دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو القعدة 1429هـ/6-11-2008م, 06:18 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب إزالة النجاسة (3/5)

27 - وعن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قالَتْ: كان رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ ثُمَّ يَخرُجُ إلَى الصلاةِ في ذلك الثوبِ، وأَنَا أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الغُسْلِ فيهِ. مُتَّفَقٌ عليهِ.
28 - ولمسلِمٍ: لقد كُنتُ أَفْرُكُهُ مِن ثوبِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ فَرْكًا، فيُصَلِّي فيه. وفي لفظٍ له: لقد كنتُ أَحُكُّهُ يابِسًا بظُفْرِي مِن ثَوْبِهِ.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 10:22 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

4/25- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ المَنِيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الغَسْلِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: "لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكاً، فَيُصَلِّي فِيهِ. وَفِي لَفْظٍ لَهُ: لَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ يَابِساً بِظُفْرِي مِنْ ثَوْبِهِ.
(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) هِيَ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أُمُّهَا أُمُّ رُومَانَ ابْنَةُ عَامِرٍ، خَطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، وَتَزَوَّجَهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ مِن النُّبُوَّةِ، وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأعْرَسَ بِهَا فِي المَدِينَةِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِن الهِجْرَةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وبَقِيَتْ معَه تِسْعَ سِنِينَ، وَمَاتَ عَنْهَا وَلَهَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الكِبَرِ في سنةِ وفاتِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ عنها، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْراً غَيْرَهَا.
وَاسْتَأْذَنَت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الكُنْيَةِ، فَقَالَ لَهَا: ((تَكَنَّى بِابْنِ أُخْتِك عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ)). وَكَانَتْ فَقِيهَةً، عَالِمَةً، فَصِيحَةً، فَاضِلَةً، كَثِيرَةَ الحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَارِفَةً بِأَيَّامِ العَرَبِ وَأَشْعَارِهَا.
رَوَى عَنْهَا جَمَاعَةٌ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، نَزَلَتْ بَرَاءَتُهَا مِن السَّمَاءِ بعَشْرِ آيَاتٍ في سُورَةِ النُّورِ، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا، وَدُفِنَ فِيهِ، وَمَاتَتْ بِالمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَدُفِنَتْ بِالبَقِيعِ وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ خَلِيفَةَ مَرْوَانَ فِي المَدِينَةِ.
(قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ المَنِيَّ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الغَسْلِ فِيهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَأَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ أَيْضاً مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ المَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي بَعْضِهَا: وَأَثَرُ الغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ المَاءِ.
وَفِي لَفْظٍ: فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلاةِ وَإِنَّ بُقَعَ المَاءِ فِي ثَوْبِهِ.
وَفِي لَفْظٍ: وَأَثَرُ الغَسْلِ فِيهِ بُقَعُ المَاءِ.
وَفِي لَفْظٍ: ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعاً.
إلَّا أَنَّهُ قَدْ قَالَ البَزَّارُ: إنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا مَدَارُهُ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ منْ عَائِشَةَ، وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ، وَرَدَّ مَا قَالَهُ البَزَّارُ بِأَنَّ تَصْحِيحَ البُخَارِيِّ لَهُ وَمُوَافَقَةَ مُسْلِمٍ لَهُ عَلَى تَصْحِيحِهِ مُفِيدٌ لِصِحَّةِ سَمَاعِ سُلَيْمَانَ مِنْ عَائِشَةَ، وَأَنَّ رَفْعَهُ صَحِيحٌ.
وَهَذَا الحَدِيثُ اسْتَدَلَّ به مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ المَنِيِّ، وَهُم الهَادَوِيَّةُ، وَالحَنَفِيَّةُ، وَمَالِكٌ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، قَالُوا: لِأَنَّ الغَسْلَ لا يَكُونُ إلَّا مِن نَجَسٍ، وَقِيَاساً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ فَضَلاتِ البَدَنِ المُسْتَقْذَرَةِ مِن البَوْلِ وَالغَائِطِ؛ لِانْصِبَابِ الجَمِيعِ إلَى مَقَرٍّ، وَانْحِلالِهَا عَن الغِذَاءِ، وَلِأَنَّ الأَحْدَاثَ المُوجِبَةَ لِلطَّهَارَةِ نَجِسَةٌ، وَالمَنِيُّ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُ يَجْرِي مِنْ مَجْرَى البَوْلِ فَتَعَيَّنَ غَسْلُهُ بِالمَاءِ كَغَيْرِهِ مِن النَّجَاسَاتِ.
