخر ليس معناها هكذا على الإطلاق، إنما يقصدون بزيادة الثقة: هي الزيادة التي تقع في حديثٍ واحدٍ يكون صحابيه واحداً أو مخرجه واحداً؛ فإذا وقعت فيه زيادة صار هذا من باب زيادة الثقة.
أما إذا كان هناك حديثان، كل واحدٍ منهما يرويه صحابي؛ فلا يسمى هذا زيادة ثقة، مثل: حديث ابن عمر: ((الحمَّى من فيح جهنم فأبردوها بالماء)).
وجاء حديث ابن عباس: ((الحمَّى من فيح جهنم فأبردوها بماء زمزم)).
فالأول:ابن عمر ((بالماء)) عموم المياه؛ ماء زمزم أو غير زمزم، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: ((ماء زمزم)) خص الماء بأنه: ماء زمزم.
إذن لا يقال: ((الماء)) في حديث: ابن عباسمن زيادة الثقة؛ لأن ابن عباس هذا حديث منفصل عن حديث ابن عمر رضي الله عنه، فهنا يتعامل معها على أن هذا خاص وهذا عام.
كذلك:حديث:((وجعلت تربتها طهوراً)) في حديث جابر وغيره.
جاء في رواية: ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)).,في حديث حذيفه
((وجعلت تربتها لنا طهوراً)).حديث حذيفة يقتضي: أن التراب هو الذي يتطهر به. وحديث جابر - وغيره- يقتضي: أن التيمم يكون بالتراب أو يكون بالأرض، سواء كان ترابا، أو غير تراب من الحصى، والرمل، وغيره.
هنا لا يقال: هذا من باب زيادة الثقة، مثل: حديث حذيفة؛ لأن هذا حديث وهذا حديث.
إذاً: فشرط زيادة الثقة أن تقع في حديثٍ واحدٍ، أما إذا جاءت في أحاديث، يعني: اختلف الصحابة فيها، فهذا لا يدخل في: زيادة الثقة، وإنما يكون هذا من باب: تخصيص العام أو تقييد المطلق أو نحوه؛ فشرط الحديث الذي يقضي بأنه زيادة ثقة: أن يكون حديثاً واحداً.فإذا كانا حديثين: فإن كان الصحابيان مختلفين؛ فهذا لا يدخل في مبحث زيادة الثقة بإجماع العلماء.
والثاني:أن يكون الزائد ثقة.
والثالث:أن يكون المزيد عليه ثقة.
والرابع:أن تكون الزيادة لها أثر في الإسناد أو في المعنى،
فهذا يسمى زيادة الثقة.
زيادة الثقة:تارةً تكون في المتن، وتارةً تكون في الإسناد.
الزيادة التي في المتن:
هذا كما جاء حديث: زكاة الفطر: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو شعير، على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والكبير والصغير من المسلمين)).
كلمة: (من المسلمين) هذه زيادة، هذه الزيادة يترتب عليها حكم، إذا تركنا هذه الزيادة صار الذي يزكي هو المسلم، سواءً كان حراً أو عبداً، ذكراً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، فإذا رفعنا هذه الزيادة وحذفنا: (من المسلمين) ترتب عليها: أن العبد الكافر يزكي عنه مولاه.والمسألة اختلف العلماء فيها من أجل هذه الزيادة.هذه الزيادة قال العلماء:
هذه زيادة صحيحة من زيادة الثقات، رواها الإمام مالك، عن نافع، عن ابن عمر، إذا نظرنا في هذا الحديث وجدنا أن مالكاً قد خالفه غيره؛ كأيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر، يرويانه بدون هذه اللفظة، ليس عندهما: (من المسلمين).
إذاً: صار عندنا أيوب، وعبيد الله يرويان هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر.
إذاً: الشرط الأول، تحقق، لأن هذه الزيادة في حديثٍ واحدٍ.
الثاني: الزائد، مالك وهو ثقة.
الشرط الثالث:المزيد عليه، وهو عن أيوب، وعبيد الله بن عمر، وهما ثقتان.
والرابع: هذه الزيادة وقعت في اللفظ، وهي زيادة لها أثر في المعنى، فصار عندنا هذا الحديث ينطبق عليه زيادة الثقة.
إذاً: رواية مالك لهذا الحديث من باب زيادة الثقات، وهذه ذكرها الترمذي في (العلل) في آخر (الجامع) ، ومثل بزيادة الثقة بهذا، وصحح زيادة مالك.الزيادة في الإسناد:
مثل: قوله صلى الله عليه وسلم:
((لن يدخل الجنة أحد بعمله)).قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا)).