وَتَأَوَّلُوا مَا يَأْتِي مِمَّا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: (وَلِمُسْلِمٍ) أَيْ عَنْ عَائِشَةَ، رِوَايَةٌ انْفَرَدَ بِلَفْظِهَا عَن البُخَارِيِّ، وَهِيَ قَوْلُه: (لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكاً) مَصْدَرٌ تَأْكِيدِيٌّ، يُقَرِّرُ: أَنَّهَا كَانَتْ تَفْرُكُهُ وَتَحُكُّهُ، وَالفَرْكُ: الدَّلْكُ. يُقَالُ: فَرَكَ الثَّوْبَ، إذَا دَلَّكَهُ. (فَيُصَلِّي فِيهِ).
(وَفِي لَفْظٍ لَهُ) أَيْ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ: (لَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ) أَي: المَنِيَّ حَالَ كَوْنِهِ (يَابِساً بِظُفْرِي مِنْ ثَوْبِهِ) اخْتَصَّ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِ رِوَايَةِ الفَرْكِ وَلَمْ يُخْرِجْهَا البُخَارِيُّ.
وَقَدْ رَوَى الحَتَّ وَالفَرْكَ أَيْضاً البَيْهَقِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
وَلَفْظُ البَيْهَقِيِّ: رُبَّمَا حَتَـتُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي.
وَلَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ وابنِ خُزَيْمَةَ: إنها كانَتْ تَحُتُّ المَنِيَّ مِن ثوبِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وهو يُصَلِّي.
ولفظُ ابْنِ حِبَّانَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُ المَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلِّي. رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالبَيْهَقِيِّ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ، فَقَالَ: ((إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ المُخَاطِ وَالبُصَاقِ وَالبُزَاقِ)). وَقَالَ: ((إنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ إِذْخِرَةٍ)). وَقَالَ البَيْهَقِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ: وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، عن ابْنِ أَبِي لَيْلَى، مَوْقُوفاً عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى.
فَالقَائِلُونَ بِنَجَاسَةِ المَنِيِّ تَأَوَّلُوا أَحَادِيثَ الفَرْكِ هَذِهِ بِأَنَّ المُرَادَ بِهِ الفَرْكُ مَعَ غَسْلِهِ بِالمَاءِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقَالَت الشَّافِعِيَّةُ: المَنِيُّ طَاهِرٌ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى طَهَارَتِهِ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ، قَالُوا: وَأَحَادِيثُ غَسْلِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ، وَلَيْسَ الغَسْلُ دَلِيلَ النَّجَاسَةِ، فَقَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ النَّظَافَةِ وَإِزَالَةِ الدَّرَنِ وَنَحْوِهِ؛ قَالُوا: وَتَشْبِيهُهُ بِالبُزَاقِ وَالمُخَاطِ دَلِيلُ على طَهَارَتِهِ أَيْضاً، وَالأَمْرُ بِمَسْحِهِ بِخِرْقَةٍ أَوْ إذْخِرَةٍ؛ لِأَجْلِ إزَالَةِ الدَّرَنِ المُسْتَكْرَهِ بَقَاؤُهُ فِي ثَوْبِ المُصَلِّي، وَلَوْ كَانَ نَجِساً لَمَا أَجْزَأَ مَسْحُهُ.
وَأَمَّا التَّشْبِيهُ لِلْمَنِيِّ بِالفَضَلاتِ المُسْتَقْذَرَةِ مِن البَوْلِ وَالغَائِطِ كَمَا قَالَهُ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ، فَلا قِيَاسَ مَعَ النَّصِّ.
قَالَ الأَوَّلُونَ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ فِي فَرْكِهِ وَحَتِّهِ إنَّمَا هِيَ فِي مَنِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَضَلاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاهِرَةٌ، فَلا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْ عَنْ فَرْكِ المَنِيِّ مِنْ ثَوْبِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَنْ جِمَاعٍ وَقَدْ خَالَطَهُ مَنِيُّ المَرْأَةِ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ مَنِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، وَالِاحْتِلامُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِم الصَّلاةُ وَالسَّلامُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَلاعُبِ الشَّيْطَانِ، وَلا سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ؛ وَلَئِنْ قِيلَ: إنَّهُ يجوزُ أنه مَنِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ مِنْ فَيْضِ الشَّهْوَةِ بَعْدَ تَقَدُّمِ أَسْبَابِ خُرُوجِهِ مِنْ مُلاعَبَةٍ وَنَحْوِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِطْهُ غَيْرُهُ- فَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَلا دَلِيلَ مَعَ الِاحْتِمَالِ.
وَذَهَبَت الحَنَفِيَّةُ إلَى نَجَاسَةِ المَنِيِّ كَغَيْرِهِمْ، وَلَكِنْ قَالُوا: يُطَهِّرُهُ الغَسْلُ أَو الفَرْكُ أَو الإِزَالَةُ بِالإِذْخِرِ أَو الخِرْقَةِ؛ عَمَلاً بِالحَدِيثَيْنِ، وَبَيْنَ الفَرِيقَيْنِ - القَائِلِينَ بِالنَّجَاسَةِ وَالقَائِلِينَ بِالطَّهَارَةِ - مُجَادَلاتٌ وَمُنَاظَرَاتٌ وَاسْتِدْلالاتٌ طَوِيلَةٌ اسْتَوْفَيْنَاهَا فِي حَوَاشِي (شَرْحُ العُمْدَةِ).


  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 10:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

25 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكاً فَيُصَلِّي فِيهِ.
وَفِي لَفْظٍ لَهُ: لَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ يَابِساً بِظُفْرِي مِنْ ثَوْبِهِ.
مفرداتُ الحديثِ:
- المَنِيَّ: هو سائلٌ أبيضُ غليظٌ، تَسْبَحُ فيه الحيواناتُ المَنَوِيَّةُ، مَنْشَؤُه إفرازاتُ الخِصْيَتَيْنِ.
- أَفْرُكُهُ: بضمِّ الراءِ، الفَرْكُ: هو الدَّلْكُ والحَكُّ، يُقالُ: فَرَكَ الثوبَ ونحوَه: حَكَّه حتى يَتَفَتَّتَ ما عَلِقَ به.
- فَرْكاً: مصدرٌ، معناه تأكيدُ حقيقةِ الشيءِ، ونفيُ المجازِ، قالَ النَّحَّاسُ: أَجْمَعَ النَّحْوِيُّونَ على أَنَّكَ إذَا أَكَّدْتَ الفعلَ بالمصدرِ لم يَكُنْ مجازاً.
- بِظُفْرِي: بضمِّ الظاءِ وسكونِ الفاءِ، مادَّةٌ قَرْنِيَّةٌ في أطرافِ الأصابعِ، جمعُه: أظافرُ وأظفارٌ وأظافيرُ.
- أَثَرِ الْغَسْلِ: بفتحِ الهمزةِ وبفتحِ الثاءِ، والأثرُ: بقيَّةُ الشيءِ.
- يَابِساً: يَبِسَ يَيْبَسُ يَبَساً، مِن بابِ تَعِبَ، جَفَّ بعدَ رطوبتِه فهو يابسٌ، و"يابساً" حالٌ من المفعولِ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- أنَّ سُنَّةَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي الاقتصارُ على فَرْكِ المَنِيِّ إنْ كانَ يابساً، وغَسْلِه إنْ كانَ رَطْباً.
2- طهارةُ منِيِّ الآدَمِيِّ؛ فإنَّ اقتصارَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حَكِّه دونَ غَسْلِه دليلٌ على طهارتِه، كما أنَّ تَرْكَه المنيَّ في ثوبِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يَيْبَسَ – معَ أنَّ المعروفَ من هديِه المبادرةُ بغَسْلِ النجاساتِ وإزالتِها – دليلٌ على طهارتِه أيضاً.