قوله:((لن يدخل منكم الجنة أحد بعمله)) أو ((لن يدخل أحدا عمله الجنة)) هذا فيه زيادةٌ في الإسناد؛ ذلك أننا إذا رأينا هذا الحديث وجدنا أنه يرويه إسماعيل ابن عُلَيَّة - وهو ثقة - عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، من كلام أبي هريرة، يعني: أن أبا هريرة قال: (لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة) من كلام أبي هريرة.
جاء الإسناد الآخر: حماد بن زيد - وهو ثقة - عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((لن يدخل أحداً منكم الجنة عمله)).
هذا الحديث فيه زيادة، وهي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كما تقدم في (البيقونية) أن هناك فرقاً بين المرفوع والموقوف:
المرفوع:مضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
والموقوف: على الصحابي.إذاً:ففيه زيادة، هذه الزيادة زادها ثقة، وهو حماد بن زيد، والمزيد عليه ثقة، وهو ابن علية؛ فهذان شرطان.
والثالث: أن هذه الزيادة لها أثر؛ لأن الموقوف ليس كالمرفوع كما تقدم.
المرفوع: حجة؛لأنه كلام النبي عليه الصلاة والسلام.
الموقوف: فيه تفصيل،إذن لها أثر.
والرابع:أن الحديث واحدٌ، كله حديث أبي هريرة، مخرجه واحدٌ: أيوب السختياني، فانطبقت شروط زيادة الثقة؛ فلهذا قبل حديث حديث حماد بن زيد هنا.
المؤلف يقول: (وزيادة راويهما مقبولةٌ) هذا الإطلاق المؤلف- رحمه الله - في شرحه قيده بما عليه أهل الحديث وأئمته، وهو أن زيادة الثقة: لا تقبل مطلقاً، ولا ترد مطلقاً، وإنما القرائن هي التي تدل على هذا، فأحيانا نقبل وأحيانا نرد؛ لوجود القرائن، والقرائن كثيرةٌ.
فمما مر معنا قبل العلماء حديث مالك، كما نص عليه الترمذي؛ لأنه ممن يعتمد على حفظه، لأن الثقات درجات؛ فيه ثقة، وفيه حافظ، ولهذا كان العلماء يجعلون الثقات مرتبتين:
- مرتبة الحفاظ.
- ومرتبة الشيوخ.
الشيوخ هم الثقات، والطبقة التي أعلى منهم طبقة الحفاظ: طبقة الحفاظ مثل الإمام
مالك، ممن يعتمد على حفظه.
والشيوخ هم الثقات،
لكن أغلاطهم أكثر من الحفاظ.
فإذا كان الراوي ممن يعتمد على حفظه، كالإمام مالك، هذا يقبلون زيادته في كثير من الأحيان، أيضاً تقبل زيادة الثقة فيما مر معنا، قبلوا زيادة حماد بن زيد، قبلناها لأن أيوب السختياني كان من عادته - كما أخبر عن نفسه - أنه يقف الأحاديث المرفوعة إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ خشية أن يضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس من قوله، فيحتاط.
هذا الاحتياط جعلنا نقول: إذا روى عن أيوب ثقتان كبيران؛مثل:ابن علية، وحماد بن زيد، ورفع أحدهما ووقف [الآخر]؛ فالقول للرافع؛ لأن من روى وقف أجراه على احتياط أيوب.
كذلك:إذا كان الراوي له عناية ومزيد اختصاص بمن روى عنه، كأن يكون ملازما له، فهذا يقدم (تقبل زيادته).
وهذا يمثلون له بحديث: ((لا نكاح إلا بولي))، حديث أبي موسى الأشعري، رواه إسرائيل، عن جده، أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، هذا موصولٌ بسندٍ صحيحٍ صححه الأئمة؛ كالبخاري وغيره.
نجد أن هذا داخل في مبحث: زيادة الثقة، وقبله العلماء؛ لأنه رواه شعبة، وسفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يذكرون أبا موسى.
إذاً:هنا ذكر إسرائيل لأبي موسى زيادة في الإسناد، فهو من زيادة الثقات، لماذا قبلوا رواية إسرائيل؟ لأن إسرائيل من أحفظ الناس في جده، وكان ملازماً لجده عشر سنوات، وهو الذي يذهب بجده ويجيء به، حتى قال الذهبي في السير: (كان عكاز جده)، يعني: مثل العصا لجده، فمثل هذا إنسان حافظٌ، وملازمٌ لجده يسمع منه كثيراً.
هذا يدل على أنه سمع هذا الحديث من جده موصولاً، فقبل العلماء زيادته. الزيادة لا تقبل على إطلاق ولا ترد على إطلاق.