3- الاستحبابُ في غَسْلِ المنيِّ، سواءٌ كانَ رَطْباً أو يابساً؛ لأجلِ كمالِ النظافةِ، كما يُغْسَلُ المُخاطُ ونحوُه من الطاهراتِ.
4- عَدَمُ تَوَقِّي مثلِ هذه الفضلاتِ التي لَيْسَتْ بنَجِسَةٍ، وجوازُ بقائِها في البَدَنِ أو الثوبِ أو غيرِهما؛ أخذاً مِن بقاءِ المنيِّ في ثوبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يَيْبَسَ.
5- ما كانَ عليه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن التقَلُّلِ من الحياةِ الدنيا ومتاعِها؛ إذ إنَّ ثوبَ نومِه هو ثوبُ صلاتِه وخروجِه، وذلك كلُّه إرشادٌ للأمَّةِ بعدمِ المغالاةِ فيها، والرغبةِ فيما عندَ اللَّهِ تعالى مِن جَزيلِ ثوابِه وعطائِه.
6- خدمةُ المرأةِ زوجَها، وقِيامُها بخدمةِ بيتِه، والقيامُ بما يَجِبُ له حَسَبَ ما جَرَتْ به العادةُ؛ فإنَّ هذا من العِشْرَةِ الحسنَةِ للزوْجِ.
7- أنَّ الخروجَ على الناسِ معَ وجودِ آثارِ الأمورِ العاديَّةِ؛ من الأكلِ والشربِ والجِماعِ لا يُعْتَبَرُ إخلالاً بفضيلةِ خَصْلَةِ الحَياءِ.
8- أنَّ المرأةَ الصالحةَ المتحبِّبَةَ إلى زوجِها لا تَأْنَفُ ولا تَتَرَفَّعُ عن مثلِ هذه الأعمالِ؛ من إزالةِ الأوساخِ والفضلاتِ من ثوبِ أو بدنِ زوجِها؛ لما تَعْلَمُه من عِظَمِ قَدْرِ حقِّ زوجِها عليها.
9- قالَ ابنُ المُلَقِّنِ في شرحِ العُمْدَةِ: اسْتَدَلَّ جماعةٌ بهذا الحديثِ – حديثِ عائشةَ – على طهارةِ رطوبةِ فَرْجِ المرأةِ، وهو الأصحُّ عندَنا – الشَّافِعِيَّةَ –. وقالَ في المُغْنِي: في رطوبةِ فَرْجِ المرأةِ روايتانِ:
أحدُهما: نجاستُه؛ لأنه بَلَلٌ في الفَرْجِ لا يُخْلَقُ منه الولدُ؛ لذا أَشْبَهَ المَذْيَ.
الثانيةُ: طهارتُه؛ لأننا لو حَكَمْنَا بنجاستِه لحَكَمْنَا بنجاسةِ مَنِيِّها.
وقالَ في الإنصافِ: وفي رطوبةِ فرْجِ المرأةِ روايتانِ؛ إحداهما: طاهرٌ، وهذا هو الصحيحُ مِن المذهبِ.
فائدةٌ:
قالَ الزَّرْكَشِيُّ: الخارجُ من الإنسانِ ثلاثةُ أقسامٍ:
أحدُها: طاهرٌ بلا نِزاعٍ: وهو الدمعُ والرِّيقُ والمُخاطُ والبُصاقُ والعَرَقُ.
الثاني: نَجِسٌ بلا نِزاعٍ، وهو الغائطُ والبوْلُ والوَدْيُ والمَذْيُ والدَّمُ.
الثالثُ: مُخْتَلَفٌ فيه، وهو المَنِيُّ، وسببُ الاختلافِ هو تَرَدُّدُه في مَجْرَى البوْلِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ: المَنِيُّ طاهرٌ، وكونُ عائِشَةَ تارَةً تَغْسِلُه مِن ثوبِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتارَةً تَفْرُكُه لا يَقْتَضِي تَنْجِيسَه؛ فإنَّ الثوبَ يُغْسَلُ مِن المُخاطِ والوَسَخِ.
وهذا قولُ غيرِ واحدٍ من الصحابةِ، وهو المشهورُ من مذهبِ الإمامِ أَحْمَدَ رَحِمَه اللَّهُ تعالى.
خِلافُ العلماءِ:
ذهَبَ الحَنَفِيَّةُ والمَالِكيَّةُ إلى أنَّ المَنِيَّ نَجِسٌ، واسْتَدَلُّوا على ذلكَ بأمورٍ:
أولاً: أحاديثُ غَسْلِه من ثوبِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والغَسْلُ لا يكونُ إلاَّ مِن نجاسةٍ.
ثانياً: أنه يَخْرُجُ مِن مَجْرَى البوْلِ، فيَتَعَيَّنُ غَسْلُه بالماءِ كغيرِه من النجاساتِ.
ثالثاً: قِياسُه على غيرِه من فضلاتِ البدَنِ المُسْتَقْذَرَةِ؛ من البوْلِ والغائطِ؛ لأنها كلَّها مُتَحَلِّلَةٌ مِن الغِذاءِ.
رابعاً: لا مانِعَ أنْ يكونَ أصلُ الإنسانِ، وهو المنيُّ، نَجِساً؛ إذ مَن مَنَعَ ذلكَ يقولُ بنجاسةِ العَلَقَةِ؛ لأنها دمٌ، وهو نَجِسٌ، وهي أصلٌ للإنسانِ أيضاً.
خامساً: ليسَ في أحاديثِ فركِ المنيِّ دليلٌ على طهارتِه؛ فقد يَجُوزُ أنْ يكونَ الفركُ هو المطهِّرَ للثوبِ، والمنيُّ في نفسِه نَجِسٌ، كما قد رُوِيَ فيما أصابَ النعلَ من الأذَى فطُهُورُهما الترابُ، فكانَ ذلك الترابُ يُجْزِئُ من غَسْلِهما، وليسَ في ذلكَ دليلٌ على طهارةِ الأذَى في نفسِه.
وأيضاً: لو كانَ المنيُّ طاهراً فلماذا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفَرْكِه، فلو كانَ طاهراً لجَازَتِ الصلاةُ به دونَ فَرْكِه. انْتَهَى مُلَخَّصاً مِن شرحِ معاني الآثارِ للطَّحَاوِيِّ.
وذَهَبَ الإمامُ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ إلى أنه طاهرٌ، ليسَ بنَجِسٍ، وقالوا: إنه لا يَزِيدُ وَساخةً على المُخاطِ والبُصاقِ. واسْتَدَلُّوا على ذلك بأمورٍ:
أولاً: أحاديثُ فَرْكِه من ثوبِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحَتِّه من دونِ غسلٍ، وهذا أكبرُ دليلٍ على طهارتِه، ولو كانَ نَجِساً لم يَكْفِ فيه ذلك.
ثانياً: أن هذا أصلُ خَلْقِ الإنسانِ الطاهرِ الذي كَرَّمَه اللَّهُ، فكيفَ يكونُ أصلُه النجاسةَ؟! وأمَّا غَسْلُه بعضَ الأحيانِ من ثوبِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يَدُلُّ على النجاسةِ؛ وإنما لأجلِ النظافةِ، كما تُزالُ البَصْقَةُ والمُخاطُ.
ثالثاً: عَدَمُ مبادرةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى إزالتِه وتَرْكُه حتى يَيْبَسَ دليلٌ على طهارتِه؛ ذلك أن المعروفَ مِن هَدْيِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المبادرةُ في إزالةِ النجاسةِ، كما أَمَرَ الصحابةَ بغَسْلِ بولِ الأعرابيِّ الذي بالَ في المسجِدِ، وكما بادَرَ بغسْلِ ثوبِه من بولِ الغلامِ الذي بالَ في حِجْرِه، وغيرِ ذلكَ مِن الجُزْئِيَّاتِ.
والرَّاجِحُ: ما ذَهَبَ إليه الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ، رَحِمَهما اللَّهُ تعالى.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, إزالة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:58 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir